عزيزة علي

عمان- أقامت وزارة الثقافة أمسية استذكارية تأبينية لـ “عاشق الصحراء” الزميل الراحل جهاد جبارة، وذلك في المركز الثقافي الملكي أول من أمس، شارك فيها إلى جانب الزملاء من الصحفيين، عدد من أصدقاء وعائلة الراحل وجمهوره.
شارك في التأبين وزير الثقافة د. باسم الطويسي، ووزير الثقافة الأسبق صلاح جرار، ووزير دولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة، ود. نزار حداد، والزميل خالد القضاة، الذي ألقى كلمة المؤسسة الصحفية الأردنية الرأي، واحمد الفقير، وعيسى جبارة نجل الراحل، وأداره الزميل الإعلامي صدام المجالي.
وتضمن برنامج التأبين عرض الفيلم من إنتاج وزارة الثقافة بعنوان “صقر الصحراء.. جهاد جبارة”، الذي كتبه أحمد الطراونة، وصوت دلال فياض، ومتابعة إبراهيم العامري وإشراف احمد العون، وإخراج رمضان الفيومي واسحق ياسين.
وزير الثقافة الطويسي قال: فقيدنا جبارة صاحب مسيرة غنية بالمنجزات الثقافية والإعلامية والترحال والتوثيق، فهو نموذجا من نماذج العمل الثقافي المرتبط بالأرض والإنسان، المخلص للمجتمع وتراثه العميق، والذي يشكل بكل وضوح تجليات الهوية الثقافية الأردنية ونسيجها، لافتا إلى أن الجغرافية الأردنية أبهرت ذلك المبدع، وابهرنا بما كتب وصور من جماليات هذه الجغرافيا وخصال أبنائها الطيبين.
ورأى الطويسي أن جبارة قدم مساهمة معرفية حاسمة ومهمة في إعادة اكتشاف الصحراء والبادية الأردنية، عبر إضافات غير مسبوقة سواء في اكتشافاته لمواقع جغرافية فريدة ونادرة أضفت المزيد من الهيبة والوقار على الجغرافية الأردنية، وأكدت المكانة المركزية لهذه الجغرافية، المتمثلة في الأودية والتلال والسهوب والبوادي الواسعة أو بتوثيق عشرات المواقع الصحراوية والبركانية والبازلت الأسود كما هو الحال في توثيق ووصف الطيور والحيوانات البرية ونباتات الصحراء، هذه الإضافات المعرفية التي لا تقدر بثمن نحن بأمس الحاجة اليوم إلى تقديمها إلى المجتمع الأردني والى الأجيال الشابة.
وقال الوزير نحن بحاجة إلى البناء فوق التأسيس الذي وضعه جبارة حينما ملأ المكان الأردني بالمعرفة والعاطفة، فقد انعكست أعماله في وعي جديد ومعرفة نوعية ومختلفة، تنبه جيدا للقيم الثقافية للصحراء الأردنية وتلح علينا باكتشافها، وعلى هذا الأساس أعلنت وزارة الثقافة هذا العام اختيار لوائي البادية الشماليّة الشرقيّة والقويرة، بالإضافة إلى لواء الهاشميّة، مُدنا للثقافة الأردنية وهي أماكن لا تعكس وهج شمس الصحراء وحسب بل تفيض بعبق الروح الأردنية الممتدة عبر فضاء الصحراء.
من جانبه ذكر وزير الثقافة الأسبق د. صلاح جرار مناقب الراحل قائلا: لقد كان جهاد نبيلا عذب المحضر جميل المعشر نقي المخبر، وقد كنت من محبي برنامجه التلفزيوني الصباحي الذي كان يسلط الضوء فيه على جمال الوطن ويكشف عن أسراره، وكنت أتابع ما يكتب في الصحافة من مقالات وما ينشر من صور ولقطات بديعة وأخاذة، وكنت حريصا أن يقيم معرضا للوحاته في الجامعة الأردنية حيث حقق المعرض نجاحا باهرا.
وأضاف جرار: لقد رافقت الراحل إلى الصحراء مع بعض الأصدقاء فوجدته مغامرا ورحالة ومستكشفا وباحثا وعاشقا للصحراء بكل ما فيها من قصص وأساطير، كان يريد أن يخلد كل شيء بالصورة، وقد وصلنا معه في إحدى الرحلات إلى قصر برقع وقد هبت رياح شديدة اقتلعت خيمتنا ورغم ذلك أصر على الوصول للقصر في اليوم التالي، فعرفت انه رجل يعرف في الصحراء ويعرف كيف يتعامل معها، كان شغوفا بالارتحال، يتأمل كثيرا، وقد تحقق له بعض شغفه.
