أسباب ورود الحديث

‘);
}

أسباب ورود الحديث

يُعدُّ علم أسباب ورود الأحاديث من العُلوم التي لم يتعرّض لها القُدماء من المُحدّثين، وكان أوّل من نبّه إلى هذا العلم الحافظ البلقيني في كتابه “محاسن الاصطلاح وتضمين كلام ابن الصّلاح”، وشرح فيه مُقدمة ابن الصّلاح وذكر بعض الأنواع زيادةً عليها، ثُمّ جاء بعد ذلك ابنُ حجر والسّيوطيّ، وذكروا بعضاً من ذلك، وقد اشتُهر هذا العلم في القُرآن الكريم بسبب وُجود بعض الآيات التي لها سببُ نُزول،[١] وعليه فيكون تعريف أسباب ورود الحديث أنّه العلم الذي يبحث في الأسباب التي دعت النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام- إلى ذكره للحديث،[٢] فقد يكون السّبب سؤالاً، أو حادثة، أو قصّة.[١]

وأمّا ما يذكرهُ الصحابيّ بعد ذلك استشهاداً أو استدلالاً بالحديث؛ فإنّه يُسمّى سببُ ذِكر، فيُقال: والسّبب في ذكر الصّحابي -رضي الله عنه- الحديث هو كذا، ومن الأمثلة على سبب ورود الحيث قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (فاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَن أغْضَبَها أغْضَبَنِي)؛[٣] فكان سبب ورود الحديث؛ خِطبة علي -رضيَ الله عنه- ابنة أبي جهل على فاطمة -رضيَ الله عنها-، وذكره الصّحابة فيما بعد تسليةً لآل البيت -رضي الله عنهم- لمّا مرّوا بالشّدائد.[١] ويُعدُّ علم أسباب ورود الحديث من الطُّرق القويّة لِفهم الحديث.[٤] وأسباب ورود الحديث قد تُذكر في الحديث نفسه وقد لا تُذكر، وبيان ذلك فيما يأتي:[١]

  • القسم الأوّل: ورود السّبب في نفس الحديث، كأن يكون جواباً على سؤال، كسؤال جبريل -عليه السّلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان، فعن أبي هريرة -رضيَ الله عنه- قال: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ فَقالَ: ما الإيمَانُ؟ قالَ: الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ، وكُتُبِهِ، وبِلِقَائِهِ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ. قالَ: ما الإسْلَامُ؟ قالَ: الإسْلَامُ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، ولَا تُشْرِكَ به شيئًا، وتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وتَصُومَ رَمَضَانَ. قالَ: ما الإحْسَانُ؟ قالَ: أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ)،[٥] وكذلك سؤال شخص للنبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- عن أفضل الأعمال، فأجابه النبيّ -عليه السّلام-: (قالَ: الإيمانُ باللَّهِ والْجِهادُ في سَبيلِهِ).[٦]
  • القسم الثانيّ: عدم ورود السّبب في نفس الحديث، ولكنّه قد يُذكر في بعض طُرقه، وهذا النّوع يُستفاد منه في استخراج الفقه من الحديث، كقول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (فإنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ المَرْءِ في بَيْتِهِ إلَّا المَكْتُوبَةَ)،[٧] وذُكر السّبب في ورود الحديث في حديثٍ آخر، وهو قول النبيّ -عليه الصّلاةُ والسّلام-: (ألا ترى إلى بيتي ما أقربَه من المسجدِ! فلأنْ أُصلِّي في بيتي أحبُّ إليَّ من أن أُصلِّيَ في المسجدِ، إلا أن تكون صلاةً مكتوبةً).[٨]