يشكوا بعض الطيبين من أنهم يدعون الله تعالى كثيرا ولكنهم لا يرون استجابة لهم، ويتساءلون: إذا كنتم تقولون إن الإجابة مع الدعاء، وأنها تدور معه حيث دار، وأن الله تكفل لمن دعاه أن يجيبه، ولمن سأله أن يعطيه.. فما لنا ندعوا فلا يستجاب لنا؟!
ونقول لهؤلاء الطيبين ولكل سائل لله العظيم: ينبغي عليك أيها الحبيب ـ وعلى كل من رفع يده ضارعا إلى الله سائلا إياه، راجبا منه فضله ـ أن يتيقن تمام اليقين أن الإجابة حاصلة لا محالة، ومتحققة بلا أدنى شك أو ريب؛ لأن الله سبحانه هو الذي أمر عباده بالدعاء، وهو الذي وعدهم عليه الإجابة فقال سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}(سورة غافر)، وقال سبحانه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}(سورة البقرة)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى حيي كريم؛ يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين)(رواه الترمذي وهو صحيح).
فهذا وعد الكريم، والكريم إذا وعد لا يخلف وعده، فحاشا لفضل الله وكرمه، وسعة رحمته وبره أن يعد عباده شيئا ثم لا يوفيهم إياه، وحاشاه أن يخيب ظن عباده وهو القائل سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي) وهو القائل لنبيه: {وأما السائل فلا تنهر}..
وحاشاه أن يخيب راجيا وهو صاحب الغنى والجود، والفضل الممتد بلا حدود، أمره بين الكاف والنون، إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، فهل بعد كل هذا يعجزه سؤال سائل؟ أو طلبة طالب؟ أو حاجة محتاج؟
وقد جاء في الحديث القدسي: (ياعبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واجد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا ألقي في البحر)
سبحانك ما قدرناك حق قدرك
حاشا لفضلك أن تقنط راجيا .. .. الجود أجزل والمواهب أوسع
صور إجابة الدعاء
فالإجابة ضمنها الله لمن رجاه ودعاه، ولكن للإجابة معان وأشكال:
. فإما أن يسعف الله الداعي بتحقيق رغبته التي دعا بها فيعجلها له في الدنيا.
. وإما أن يدخرها له في الآخرة.
. وإما أن يرد عنه من البلاء بقدرها.
وهذا كله جاء في حديث أبي هريرة المتفق عليه حيث يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من مؤمن ينصب وجهه لله عز وجل يسأله مسألة إلا أعطاه الله إياها: إما عجلها له في الدنيا، وإما ادخرها له في الآخرة، ما لم يعجل. قالوا: وما عجلته يارسول الله؟ قال: يقول: دعوت، دعوت، فلا أراه يستجاب لي)(متفق عليه).
وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما على الأرض من مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. قال رجل من القوم: إذا نكثر، قال: الله أكثر).
وقد بين لنا هنا أن الإجابة لها صور مختلفة، فإذا تحققت في الدعاء شروطه، والتزمت آدابه، وتجنبت موانعه، فلابد للداعي أن يحصل واحدة من هذه، فإن لم تقع الإجابة على وجه من الوجوه، فليعلم أن هناك آفة إما فيه هو، وإما في دعائه؛ فإن الدعاء كما يقول ابن القيم رحمه الله : “كالسيف، والسيف بضاربه لا بحده فقط، فمتى كان السيف تاما لا آفة به، والساعد قويا، والمانع مفقودا، حصلت به النكاية في العدو، ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير.. وكذلك الدعاء ـ هو أقوى سلاح في دفع المكروه، وحصول المطلوب ـ ولكنه يتخلف أثره، إما لكونه غير صالح في نفسه لما فيه من شرك أو ابتداع أو ظلم أو عدوان، وإما لأن الداعي ليس أهلا للإجابة لأكله الحرام، أو إصراره على الذنوب، أو لغفلته وقت الدعاء، وإما لوجود مانع يمنع قبول الدعاء.. فمثل هذا الدعاء لا أثر له، وإن كان فهو أثر ضعيف جدا لا قيمة له كبيرة”.
وخلاصة الكلام أن وعد الله حق وأنه لا يتخلف، غير أن هناك شروطا ينبغي توفرها في نفس الدعاء المدعو به، وشروطا أخرى يلزم توفرها في شخص الداعي، وآدابا للدعاء، متى توفرت هذه الشروط وتلك الآداب فلن تتخلف الإجابة بأمر الله تعالى، فادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة.