الإسلام وتطبيق الشريعة في نيجيريا

الإسلام وتطبيق الشريعة في نيجيريا حوار مع الدكتور عماد الدين الرشيدتطبيق الشريعة ليس نسفا للقوانين السابقة وإنما هو تعديل جزئي لبعض القوانين الجزائية والمدنية تحديداالمرجعيات المسيحية في ميدوغري عاصمة الولاية أعلنت الحياد وأن أمر الشريعة لا يعنيهاالولايات التي أعلنت تطبيق الشريعة بأغلبية برلمانية..

Share your love

حوار مع الدكتور عماد الدين الرشيدsize=3>

تطبيق الشريعة ليس نسفاً للقوانين السابقة، وإنما هو تعديل جزئي لبعض القوانين الجزائية والمدنية تحديداً.size=3>

المرجعيات المسيحية في ميدوغري عاصمة الولاية أعلنت الحياد، وأن أمر الشريعة لا يعنيها.size=3>

الولايات التي أعلنت تطبيق الشريعة بأغلبية برلمانية أعلنت أن المسيحيين لا يخضعون للأحكام الشرعية التي تخالف القانون السابق.size=3>

المثقفون الشماليون يرون أن تطبيق القوانين الوضعية يمثل لهم تجاوزاً لحريتهم الدينية.size=3>

حقيقة النزاع بين المسيحيين والمسلمين هو نزاع عرقي طغى على السطح تحت مظلة قضية تطبيق الشريعة.size=3>

وسائل الإعلام قد ضخمت موقف المسيحيين من تطبيق الشريعة.size=3>

انقسام نيجيريا إلى شمال وجنوب هو فيما يبدو لي أمر مستبعد واقعياً.size=3>

سياسي بريطاني : لا أستطيع أن أقول إلا أن الله موجود في نيجيريا!size=3>

بعد سقوط حكومة الجنرالات العسكرية، وظهور الحكومة المدنية الديمقراطية، شدّت نيجيريا الأنظار إليها بإعلانات ولاياتها تطبيق الشريعة الإسلامية، وركزت وسائل الإعلام ـ وخصوصاً الغربية ـ على اعتراضات المسيحيين النيجيريين على تطبيق الشريعة.

الدكتور عماد الدين الرشيد، الخبير بالشؤون النيجيرية يطلعنا في هذا الحوار على الخلفيات الحقيقية الكامنة خلف الأحداث المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية في نيجريا، والمشكلات التي تعترض هذا التطبيق في الواقع.

والدكتور الرشيد هو باحث وأستاذ في كلية الشريعة في جامعة دمشق (قسم علوم القرآن والسنة)، ورئيس «مركز الدراسات الأكاديمية» (بيروت/ كانو) الذي قدّم دراسات مهمة عن الاقتصاد والاستثمار في نيجيريا، وهو يشرف الآن على إصدار دراسة عن تاريخ تطبيق الشريعة فيها، وقد أوكل إلى هذا المركز الذي يشرف عليه عام 1999م وضع المناهج والمقررات في المراحل التعليمية المختلفة للمدارس النيجيرية الإسلامية التي تتبع المنهج الذي وضعته كلية التربية في جامعة أحمد بيلو في زاريا.

درس الماجستير في جامعة جوس في نيجيريا، وحصل على الدكتوراه من جامعة الجنان في الحديث النبوي الشريف، ثم من جامعة دمشق في الفقه وأصوله، وعمل إعلامياً. له عدد من الكتب أهمها: «نظرية نقد الرجال ومكانتها في ضوء البحث العلمي» و«أسباب النزول وأثرها في بيان النصوص».

