
الخرطوم- بينما كان رئيس الوزراء في الحكومة السودانية المعزولة عبد الله حمدوك ينتظر الإفراج عن معتقلي الـ25 من أكتوبر/ تشرين الأول 2021 باعتباره مفتاح الحل الأهم للأزمة التي تعيشها البلاد، أحدث قرار النائب العام الإفراج عن قادة بارزين في حزب المؤتمر الوطني -الحاكم سابقا- قبل إعادة اعتقالهم ما وصفه مراقبون بـ”زلزال” كاد أن يطيح بالوساطات المتعددة التي تشهدها الخرطوم هذه الأيام.
وأثار الخبر الذي كان التلفزيون القومي في السودان أعلنه مساء أمس الأحد بإطلاق سراح رئيس حزب المؤتمر الوطني المحظور إبراهيم الغندور وبعض قادة الحزب، موجة من الغضب في أوساط الرأي العام السوداني، الذي يعيش على وقع القرارات التي أعلن بموجبها قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلسي السيادة والوزراء وتعطيل بعض بنود الوثيقة الدستورية.
وعلى الرغم من أن مدة إطلاق سراح الغندور وقادة المؤتمر لم تتجاوز 16 ساعة، فإن هذه الساعات كانت كفيلة -بحسب مراقبين- بتعزيز مناخ انعدام الثقة الذي بات مسيطرا على علاقة المكونين العسكري والمدني، عوضا عن أنه كشف لأول مرة عن “انقسام” وما وصفته مصادر مطلعة بـ”صراع مراكز قوى” داخل السلطة الحاكمة في السودان اليوم.
إفراج واعتقال وإقالة
وكانت نيابة لجنة إزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو/حزيران 1989 والتي تم حلها بموجب قرارات البرهان الأخيرة، قد أوقفت الغندور وقادة حزب المؤتمر قبل عدة أشهر بتهم “محاولة تنفيذ انقلاب وتقويض المرحلة الانتقالية”.
وشكلت اللجنة بعد توقيع الوثيقة الدستورية بين المكونين العسكري والمدني في يوليو/تموز 2019 لتصفية حزب المؤتمر الوطني -الذي حكم البلاد لثلاثين عاما- سياسيا وماليا.
وفي وقت لاحق، قالت مصادر مطلعة للجزيرة نت إن السلطة الحاكمة أعادت اعتقال الغندور وآخرين تنفيذا لقرار مباشر من البرهان الذي أصدر أمرا بإقالة النائب العام.
وحسب المصادر، فإن النائب العام “استغل الصلاحيات الممنوحة له بضغط من عناصر الحزب المحظور لإطلاق سراح الغندور الذي تولى رئاسة الحزب بعد سقوط نظام عمر البشير دون علم القيادة الحالية للبلاد”، على حد ما ذكرت هذه المصادر.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن ما حدث “كشف عن انقسام بين مكونات القيادة الحالية للبلاد”.
ضبابية المشهد
ويرى الباحث في شؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس أن من وصفها بـ”المجموعات ذات الأجندات المتعارضة التي شاركت في انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحاول الاستفادة من الوقت لخدمة أجندتها”.
وأضاف للجزيرة نت أن ما حدث “يشير إلى وجود مراكز قوى تخدم حزب المؤتمر الوطني الذي أزاحته ثورة ديسمبر/كانون الأول 2019 عن الحكم داخل السلطة الحالية”.
وأشار أبو إدريس إلى أن النائب العام الذي أقيل من منصبه أمس الاثنين رفض في وقت سابق إطلاق سراح هذه المجموعة.
وربط المحلل السياسي يوسف بشير بين ما حدث وتعطيل البرهان بعض بنود الوثيقة الدستورية، ومن بينها تلك المتعلقة بلجنة إزالة التمكين التي أوقفت الغندور والآخرين.
وقال للجزيرة نت إن المشهد العام يتسم بالضبابية خاصة بعد توقيف المجموعة المفرج عنها، وأضاف بشير أن التراجع عن إطلاق سراح الغندور جاء نتيجة ردة الفعل القوية داخل أوساط الرأي العام.
واعتبر بشير أن البرهان حاول بهذه الخطوة امتصاص موجة الغضب في الشارع العام، وأضاف أنها رسالة من السلطة الجديدة بعدم ارتباطها بالدولة العميقة التي يسيطر عليها حزب المؤتمر الوطني المحظور.
انقسام السلطة الحاكمة
ويرى مراقبون أن حالة الرفض الواسعة لعودة حزب المؤتمر الوطني للمشهد السياسي مرة أخرى باتت تؤثر على الإجراءات التي سيتخذها البرهان عقب قراراته الأخيرة، إلى جانب احتمالات عودة الوضع السياسي إلى ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وإن بصيغة مختلفة عما كانت عليه.
وتشهد العاصمة السودانية الخرطوم جهودا كثيفة للوساطة بين المكونين العسكري والمدني، إضافة لمبادرات عديدة لإعادة مسار الانتقال الديمقراطي بقيادة مدنية يرأسها عبد الله حمدوك.
وتشير مصادر مطلعة للجزيرة نت أن السلطة الحاكمة الآن تشهد انقساما بين الرافضين للعودة إلى ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول، والمؤيدين لعودة السلطة الانتقالية المحلولة، في حين لا يزال حمدوك متمسكا بشروطه التي وضعها على طاولة الوسطاء لإطلاق سراح كافة المعتقلين نتيجة القرارات الأخيرة، وأن يبتعد المكون العسكري عن الجهاز التنفيذي.
وقالت المصادر إن مسؤولا عسكريا أكد مضي المشاورات مع عبد الله حمدوك، متوقعا إطلاق سراح المعتقلين في أي لحظة.
وفي هذا الإطار يقول أبو إدريس للجزيرة نت إن هناك عدة وساطات ومبادرات تقودها جهات دولية وإقليمية ومحلية، وقال إن نجاح هذه الوساطات يعتمد بشكل أساس على إرادة المجموعات المتصارعة في تقديم تنازلات تقود إلى حلول للأزمة السياسية.
لكن المحلل السياسي يوسف بشير قال للجزيرة نت إن البرهان يحاول كسب الوقت بدلا من المضي في اتجاه التسوية السياسية، وتابع أنهم يريدون عودة حمدوك إلى رئاسة الوزارة لكن دون سلطات.
وبرأي مصادر متعددة، فإن عدم تشكيل الحكومة -التي قال البرهان في بيانه الأول الذي أعلن بموجبه حالة الطوارئ في البلاد إنها ستكون غير حزبية وسترأسها شخصية مستقلة- يشير إلى عدم استقرار السلطة الحالية على موقف موحد تجاه التعامل مع الأزمة الراهنة وحالة الرفض الشعبي لتدخلات العسكر، وأن الجميع بات في انتظار ما ستسفر عنه جولات المبادرات التي تنشر لتجاوز الأزمة.
