هآرتس

ينيف كوفوفيتش

23/8/2020

في الأسابيع الأخيرة نقلت إسرائيل وحماس رسائل مضمونها: عودة جولات القتال على الأبواب. حماس تدلل على ذلك لقطر ومصر من خلال إشعال النار في حقول غلاف غزة وإطلاق الصواريخ على المستوطنات في المنطقة الجنوبية. وردا على ذلك تقوم إسرائيل بمهاجمة أهداف لحماس في القطاع من اجل اظهار أنها لن تتجاوز هذا الأمر بصمت. في أجهزة الأمن يدركون أن الدول الوسيطة يمكنها منع التصعيد، لكنهم يقدرون بأنهم لن يحصلوا على مساعدة كبيرة من المستوى السياسي لأن الكورونا والأزمة الاقتصادية تشغلهم أكثر في هذه الأثناء. لذلك، الجيش الإسرائيلي هو الجهة الاساسية التي تعالج هذا الامر.
في هذا الاسبوع وصلت الى غزة بعثة من كبار رجال المخابرات المصرية، وتحدثوا مع قيادة حماس، بعد التحدث مع جهات في إسرائيل. في نهاية اللقاء لم توضح البعثة اذا تم التوصل الى تفاهمات بين الطرفين أو التوصل الى تعهد بالعودة الى التسوية التي سادت في الاشهر الاخيرة. عن هذا قالت مصادر كبيرة في جهاز الأمن بأنهم ما زالوا يعتقدون أنه لو أعطيت لهم الأدوات المناسبة فستعاد التهدئة في غلاف غزة دون الانجرار الى حرب.
عملية التسوية بين إسرائيل وغزة، حسب مصدر أمني مطلع على جهود الوساطة، استمرت لاكثر من سنة بقيادة رئيس هيئة الأمن القومي، مئير بن شبات، مع قيادة المنطقة الجنوبية ومنسق اعمال الحكومة في المناطق وهيئة الاركان ومكتب رئيس الحكومة. وحسب اقوال هذا المصدر فانه رغم أن المستوى السياسي لا يكرس وقتا كبيرا للتوتر أمام غزة، فان جميع الأطراف معنية بإسماع صوتها من اجل أن يكون لها فضل إذا ما تم التوصل الى تهدئة.
“المحادثات تناولت مواضيع مدنية والمساعدة الانسانية والبنى التحتية”، اضاف المصدر. “اذا كان بن شبات ذات يوم يقرر كل شيء واتخذ قرارات مع المستوى الأمني ورئيس الحكومة، فاليوم الجميع يريدون أن يعرفوا وأن يطرحوا مواقفهم. رئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية قاما بتعيين العميد احتياط آشر بن لولو كممثل من طرفين؛ اشكنازي يريد أن يتحدث مع قطر ومصر بعد أن لم تكن وزارة الخارجية في الصورة، غانتس اعلن بأنه سيعين شخصا من قبله وسيكون منسق أعمال الحكومة تابعا له؛ منسق اعمال الحكومة يحاول الحفاظ على مكانة الوحدة – كل واحد يحاول ترسيخ قوته، وهذا يخلق عددا غير قليل من المشاكل التي يمكن أن تؤدي بحماس الى الاستنتاج بأنه ليس لديها عنوان واحد واضح. الاحداث الاخيرة تظهر أن حماس غير معنية بصراعات القوى في إسرائيل وتطالب باستمرار التسوية”.
العلاقة بين غزة وإسرائيل، يقولون في جهاز الأمن، استمرت بصورة متواصلة طوال السنة. مصدر كبير في الجهاز قال للصحيفة بأنه طبقا لطلب رئيس الحكومة ورئيس هيئة الأمن القومي فانه ليس هناك محادثات أو لقاءات مباشرة بين إسرائيل وحماس. ولكن خلال السنين وجدت قنوات اتصال غير مباشرة من خلال وسطاء – بدء بمحادثات هاتفية وحتى سفر ممثلين من حماس ومن إسرائيل الى اماكن محايدة، على الأغلب مقر المخابرات المصرية في القاهرة. الامر يتم كالتالي: “الممثلون الإسرائيليون يجلسون في غرفة وفي غرفة اخرى يجلس ممثلو حماس. والوسطاء يتنقلون بين الغرفتين ويمنعون حدوث لقاء مباشر”.
مؤخرا نشر أن قائد المنطقة الجنوبية، هرتسي هليفي، خرج الى لقاء في موضوع جرى في قطر، والى جانبه يخرج حسب الحاجة رجال أمن آخرون – من الجيش، الشباك، الموساد وهيئة الأمن القومي – الى لقاءات مشابهة. وحسب اقوال هذا المصدر: “من يدير كل هذا الحدث، على الاغلب من إسرائيل، هو بن شبات. هو يصادق على ممثلي البعثة وعلى مكان المحادثات وعلى هامش المناورة في المفاوضات. في حالات كثيرة، عندما تبدأ في التبلور تفاهمات لتسوية أو لوقف اطلاق النار، يخرجون من الغرفة ويتصلون مع بن شبات. احيانا يحضر بنفسه”.
مصدر أمني كبير أكد أنه يجري تعاون كبير بين كل الجهات الأمنية المشاركة في عملية التسوية. وحسب قوله فان الجهات تعمل بتزامن كامل طبقا لتوجيهات المستوى السياسي بهدف الدفع قدما بالعملية وضمان استقرار أمني وهدوء لمواطني إسرائيل.