س: منذ العام الماضي جرى الإعلان عن تطبيق الشريعة في ولايات نيجيريا، أين كان ذلك؟
– تتألف نيجيريا من تسع عشرة ولاية شمالية ذات أغلبية مسلمة، وست عشرة ولاية جنوبية ذات أغلبية مسيحيّة، حسب الإحصاءات الرسميّة إضافة إلى ولاية العاصمة الفيدرالية. بادرت أربعة عشر ولاية شمالية بعرض «مشروع» لتطبيق الشريعة على البرلمانات، وفي العام الماضي أقرت حوالي ست ولايات تطبيق الشريعة الإسلامية، وحتى هذا اليوم أصبح عدد الولايات التي أقرت تطبيق الشريعة عشر ولايات.

وفي الجنوب تقدمت ولايتا أويو وكوارا بمشاريع تطبيق الشريعة إلى برلماناتها، وهما من الولايات ذات الأغلبية المسلمة من قبائل اليوربا، وهناك ضغوط شعبية كبيرة الآن في ولايتي لاغوس وأوشن الجنوبيتين للسير في هذا الاتجاه.

س: بماذا تختلف ولايات الشمال عن ولايات الجنوب في هذه القضية؟
– هناك خلاف جغرافي أولاً، الجنوب هو منطقة كثيفة غنية بالنفط، والشمال مناطق زراعية ورعوية ممتازة، وهو غني جداً بالمعادن، وببعض المنتجات الزراعية (الفول السوداني). وكانت ولاية كانو أكبر مصدر في العالم لهذه المادة.

أما عن الخلاف السكاني فقبائل الجنوب ذات أغلبية مسيحية ووثنية، وتنتمي إلى مجموعة كبيرة من القبائل ، أشهرها قبيلة الإيبو التي خاضت ضد الشماليين حرب بيافرا الأهلية التي حسمت لصالح الشماليين ، ومن القبائل الجنوبية الكبيرة قبيلة اليوربا ذات الأغلبية المسلمة. والشماليون يتميّزون بأنهم من قبائل مسلمة مثل قبيلة الهوسا والفولاني والكانوري وبعض القبائل العربية.

أما من الناحية الاقتصادية فتتركز رؤوس الأموال في الشمال، والثقل العسكري يتموضع في الشمال أيضاً، فيما وجدت في الجنوب آبار النفط.

وفي مرحلة الاستعمار كانت القبائل الجنوبية تتمتع بانتشار «الثقافة» بشكل واضح، (وهذا له دلالته). وإن كان حالياً هناك ما يشبه التساوي في هذه الناحية بين الشمال والجنوب.

انعكست هذه الفوارق بين الشمال والجنوب على تطبيق الشريعة، من خلال نقطتين:
أولاً: الكثافة المسيحية في الجنوب تخاف من تطبيق الشريعة عليها.
ثانياً: النزاعات القبلية بين الشمال والجنوب ما تزال، فالأصوات المرتفعة التي تنادي برفض تطبيق الشريعة هي في الواقع أصداء للصراع القبلي القديم، ولا سيما إذا عرفنا أن الشخصية النيجيرية رغم النزاع العرقي والديني ترى أن مصلحتها مع النيجري الأسود أكثر من المسيحي الأبيض. وتصريح الرئيس الحالي أوليسيغون أوباسانجو العام الماضي عقب عودته من واشنطن يعبّر عن قبول «مسيحي» لتطبيق الشريعة طالما أنها صدى نيجري محض.

س: لكن لماذا يرفض المسيحيون تطبيق الشريعة، بالرغم من تصريحات رؤساء الولايات التي أعلنت تطبيق الشريعة بأنهم لا يخضعون للقوانين الإسلامية؟
– هذا يؤكد أن المسألة أساساً متعلقة بالصراع القبلي القديم، ولا سيما إذا عرفنا أن هناك عقوبات للمحاكم المسيحية في الولايات الجنوبية أشد من العقوبات الإسلامية، فالزاني مثلاً في بعضها يرمى من جبل! .. الرفض هو في الواقع رفض للشمال ، وليس للشريعة.

