د. عبد الحميد فجر سلوم
1ــ
تغيّرَ الدهرُ والزمن، ولم نتغيّر.. وما زلنا نعشقُ أكْلَ الخبزِ مجبولا بالدماء، ونَتلذّذُّ شُرْبَ الماء ممزوجا بالدموع..
كُنا بِجَمَلٍ واحدٍ (معركة الجَمَل) فأصبحنا بألفِ جملٍ وجملٍ.. وكُنّا بِصِفِّين واحدةٍ، فأضفنا لها ألفَ صِفِّين وصِفِّين.. وكنا بكربلاءٍ واحدة فحوّلَنا كل دهرنا وأزمنتنا إلى كربلاءات..
أجيالٌ وأجيالٌ مرّت واندثرت، وبقيت شرارةُ التعصُّب والطائفية والحقد والكراهية، مُعشعِشةٌ في الجِينات، ومُتّقدةٌ في تلابيب الأدمغة، نتوارثُها جيلا بعد آخرٍ منذ ألفٍ وأربعمائة عام..
لم يكُن في ذاك الزمن إمبريالية وصهيونية واستعمار وإلّا لألقينا باللومٍ عليها في كل ما سالَ من دماء، وما حصل من حروب، كي نهرب للأمام ونعفي أنفسنا من المسؤولية، كما جرت العادة دوما..
ما زُلنا على مدى القرون والسنين جائعين، مُتعطّشِين، مُتشوِّقين لذاك الزمن، مشدودين إليه بكل العواطف والمشاعر، حتى لو فتحنا كل يوم آلاف القبور في الصراعات الطائفية والدينية والمذهبية..
لماذا؟. ليس لأنّ الدين والإسلام أراد ذلك.. وإنما لأن الساسَة والزعامات والصراعات على السُلطة والحُكم، أرادت ذلك، فسَخّرت الدين والطوائف لأجل خدمةِ مصالحها وتحقيق طموحاتها واستمرار زعاماتها..
كلُّ مُشكلةٍ سياسيةٍ، وحتى غير سياسية، تتحوّلُ حالا وبشكلٍ عفويٍ، إلى مُشكلةٍ طائفيةٍ ومذهبيةٍ.. لأن العقول والأدمغة تبَرمجَت على ذلك طيلة هذا الزمن الطويل..
كلُّ ما وقع من حروب في الإسلام منذ 1400 عامٍ، كانت دوافعها سياسية لأجلِ الزعامةِ والقيادة والحُكم(مِينْ بدُّو يحكُم مِينْ، ومِينْ بدُّو يتزعّمْ) ولم يكُن الدين سوى مطيّة لذلك ووسيلة للمُتاجَرَة والتجييش وحشدِ أكبر عدد ممكنٍ من الأنصار والدّاعمين الذين تتحكمُّ فيهم غريزة القطيع، كما يحصلُ في هذا الزمن.. ومع هذا فلم تكُن بينهم تلك العداوات التي نتصورها والتي هي اليوم بين أتباعهم.. كانوا أهلاً وأقرباءً وأصهارا، ولكن السياسة وطموحات الزعامة خلقتْ بينهم ما خلقتْ، وما زلنا ندفعُ الأثمان..
فالخليفة عثمان بن عفان(ر) تزوّجَ من “رقيّة” بنتُ رسول الله (ص) ولمّا تُوفيّت زوَّجهُ الرسول من أختها ” أم كلثوم” ولِذلك لُقِّبَ بِذِي النورين.. أي كان عديلا للإمام عليّ (ك) ..
وعُمر بن الخطاب(ر) تزوّج من ” أم كلثوم” بنتُ الإمام عليّ وأمها فاطمة بنتُ رسول الله (ص) وتُكنّى أيضا بأُم كلثوم الصُغرى، أو زينب الصُغرى..
وإحدى زوجات الإمام عليّ ( أُمامة بنت العاص) كانت من بني أُميّة..
ولكن حتى بهذه الأمور لا يُوجَد اتفاقا بين أهل السُنة وأهل الشيعة.. (ما شاء الله)..
2ــ
كلما خفتتْ العواطف الطائفية لبعض الزمن، ونامتْ قليلا، نراها تنهضُ بِسرعةٍ في أيِّ حدثٍ سياسي, أو غير سياسي، سواء لدى أهل السُنّة والجماعة أم لدى أهل الشيعة، وتأخذُ البُعد المذهبي..
