وفى ظل هذا الارتفاع الجنونى فى سعر الذهب لابد من وقفة نراجع فيها “الشَبْكة” وندعو إلى عدم المغالاة فيها، إن لم يكن إلى إعادة النظر فى المبدأ نفسه، بحيث يكون على الخاطب أن يقدم هدية لعروسه إثباتًا لصدق الرغبة فى الزواج، وتأليفًا للقلوب، ولكن على ألا يشترط أن تكون الهدية ذهبية، إذ يكفى أن يكون هناك هدية، بكم ؟ ، ومن أية خامة ؟ لا يهم، فأثمن شَبْكة لا تصنع الوفاق والسعادة.
وخاتم الحديد الذى نصح الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحابى الفقير بالتماسه عند الزواج كان لبنة بيت حظى بشرف الانتساب إلى عصر النبوة.
**وجهتا نظر مختلفتان***
تقول نجاة محمد: إذا جاء شاب لخطبة ابنتى، فعليّ أولاً أن أتأكد أنه ملتزم ومتدين، وسيراعى الله فى ابنتى، وهذا أهم شيء، أما عن الشَبْكة فإننى سأتركها وفق إمكانات العريس، وذوق العروسين، وأنصحهما بادخار جزء من المبلغ المخصص لتأثيث منزل الزوجية الذى يقول دائمًا “هل من مزيد؟”.
أما السيدة زينب عبد العزيز – ربة منزل – فتقول: لقد تعودنا أن الشَبْكة من قيمة العريس، وتقدير لمكانة العروس، ومكانة عائلتها.
فإذا لم يتقدم لابنتى من يثاقلها بالذهب، فلا ضرورة منه، إن علينا أن ننتقى لها من نتشرف به، ونتشرف به أمام عائلتها، وتكون شَبْكته مضرب المثل فى قيمتها وذوقها.
**يوم واحد أم طول العمر؟***
وإذا كان الرأيان السابقان يعكسان طرفى القضية، الرحمة بالخاطب، والاستسلام المطلق للعرف، والتقاليد، فإن للفتيات مواقف أخرى مبشرة لو استطعن فرضها، ولم يرضخن لرأى الأهل لقضينا على شق كبير من مشكلة العنوسة بتخفيف عبء الشبكة الثقيل عن كاهل الشباب، وهذه بعض آرائهن.
أسماء شعبان – طالبة جامعية: الشبكة فى تقديرى هدية من العريس، والهدية لا تقدر بقيمتها المادية، وإنما بقيمتها المعنوية، فما المانع أن تكون الشبكة بسيطة على أن أدخر ثمنها لشراء شيء مفيد لمنزلنا مثل: غسالة “فول أتوماتيك”، أو غيرها من الأشياء العملية، والأكثر فائدة من الذهب.
إيمان إبراهيم – مدرسة: الشبكة هى أول خطوة من خطوات الزواج، فينبغى أن تأخذنا الرحمة والرأفة بالعريس؛ لأن مشوار الزواج لا يزال طويلاً، فما المانع من قبول شبكة بسيطة حتى نكمل تأثيث المنزل، وعندما يرزقنا الله بعد الزواج، فلن يبخل عليّ زوجى بشراء أى شيء أحتاجه؛ لأننى وقفت بجانبه فى البداية، وسيذكر لى هذا الموقف ويحملنى فى عينيه.
منى صابر – طالبة جامعية: هذه الشكليات – كما تسمينها – من الأشياء الضرورية فى مجتمعنا، فالناس يقولون بنت فلان جاءت لها شبكة كذا، بمبلغ كذا، تبدأ المقارنات فتصر الفتيات المقربات من هذه الفتاة على طلب شبكة ومهر بذات المبلغ، وإلا يكون هذا تقليلاً من شأنهن.
أما عن نفسى فسأطلب شبكة معقولة، ولكنها تشرفنى أمام أقربائى وصديقاتى فلست أقل منهن.