لكن هذا لا يمنع وجود جهات خارجية غربية ـ كما أكدت شخصيات نيجيرية وطنية ـ عقب أحداث كادونا عام 2000م ـ كان لها دور تحريضي في الأحداث العنفيّة التي بدأها المسيحيون، ومن المهم التأكيد هنا على أنه ليس كل المسيحيين يؤيدون العنف والاضطرابات، كما عبر عن ذلك بعض قساوسة ولاية بورتو.

س: لماذا ظهرت قضية تطبيق الشريعة فجأة في نيجيريا؟
– لم تظهر فجأة أبداً.. الشعب النيجيري (الشماليون خصوصاً) كانوا تحت أحكام الشريعة الإسلامية حتى قدوم الاستعمار البريطاني، وكان الأمن موفوراً إلى درجة كبيرة. ولما قدمت بريطانيا وقامت بعمليات التبشير بين القبائل الوثنية، أرادت أن تغيّر أحكام الشريعة بحجة أن الشريعة تعارض القانون الطبيعي (الوضعي). ولم تنجح في ذلك، وضغطت على أحمد بيلّو ـ رحمه الله ـ الزعيم الوطني النيجيري المسلم لتغيير القوانين الإسلامية، فرفض، وأخيراً ساومته على تعديل القانون الجنائي بحجة اصطدامه مع القانون «الطبيعي» ليكون ثمناً لاستقلال نيجيريا، فاستدعى قاضي القضاة أبو رّنات من السودان، ليصوغ قانوناً مستمداً من الشريعة الإسلامية مع بعض التعديلات، كان ذلك في نهاية الخسمينيات، فاستقلت نيجيريا على هذا الأساس.

وكان في نيّة أحمد بيلّو أن يعدل القانون بعد الاستقلال، فوافته المنية ؛ حيث اغتيل في أوائل الستينيات، وبقي مشروع تطبيق الشريعة حلم المسلمين النيجيريين في الشمال والجنوب. فليس تطبيق الشريعة غريباً عن الشعب النيجري.

علاقة النيجيريين بالإسلام علاقة مميّزة جداً، واستقراء بسيط لتفاعل الشارع النيجيري مع قضايا المسلمين مثل الحصار على العراق، والانتفاضة الفلسطينية يؤكد ذلك . فمنذ بضعة أشهر خرجت في شمال مدينة كانو – مثلاً – مظاهرات ضخمة اشترك فيها آلاف النيجيريين احتجاجاً على الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، رفع المتظاهرون وقتها لافتات تدعو إلى تحرير المسجد الأقصى، وأحرقوا العلمين الإسرائيلي والأمريكي.

س: ما هو دور الشعب النيجيري في الإسهام في الإعلان عن تطبيق الشريعة؟
– الشعب النيجيري المسلم في الشمال والجنوب متفاعل تماماً مع تطبيق الشريعة، وصناديق الاقتراع ، والمشاريع المقدمة إلى البرلمانات النيجيرية المحلية تؤكد هذا في الحكومة الديمقراطية.

س: هل تم التصويت فعلاً؟
– نعم.. التصويت داخل البرلمانات.. بالنسبة للبرلمانات الشمالية كان الأمر منطلقاً من بعض أعضاء البرلمانات، وتمت المصادقة عليها عبر البرلمانات نفسها وبالطريقة الدستورية، وأعتقد أن الأمر نفسه بالنسبة لولايات الجنوب.

س: ألا يتعارض هذا مع الدستور الفيدرالي؟
– التركيبة الإدارية السياسية في نيجيريا ـ تسمح لكل ولاية أن يكون لها قانونها الخاص، وفي الدستور الفيدرالي مواد دستورية تسمح للبرلمانات بتطبيق القوانين التي تقرها البرلمانات المحلية بما يناسبها كالمادة العاشرة والثامنة والثلاثين أو التاسعة والثلاثين (لم أعد أذكر) من دستور 1999. وقد أكد رئيس المحكمة العليا في نيجيريا محمد عويس لوسائل الإعلام أن الدستور منح الولايات النيجيرية سلطة وضع نظامها القضائي الخاص بها مع نظام استئناف أمام المحكمة الفيدرالية. والمشكلة تكمن في اصطدام بعض أحكام العقوبات بهذا الدستور، والتي أشار إليها الرئيس الحالي أوباسانجو في تصريحه (المشار إليه آنفاً).

