إلى كل طالب يدرس في الخارج: إليك مايجب معرفته عن الصدمة الثقافية

حين يسافر المرء إلى خارج وطنه بهدف الدراسة، يجد اختلافات في القيم والمعتقدات والعادات والقوانين واللغة والفن والدين والسلوك. تتّحد هذه العناصر لتشكل وتثري ثقافة البلد الذي اختار العيش فيه، وهو ما يصيبه بصدمةٍ في بداية الأمر؛ صدمةٌ اصطلح على تسميتها باسم "الصدمة الثقافية".

Share your love

إلا أنَّ تجربة ثقافةٍ جديدة وامتلاك فهمٍ أفضلَ لثقافته وثقافة البلد الآخر، من شأنه أن يمنح الطَّالب تجارب إيجابية تثري حياته في الخارج. إلا أنَّ الأمر قد يكون مضنياً في البداية. إذ قد تختلف العناصر الثقافية الجديدة التي يجدها الطلبة في البلد الذي اختاروا الدراسة فيه اختلافاً جذرياً عن المعايير الثقافية التي اعتادوا عليها في بلدهم الأم.

يقول الكاتب الصحفي بروس لابراك في هذا الصَّدد: “كما ستعجز عن وصف مذاق كعك الدونات لشخص لم يسبق له أن تذوقه، ستعجز أيضاً عن وصف مدى صعوبة الإحساس بالارتباك الذي يشعر به الطالب حين يعيش وسط مجتمعٍ يمتلك ثقافة مغايرة كلياً لثقافة البلد الذي جاء منه”.

لذا سوف نشرح لك في قادم السُّطور معنى الصدمة الثقافية، ونخبرك كيف تتغلّب على آثارها.

أولاً: مراحل رينزميث العشر للتَّكيُّف مع الصَّدمة الثقافية

يمكن أن تشتمل الصدمة الثقافية وآثارها على عدَّة مراحل. إلا أنَّ الصدمة الثقافية ليست عملية دقيقة تماماً؛ إذ قد لا يعاني كل طالب من آثار الصدمة الثقافية بنفس الطريقة والتوقيت. توضح الخطوات العشر التالية التي حددها ستيفن رينزميث للتكيف الثقافي، كيف يمكن أن تكون الصدمة الثقافية أشبه بركوب “أفعوانيَّة مشاعر”:

مراحل رينزميث العشر للتَّكيُّف مع الصَّدمة الثقافية

  1. القلق الأولي (initial anxiety).
  2. الإثارة الأوليَّة (initial elation).
  3. الصدمة الحضاريَّة الأوليَّة (initial culture shock).
  4. التَّكيُّف الظَّاهري (superficial adjustment).
  5. الاكتئاب والإحباط (depression–frustration).
  6. تقبُّل ثقافة البلد المضيف (acceptance of host culture).
  7. قلق العودة إلى البلد الأم (return anxiety).
  8. إثارة العودة إلى البلد الأم (return elation).
  9. صدمة العودة إلى البلد الأم (re-entry shock).
  10. إعادة الاندماج مع ثقافة البلد الأم (reintegration).

يتَّبع الطالب خلال مروره بتلك المراحل منحنىً سلوكياً متذبذباً (انظر الشَّكل في الأعلى). نقاط الذروة التي تمثل حالات الإثارة يتبعها انخفاض حاد على شكل اكتئاب وارتباكٍ وإحباط. وسوف يمرُّ كل طالب بذلك الصعود والهبوط بدرجات مختلفة من الشدة، وعلى فتراتٍ زمنية مختلفة.

هذه المراحل ضرورية من أجل الوصول إلى انتقالٍ ناجحٍ من ثقافة إلى أخرى؛ فهي تساعد الطالب (أو المسافر) على التَّكيف والاتِّزان.

شاهد بالفيديو: 7 طرق تساعدك على التكيّف مع متغيّرات الحياة

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item” src=”https://www.youtube.com/embed/wJtbU0SLLNk?rel=0&hd=0″ width=”640″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=””]

المراحل من 1 إلى 5: الاطلاع على ثقافة جديدة:

يكون الطالب قبيل سفره إلى الخارج متحمساً بشأن خوض المغامرة القادمة. وحين يصل إلى البلد المضيف، يبدأ في تكوين نوعٍ من الاستقلالية؛ لأنَّه يبدأ في التَّعرف بمفرده على ثقافة البلد المضيف، ويشعر بأنَّه جزءٌ منها.

قد يكون سقف توقعات الطالب مرتفع للغاية في بداية الأمر؛ إذ قد ينظر إلى الأمور من منظور سائحٍ خلال الأسابيع القليلة الأولى. لكي يقوم لاحقاً بالتفتيش بدقة عن نقاط التَّشابه والتَّباين بين ثقافته وثقافة البلد المُضيف. ومن الشَّائع أن يُركِّز على ما يعتبره نقاط ضعف في ثقافة بلد الاغتراب. ويميل إلى الإشارة إلى ما تفتقر إليه الثَّقافة الأجنبية؛ وهو ما يقود غالباً إلى شعوره بالإحباط تجاه الأمور التي يفتقدها، والتي لا يقدر على أن يجدها في بلد الاغتراب.

