الإعجاز العلمي في قوله الجبال أوتادا
٠٨:٣٧ ، ٢٨ مارس ٢٠١٩
‘);
}
الإعجاز
يرجع أصلُ كلمة الإعجاز إلى الفعل الرباعيّ “عجز” فهو عاجز ومُعجز، ويُقال الإعجاز هو الضعف، ويقال عن أحد أنَّه جاء بإعجاز أي أنَّه جاء بشيء يعجز عن الإتيان بمثله البشر، والإعجاز في القرآن الكريم شيء لا شكَّ فيه، فكتاب الله -عزَّ وجلَّ- كتاب معجز في كلِّ جوانبه، لذلك وبعد دراسته تفسيره ظهر الإعجاز بأبهى صوره في كتاب الله، وخاصة الإعجاز البلاغي والبياني، ومع تطور العلم الحديث ظهر الإعجاز العلمي في كتاب الله، مع وجود الإعجاز الاجتماعي والتشريعي أيضًا، وهذا المقال سيتناول الحديث عن الإعجاز العلمي في آية الجبال أوتادا إضافة إلى تفسير هذه الآية والحديث عن أنواع الإعجاز في القرآن الكريم أيضًا.
تفسير آية الجبال أوتادا
يقول الله تعالى في سورة النبأ: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [١].
‘);
}
يقول الله تعالى في أوائل سورة النبأ، عن ماذا يتساءل الناس وفي ماذا يطلقون الأسئلة، عن النبأ العظيم، وقد اختلف أهل العلم في تفسير النبأ العظيم فقيل هو القرآن الكريم، حيث كانوا يختلفون على مدى صحته وهل هو من عند الله تعالى، ثم يقول هذا سيعلمون إنَّ هذا الكتاب العظيم من عند الله ويكرر هذا -سبحانه وتعالى-، ثمَّ تسرد السورة الكريمة بعض الدلائل القرآنية التي تتعلَّق بعرض الحجة على المكذبين، فيقول الله تعالى: ألم نجعل هذه الأرض مهادًا للناس مبسوطة على آخرها ليسرحوا فيها ويروحوا ويجيئوا ويعيشوا فيها بما فيها من خيرات هيّأها الله لهم أجمعين، ويقول: ألم نجعل الجبال رواسي وأوتاد نثبت فيها هذه الأرض كي لا تميل ولا تميد بالناس.
وجدير بالذكر إنَّ هذا المعنى يظهر أيضًا في آية أخرى، يقول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [٢]، والله تعالى أعلم. [٣]
الإعجاز العلمي في قوله الجبال أوتادا
يقول تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [٤]، بعد تطور العلم الحديث وحركة الكشف الكبيرة التي قام بها الإنسان، وتطور علم الجيولوجيا وهو علم الأرض، وصل الإنسان إلى معرفة كبيرة بمظاهر الطبيعة المختلفة وبكلِّ تضاريسها، وقد وضع العلماء كثيرًا من النظريات العلمية الجيولوجية التي تتحدث عن شكل الجبال ومدى امتدادها في الأرض، وجدير بالذكر إنَّ الجغرافيين أكّدوا إنَّ الجبال تشبه في شكلها شكل الوتد فهي تمتد عميقًا في الأرض ويظهر منها بعضها فقط، وهي تشبه المرساة فهي تغور في الأرض حتَّى تصل إلى منطقة الحمم البركانية التي هي في باطن الأرض، وهذا ما اكتشفه العلماء في القرن الثامن عشر، أي بعد نزول القرآن على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بقرون طويلة، وقد وصف القرآن الكريم هذه النظرية العلمية بآية بسيطة وبكلمة واحدة، تعكس الحكمة الإلهية في الخلق، وتؤكد أنَّ هذا الكتاب من عند الله، وتدحض حجج المشكين الذين يكذبون هذا الكتاب العظيم، يقول تعالى: {ألم نجعل الأرضَ مهادا * والجبال أوتادا} [٤].
