أفلام وثائقية ترصد لحظات الحرب والانتصار القاهرة ـ «القدس العربي»

القاهرة ـ «القدس العربي»: قام مركز الثقافة السينمائية في القاهرة ــ التابع للمركز القومي للسينما ــ طوال هذا الشهر بتقديم أفلام وثائقية تتناول حرب أكتوبر وأبطالها من الجنود، هذه الأعمال التي قام بها العديد من مخرجي السينما الوثائقية الكبار مثل سمير عوف، أحمد راشد، سعيد شيمي، خيري بشارة، محمد قناوي، وعبد القادر التلمساني. ومن خلال الفيلم الوثائقي يبدو الفارق الهائل بين ما قدمته السينما الوثائقية، وبين الدعاية الرثة التي قامت بها السينما الروائية عند تقديمها حرب أكتوبر، التي لم تصل إلى المستوى المرجو لمثل هذا الحدث المهم في تاريخ المصريين. ومن الأفلام الوثائقية التي تم عرضها (أبطال من مصر إخراج أحمد راشد)، (حكاية من زمن جميل لسعيد شيمي)، (رجال خلف المقاتلين لمحمد قناوي)، (مسافر إلى الشمال .. مسافر إلى الجنوب لسميرعوف)، (نهاية بارليف لعبد القادر التلمساني)، و(صائد الدبابات لخيري بشارة). ورغم وجود مواد أرشيفية مُصوّرة، إلا أن صُنّاع الأفلام بحثوا عن معالجات أكثر جمالية من مجرد الاعتماد على لقطات أرشيفية جاهزة، في محاولة للوصول إلى طبيعة الروح المصرية، من خلال جنود وشهداء الحرب وأسرهم في القرى البعيدة والمجهولة، التي تمثل أغلبية الشعب المصري. ونحاول استعراض بعض هذه الأفلام واتجاهاتها الجمالية المختلفة وكذلك وجهات النظر التي تناولت حياة هؤلاء ولحظاتها الفارقة في الزمن والتاريخ.

أفلام وثائقية ترصد لحظات الحرب والانتصار القاهرة ـ «القدس العربي»

[wpcc-script type=”126acd8be70e52ed6d08395b-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: قام مركز الثقافة السينمائية في القاهرة ــ التابع للمركز القومي للسينما ــ طوال هذا الشهر بتقديم أفلام وثائقية تتناول حرب أكتوبر وأبطالها من الجنود، هذه الأعمال التي قام بها العديد من مخرجي السينما الوثائقية الكبار مثل سمير عوف، أحمد راشد، سعيد شيمي، خيري بشارة، محمد قناوي، وعبد القادر التلمساني. ومن خلال الفيلم الوثائقي يبدو الفارق الهائل بين ما قدمته السينما الوثائقية، وبين الدعاية الرثة التي قامت بها السينما الروائية عند تقديمها حرب أكتوبر، التي لم تصل إلى المستوى المرجو لمثل هذا الحدث المهم في تاريخ المصريين. ومن الأفلام الوثائقية التي تم عرضها (أبطال من مصر إخراج أحمد راشد)، (حكاية من زمن جميل لسعيد شيمي)، (رجال خلف المقاتلين لمحمد قناوي)، (مسافر إلى الشمال .. مسافر إلى الجنوب لسميرعوف)، (نهاية بارليف لعبد القادر التلمساني)، و(صائد الدبابات لخيري بشارة). ورغم وجود مواد أرشيفية مُصوّرة، إلا أن صُنّاع الأفلام بحثوا عن معالجات أكثر جمالية من مجرد الاعتماد على لقطات أرشيفية جاهزة، في محاولة للوصول إلى طبيعة الروح المصرية، من خلال جنود وشهداء الحرب وأسرهم في القرى البعيدة والمجهولة، التي تمثل أغلبية الشعب المصري. ونحاول استعراض بعض هذه الأفلام واتجاهاتها الجمالية المختلفة وكذلك وجهات النظر التي تناولت حياة هؤلاء ولحظاتها الفارقة في الزمن والتاريخ.

