الأسرة المترابطة هي اللبنة الأساسية في بناء مجتمع سليم وسوي فهي أول وأهم عنصر من عناصر الإصلاح الاجتماعي، فبناء المجتمع يبدأ من بناء أسرة قوية تحافظ على القيم والأخلاق والمبادئ وتتأسس على الحوار الواعي المتحضر والتواصل بين أفرادها. والترابط الأسري هو الصلة الوثيقة بين أفراد الأسرة، بين الزوج والزوجة وبينهم وبين أبنائهم.
أساس تكوين الأسرة المترابطة
الأسرة المترابطة أساسها الحوار بين أفرادها
الحوار هو دائماً البداية لحماية الأسرة من التفكك فبالحوار تتوطد العلاقة بين أفراد الأسرة ويجب أن يكون هذا الحوار مثمراً وأن يكون الأبوين على قدر عالي من الوعي والثقافة والقدرة على إدارة الحوار مع أبناءهم بالطرقة الصحيحة ودون قطع سبل التواصل والثقة بينهم وبين أبنائهم حتى يستطيعوا الحفاظ على ترابط أسرتهم. والمقصود بالحوار ليس الحوار اليومي الذي يجري بين أفراد الأسرة فالطبيعي ليس هناك أسرة لا يدور حوار بين أفرادها، ولكن الحوار الذي يحمي الأسرة من التفكك هو الحوار الواعي فالكثير من الأسر يجري بها محاورات وجدال حول مختلف القضايا ولكن هل الجدال هو الحوار المطلوب بين أفراد الأسرة؟! بالطبع لا، فالجدال هو نوع من المعارك الكلامية كل طرف يتمسك فيه برأيه دون محاولة منه أن يستمع لوجهة نظر الطرف الآخر وتحليلها ومناقشته بهدوء ووعي، فالجدال هو طريق فطري يلجأ إليه من لا يملك أدوات المعرفة والصبر والهدوء والثقافة اللازمة لإدارة حوار واعي. الأسرة المترابطة أساسها الحوار وليس الجدال، وهنا نقصد قدرة الأطراف على التفاهم والاستماع لبعضهم البعض فليس هناك أسرة سوية تقوم على الأوامر أو الجدال دون إقامة حوار ونقاشات هادئة تخلق جو من الترابط الأسري. لذا يجب على الأبوين الحرص على إقامة حوار بينهم وبين أبنائهم لا يقوم على الأوامر أو الجدال إنما يقوم على الصبر والوعي والثقافة حتى يكتسب الآباء ثقة أبنائهم.
الثقة بين أفراد الأسرة
الثقة هي عماد الأسرة المترابطة ، فلا تقوم الأسرة بدونها. يجب أن يتمتع أفراد الأسرة بالثقة في بعضهم البعض. الإنسان بشكل عام يتعلم من تجاربه السابقة ويتأثر بالمؤثرات التي سبق وتعرض لها فإذا قام مثلاً بالثقة في شخص أكثر من مرة وخذله فإنه لا يمكن أن يقدم على تكرار تجربة سبق وأثبتت فشلها. إذا حاول الأبناء إقامة حوار مع آبائهم ولم يجدوا جسراً للتفاهم بينهم عندها ستنقطع ثقة الأبناء في آبائهم وستنقطع سبل التواصل بينهم. وإذا وعد الآباء أبنائهم بأشياء لم ينفذوها لأي سبب ستنعدم ثقة الأبناء في وعود آبائهم. وكذلك الأمر إذا لجأوا إليهم في مشكلة تعرضوا لها ولم يجدوا سوي التوبيخ دون أدنى محاولة من جانبهم للحل أو المساعدة والاحتواء أو حتى التفاهم والنصيحة الواعية، عندها لن يلجؤوا إليهم في أي مشكلة أو أزمة يتعرضون لها لأنهم في هذه الحالة سيفضلون التعامل بأنفسهم لأنهم يعلمون النتيجة مسبقاً إذا حاولوا مشاركة آبائهم في مشاكلهم عندها ستتفكك الأسرة بانعدام الثقة بين أفرادها وكل فرد منها سيعيش في وادي خاص به.
الأنشطة المشتركة بين أفراد الأسرة
إيقاع الحياة السريع جعل أفراد الأسرة ينشغلون عن بعضهم البعض، أصبح الآباء ينشغلون بعملهم والأبناء ينشغلون مع أصدقائهم ودراستهم وحياتهم الخاصة مما جعل التواصل بين أفراد الأسرة واجتماعهم شيء صعب وهذا الأمر هو أكثر ما يهدد الأسرة المترابطة ويؤدي بها إلى التفكك لذا يجب أن يهتم أفراد الأسرة بالاجتماع يومياً بالإضافة إلى القيام بأي نشاط جماعي كالقيام برحلة أسبوعية مثلاً أو في أيام العطل حيث يجتمع فيها أفراد الأسرة. كذلك يجب أن يهتم أفراد الأسرة بالاجتماع على الطعام على الأقل مرة واحدة يومياً أو حتى مشاهدة أحد الأفلام أو البرامج والحديث عنه. فهذه الأنشطة المشتركة تخلق جو من الترابط والتواصل الأسري الذي يحافظ على الأسرة من التفكك.