وها نرى كيف تجتاحُ منطقتنا العربية والإسلامية منذ عقودٍ وحتى اليوم نيرانُ الطائفية ولظاها الحارق.. منذ الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى) التي اندلعت شرارتها في أواخر أيلول 1980، أي بعد عام من قيام الثورة الإسلامية في إيران.. ورأى الكثيرون في هذه الحرب أنها حربا طائفية بين السُنّة والشيعة، وهذا كان موضِع جدلٍ طويلٍ بيني وبين دبلوماسيٍ أردنيٍ في الأمم المتحدة في نيويورك عام 1982، وكان يتبنّى بالكامل هذه العقيدة، عقيدة الحرب الطائفية.. بينما كنتُ أنظرُ لهذه الحرب من خلال الدوافع والمصالح السياسية لأطرافٍ إقليميةٍ ودوليةٍ.. ولم تخطُر ببالي عُقَدُ الطائفية..
3ــ
طيلة التاريخ تَتّخذُ كافة الصِدامات، والمواجهات، والمسارات الخِلافية، أبعادا طائفية ومذهبية رغم أنها بالأساس سياسية صرفة..
لن أخوضَ بالماضي، بل في تاريخنا الحاضر.. فقد عاشَ لُبنان خمسة عشر عاما حربَ طوائفٍ، والأهداف سياسية.. وهو اليوم مُمزَّقٌ بين طوائفهِ، وبين أحزابهِ الطائفية المُرتَبطة جميعها بالخارج، وتأتمِر بِأوامرِ الخارج..
وحينما اغتيل رئيس وزراء لبنان الأسبق (رفيق الحريري) في شباط 2005، سرعان ما نحَتْ الأمور منحى طائفيا إذ أنّ زعيم أهل “السُنّة” في لبنان قد قُتِل، كما ردّدَ كثيرون..
وهكذا ما زلنا نرى من يُردِّدون، هذه مناطقنا فلا تقربوها، وتلك مناطقكم فلا نقتربُ منها.. والفرز على أساس طائفي وديني.. ويعيشُ حالةً لا تُشبِهُ حالة الدولة، وإنما حالةُ شريعة الغابة، ودويلات داخل الدولة، فأيُّ لُبنانٍ سيقومُ في ظلِّ ذلك..
هذا الفرزُ ليس فقط في بيروت ولُبنان، بل في عواصِمٍ ودولٍ عربيةٍ أخرى، ترى الناس تلوذُ ببعضٍ وتسكنُ في تجمعاتٍ مع بعضٍ على أساس طائفي وديني.. فهذا الحي أو هذه المنطقة معروفة بغالبيتها من هذا الدِّين أو ذاك المذهب، وهكذا ..
4ــ
واليمن(السعيد) يعيش حربا طائفية كارثية منذ سنوات، دمّرت البشرَ والشجرَ والحجر، مدعومةٌ من الخارج على أُسُسٍ طائفيةٍ، والأهداف سياسية.. فأيُّ يَمَنٍ سيقومُ في ظلِّ ذلك..
5ــ
والشيعة في العراق أسعدَهم الغزو الأمريكي عام 2003 إذْ أزالَ لهُم نظام “صدام حسين”(السُنِّي حسب قناعاتهم).. بينما “السُنّة” أزعجهم ذلك لأنه قلّص من نفوذهم..
وبعدَ إعدام الرئيس “صدّام حسين” في آخر 2006 أخذت الأمور منحى طائفيا كبيرا في كل المنطقة.. ونُصِبت خِيمُ العزاء في بلاد الشام، إذ أنّ زعيما عربيا ينتمي لأهل السُنّة والجماعة قد انتهى.. بينما كانت الفرحة لدى الطرف الآخر، وعادت الزعامات الشيعية المُعارِضة من منافيها في إيران وسورية وأوروبا وغيرها (بِسِلاحِ الأمريكان) لتتسلّم زمام الحُكم، وإلا كانوا حتى اليوم بالمنافي..
وما زلتُ اذكرُ جَدَلا خفيفا حصل بيني وبين السيد نوري المالكي، لدى زيارتهِ لأبو ظبي في صيفِ 2006، في إطارِ جولةٍ خليجيةٍ، وطلبَ وقتها لقاء رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية، وتمّ ذلك في الفندق الذي كان يُقيمُ به..