فيما ألقى الزميل خالد القضاة كلمة المؤسسة الصحفية الأردنية، قال: كان جبارة، فارسا نبيلا بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، وبكل ما تتسع اللغة من مفردات. وكان يعتبر الرأي بيته الدافئ وأسرته التي يحيطها بالمحبة وتظلله بالود، مبينا انه كان باحثا بالمعنى الذي يعشق فيه تراب الوطن، وكاتبا بالطريقة التي ينسج فيها الحروف عباءة لتأصيل المعلومة التي ينبشُ عنها في الفيافي، ومصورا يرسم الحياة بكل أبعادها على امتداد الوطن، وقبل ذلك كان إنسانا يفيض بالمحبة التي تملا قلبه ووجدانه للتراث والحضارة التي صنعتها الصحراء وأغمضت عليها حبات الرمل.
ورأى القضاة ان جبارة كان عاشقا، وللعاشق طقوس لا نعرف سرها، ولكنه فاض بها في كتابيه “صهيل الصحراء” في جزئيه الذي صدر عن الرأي، وحمل في طياته رسائل الحب للمكان البكر، وفي كتابه “وجوه الطين” رسم الحكاية بين الصورة والحرف. وكان صديقا للصحراء، بدويا يتفلت من ضجيج المدينة إلى ما يتيح له البوح في فضاء الحرية، وكان حرا، بسيطا كعشب البادية، ولكنه في الوقت كان حادا كبصر الصقر حينما يكتشف في بطن الصحراء ما ينبش عن تاريخها، فيتبع الأثر ولو كان فيه ما يعرض حياته للخطر، وكثيرا ما تعرض له، فمشى على الحافة كما كانت حياته، مسيرا على الحافة، وكان بما يسطر على صفحات الرأي، لا يقدم أخبارا ومعلومات وحكايات، بل يدون رسائل حب يترنم بها القارئ مع صباحات الوطن كل يوم.
مدير عام المركز الوطني للبحوث الزراعية د. نزار حداد قال جبارة كان يجالد صخور الحرة ليكشف لنا عن كنوزها من نقوش لرسوم ونصوص تم خطها بالحروف الصفوية تارة والثمودية تارة أخرى، نقوش اكتشفها راحلنا قبل علماء الآثار ووثقها بصيد عدسته مستنطقاً لها ولرماد نيران الصفويين والثموديين ووقع حوافر خيولهم، متنسما هيل قهوتهم.
وأضاف حداد: فارس الصحراء استنطق صخورها التي داعبتها حبيبات التراب والرماد وقهوة جفت في حلق الصحراء لتشكلها على هيبة رأس النسر مرة وعلى شكل فطر وآخر كروي، ولم يترك صخرة إلا وقلّبها بيديه علّها تخفي خلفها سراً ليدفعها للبوح به.
بينما أحمد الفقير (رفيق الراحل في الصحراء)، قال: نستذكر اليوم علما من أعلام الفكر، وصقرا من صقور الصحراء الأديب الإعلامي جهاد جبارة حيث العطاء المستمر، والتنوع العلمي، والتجسيد السلوكي لما يحمل من فكر، وتدويره من عالم العقل والبحث إلى عالم الاكتشاف.
وأوضح الفقير، عرفت جبارة ورافقته في عدة زيارات للصحراء وكانت تلك الزيارات من أجمل اللحظات التي كان يعيشها الراحل حيث وجدت فيه الوفاء للأرض وأهلها، وأقام صداقات مع كل شيء فيها، وكشف اللثام عن شجرة البقيعاوية التي كانت منسية منذ زمن بعيد. لافتا إلى أن جبارة يذكرنا بالأوائل من المستكشفين، والذين لا تنتهي حياتهم لمُجرّد أنهم رحلوا، وإنما تستمر ببقاء ما قدموا وأنجزوا.
قرأت ابنة الراحل سما جبارة رسالة من شقيقتها، عبير عيسى جبارة، وشكر نجل الفقيد الحضور والقائمين على الحفل، وقال: هذه رسالة وليست بمرثية، لأن التاريخ لا يرثى يا والدي ولكنه يخلد، رسالة من والدي لكل فرد منكم، يقدم له الشكر الجزيل شخصيا، ولكل من كان بجانب العائلة أثناء المصاب الذي حل بها، ويعظم الشكر لزوجته ورفيقة دربه التي ما كلت طوال ثلاث سنين ونيف من مراعاته والتضرع إلى الله بأن يشفيه.
وجال الحضور برفقة وزير الثقافة في معرض خاص لصور الراحل جبارة، في قاعة فخر النسا زيد، حيث تحدث الزميل محمد القرالة معلقا على الصور.