إن قانون الأحوال الشخصية إسلامي بالأساس، والقانون المدني كذلك مع بعض الاختلافات، وأسلمة الباقي لا يتصادم مع الدستور، فالمشكلة تكمن في بعض أحكام القانون الجزائي. والآن تضغط برلمانات الولايات المحلية على الحكومة الفيدرالية لإعادة النظر في الدستور كي يكون أكثر صراحة في النص على حرية اختيار القانون من قبل البرلمانات الوِلائية (المحلية)، وقد تم أخيراً تشكيل لجنة لإعادة صياغة الدستور لتحقيق هذا الغرض.

س: ذكرتم أن الشعب صوّت لذلك عبر البرلمانيين، لكن المسيحيين النيجيريين الذين يمثلّون أقليّة كبيرة يعترضون بشدّة على تطبيق الشريعة كما ينقل لنا الإعلام، ومنذ أيام مثلاً أعلنت جمعيّة مسيحية في إحدى ولايات نيجيريا أن المسيحيين لم يلتزموا بالقوانين الإسلامية التي بدأ العمل بها اعتباراً من يوم الجمعة قبل الماضي، وقال البيان الذي أصدرته الجمعية المسيحية (فرع ولاية بورنو) : إن المسيحيين في هذه الولاية لم يستشاروا في هذه القوانين، وبالتالي فهم سيرفضون الانصياع لها؟
– سيدي الفاضل هذا الخبر المنقول عن مسيحيي بورنو غير صحيح، فالمرجعيات المسيحية في ميدوغري عاصمة الولاية أعلنت الحياد، وأن أمر الشريعة لا يعنيها، وإذا صدق الخبر الذي تتناقله وسائل الإعلام ـ الذي يحرر دون عزوه إلى مصدر ـ فلابد أنه لا يعبر عن المرجعية المسيحية في ولاية بورنو التي أعلنت مراراً موقفها الحيادي.

وفي إطار موقف بعض المسيحيين ينبغي أن ننتبه إلى أمرين اثنين:
الأول: أن تطبيق الشريعة ليس نسفاً للقوانين السابقة، وإنما هو تعديل جزئي لبعض القوانين الجزائية والمدنية تحديداً.
الثاني: الولايات التي أعلنت تطبيق الشريعة بأغلبية برلمانية أعلنت أن المسيحيين لا يخضعون للأحكام الشرعية التي تخالف القانون السابق.

فهذا الزعم بأنهم لم يستشاروا في ذلك غير صحيح، فالقضية عرضت على البرلمانات ، والبرلمانات هي التي تمثل الشعب في نيجيريا بشكل حقيقي، وتمت المصادقة عليها بطريقة دستورية يفترض أنها تمثل إرادة الشعب.

وأريد التأكيد على نقطة مهمة هنا، وهي أن المثقفين الشماليين يرون أن تطبيق القوانين الوضعية يمثل لهم تجاوزاً لحريتهم الدينية، إذ يطبق عليهم قانون غربي (مسيحي)، لم يختاروه ، بل فرضه عليهم الاستعمار الذي بذر الشقاق في نيجيريا شماليها وجنوبيها، ويرون أن عودة تطبيق الشريعة هو عودة إلى حريتهم.