وخلال حديثهِ، غمزَ كثيرا من قناةِ سوريةَ، ومسؤوليتها عمّا كان يحصلُ في العراق من أعمالٍ عُنفية.. وبعد أن سمحَ لرؤساء البعثات بالحديث، طلبتُ الكلام، وردَدَتُ على كلامه.. وحينَ التوديع وضعتُ يدي بيدهِ وقلتُ له: يا معالي رئيس الوزراء، نحن في سورية نُحبُّ العراق، ولا يُمكن أن نُقدِم على أي عملٍ يُزعزِعُ أمنَ العراق.. فقال: ولكن أحِبُّوهُ من كل قلوبكم.. فأجبتُهُ: نعم نحن نُحِبُّهُ من كل قلوبنا، ولا بُدَّ أنكَ قرأتَ كم تغزَّل الشاعر الكبير نِزار قبّاني بالعراق، فعبَّر بذلك عن مشاعر كل سوري..
فقال حينها مُبتَسِما، هل تعلم أنني أمضيتُ إثني عشرَ عاما في سورية؟.. فقلتُ له، نعم أعلمُ ذلك.. وودّعتهُ..
دستور العراق جيِّد، وليس فيه محاصصات طائفية، وقد حضرتُ في أبو ظبي بعضا من الاجتماعات بشأنهِ، حينما استضافتْ دولة الإمارات اللجنة العراقية المُكلّفة بوضع الدستور، لِمُدّة ثلاثة أيام، والمُمثِّلة لكافة الأطراف العراقية، وتمّت دعوة بعض السفارات لحضور تلك الاجتماعات، وقد لبّينا حينها الدعوة.. وأدليتُ بِمُداخلةٍ تمنّيتُ فيها للعراق الشقيق كل التوفيق والنجاح والخروج من النفق المُظلِم الذي كان يقبعُ فيهِ في ذاك الوقت.. وأتحدثُ هنا عن الأعوام الأولى من الغزو الأمريكي.. ولا أدري إن كان اليوم قد خرج من ذاك النفق أم غرِقَ أكثر في أتون الطائفية والارتباطات الخارجية وتشكيل دويلات داخل الدولة..
الزعامات العراقية هي من أسّستْ للمحاصصات الطائفية وليس الدستور..فأصبح رئيس الجمهورية كُردي، ورئيس البرلمان سُنِّي، ورئيس الوزراء شيعي، وهذا كلُّهُ غير موجود بالدستور..
بلْ مَن لا تأتي نتائج الانتخابات على مقاساتهم وحسبَما يرغبون، يرفضونها، ولا يعترفون بشرعيتها، ويدعسون على الدستور، ويخلقون كل أشكال البلبلة لِيفرِضوا إرادتهم، دون أدنى اعتبارٍ لمصلحة العراق واحترامٍ لإرادة الشعب.. لأنّ الطائفية باتت مع الزمن الطويل تنمو وتكبُرُ حتى باتت من خلايا العقول والأجساد.. ووظّفوا الدين لخدمة مصالحهم السياسية.. ليس إيمانا بالدين، وإنما إيمانا بمصالحهم ومكاسبهم الخاصّة التي يُوفِّرها ويضمنها لهم التوظيف الديني والمذهبي..
نَعم، عُقَدُ الطائفية مغروسة في بُلداننا.. في مُجتمعاتنا.. في مؤسساتنا.. لدى الغالبية الساحقة، باستثناء شريحةٍ من العَلمانيين واليساريين والليبراليين، والمتنورين القوميين، وأعتبرُ نفسي أنتمي لهؤلاء..
لن أتحدّث عن بلادي، لأنني كتبتُ كثيرا عن ذلك بالماضي، وحتى لا يطول المقالُ أكثر، ولكن كُلُّنا في الهمِّ شرقُ..
6 ــ
ما علاقة هذه الأجيال بالصراعات على الزعامة بين عليٍّ ومعاوية، وبين يزيدٍ والحسين؟.
إلى متى سيستمرُّ التجييش الديني والمذهبي والطائفي ورغبةُ الانتقام لدى المسلمين؟. مصلحةُ من يخدم ذلك؟. هل مصلحة الإسلام والمسلمين، ومصلحة عليٍّ ومعاوية، ويزيد والحسين وأتباعُ أولئك، أم مصلحة شلومو عمارShlomo Ammar ، وشلومو بِن عامي Shlomo Ben Ami، وشلومو هيلل Shlomo Hillel ؟.