بموافقة مصر حصلت إسرائيل على الحق في منع وصول ممثلين تريد حماس ارسالهم للقاءات. ايضا هنا بن شبات يحصل على قائمة المشاركين. “في حماس لا يحبون هذا، لكنهم يعرفون أن هذا شرط لن تتنازل عنه إسرائيل”، قال المصدر واضاف “كانت هناك حالات فيها حضر يحيى السنوار هذه اللقاءات. ولكن لا أستطيع القول إذا كان قد حضر إلى مقر المخابرات أو أنه جلس مع رجاله في فندق مجاور. مع ذلك، المصريون يعرفون كيف يضعون الحدود للطرفين عندما تصبح الطلبات تتعلق بصغائر الأمور”.
في الأشهر الاخيرة تتزايد التقارير عن التدخل المتزايد لقطر في لقاءات الوساطة، لكن المصدر الكبير يقول إنهم “لاعب ثانوي، نوع من الأمن الاقتصادي للتفاهمات التي يتم التوصل اليها”. وحسب أقوال المصدر “قطر توجد هناك بالأساس بسبب رغبتها في التقرب من مصر، حيث أن غزة لا تعنيهم، وهم أيضا ليسوا جزءا من المحادثات والنقاشات. وأنا لا يمكنني القول بأنهم يحضرون أصلا الى مصر. هم على الأغلب يعطون مصادقة على المساعدة الاقتصادية عن بعد”.
ما زال يوجد مفاجآت
في إحياء ذكرى دافيد بن غوريون في تشرين الثاني 2018 تطرق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى جولة القتال التي انتهت قبل يوم من ذلك. “في أمن إسرائيل، الخفي يفوق المكشوف. اعداؤنا توسلوا من اجل وقف اطلاق النار وهم يعرفون لماذا”، قال نتنياهو في حينه وحاول أن يعرض حماس كمستسلمة. الآن، رغم ذلك، المصدر الأمني الكبير يقول إنه “خلافا لما يحاولون تصويره في إسرائيل، فان حماس لا تجلس في القاهرة وتتوسل من اجل وقف اطلاق النار. هم يعرفون أنهم سيدفعون ثمنا باهظا وأن كل يوم قتال يكلفهم الكثير، لكنهم يعرفون أيضا بأن هذا يضر بنا. وفي النهاية هذا ينتهي بمحادثات معهم”.
بشكل عام، اضاف المصدر “هناك ميل في إسرائيل، بعد القتال، الى رسم صورة انتصار. من يعرف الأمور يعرف أن هذا لا يجري مع منتصرين ومهزومين. هذه ليست حرب بين دولتين. في النهاية يجلس طرفان غير متساويين في القوة، وكل واحد يريد العودة الى روتين الحياة الطبيعي”.
ولكن رغم كثرة المحادثات والوسطاء، المصدر الأمني قال إنه يوجد عدد غير قليل من المفاجآت التي تدل على أن الطرفين لا يعرفان بعضهما مثلما اعتقدا. وحسب قوله فان الحالة الاكثر بروزا هي عملية “الحزام الاسود” في تشرين الثاني الماضي، عندما حاربت إسرائيل ضد الجهاد الاسلامي بعد قتل بهاء أبو العطا. “الحزام الاسود، كانت مدرسة لعدد كبير جدا من الاشخاص”، قال المصدر واضاف “لم يعرف أحد حقا أن حماس لم تدخل الى القتال، ومن يقول غير ذلك فهو يكذب. في أحد النقاشات الأمنية قبل العملية كان هناك ضابط صغير قال إنه يمكن توجيه الرد بحيث لا تدخل حماس الى القتال وتبقي للجهاد تلقي الضربات. ضباط ورجال أمن كبار سخروا منه”.
في نهاية المطاف، سلاح الجو هاجم أهدافا للجهاد في غزة ليومين دون أن تدخل حماس إلى القتال. “أيضا رئيس الاركان لم يعتقد أن حماس ستجلس على الجدار”، اضاف المصدر. “في نهاية العملية الجميع نشر تحقيقات تقول إن هذا كان مخططا، لكن كل من كان يعرف كنه الامور كان يعرف أنه لا كوخافي أو أي شخص آخر اعتقد أن هذا ما سيحدث”.
بعد قتل أبناء عائلة سواركة التسعة في دير البلح في العملية، قال “حماس نقلت رسالة الى إسرائيل بأن الحادثة أوصلتها الى نهاية حدود ضبط النفس، وأن حادثة اخرى ستدخلها الى دائرة القتال. ولكن في “الحزام الاسود” جرى حوار مع حماس عبر جهات وساطة بالهاتف والفيديو. وحتى دون أن تخرج بعثات”.
مصدر أمني آخر قال إن “محادثات الوساطة التي في الواقع تناولت مسائل مدنية، قادت في السنتين الاخيرتين أيضا الى منع وقوع احداث أمنية كان من شأنها خلق تصعيد. “في الماضي عندما كانت سيارة اسعاف تقترب من الجدار كانت تجعل نصف القطاع يهب ويكون في حالة تأهب. واكثر من مرة اطلقوا النار في الهواء أو على سيارة الاسعاف”، قال واضاف “اليوم، بواسطة قنوات الوساطة، يعرفون بسرعة الابلاغ عن سيارة الاسعاف، ونحن نعرف ما هو هدفها”.
واضاف بأنه “تم منع حالات اكثر خطورة: احيانا يعرفون في جهاز الأمن عن خلية أو مهاجم يريد الوصول الى الجدار، أو يشخصون تنظيم يريد اطلاق النار أو ينوي القيام بنشاط لو خرج الى حيز التنفيذ سيؤدي الى تصعيد أمني. اليوم إسرائيل اصبحت تعرف كيف يمكنها ابلاغ غزة بأننا نعرف أن هذا يحدث وعليهم أن يحاولوا منعه قبل أن يرد الجيش الإسرائيلي”.