أبطال من مصر

يتعرض أحمد راشد في فيلمه «أبطال من مصر» إلى حالة الشهيد فتحي عبادة النقيب بسلاح المدفعية ــ استشهد بسيناء فى 21/11/1973 ــ أحد أهالي قرية نائية بمحافظة بني سويف الواقعة جنوب مصر، والحاصل على بكالوريوس التجارة بتقدير جيد جداً من جامعة عين شمس، هذا الشاب الذي قامت أسرته كبيرة العدد ببيع بعض من قليل تمتلكه حتى يستكمل تعليمه الجامعي. يبدأ الفيلم بأحد الضباط القاهريين، الذي يتحدث عن أحوال الحرب ولحظات الانتصار، وهو يُمسك بطفله ويتجول بين الدبابات والمدرعات الإسرائيلية المتخلفة عن المعركة، ليبدأ خط السرد معه، عند زيارته لمقابر الشهداء، ويتوقف عند قبر الشهيد فتحي عبادة، لينتقل الحدث إلى القرية البعيدة في الجنوب، لنطالع الأب، الذي يعمل رئيساً لعمال الطرق، والأم التي تعمل لتساعد في إعالة الأسرة.
الجميع يشعرون بالفخر والأسى لابنهم، الذي قدم روحه طواعية لهذا الوطن، يبدو هذا في خطاباته التي يقرأ منها الأب، الشاب الحي الذي لم تزل كُتبه الدراسية مكانها، وكأنه بينهم في كل لحظة. يكسر المخرج إيقاع التماهي التام مع الحدث، ليبدو وهو يُحادث بعض أصدقاء وأخوة عبادة، إضافة إلى لقطات لوصول طاقم الفيلم إلى القرية، لنسمع طفلا يسأل.. «انتوا اللي هتيجيبوا لنا الكهربا؟»، لنكشف مدى ما تعانيه هذه القرية ومثلها معظم قرى مصر من سوء الحال والأحوال. كما اعتمد المخرج أسلوباً شاعرياً للتعامل مع الحدث، ومحاولة الاقتراب من روح الفلاح المصري المتمثل في الشهيد وأسرته، وكأن الزمن توقف عند عصر قديم، فالأسرة كما هي، وكما نطالعها في رسومات المصري القديم، من رجل وامرأة يواصلان الكفاح حتى النفس الأخير، أجساد هزيلة، وملامح عاركت الزمن من دون أن تستسلم، وكما قدمت ابنها من قبل، لا تتورع في الفداء بآخر ــ الأخ الأصغر في مرحلة التجنيد وقت صنع الفيلم ــ لينتهي الفيلم بتوديع أسرته له، ليغيب وسط الحقول. ولن تفارقنا كلمات الأم الباكية بمدى إيمانها بقضاء خالقها، ولكن الفراق صعب.

مسافر إلى الشمال… مسافر إلى الجنوب

يرى سمير عوف كاتب سيناريو ومخرج فيلم «مسافر إلى الشمال.. مسافر إلى الجنوب» الأمر بصورة مختلفة تماماً، فالمعارك مستمرة وممتدة من قديم، قِدم الحضارة المصرية ذاتها، ليعقد مقارنة دائمة متوازنة بين شخصين.. أحدهما فاروق مهندس مقاتل خريج هندسة القاهرة عام 1972، الذي عمل أثناء الحرب ضمن عمليه نَصب الكباري المائية تمهيداً للعبور، والآخر أحمد عفت خريج هندسة عين شمس في العام نفسه، ويعمل بمشروع إنقاذ معبد (فيله) بأسوان من الغرق. كل منهما يحاول الحفاظ على هذا الوطن وهويته التي تكاد تضيع، فبينما يقوم فاروق ورفاقه بتركيب الجسر المائي، هذه العملية المُعقدة، التي لولاها ما حدث العبور الفعلي، يحاول عفت والعمال انتشال المعبد من الغرق، هذا التاريخ الذي على حافة الضياع. عملية الإنقاذ هذه يقدمها سمير عوف في لغة سينمائية راقية جداً، من لقطات قريبة للوجوه، وأيديهم التي تعمل، ولقطات كبيرة للآلات والمكان وطبيعته. ورغم الصنعة في حالة فاروق، حيث أن حدث الحرب انتهى، ويتم الآن ــ وقت الفيلم ــ إعادة تجسيد نصب هذه الكباري، ودور بطل الفيلم في ما حدث، ويتزامن ذلك مع حدث آني ــ وقت الفيلم ــ في حالة مهندس إنقاذ المعبد. وما بين الحالتين يربط المخرج بين حدثين يمتد بهما التاريخ، ليؤكد حالة المصري المستمرة في ما يمكنه فعله، وأن النسيان (التاريخ) هو الهزيمة المُحققة، التي لا سبيل لتداركها. لم يستخدم عوف سوى المؤثرات الصوتية للمكان، سواء في قناة السويس أو أسوان، فلا توجد جُملة حوارية واحدة، وهو تكثيف لعناصر السينما في حدها الأقصى، ما بين اللقطات والمونتاج المتوازن والدافع للحدث في توتر درامي متميز ــ قامت بالمونتاج رحمة منتصر ــ وينتهي الفيلم بانتهاء نصب الكوبري المائي تماماً، وبداية خطوة أول دبابة فوقه للعبور نحو الضفة الأخرى، تزامناً مع عملية إنقاذ المعبد المُستمرة، في لقطة بعيدة ليبدو وسط بحيرة الماء التي تحيطه من كل جانب.