وجدير بالذكر بعد الحديث عن الإعجاز في آية الجبال أوتادا أنَّه لم يكتشف العلماء الجيولوجيون وظيفة الجبال إلَّا في السنين الأخيرة، وهي تثبيت الأرض وتحقيق التوازن لهذا الكوكب، وهذا ما بيَّنه الله تعالى في كتابه الحكيم قبل ألف وأربعمئة عام، حين قال في سورة النحل: {وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [٥]، والله أعلم. [٦]
الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم
بعد الحديث عن الإعجاز العلمي في آية الجبال أوتادا سيتم المرور على الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم، ويكمن الإعجاز التشريعي في كتاب الله تعالى، فيما حوى وأعطى للناس أجمعين من تشريعات تنظِّم المجتمعات وتضبطها، فالحدود التي وضعها القرآن الكريم تضبط كثيرًا من الجرائم التي قد يرتكبها الإنسان والتي من شأنها أن تحط من قيمة المجتمعات، وتنشر الفساد في المجتمعات الإنسانية، فالإعجاز التشريعي يكمن هنا، ويظهر في بناء مجتمع إنساني كامل قائم على تشريعات هذا الكتاب العظيم، سيجعل من هذا المجتمع مجتمعًا حاضنًا للفضيلة التي يبحث عنها الإنسان ولكنَّه لن يجدها إلَّا في شرع الله وكتابه وتطبيق أحكامه، قال تعالى في سورة إبراهيم: {لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [٧].
ولا يمكن إنكار التاريخ الإنساني الطويل الذي يؤكد وجود بعض الشخصيات التاريخية التي قامت من قديم الزمان بوضع قوانين خاصة، وتشريعات لتضبط حضاراتها، وكان أوَّل قانون عرفه البشر هو قانون حمورابي، ولكنَّ القرآن الكريم وضع تشريعات لكلِّ ما يمكن للإنسان أن يتعرَّض إليه في هذه الحياة، فهو بمثابة دستور كامل شامل لكلِّ مجالات الحياة، وهذا ما يؤكِّد على أنَّ هذا الكتاب جاء من لدن حكيم عليم، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ}. [٨] [٩]
الإعجاز الغيبي في القرآن الكريم
بعد الحديث عن تفسير آية الجبال أوتادا وإظهار الإعجاز العلمي فيها، والحديث أيضًا عن الإعجاز التشريعي في القرآن الكريم، سيتم المرور على الإعجاز الغيبي في كتاب الله تعالى، ويقصد بالإعجاز الغيبي الأمور الغيبية التي أخبر بها الله تعالى في كتابه الحكيم، سواء كانت هذه الأمور مستقبلية أو تاريخية لم يعرف عنها الناس من قبل، أو كانت أخبار قديمة لا يمكن للبشر إدراكها، ويمكن القول إن بداية الخلق من الأمور الغيبية التي أخبر عنها كتاب الله -عزَّ وجلَّ- كما أنَّ أخبار الأمم السابقة من الأنبياء والمرسلين وأممهم تعدُّ من الأمور الغيبية التي لا يعرفها البشر وأخبر عنها الله تعالى في كتابه الحكيم، قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [١٠].
ومن الأمور الغيبية أيضًا الآيات التي أنزلها الله تعالى على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لكشف حقيقة المنافقين وأقولهم، وهذه أمور كانت في صدور المنافقين ولا يعلمها إلَّا الله، قال تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} [١١]، وكلُّ هذا الأمور تبرهن أن هذا الكتاب من عند الله، ولا يمكن إلَّا من عنده، فسبحان الله خالق كلِّ شيء، وعالم كلِّ شيء. [١٢]
المراجع[+]
- ↑{النبأ: الآية 1-7}
- ↑{الأنبياء: الآية 31}
- ↑والجبال أوتادا, ، “www.quran.ksu.edu.sa”، اطُّلِع عليه بتاريخ 04-02-2019، بتصرّف
- ^أب{النبأ: الآية 6-7}
- ↑{النحل: الآية 15}
- ↑والجبال أوتادا, ، “www.islamweb.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 04-02-2019، بتصرّف
- ↑{إبراهيم: الآية 24-25}
- ↑{النمل: الآية 6}
- ↑كتاب لا يُعارض, ، “www.saaid.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 04-02-2019، بتصرّف
- ↑{هود: الآية 49}
- ↑{الأحزاب: الآية 12}
- ↑إعجاز القرآن الكريم, ، “www.alukah.net”، اطُّلِع عليه بتاريخ 04-02-2019، بتصرّف