س: هل ترون أن تصوير الاعتراض المسيحي بهذه الصورة يبرر الأحداث الدامية التي عصفت بنيجيريا العام الفائت؟
– كما أسلفت سابقاً إن حقيقة النزاع بين المسيحيين والمسلمين هو نزاع عرقي طغى على السطح تحت مظلة قضية تطبيق الشريعة، كما أن في خلفية هذه الأحداث يشترك فيها التصارع بين الأجنحة في الحزبين الكبيرين في نيجيريا الجمهوري والديمقراطي، فتحميل الجانب الديني وزر وتبعة هذه الأحداث غير دقيق. ولا سيما إذا عرفنا أن تياراً لا يستهان به من المسيحيين كانوا يرفضون تورط مسيحيي كادونا في هذه الأحداث الدامية التي بادؤوا المسلمين فيها.

المسيحيون في كادونا فاجؤوا المسلمين فأحرقوا المسجد الكبير في طريق كانو، وقتلوا العشرات من المواطنين ، وفي اليوم التالي ، وبينما كان أهل الضحايا المسلمين في المقابر يدفنون قتلاهم، هاجمهم المسيحيون ثانيةً فقتلوهم وهم يدفنون أقرباءهم ، وهكذا ثارت الفتنة!

وحتى نكون موضوعيين أكثر، يجب ألا نفصل الانتماء العرقي لمسيحيي كادونا الذين ينتمون إلى قبائل «الكتساف» التي اضطهدتها قبائل «الهوسا» قبل فترة الاستعمار، عندما كانوا وثنيين، فناسب هذا الستار الديني هذه المكنونات العرقية.

س: حسناً… لكن البعض يرى أن إثارة هذه القضية (قضية تطبيق الشريعة) أثار القضية العرقية والصراعات القبلية من جديد، وبالتالي فهو يهدد الوحدة الوطنية في نيجيريا، والدخول في حرب أهلية طائفية، تقتسم نيجيريا إلى شمال وجنوب كما يقول كبير أساقفة كانتربري جورج كاري؟
– هذه التصريحات التي صدرت من أسقف كانتربري كانت قبل أن يلتقي حاكم زنفرة ( الولاية الإسلامية الأولى التي طبقت الشريعة الإسلامية في الشمال النيجيري، ومن المؤسف ألا تتناقل وسائل الإعلام سوى هذا التصريح! فبعد لقائه بحاكم زنفرة (محمد ساني) تغيّرت تصريحاته، فأثنى على العدالة الاجتماعية في الولاية ، وأن تطبيق الشريعة لا يجري على المسيحيين لأن لهم محاكمهم الخاصة.

ولابد من التأكيد أولاً على أن وسائل الإعلام قد ضخمت موقف المسيحيين من تطبيق الشريعة الإسلامية، فالاعتراض في الواقع كان من نسبة قليلة تركز في ولايات الإيبو المسيحية، لكنه لا يمثل كل المسيحيين ، والتي أصبحت تطالب مقابل تطبيق الشريعة بحقوق خاصة في النفط الموجود في ولايتها.. فقد تمت مناقشة ذلك الموضوع في البرلمان الفيدرالي، وقدم الشماليون حججهم في هذا السياق، وهي أن هذه الآبار حفرت بأموال شمالية من ريع الزراعة، فهي ثروة وطنية لجميع النيجيريين، ومع ذلك فقد وافق البرلمان الفيدرالي على زيادة دخول ولايتي الإيبو الجنوبية فارتفعت ميزانيتها مرتين أو ثلاث مرات عما كانت في السابق مقابل أن يطبق الشماليون الشريعة على أنفسهم!. فتنازل المسلمون عن حقوقهم في الثروة الوطنية حرصاً على الوحدة الوطنية حتى لا تتكرر حرب بيارفرا المروعة التي اندلعت في الماضي في بلاد الإيبو.