إلى متى سنُفاخِر: سُنّة سُنّة، شيعة شيعة، علويين علويين، دروز دروز، مسيحيين مسيحيين (موارنة موارنة، أرثوذوكس أرثوذكس، كاثوليك كاثوليك)..الخ؟. رغبةُ مَنْ نُحقِّقُ بذلك؟. أليستْ رغبةُ إسرائيل؟.
طبيعي أن يُولَد الإنسان في طائفةٍ، ولكن المُشكِلة أن يكون متعصِّبٌ ومُنحازٌ طائفيا..
هل من أحدٍ تخدمهُ العصبيات والعداوات الطائفية والدينية في الأمتين العربية والإسلامية، أكثر من إسرائيل؟. كيف سنحشدُ ضد إسرائيل إعلاميا وسياسيا وعسكريا، وكافّة ممارساتنا وسلوكياتنا تخدم إسرائيل دون وعيٍ وإدراك؟. أليسَ في هذا تناقُضا؟.
كيف ستحسبُ إسرائيل لنا حسابا ونحنُ مُمزّقين مُفتّتين مُتخاصمين مُتناحرين مُتحاربين مُتربِّصين ببعضنا بعضا، ونُعِدُّ العِدّة لِبعضنا بعضا، ونُهدِّدُ بعضنا بعضا، ونتآمر على بعضنا بعضا، ونضع أيادينا بأيدي الأعداء ضد بعضنا بعضاً؟. كيف ستخشانا إسرائيل ونحنُ في هذا الحال؟. لن تخشانا.. بل هي سعيدةٌ جدا بواقعنا المُخزي هذا..
7ــ
أرجو أن لا يُغضِب كلامي أحدا، فهو موجّهٌ للجميع، مُسلمين بكافة مذاهبهم، ومسيحيين بكافّة كنائسهم..
بلغَ السيلُ الزُبى، وأصبحنا في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ولسنا في القرن السابع الميلادي، وعلينا أن نبحث بشتّى السبُل وكافة الوسائل، ونبذل أقصى الجهود، وعلى مدار الساعة، كي نجِد مخرجا لهذه الحالة الطائفية المستعصية، وهذا السرطان الطائفي الخطير..
هذه مسؤولية النُخب في هذه الأمة جميعا، النُخب الفكرية والثقافية والأدبية والعلمية والأكاديمية والفنية والسياسية والإعلامية، وحتى النُخَب الدينية غير السياسية وغير الطائفية..
متى سنعي أن العِبادة والإيمان هو علاقةٌ خاصّة بين الخالق والمخلوق، لا تمرُّ عبر المشايخ ولا المساجد ولا الكنائس، ولا دُور العبادة، ولا أيّة مؤسساتٍ أو أحزابٍ دينية وطائفيةٍ، وإنما تمرُّ عبر سمُوِّ الأخلاق الشخصية لِكلٍّ إنسانٍ، في المحبة والرحمة والتسامح والصدق والأمانة والإخلاص والاستقامة والعمل الشريف والنزيه والابتعاد عن أذية الآخرين، وكل هذه المعاني..
والطريقُ إلى الله ليست محصورةٌ بهذا الدِّين أو ذاك، ولا بهذا المذهب أو ذاك، وإنما هناك آلاف الطُرق تؤدِّي إلى الله، وكُلٍّ حرٌّ في طريقته، ضمن المعاني الآنفة الذكر..