سمية عبد الحكيم تقول: اكتفيت بدبلة وخاتم عند شراء الشبكة، وذلك لارتفاع أسعار الذهب، واقترحت على خطيبى توفير سعرها لشراء ما أحتاجه لتأثيث المنزل، فهو الأهم، ثم فلماذا أكلف الشاب – الذى هو زوج المستقبل – فوق طاقته؟ حتى إذا ما وفر لى ما أحتاج، وتزوجنا بالفعل نبدأ حياتنا بسداد الديون والأقساط التى تربكنا وتضيق علينا من أول أيام حياتنا، وتفسد علينا سعادتنا وعشرتنا، ففرحة الشبكة يوم واحد، وفرحة التفاهم، ومراعاة الظروف، والقناعة، والرضا طول العمر.
ويلتمس الحاج أحمد عرفة – صاحب إحدى محال بيع الذهب – العذر للشباب فى الإحجام عن الزواج بسبب أعباء الشبكة بعد الارتفاع المذهل فى أسعار الذهب، مما يشكل عقبة حقيقية أمام الشباب المقبلين على الزواج، والذين حددوا مبلغًا معينًا لها، لا يكفى بالأسعار الحالية لشراء شيء، خاصة أن اختيار الشبكة يختلف وفق عادات كل منطقة عن الأخرى، ففى الأرياف مثلاً تتحدد الشبكة بعدد جرامات تعينه كل عائلة لبناتها، أما فى المدن فيتم الاتفاق بين العريس وأهل العروس على مبلغ معين لشراء الشبكة، وتكون غالبًا وفق إمكانيات العريس.
**خاتم ودبلة ومحبس***
وينصح الحاج عرفة كل عروس بأن عليها أن تتفهم ظروف زوج المستقبل فى مقتبل حياته، وأن تسهم معه ببعض من التنازلات عن هذه الشكليات لإتمام تأثيث الشقة التى باتت الهم الأكبر لدى الشباب بعد هم الحصول على شقة الزوجية المناسبة، وحول أطرف موقف شراء شبكة تعرض له الحاج أحمد عرفة فيقول: كان موقفًا مؤسفًا وليس طريفًا، فقد حضر عندى عروسان، وأصرت العروس على اختيار شبكة معينة، فاقت المبلغ المتفق عليه مع عريسها بفارق كبير، وصممت العروس على ما اختارته، وأبت إلا أن تشترى ما اختارته، فخرج العريس بعد أن أنهى كل شيء، انهارت العروس، وأغمى عليها من البكاء.
**البعد الاجتماعى للشبكة ***
يقول الدكتور صلاح الفوال – أستاذ علم الاجتماع: إن الشبكة هى نوع من التعبير عن المحبة والإعزاز من العريس لعروسه، وزوجة المستقبل، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لمن يرغب فى الزواج وليس عنده مهر كبير “التمس ولو خاتمًا من حديد” وهى دعوة بليغة لتيسير الزواج، وعدم المغالاة على الشباب حتى لا يعزفوا عن الزواج.
أما إذا خضعنا لتلك الأعراف والتقاليد الخاصة بالشبكة، والتى هى من قبيل مظاهر البذخ والمفاخرة، التى تجتاح مجتمعنا هذه الأيام دون النظر لواقع حال هؤلاء الشباب، فإننا بهذا نهدم أول لبنة من لبنات تأسيس المجتمع وهى الأسرة ونساهم فى تفاقم ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج.
ويرى أن مثل هذه الظواهر وغيرها تحتم على المجتمع أن يسعى إلى إعادة تكوين القيم، وتشكيل العادات لإحلال الأعراف الصالحة الميسرة محل الفاسدة المعسرة.
وعلى ولى الأمر أن يراعى الله تعالى فيمن يتقدم إلى خطبة الفتاة، وأن يرجع إلى تعاليم الدين الحنيف، والأخذ بشرائعه، والأصل فيها هنا التخفيف على الشباب، والابتعاد بالمجتمع عن المهالك والمفاسد، فكما قال (صلى الله عليه وسلم): “إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه، فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير”.
ويكمن هنا الدور الفعال لوسائل الإعلام فى الكشف عن سلبيات المغالاة على الشباب فى أمور الزواج بدءًا من الشبكة وغيرها من الأمور، والقضاء على ما وصل إليه المجتمع من التأثر بموضة المظاهر والتفاخر بين العائلات، وكان ضحاياه الشباب ذكورًا وإناثًا.