وفي سياق رد الفعل المسيحي عملياً يُستغرب الآن ما تناولته وسائل الإعلام مؤخراً من رفض مسيحيي بورنو الشمالية مشروع تطبيق الشريعة، وقد أكدت بعض الأوساط في بورنو أن مسيحيي بورنو يلتزمون الحياد تجاه هذه القضية كما أشرنا قبل قليل ، وأما انقسام نيجيريا إلى شمال وجنوب فهو فيما يبدو لي أمر مستبعد واقعياً.
أولاً: إن المسيحيين والمسلمين يتداخلون في الشمال والجنوب بدرجة كبيرة.
ثانياً: إن انفصال الجنوب يمثل تهديداً اقتصادياً للجنوب نفسه بالقدر الذي يهدد الشمال نفسه.
ثالثاً: إن ولايات الجنوب ولا سيما الجنوب الغربي يعيش فيها أغلبية مسلمة كما في قبائل اليوربا.
فضلاً عن أن منطقة الوسط وجنوب الوسط، أو ما كان يعرف باسم ولاية بينوي يمتزج فيه المسلمون والمسيحيون امتزاجاً كبيراً، ويبدو أن موضوع تقسيم الشمال والجنوب هو حلم لبعض أصحاب المصالح الذين يروجون لهذه القضية، ناهيك عن أن مسيحيي الجنوب النيجيريين مقتنعون بأن الأسود أفضل إليهم من الأبيض مهما كان.

الإسلام بالنسبة للنيجيريين ليس شيئاً وافداً . إنه أصيلٌ فيهم ، فالإعلان لم يأتِ بشكل اقتحام، وفي إطار العلاقة بين الشمال والجنوب يؤكد دوماً أن الشمال متفوق اجتماعياً حسب تصريحات كثير من الجنوبيين ، وأنه قدوة لأهل الجنوب أنفسهم، وعلى سبيل المثال كثيراً ما تطمح بنات قبائل الأيبو المسيحية بأن يتزوجن من أبناء «الهوسا» المسلمة.

عندما حصلت مشكلة مسعود ايبولا (الانقلابية) توقع الجميع أن تدخل نيجيريا في دوامة عنف، إسلامي ـ إسلامي، ولكنها انتهت بوفاة كلٍ من رئيسي الجمهورية محمد ثاني أباتشا وأبيولا نفسه ، وسئل أحد البريطانيين من السياسيين الخبراء بشؤون نيجيريا، عن هذه الأحداث، فقال: لا أستطيع أن أقول إلا أن الله موجود في نيجيريا!.

وللدقة لابد أن يدرك الشماليون عظم المسؤولية في هذا المشروع الذي يستثمره البعض استثماراً سلبياً، وأن يتجاوزوا كثيراً مما كان يقوم به أسلافهم من العلاقة السيئة مع الجنوب.

س: ما المشكلات التي تعترض تطبيق الشريعة في نيجيريا الآن؟
– أولاً: يعوق تطبيق الشريعة حالة الجهل بالإسلام، بالرغم من وجود مشاعر عارمة عاطفية تندفع إلى تطبيق الشريعة.
ثانياً: ندرة الكوادر القادرة على تقنين الأحكام الشرعية على طريقة الدساتير المعاصرة بما يناسب خصوصية نيجيريا.
ثالثاً: آثار العلمنة التي غزت نيجيريا منذ الاستعمار، والتي أسفرت عن أنماط جديدة من الأخلاق والمفاهيم التي تنافي الشريعة الإسلامية، وأما ما وراء ذلك مما يراهن عليه البعض من الاختلاف بين مواقف الاتجاهات الإسلامية النيجيرية فأمر مبالغ فيه، ولا سيما أن كافة الاتجاهات الإسلامية في نيجيريا التقت حول تطبيق الشريعة، حتى صارت قضية توحدهم.

س: وماذا عن تطبيق الحدود؟
– يجب التأكيد هنا على أن التعارض بين القانون النيجيري الجزائي المعمول به حالياً في الولايات التي لم تعلن تطبيق الشريعة الإسلامية والقانون الجزائي ضئيل ، ويكاد يحصر الخلاف في مسألتين أساسيتين:
القطع (للسارق) والرجم (للزاني المحصن). والجهات المسؤولة عن تطبيق الشريعة تقر بأن لكل ولاية ظروفها الخاصة ، فلها أن تطبق هذه الحدود أو تتدرج فيها تبعاً لظروفها، ويترافق ذلك مع إصلاحات اجتماعية واسعة.