قد يواجه الطلبة تحدياتٍ تتعلق بنمط الحياة السائد في البلد المضيف؛ مثل عادات الطعام والعلاقات الاجتماعيَّة والتعاملات المصرفية وما شابه ذلك. وتتصاعد وتيرة تلك المشاعر السلبية والإحباطات إلى مستوىً يبدأ فيه الطالب بإدراك أنَّه يَمُرُّ “بصدمة ثقافية”.

المرحلة (6): تقبّل ثقافة البلد المضيف:

عندما يعتاد الطالب على وجوده في البلد المضيف، يَنظرُ إلى العادات -التي بدت له “كارثية” فيما سبق- على أنَّها طرق مختلفة للقيام بالأشياء. إذ يُعَدِّل معظم الطلبة أنماط حياتهم تدريجياً، بحيث تتوافق والمعايير الثقافية للبلد المضيف. لينتهي الأمر بتقبل السِّمات والخصائص الثقافية التي أزعجتهم سابقاً. ومع ذلك، إن حدث واعترضتهم مشكلات كبيرة، فقد يعود الطلبة لفترة وجيزة إلى مرحلة “الاكتئاب والإحباط”. وحين يتكيفون أكثر فأكثر مع تلك العادات الجديدة، يُكوِّنون مجموعة جديدة من الأصدقاء، ويسافرون أكثر، وربما يتعلمون لغة أخرى. وتتحول عاداتهم الجديدة إلى أسلوب حياةٍ اعتياديٍّ.

المراحل من (7) إلى (10): الابتعاد عن الثقافة الجديدة:

نظراً لأنَّ الطالب باتَ مندمجاً مع ثقافة البلد المضيف، فقد يصعب عليه أن يتكيَّف مجدداً مع حياته في بلده الأم حال عودته إليه. إذ لن يجد بلده على نفس الحال الذي تركه عليه حين سافر من أجل الدراسة في الخارج؛ فقد ينظر الطالب إلى وطنه بعيون جديدة، وقد يصبح أكثر انتقاداً للتقاليد السائدة في بلده، والتي كان يراها “طبيعية” فيما سبق. وهذا ما اصطلح على تسميته بالصَّدمة الثقافية العكسية.

يجب ألا يمنع الخوف من التعرض لصدمة ثقافية عكسية الطلبةَ من محاولة الاندماج بشكل كامل أثناء تواجدهم في البلد المضيف. وبغض النظر عن مدى اندماج الطالب أثناء تواجده بالخارج، فمن المحتمل أنَّه سيظل “مصدوماً” بسبب الاختلافات التي وجدها في بلده بعد الوقت الطويل الذي قضاه في البلد المضيف.

ومع ذلك، سيتعلم الطالب بمرور الوقت كيف يتكيف ويندمج مجدداً مع ثقافة بلده الأم.

ثانياً: الحنين إلى الوطن

يُعَدُّ الحنين إلى الوطن أحد أكثرِ مشاكل التَّكيف شيوعاً حين يتعلق الأمر بالغربة والصدمة الثقافية. إذ إنَّ الحنين للوطن -والذي مرّ به جميع الطلبة على اختلاف بلدانهم- أحد الآثار الجانبية للابتعاد عن الوطن. يشير علماء النفس إلى الحنين إلى الوطن على أنَّه “قلق الانفصال”، لأنَّ الطلبة يشعرون بأنَّهم منفصلون عن كل ما هو مألوف بالنِّسبة إليهم.

قد تبدأ مشاعر الحنين إلى الوطن قبل مغادرتهم للدراسة في الخارج. وقد يجدون أنفسهم مكتئبين أو قلقين قلقاً شديداً في الأسابيع القليلة التي تسبق سفرهم. إذ يمكن أن يؤدي التَّرقب والإستعداد لهذا التغيير الكبير في نمط حياتهم إلى إثارة مشاعر الحنين إلى الوطن قُبَيلَ المغادرة، أو الرغبة في التراجع عن قرارهم الدراسة في الخارج.

وقد يشعر بعض الطلبة بالحنين إلى الوطن في خضم الأيام أو الأسابيع القليلة الأولى من وجودهم في الخارج، بينما قد لا يشعر به الآخرون إلا في وقت لاحق أو مع اقتراب قدوم الأعياد. إذ يمكن أن تتسبب الإجازات وأعياد الميلاد والمناسبات العائلية وحالات الوفاة بإثارة مشاعر الحنين إلى الوطن، أو تجعلهم يتمنون لو أنهم قد بقوا في منازلهم.

كما أفاد العديد من الطلبة عن زيادة مشاعر الحنين إلى الوطن خلال أشهر الشتاء؛ وذلك عندما يؤدي الظلام والطقس الماطر والبرد إلى زيادة حدَّة شعورهم بالاكتئاب.