التحديات التي تواجهها الأسرة المعاصرة
في هذه الأيام تواجه الأسرة تحديات كبيرة للمحافظة على الأبناء بسبب الغزو الثقافي الغربي. الأسرة المترابطة في هذا العصر أصبحت تحتاج لمجهود أكبر للحفاظ على ترابطها وتماسكها والحفاظ عليها من التفكك، حيث أصبحنا في عصر العولمة والتقدم التكنولوجي الذي أتاح لأي شخص معرفة أي شيء والوصول لما يريده دون أن ينتقل من مكانه، وكذلك وسائل الإعلام وتغير الكثير من القيم في المجتمع مما جعل مهمة الآباء أكثر صعوبة في الحفاظ على أبنائهم من التأثر بكل تلك العوامل فإذا لم نستطع أن نتواصل مع أبنائنا ونراقبهم فإننا بذلك نسلمهم للتيار غير الواعي وغير المستقيم بالمجتمع فهذا هو أخطر شيء على أطفالنا فتركهم بلا رقابة يخلق لديهم مفاهيم خاطئة دون تصحيح ويشكل شخصيتهم ومعتقداتهم دون تدخل منا لتقويم تصرفاتهم وتوجيههم للطريق الصحيح والسن الصغير يساعد على تأثرهم بهذه العوامل. علينا مراقبة أبنائنا وما يصل إليهم من معلومات ومناقشتهم وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي يتلقونها حتى لا نتركهم يقعون في فخ انعدام التواصل والتوجيه الأسري للأبناء.
الانتقاد المستمر للأبناء يهدم الترابط الأسري
التفكك الأسري يبدأ من انتقاد الآباء المستمر للأبناء، انتقاد ملابسهم وتصرفاتهم. هذا الانتقاد يهدم جسور التواصل بين الآباء والأبناء ويهدم ثقة الأبناء بأنفسهم وسيجعلهم يتجنبون الحديث مع أباءهم. الأسرة المترابطة لا يتخذ فيها الآباء الانتقاد سبيلاً للتقويم والتوجيه فالانتقاد بلا داعي لا يبني وإنما يكون سبباً في تفكك الأسرة. فبدلاً من أن تنتقد ابنك اجعل نصيحتك له في شكل اقتراح واشرح له وجهة نظرك حتى تقنعه ولكن في النهاية اترك له القرار حتى لا تفقده ثقته في نفسه واختياراته، علمه أن يختار بحرية وفي نفس الوقت يتقبل وجهات النظر الأخرى ويفكر فيها ويضع المشورة في اعتباره هكذا سيتعلم كيفية الاختيار بشكل عاقل ومنطقي أما الانتقاد فلن يصل بك إلى أي إنجاز فقط سيؤدي بابنك إلى العناد والتمسك الأعمى بآرائه دون التفكير.
السماح بالخطأ أحياناً
من منا لا يخطئ؟ لا أحد حتى الآباء يخطئون لذا على الآباء أن يبتعدوا عن تصوراتهم المثالية لأبنائهم عليهم أن يسمحوا لأبنائهم بالخطأ في حدود معينة حتى يتعلموا من أخطائهم أتركوهم يختاروا بحرية تامة طبعاً في الحدود التي لا تلحق بهم الأذى وفي نفس الوقت تسمح لهم بالتجربة والتعلم من أخطائهم فلا أحد يتعلم دون أن يخطئ لذا لا تلجؤوا فوراً إلى العقاب وإنما التفاهم والنصيحة هما الحل الأمثل ثم اتركوهم يعيشون التجربة بأنفسهم حتى يتعلموا، وعلموهم أن يعترفوا بأخطائهم دون خوف فالأخطاء هي ما تكسبنا الخبرات الحياتية. الأسرة المترابطة ليست تلك التي لا يخطئ فيها الأبناء إنما الأسرة المترابطة هي التي يخطئ فيها الأبناء ولا يخافون من التحدث مع آبائهم عن تلك الأخطاء لأنهم يعلمون جيداً أنهم سيجوا النصيحة والدعم والاحتواء وليس العقاب.
بناء الأسرة المترابطة أصبح أحد تحديات هذا العصر، فلكي تحافظ الأسرة المعاصرة على ترابطها تواجه العديد من الصعوبات حتى تصل بأفرادها لبر الأمان. من أهم هذه التحديات بناء جسور التفاهم والتواصل بينهم والحفاظ على الثقة بينهم. كذلك الحفاظ على اشتراك أفراد الأسرة في أنشطة مشتركة والحرص على الالتقاء يومياً. الترابط الأسري لا يحمي الأسرة وحدها وإنما يحمي المجتمع ككل فالمجتمع السوي يبدأ من أسرة مترابطة.