س: قلتم إن الجهل بالإسلام عقبة في تطبيق الشريعة، بماذا تقوم الولايات حالياً لتجاوز هذه العقبة الخطرة؟
– أول خطوة من هذه الخطوات توجه وزارات التعليم إلى دمج مدارس الشجرة [الكتاتيب] غير النظامية في إطار التعليم النظامي الحكومي، لأنها لم تقم على أسس تربوية صحيحة، وكان بينها وبين المدارس النظامية طيلة فترة ما بعد الاستقلال سوء اندماج مما زاد مسألة الجهل بالإسلام، فضلاً عن أن هذه المدارس لا تدخل في إحصائيات التعليم الرسمية، فيرتفع مستوى الأمية في الشمال لكنه غير صادق في حقيقة الأمر.
ثانياً: توجهت الولايات إلى إصلاح التعليم الديني من خلال وضع المناهج التعليمية المناسبة، وقد أسهمنا في مركز الدراسات الأكاديمية في وضع منهج إسلامي عربي متكامل لمراحل التعليم المختلفة، بمشورة معهد التربية في جامعة أحمد بيلّو في زاريا وهو المعهد المعني بالدراسات العربية والإسلامية في نيجيريا.
ثالثاً: هناك توجه لإصلاح الإعلام ليسهم في نشر وتطوير الوعي الإسلامي.
رابعاً: شكلت لجان لشؤون الأوقاف تقوم مقام ما يسمى بوزارة الأوقاف عندنا، لعدم وجود ما يسمونه بوزارة الشؤون الدينية، وتقوم هذه اللجان بشؤون الزكاة وبالإشراف على الدعوة وتنشيطها ولا سيما في القرى النائية والأدغال.

س: الشعوب العربية عميقة الصلة بالإسلام، وهي أقرب بلغتها إلى نصوصه، فلماذا لم يعلن تطبيق الشريعة فيها برأيكم؟
– التغريب الذي خضع له العالم الإسلامي كان أضعاف ما خضعت له أفريقيا المسلمة ، وهذا يعود إلى طبيعة الصلة الخاصة بين العروبة والإسلام، فإن نظرة إلى مصر (محمد علي)، وتونس (بورقيبة) وأمثالهم مقارنة بمالي والنيجر ونيجيريا ودول أفريقيا المسلمة.. تضعنا أمام الإجابة بوضوح.

ومما يؤكد ذلك، أن الشعب النيجيري بالرغم من الاستعمار النيجيري الذي دام أكثر مما دام في بعض الدول العربية ما يزال النيجيريون متمسكين بعاداتهم وتقاليديهم ودينهم.. بينما كانت العلمنة والتغريب أشد في الدول العربية.
ورغم ذلك لو توافرت الحرية والديمقراطية في البلاد العربية سوف تكون صناديق الاقتراع قطعاً في غير صالح التغريب!

س: ما هو مستقبل تطبيق الشريعة في نيجيريا؟
– تطبيق الشريعة خيار استراتيجي للمسلمين في نيجيريا . من عاش في نيجيريا، وعاين الشعب النيجيري واقعاً، يرى شعباً واعياً، بعيد النظر، عميق الإيمان متماسكاً في بنيته الاجتماعية، وهذه مقومات كافية لضمان خيار هذا الشعب، واتفاق السياسيين النيجيريين شماليين وجنوبيين على هذه المعاني يبدد أوهام بيافرا (الحرب الأهلية) من جديد.
والمهم في كل ذلك أن لا يتدخل غير النيجيريين في مصيرهم، فإذا ترك القرار النيجيري ليكون مستقلاً فلن تكون النتيجة إلا الاستمرار في تطبيق الشريعة.

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!