8 ــ
كان الشاعر “أدونيس” مُصيبا حينما قال في مُحاضَرةٍ بالقاهرة في شباط 2015 أنّ (الثقافة العربية والإسلامية هي ثقافة القرون الوسطى..ولا تُعلِّمُ سوى الكذب والنفاق والرياء، ولا تستطيعُ ان تجهَرَ بالحق وليست حُرّة بسبب الرقابة، ليس فقط من أهلِ السُلطة، وإنما هناك الرقابة الاجتماعية والسياسية.. وأضافَ: أنا نفسي لا أستطيعُ أن أقولُ ما أُفكِّرُ فيهِ بصراحة.. وأوضحَ أن الحرب العربية ــ العربية لم تتوقّف منذ 14 قرنا، فضلا عن الإقصاء الذي مارسَهُ العرب والمسلمون على الآخر، وأنّ الإرهاب الحالي ليس سوى تنويعٌ على إيقاعِ إرهابٍ قديم.. وانتقدَ الأنظمة العربية جميعا، مُشيرا إلى أنهُ لا همّا لها سوى الحِفاظ على السُلطَة، وأن المثقفين لا دورا لهم وهُم موظّفون، وأنّ أعظم ثورة هي أن نثور على أنفسنا.. ودعا إلى إحداثِ قطيعةٍ مع القراءةِ السائدةِ للدِّين، وأنّ الإسلام رسالةٌ روحيةٌ وليس دولة، وأنّه لا يُوجِد نَصَّا، سواء من القرآن أو السُنّة يقولُ أن الإسلام دولة..ودعا إلى الديمقراطية بمعناها الحقيقي، حيثُ الحرية والمساواة، داعيا إلى علمَنةِ الدولة، وأنّ هذا أحد أهم الأشياء التي يجبُ النضال لأجلها.. وقالَ أنهُ لا يجرؤ على وصفِ الصورة التي يُوصَفُ بها الإسلام في العالَم اليوم).. طبعا لأنها قبيحةٌ جدا جدا.. وأنا من عشتُ طويلا في الغرب وأعي تماما هذه الصورة..
بهذه العبارات المُختصَرة عبّرَ أدونيس عن كل مصائب وويلات العرب والمسلمين..
9ــ
أتمنى على أصحاب العقل الطائفي، من أيِّ دينٍ أو مذهبٍ كانوا، أن يرحموا هذه الشعوب.. ويرحموا طوائفهم.. ويرحموا بُلدانهم.. ويرحموا مذاهبهم وأديانهم.. وقبل أي شيء، أن يرحموا أنفسهم..
وأدعو إلى فصل الدين عن السياسة وعن الدولة.. فالسياسة على خصومةٍ دائمةٍ مع الأخلاق( أي السياسة تحكمها المصالح وليس المبادئ أو القيم العُليا، وتستخدمُ اللَّف والدوران والانتهاز والكذب والمناورة والتقلبات والخِداع والتآمر والعنف والتكتيل والقتل والاغتيال والاعتقال، إلى آخر هذه المعاني.. إنها كما الحرب ولكن بوسائلٍ أُخرى) وهذا لا يتماشى ولا يستقيمُ مع رسالة رجُل الدين الروحية، الذي يُفتَرض أنه قدوة حسنة في مجتمعهِ بالصدقِ والاستقامةِ والرِأفةِ والتقريب بين الناس، ولا مع الدِّين ذاتهُ إذ لا يُعقَل أن يتّسم الدينُ بالعنف والشدّة والقسوة..
“لو كُنتَ فظّا غليظَ القلبِ لانفَضُّواْ من حَوْلِكَ فاعْفُ عَنهُمْ واسْتَغفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ في الأمْرِ” (آل عُمران159 ).
فإمّا رجال دين وإمّا رجال سياسة.. الأمران لا يتّفقان.. أمْ يجِبُ جمْعُ الزعامةِ من طرفيها؟.
لقد عقَّدونا من كلمة “جِهاد” بعد أن حرّفوها عن كل معانيها.. وأصبَحتْ تتلَطّى خلفها تنظيمات صنّفها العالمُ كلُّهُ أنها تنظيمات إرهابية، لِما تقوم به من جرائم قتل وإعدام واستباحة دماء، باسم “الجهاد”..
نُريدُ أن نحيا بعيدا عنكم، وبعيدا عن كل الشعارات الطائفية، والعُقد الطائفية، والعصبيات الطائفية، والارتباطات الطائفية، والاصطفافات الطائفية..
انخراط رجال الدين بالسياسة (مسلمين أم مسيحيين) في دولٍ غير عَلمانية وغير ديمقراطية وليس فيها تداولا على السلطة بحيثُ يتمُّ تصحيح المسارات وتدارُك الأخطاء من خلال صناديق الاقتراع، يعني إنتاج سياسة طائفية تُدمِّرُ المجتمعات.. وهذا أكثرُ ما يُحقِّقُ أهداف وتطلعات إسرائيل.. هناك مؤامرات؟. نَعَم، الأعداء يتآمرون، وهذه طبيعةُ الأشياء.. ولكن لِنسألْ من يُنفِّذون هذه المؤامرات دون أن يَعقِلون؟..
كاتب سوري ووزير مفوّض دبلوماسي سابق
Source: Raialyoum.com