صائد الدبابات

يقدم خيري بشاره بطله الأثير عبد العاطي الشهير بـ (صائد الدبابات) في فيلم يحمل اسم شهرته ــ اتخذ بشاره اسم عبد العاطي في فيلمه الروائي «العوامة 70» كحالة المواطن المصري الذي يحارب الأعداء الجدد في الداخل ــ وعبد العاطي من مواليد عام 1950، بإحدى قرى محافظة الشرقية شمال مصر، الذي التحق بجبهة القتال بعد حصوله على دبلوم الزراعة عام 1969، أصغر أفراد أسرته. والذي قام بمفرده بالقضاء على (23) دبابة أثناء الحرب، ونال وسام «نجمة سيناء» أعلى وسام عسكري. حاول بشارة من خلال حكاية عبد العاطي أن يُعبّر عن الكل، وإن كان الفيلم يحمل اسمه، إلا أن بطولة الآخرين لم تختف من الفيلم، فهناك العديد من الأبطال، الذين قاموا بتحطيم الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية، وقد ذكرهم الفيلم، مثل المقاتلين بيومي، وعوض. يوازي الفيلم بين عالم قرية عبد العاطي، واللون الأخضر المُمتد، وبين رمال الصحراء والجو الخانق بشمسه المُحرِقة، فبينما يجلس عبد العاطي بين رفاق القرية على المقهى، يبدو وسط رفاق القتال في المواقع نفسها التي سجّل بها انتصاراته، ويتذكّر… مكان وجوده، واتجاه الهجوم، وتنفيذه لمهمته هو والجنود. يحاول بشارة بث الحياة من خلال حكايات صاحب نجمة سيناء، ولقطات تصور حياة القرية، هذا الهدوء وهذه الوجوه التي ربما لا تحمل قوة القتال في ملامحها، لكن روحها أقوى وأبقى … عجائز يغزلن، أطفال يلعبون في أرجوحة يدوية بسيطة، القدرة على العيش، رغم الظروف بالغة الصعوبة. وتأتي المقابلة بين حدث انتهى وآخر سيبدأ في حياة بطل الفيلم .. صمت الصحراء والرمال التي تكاد تبتلع مخلفات الجنود من علب تبغ وقصاصات صحف عبرية، وبين فتاة شابة ــ خطيبة عبد العاطي وابنه عمه ــ تقوم بفتح نوافذ البيت، ليدخل ضوء النهار، وأصوات الصباح وسط مشهد يحيطه اللون الأخضر من جميع الجهات، وصولاً إلى عبد العاطي وهو يفتح نوافذ شقة الزواج ويطل من الشرفة على الحقول الخضراء والمستقبل. هكذا قام بشارة ببناء عمله الدرامي، أملاً في مستقبل يليق بهؤلاء، ولكن هل بالفعل تحقق ذلك؟!

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *