الإضافة وتطبيقاتها في الخطب المنبرية

الإضافة وتطبيقاتها في الخطب المنبرية خطبة الجمعة حالة إبداعية بكل ما تحويه هذه الكلمة..

Share your love

الإضافة وتطبيقاتها في الخطب المنبرية

خطبة الجمعة حالة إبداعية بكل ما تحويه هذه الكلمة من: أصالة ومواكبة وتميز، ولذلك على الخطيب الحصيف أن يسأل نفسه قبل إعداد خطبته: ما هي الإضافة التي ستشملها الخطبة؟ .. «الإضافة» تلك الكلمة البسيطة المعنى العظيمة المبنى، ورغم أن للخطبة الجيدة عناصر عديدة ومقومات مديدة، إلا أن «الإضافة» تبقى هي سر التميز، ومفتاح التألق.

والإضافة كلمة فضفاضة المدلول، فقد تكون الإضافة في حسن اختيار الموضوع الذي يناسب حدث سائر أو ظاهرة منتشرة أو شريحة المستمعين.
أو قد تكون في الحرص على خلو الخطبة من الشوائب العقدية والبدعية والأحاديث الواهية والإسرائيليات وغرائب القصص.
وقد تكون تجميع فريد لنصوص الكتاب والسنة في موضوع معين على سبيل نشر المفاهيم الصحيحة وبسط رداء القرآن والسنة وبركتهما على المجتمع.
وقد تكون في «الصياغة» وهذا هو الباب الأعظم والمحك الأصعب الذي يميز الخطبة ويعطيها التألق والجاذبية عن غيرها.

«الصياغة».. من أخص سمات الإضافة، ومن مظاهر الخطبة الرصينة، ومن دلائل الخطيب المحنك؛ ذلك لأن الموضوعات الدينية في الغالب قد قتلت بحثا، وشملتها كل أقلام وألسنة الكتاب والبلغاء والخطباء، على مر العصور وتعاقب الأزمنة، وبات التكرار آفة تصيب الخطب المنبرية في مقتل.
لذلك كان السؤال المنطقي:

ما هي الإضافة، وكيف تكون الصياغة؟
خذ مثلا: (باب التعوذات والتحصينات) من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهو باب واسع طرقته المنابر بين مسهب وموجز، ويشتهر في هذا الباب حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: [أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ] [أحمد والطبرانى، صحيح الجامع74]

وحديث خولة بنت حكيم السلمية -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: [إذا نزل أحدكم منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل منه] [مسلم]

وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: [إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ]. [الترمذى، صحيح الجامع 701].

هنا يمكن أن تكون «الإضافة» في التركيز على توضيح معنى (كَلِمَات اللَّهِ التَّامَّاتِ) حتى يعرف المستمع بما يتعوذ، فهذا أجدر للنفع وإصابة الخير.
فكلمات الله التامات إما أن تكون (كلمات كونية قدرية)، وإما (كلمات شرعية).. أما الكونية فهي الكلمات التي يدبر بها الله تعالى أمر الخلائق والتي ذكرها عز وجل في قوله: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}[النحل:40] فهي الكلمات التي يكون الله تعالى بها الأشياء ويقدرها، وهي التي لا يجاوزها بر ولا فاجر، وهي المقصودة في الأحاديث السالفة الذكر.

أما الكلمات الشرعية فهي الوحي من القرآن، وفيها وقاية من كل سوء وشر.. وقاية من الشر قبل نزوله وبعد نزوله، أما قبل نزوله فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (أن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح) [البخاري]
وأما بعد نزوله فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم (أن الفاتحة إذا قرئ بها على المريض فإنه يبرأ بها) [البخاري] حتى إن الصحابي -رضي الله عنه- لما قرأ الفاتحة على سيد القوم الذي لدغ قام كأنما نشط من عقال [يعني: برأ حاله] لأن القرآن شفاء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57]
والكلمات الدينية الشرعية الفجار يتجاوزونها، يعني: يعصون أوامره، ويرتكبون نواهيه، لأنهم في الدنيا ممتحنون وفي الآخرة مجازون.

إن الإضافة أو الصياغة ليست بدعا من القول، أو اتيان بما لم يأت به الأوائل، ولكنها بصمة، تركز على نقطة معينة، أو تجلو مفهوم أصابه الغبش، أو تفتح أفقا ضاق من قلة تناوله.

ومن الأمثلة الأخرى (قضية الكلام)، وكما هو معروف أن الإنسان إما أن يقول خيرا فيغنم أو يصمت فيسلم، لكن ماذا لو تناولنا الموضوع من جهة «السداد في القول» وهي صفة أخص من قول الخير عامة:
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم مخاطبا عباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 69-70]، ويقول سبحانه: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]
هاتان الآيتان الكريمتان اختصتا بمصطلح قرآني وأدب رباني لم يرد في غيرهما من آيات الذكر الحكيم، وهو خلق «السداد في القول».
وفي اللغة: السداد والسدد: الاستقامة. والسَّدادُ: إصابةُ القَصد. وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض. قال ابن فارس: “ومن ذلك السَّديد، ذُو السَّداد، أي الاستقامة كأنّه لا ثُلْمة فيه”. فالسداد بالمعنى العام هو التوفيق للصواب وإصابة القصد في القول والعمل.

غير أننا إذا تأملنا نصي ورود المصطلح نلاحظ أنهما يشتركان في أمور هي:
– ارتباط السداد بالقول في الآيتين معا.
– الدعوة إلى القول السديد مسبوقة في النصين بالدعوة إلى التقوى.
– أن المأمور بالسداد هم المؤمنون لا غيرهم.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ }  أي: في كل ما تأتون وما تذرون، لاسيما في ارتكاب ما يكرهه { وَقُولُواقَوْلاً سَدِيداً} أي: قويماً حقاً صواباً.
قال القاشاني: السداد: في القول، الذي هو الصدق والصواب، هو مادة كل سعادة، وأصل كل كمال؛ لأنه من صفاء القلب وصفاؤه يستدعي جميع الكمالات، وهو وإن كان داخلاً في التقوى المأمور بها، لأنه اجتناب من رذيلة الكذب، مندرج تحت التزكية التي عبر عنها بالتقوى، لكنه أفرد بالذكر للفضيلة، كأنه جنس برأسه، كما خص جبريل وميكائيل من الملائكة.

هذه الأمثلة غيض من فيض، يندرج تحته كل المواضيع المطروحة للخطابه.. إن التكرار أسرع ما يمل الناس، فموضوعات التقوى والإيمان والبر والإحسان… كلها تحتاج من الخطباء إلى حسن الصياغة، في لفته جميلة وطرح سهل، تجلو حقيقة غائبة، وتنعش ذاكرة كليلة، وتنبه أذن صمها التكرار المخل.

وختاما الموفق من وفقه الله ، فاللهم نسألك التوفيق في أمورنا كلها.

Source: islamweb.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!