فيما يأتي بعض النَّصائح لمساعدتك في التعامل مع مشاعر الحنين إلى الوطن:

  • لا تنتظر أن تزولَ هذه المشاعر من تلقاء نفسها؛ وإنَّما تصدى لها عن طريق الحديث مع أحدِ الأشخاص -مثل أحد أفراد أسرتك أو زميلك في الغرفة أو طالبٍ آخر- عن مشاعر الحنين إلى الوطن. إذ يكون زملائَك من الطلبة الأجانب يعيشون ما تعيشُهُ أنتَ أيضاً.
  • اصطحب معك بعضاً من الأغراض التي تُذَكِّرُك بالمنزل والوطن: احرص على حزم صور العائلة والأصدقاء، واجلب معك الأقراص المضغوطة المفضلة لديك، واطهي وصفات الطعام العائلية أثناء تواجدك في البلد المضيف.
  • كوِّن صداقات مع السُّكان المحليين وادعهم لقضاء بعض الوقت معك. يمكن أن يساعد إنشاء علاقاتٍ من هذا القبيل على التَّخفيف من وطأة الشعور بالحنين إلى الوطن أولاً، وتكوينك صداقاتٍ جديدةٍ ثانياً.
  • اصبر على نفسك ريثما تعتاد على وجودك في بلدٍ غريبٍ، وتتكيَّف مع حقيقةِ أنَّ ذلك البلد يختلف عن وطنك.
  • انخرط في نشاطاتٍ تبقيك منهمكاً ومشغولاً، كيلا تفكر في الوطن. كأن تُحاول مثلاً العمل أو التَّدرُّبَ أو التَّطوع. كما يمكنك الانضمام إلى فريق أو نادٍ رياضي، أو المشاركة في النَّشاطاتِ الجامعية.

ثالثاً: التَّوتر والضَّغط النَّفسي

تختلف آثارُ التَّوتر والضغوطات النفسية من شخصٍ إلى آخر. كما تكثر تعاريف التَّوتر (Stress) وتختلف من حالةٍ إلى أخرى. فقد تؤدي الأنواع الجديدة من التَّوتر الذي قد تتعرض له في البلد المضيف إلى اضطرابات مثل القلق ونوبات الهلعٍ والاكتئاب، وجنون الارتياب، واضطرابات الأكل، وغيرها من حالات الرُّهاب.

وبمجرد تعرضك لصدمة ثقافية، تزداد حدة. كما قد تزداد حدة أيَّة مشاكل نفسية كنت تعاني منها قبل سفرك، بمجرد تعرضك لصدمة ثقافية. وحتى التَّعب العقلي النَّاتج عن اختلاف التوقيت والاستخدام المستمر للغةٍ غريبةٍ عنك والذي يسمَّى “الكثافة اللُّغوية Language immersion”، قد يُسبب لك أعراض صدمةٍ ثقافيَّةٍ ساحقة.

رابعاً: قم بعمل قائمة تحقّق

إن كنت تريد السَّفر من أجل الدراسة في الخارج، من الأفضل أن تضع لنفسك قائمةَ تحقُّقٍ (Checklist) تُلخِّصُ فيها كُلَّ ما سبق. يساعد ذلك على وضع كل النِّقاط التي تكلمنا عنها نصب عينك، من أجل الحرص على تلافي أيّ أمرٍ يتسبب لك بحدوث صدمةٍ ثقافيَّة.

لذا نقدم إليك بعض الأفكار التي يجب أن تُضمنها في تلك القائمة:

  • هل أنا على دراية كافية بالاختلافات والفروقات الثقافية الرئيسة بين الوطن والبلد الذي سأدرس فيه (مثل الدين واللغة والقوانين)؟
  • أنا أتفهم أنَّه من الطبيعي أن أواجه صدمة ثقافية، بما في ذلك مشاعر القلق والاكتئاب والإحباط. لكن إن لم تختفِ تلك المشاعر مع الوقت، فمن هو الذي سألجأ إليه من أجل الحصول على المساعدة؟
  • يجب أن أدركَ أنِّني سوف أمرَّ بأوقاتٍ سعيدة وأخرى سيئة حين أحاول التَّغلب على الصدمة الثقافية. ويجب أن أكون صبوراً ريثما أتأقلم وأتعوَّد على ذلك. كما يجب أن أعلمَ بأنِّيَ لست وحدي من يعاني من ذلك.
  • سأحاول ألَّا أكون سلبياً وألَّا أبالغ في انتقاد ثقافة البلد المضيف. وإنَّما سأحاول النَّظر إلى إيجابيات تلك الثقافة، وتقبُّلِ سلبياتها بصدرٍ رحب.
  • سأبذل قصارى جهدي من أجل تكوين صداقاتٍ مع السُّكان المحليين، عوضاً عن مجرد الاكتفاء بذلك مع أبناء جلدتي.
  • أمَّا حين أعود إلى وطني، فسأصبر مجدداً حين أعاني من صدمةٍ ثقافية عكسية. (هذا يتضمن ألَّا تقوم بانتقاد كل شيء تراه في بلدك الأم؛ فقط لمجرد أنَّك قد أمضيت بضعةَ أيامٍ في الخارج!).

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!