‘);
}

ابتلاء الأنبياء

أراد الله -تعالى- أن يُبتلى كلُّ مَن يدعو إليه، وجَعل ذلك سنةً من سننه في خلقه مِنَ الأنبياءِ ومَنْ تَبِعَهُم،[١][٢] قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذي جَعَلَكُم خَلائِفَ الأَرضِ وَرَفَعَ بَعضَكُم فَوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ لِيَبلُوَكُم في ما آتاكُم إِنَّ رَبَّكَ سَريعُ العِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفورٌ رَحيمٌ)،[٣] والمقصود من الابتلاء في الآية هو الاختبار،[٤] فإن الله -عزّ وجل- يَبتلي عباده ليَختبر صِدق إيمانهم، ويُميّز طيّبهم من خبيثهم، فإن كانوا على قَدر من الثّبات مكّنهم الله في أرضهم، وهذا هو حال جميع الأمم في الأرض،[٥] ويُطلق كلٌّ من البلاء والابتلاء على اختبارات الله -تعالى- لعباده، ويكون البلاء في الضرّاء غالباً، وربّما يكون في السّراء أيضاً، فهو من قَدَرِ الله المتعلّق بخَلقه،[٦] وإنّ الله يبتليهم بقدر إيمانهم، فكلّما كان الإيمان أشدّ في قلوب العباد، كان الابتلاء أكبر، وعليه كان الجزاءُ أعظم.[٧]

جعل الله -تعالى- ابتلاءَه لعباده من الأنبياء رفعاً لدرجاتهم، وقدوةً لمن بعدهم، ولِتحذير أتباعهم من تقديسهم حدَّ الألوهية، فهم بشر، ولا يمكن اعتبار الابتلاءات التي يبتليهم الله -تعالى- بها من باب تكفير ذنوبهم في حقِّ الله، فهم معصومون من الذنوب، وقد وصف ابن القيم هذه الابتلاءات بالكرامة، فظاهرها الابتلاء وباطنها الخير والرحمة، وهي الجسر الموصل بهم إلى النتاجات العظيمة والنِّعم الجليلة،[٨] ويُطلق لفظ البلاء على التكليف أيضاً، لِما فيه من المشقّة والتعب والاختبارات،[٩] ويفرّق بين البلاء والمصيبة والعقوبة والمعصية؛ بأنّ البلاء والابتلاء يُطلق على الاختبار والامتحان، والمُصيبة تُطلق على ما يصيب الإنسان من المصائب والبلوى كذلك، أمّا العقوبة فتقع جزاءً على ما ارتكبه العبد من الذنب.[١٠]

روى سعدٌ بن أبي وقاص عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قالَ: الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ)،[١١] فمن صبر واحتسب من العباد -غير الأنبياء- على بلاء الله له غُفر له ذنبه، أمّا الأنبياء فلا ذنب لهم كما بيّنّا،[١٢][١٣] ويأتي بعد الأنبياء في شدّة الابتلاء الصالحون الأكثر إيماناً والأصلح من غيرهم، ثمّ من هم أقل وهكذا.[١٤]