هذا الدين منصور لا شك، والله تعالى هو الذي يتولى نصره، ولولا هذا لاندرس واندثر منذ زمن بعيد، سواء تحت ظلال السيوف الكافرة.. سيوف مشركي العرب يوم أحد أو يوم الخندق، أو حتى في حروب الردة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، أو على يد إمبراطوريات فارس أو الروم… أو حتى بعد اجتياح التتار والمغول، أو الحملات الصليبية المتتابعة والتي استمرت عبر قرون من الزمان، أو حتى الحروب الغربية في العقود الأخيرة خصوصا بعد سقوط الخلافة واحتلال جل بلاد المسلمين وتسلط وكلاء الغرب على مقدرات المسلمين.
ولولا أنه منصور وأن الله كتب له البقاء، لاندثرت أفكاره ومبادؤه تحت الوطأة الرهيبة للحروب الثقافية، والحملات الفكرية، وتحت وطأة الشبهات التي مازالت تثار ضده منذ وجوده وإلى يومنا هذا والتي يعتبر مجرد صموده أمامها آية ودلالة من آيات ودلالات صدقه وعظمته وأنه من عند الله تبارك وتعالى.
إن الله ختم بهذا الدين الأديان، وبهذه الرسالة كل الرسالات، وبهذا النبي جميع الرسل والأنبياء فهو كما قال الله سبحانه: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}(الأحزاب).. فهو آخر الرسل وخاتمة الأنبياء، فليس بعده نبي يحيي من الإسلام ما مات، أو يظهر منه ما خفي، أو يجدد منه ما اندرس واندثر.. وإنما دعاة هذا الدين من أتباعه وأهله، ولذلك فإن الله تعالى ما زال يحرس هذا الدين ويحفظه، ويبعث في أهله من ينصره، كما في حديث أبي عنبة الخولاني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ في هذا الدينِ غَرْسًا، يَسْتَعْمِلُهم فيه بطاعتِه إلى يومِ القيامةِ](رواه ابن ماجة وحسنه الألباني). أي ينشئ نشأ يقيمهم لنصرة الإسلام، ونشره والدعوة إليه، ويثبتوا صدق ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدللوا على صحة رسالة الإسلام على مدار الأزمان، وأنها ـ كما جاء على لسان النبي الخاتم الذي جاء ـ بها رسالة السماء الخاتمة لأهل الأرض، ويقيموا الحجة على خلقه؛ فلا يبقى عذر لمعتذر {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، {فلله الحجة البالغة}.
تحدي أحمد سبيع
في ظل انتشار فيروس كورونا وإرغامه الناس على الجلوس في بيوتهم، وجبرهم على البقاء وعدم الخروج، وفي مبادرة لحسن استخادم الوقت واستثماره فيما ينفع، خرج علينا أحد الدعاة الشباب الأفاضل (اسمه أحمد سبيع)، بفكرة جديدة من نوعها سماها “تحدي صحة الإسلام”، والتي لم تلبث أن عرفت بعد ذلك بـ “تحدي أحمد سبيع”..
وفكرة المبادرة تقوم على أن يقوم أحد الدعاة بذكر دليل على صحة الإسلام، وما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.. على أن يلتزم المتحدي بذكر دليل واحد فقط، ولا تزيد مدة عرضه عن سبع دقائق.. فإذا انتهى من دليله يتحدى ثلاثة من الشباب الدعاة الذين يعرفهم والعاملين في سلك الدعوة بأسمائهم على أن يذكر كل واحد منهم دليلا، ويلتزم بالوقت، وأن يتحدى كل واحد منهم ثلاثة آخرين.
وبدأ الأستاذ أحمد سبيع في عرض أول دليل والتزم الوقت، ثم تحدى ثلاثة من الدعاة الذين يعرفهم، وذكر أسماءهم ودعاهم إلى قبول التحدي.
وبالفعل قبل الشباب الثلاثة المباركون تحدي الأستاذ أحمد لهم، والتزموا بالفكرة وبالوقت المحدد تقريبا، وعرضوا ثلاثة أدلة، وتحدى كل منهم ثلاثة آخرين..
وهكذا بدأت الأدلة تزداد في متوالية هندسية، 1 ، 3 ، 9 ، 27 ، … وبرغم أن الفكرة قريبة جدا إلا أنها في أيام قليلة وبسرعة البرق انتشرت الفكرة على اليوتيوب، واتسعت رقعتها بصورة مبهرة ..
ونتج عنها أمران غاية في الأهمية:
الأمر الأول: الكم الهائل من الأدلة على صحة الإسلام وصدق نبيه وسلامة ما جاء به.. وقد تنوعت هذه الأدلة، وكانت الأدلة العقلية في المقام الأول، ثم المنطقية والعلمية، ثم النقلية أحيانا.. وما زالت الأدلة تتكاثر والمتوالية تتوالد.. وأصبح لدينا حديقة غناء تحمل من كل بساتين الأدلة زهرة على جلالة هذا الدين وجماله.
الأمر الثاني: ظهور عدد كبير من الدعاة الشباب المغمورين ـ والذين لم يكن نعرفهم أو يعرفهم كثير من المسلمين ـ شباب مثقف مؤصل ومؤهل وعلى خلق ودين، وكذلك ظهور عدد من القنوات الخاصة على اليوتيوت التي يديرها هؤلاء الشباب المباركون المتحمسون لدينهم ولدعوتهم، يعلمون المسلمين دينهم، ويذكرونهم بحق الله عليهم، ويردون شبهات الضالين وتأويل الغالين، وتخريف وتحريف المنحرفين والمضللين والمغرضين.
الأمر الثالث: لقد أثبت هؤلاء الشباب أن طول الوقت والمكث في البيوت ـ بسبب كورونا طبعا ـ يمكن أن يستغل فيما ينفع وفيما يعود على الإنسان بالخير في دينه ودنياه وآخرته.
وأما الأمر الأهم من هذا كله أن هذا التحدي بين لنا أنه كما أن هناك شبابا كثيرين لا يعرفون للوقت قيمة ولا للعمر قدرا، ولا يعرفون إلا السفاسف والتفاهات، ولا يهتمون إلا بالتوافه واللعب والعبث أو الرياضة والأفلام ووسائل الترفيه.. فإن في الأمة أيضا شبابا على أعلى قدر من المسؤولية، وأعلى مستوى من الجدية، وأعلى مقام من حب الدين وحب الله وحب الرسول وحب الخير للمسلمين والبشر أجمعين.
إنني أعتبر مثل هذه المبادرات “بركة من بركات كورونا”، الوباء الذي ظن البعض أنه شر محض وليس فيه شيء من الخير، والحق أنه على رغم ما فيه من بلاء وعنت وشر فقد جعل الله فيه ـ للمتأمل ـ من المنح والنعم والخير. والنعم أحيانا تأتي في ثنايا النقم، والمنح تخرج أحيانا من رحم المحن {وكان الله عليما حكيما}، {إن الله كان لطيفا خبيرا}.
إنها بارقة أمل كانت خافية فربما أراد الله إظهارها ونشرها، ودلائل ربانية على أحقية هذا الدين وصدقه قام بها شباب على مستوى من العقل والعلم والفهم، وعلى أعلى مستوى من الأدب أيضا والأخلاق وحسن الحوار..
وإلى وقتنا هذا ما زال التحدي قائما.. فهل من قابل للتحدي؟.