نعيش في هذا الزمان المليء بالعجائب والمتناقضات، الذي تتابع فيه المصائب على أم هاماتنا ممن يسمون أنفسهم زوراً وبهتاناً بالمفكرين والمثقفين والمستنيرين.
عجيبٌ أمرُ بعض هؤلاء ففي كل يومٍ يتحفوننا بأفانين وأفكارٍ إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى ما وصلوا إليه من انحدار فكري وضعف وخور روحي وتبعية مقيته ..
ولعل الاقتراح الخطير والزائغ الذي أتحفنا به بعضهم في الحوار الوطني الأخير الذي عُقد في مدينة أبها أبان لنا شيئاً يسيراً من المدنية والسماحة والإنسانية التي يريد هؤلاء القوم أن ينقلونا إليها والتي تأتي على خضراء الثوابت والقيم والأخلاق.
نكتة الموسم الثقافية والفكرية،وأضحوكة العصر الحديث، وباقعة التفكير المشلول المستنير زعموا حين طالبوا بحذف كلمة (الكافر) أو ( الكفار) من قاموسنا اللغوي واستبدالها بعبارة الآخر… وكل ذلك من باب عدم جرح مشاعر الآخر والحفاظ على هدوء أعصابه تجاهنا،ولكي نبرهن للآخر(طبعاً الكافر) بأننا عصريون وإنسانيون فوق ما يتصور، وحتى لو كان الأمر متعلقاً بثوابتنا الشرعية كما هو الحال في تغيير وصفٍ أطلقه الله _جل وعلا_ في محكم كتابه وأطلقه رسوله _صلى الله عليه وسلم_ على كل من لم يعتنق الإسلام ملةً وديناً.
طروحات أصحاب هذا الفكر الأحادي لا تنتهي عند حدود، فهم والله لو تمكنوا لغيروا من معالم الشريعة ولتبنوا فوق ما يتبنونه الآن تحت دعاوى يُراد بها الباطل في ظل استغلالهم الرخيص للأحداث العاصفة بالعالم، والتي نال بلادنا شيءٌ من شررها.
كانت دندنتهم قديماً تحمل مثل هذه العبارات الرنانة (حقوق المرأة وفق تعاليم الشريعة السمحة)، وإذا بنا نكتشف مع الزمن أن الحقوق التي يدعون لها لا علاقة لها بالشريعة والإسلام من قريب ولا بعيد؛ لأنهم شنوا حرباً شعواء على الحجاب، وعلى منع الاختلاط والتبرج والسفور وجعلوا من قضية قيادة المرأة للسيارة أمراً جوهرياً ومحورياً يؤلبون من خلالها الغرب على بلادنا وعلى حكامنا، بل ويساومون من خلالها على أمننا واستقرارنا.
هاهم اليوم وتحت سندان مطرقتهم الإعلامية الغليظة التي يصمون من خلالها كل من يخالف أطروحاتهم بأنه إرهابي وأنه رجعي وأنه يدعو إلى الفتنة-أقول- هاهم يعتدون على حمى الشريعة وجناب الملة المطهر بطرحٍ فيه من الإلحاد في آيات الله _عز وجل_ ما فيه، تحت دعوى باطلة وهي دعوى تصحيح صورة الإسلام في نظر الذين كفروا.
هل سيأتي يومٌ على هؤلاء المساكين يطالبوننا فيه بأن نقرأ مثلاً قول الله _تبارك وتعالى_:”يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون” فنستبدلها بقولنا: (يا أيها الآخرون) ؟
مَنْ مِنَ المسلمين يتحمل وزر هذه الدعوى المنحرفة بين يدي الله _عز وجل_؟
ومن يتحملُ أن يرى مجموعةً من الجهلة يعتدون على جناب ملة محمدٍ _صلى الله عليه وسلم_ فيغيروا وصفاً وصف الله _عز وجل_ به كل من لم يؤمن بدين الإسلام؟
إنه لا كرامة لكل من سار خلف دعوى الشيطان الذي يأمر بتغيير خلق وشرائع الله وأحكام الله _عز وجل_ “ولآمرنهم فليغيرن خلق الله”.
ليس كل من حمل الدال وانتفش وطبل له المطبلون فمعنى ذلك أن له الحق أن يناديَ بمثل هذا الشذوذ العقدي والفكري بيننا.
نعم والله إنه انحرافٌ وشذوذٌ عقدي وفكري خطير يجب أن يُحاسب صاحبه محاسبةً شديدةً مهما كان وصفه وموقعه فليس لدينا أغلى أو أعز أو أطهر من شريعتنا فالاعتداء عليها هو في حد ذاته اعتداءٌ صارخٌ على المقوم الرئيس من مقومات بقائنا وعزنا.
إنَّ محاكمة مثل هؤلاء شرعياً هو أقل الواجب وإلا فإن الأمر لن يقف عند حد معين، وإذا كنا نحارب الغلاة الذين يفجرون المباني ويزهقون الأرواح فإن الواجب أيضاً يحتم علينا محاربة الغلاة العلمانيين الذين يفجرون العقول ويزهقون العقائد في نفوس الناس هذا إذا كنا جادين في محاربة الغلو وجميع أسبابه؛ لأن دين الله _تبارك وتعالى_ ليس لعبةً في لسان كل جاهل.
ختاماً نسأل الله _تبارك وتعالى_ أن يحميَ شريعتنا وبلادنا من كل ناقص وناقصة عقل ودين.