الإنفلات من الأكاديميا ولقطات تعكس تنوع البيئة المصرية

القاهرة ــ «القدس العربي»: ضمن أنشطة (ساقية الصاوي) الثقافية يُقام حالياً معرضان تشكيليان، أولهما معرض للتصوير الفوتوغرافي، بقاعة (الأرض) للمصوّر «أحمد راضي»، وهو المعرض الأول له، الذي جاء بعنوان «ألبوم وطن»، حيث يقوم باستعراض لقطات متنوعة لبيئات ولحظات مختلفة، تم التقاطها خلال ثلاث سنوات كاملة. والثاني معرض مُشترك للتصوير الزيتي، لكل من الفنانين «رحاب حسين» و»أيمن فؤاد»، أقيم بقاعة (الكلمة)، يغلب عليه الحِرفية الشديدة في لوحات كلا الفنانين، وصياغة مفردات اللوحة من خلال وعي فني حاد، سواء من خلال الألوان والتفاصيل، وصولاً إلى النِسب التكوينية، فاللوحات عبارة عن عالم آخر مستقل عن الواقع، وإن كان يتشابه معه في مجرد التفاصيل الشكلية. فالمقابلة بين المعرضين ــ رغم اختلافهما من حيث طبيعة فن كل منهما ــ تأتي من خلال تجربة تلقائية مُتحققة في المعرض الأول، مقابل تجربة غنية، توحي بتجارب فنية عديدة، ورؤى فلسفية، ومواقف اجتماعية حاولت اللوحات إيصالها من خلال كل مفرداتها.

الإنفلات من الأكاديميا ولقطات تعكس تنوع البيئة المصرية

[wpcc-script type=”eb72d377338b2f8fef182435-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: ضمن أنشطة (ساقية الصاوي) الثقافية يُقام حالياً معرضان تشكيليان، أولهما معرض للتصوير الفوتوغرافي، بقاعة (الأرض) للمصوّر «أحمد راضي»، وهو المعرض الأول له، الذي جاء بعنوان «ألبوم وطن»، حيث يقوم باستعراض لقطات متنوعة لبيئات ولحظات مختلفة، تم التقاطها خلال ثلاث سنوات كاملة. والثاني معرض مُشترك للتصوير الزيتي، لكل من الفنانين «رحاب حسين» و»أيمن فؤاد»، أقيم بقاعة (الكلمة)، يغلب عليه الحِرفية الشديدة في لوحات كلا الفنانين، وصياغة مفردات اللوحة من خلال وعي فني حاد، سواء من خلال الألوان والتفاصيل، وصولاً إلى النِسب التكوينية، فاللوحات عبارة عن عالم آخر مستقل عن الواقع، وإن كان يتشابه معه في مجرد التفاصيل الشكلية. فالمقابلة بين المعرضين ــ رغم اختلافهما من حيث طبيعة فن كل منهما ــ تأتي من خلال تجربة تلقائية مُتحققة في المعرض الأول، مقابل تجربة غنية، توحي بتجارب فنية عديدة، ورؤى فلسفية، ومواقف اجتماعية حاولت اللوحات إيصالها من خلال كل مفرداتها.

«ألبوم وطن» .. الانفلات من الجمود الأكاديمي
اختار المصور «أحمد راضي» اسم «ألبوم وطن» ليكون عنوان معرضه الأول، والذي يوحي بأجواء اللقطات التي اختارها. اللافت أن (راضي) لم يدرس أكاديمياً، بل تناول موضوعاته في شكل يسيطر عليه الإحساس بالمكان والجو العام، واللحظة التي يريد تسجيلها والاحتفاظ بها، هذه الدرجة من الهواية ألقت على المعرض إحساساُ قوياً بالحياة، حتى وإن اتخذت اللقطات شكل الطبيعة الصامتة، ونأت بصاحبها عن النظريات الأكاديمية وتفاصيلها، التي تحد بدرجة ما بتلقائية الفنان، فالقواعد تعد قيداً في الكثير من الأحيان، وقد كان الفنانين الكبار على وعي بهذه المسألة، فكان عليهم دراسة القواعد جيداً، ثم العمل على كسرها تماماً بعد ذلك، فالتنظير دوماً يلحق التجربة الفنية، وليس العكس.
مظاهر البيئات المختلفة
تنوعت اللقطات كمحاولة لتشمل البيئات المصرية المختلفة، من البيئة الصحراوية، حتى البحر وعالمه، وصولاً إلى القاهرة ومعالمها. لم تقتصر اللقطات على طبيعة هذه البيئات، بل أصبحت الشخصية احد مفردات اللقطة، شخصية من البيئة ومُكملة لها، كحالة الصيد والمراكب والشِباك، وبيئة الصحراء ومهنة الأدلاء على سبيل المثال، الشخوص هنا أيضاً من خلال تكوين الكادر يصبحون جزءا من هذا العالم، من حيث ترتيبهم وخلق عمق بين مقدمة وخلفية الكادر، وحتى مع وجود خطأ ما في التكوين ــ الرجل الذي لا يظهر وجهه في المنتصف، وجلستهم توحي بشيء من التوجيه من المصور ــ إلا أنه يعتبر سمة من سمات اللقطات الواقعية إلى حدٍ كبير. مظهر آخر يتم تناوله وهو مظهر تراثي وثقافي (رسم الوشم) ففي لقطة قريبة تجمع بين يد واشمة وأخرى موشومة، يد لامرأة سمراء تقوم برسم الوشم ليد شابه بيضاء، ولم يزل قلم الرسم فوق يد الفتاة يرسم ما تخيلته صاحبته، اللقطة جيدة، خاصة لما تحمله من تناقضات بين تقافتين مختلفتين، من حيث الملابس والاكسسوارات والبيئة المختلفة، بخلاف الموقف نفسه الذي تم التقاط الصورة من أجله، فهي لقطة متعددة الدلالات، ويمكن تفسيرها على أوجه عدة، والتي من الممكن ألا يكون قد فكر بها المصور نفسه، فالعمل الجيد دوماً يفوق بتفسيراته وجهة نظر صاحبه.
الطبيعة الصامتة
حاول (راضي) أن يجعل من لقطات الطبيعة الصامتة أن تكون دالة على المكان وثقافته، كبرّاد الشاي الموضوع في الفحم، والذي يتصدر الكادر، وفي الخلفية على خط الرؤية نفسه صخرة كبيرة تعمل على اتزان الكادر، أُخذت اللقطة بعدسة طويلة البُعد البؤري، لتظهر البرّاد والرماد المتخلف عن النيران، بينما الخلفية تصبح مرئية بالكاد، وهو من سمات استخدام مثل هذا النوع من العدسات، لتصبح الخلفية فقط للإيحاء ببيئة الشيء صاحب الصدارة في الصورة. صورة أخرى مدروسة التكوين إلى حد ما، لإظهار معالم القاهرة، ليتصدر كأس زجاجي الكادر هذه المرّة، وتبدو معالم القاهرة في الخلفية … كنهر النيل وبرج القاهرة والبنايات الشاهقة على الضفة الأخرى من النيل، وهي تفاصيل قاصرة على جو القاهرة وطبيعته.

الجسد الأنثوي وتجلياته
تجربة الفنانة «رحاب حسين» تدعو إلى التأمل في الحالة الاحتفائية التي تخلقها في لوحاتها بالمؤنث وعالمه، احتفاء لوني في المقام الأول .. الألوان الحارة هي المُسيطرة على أغلب اللوحات، من الممكن أن تأتي المصطلحات البلاغية لتوضيح الحالة أكثر ــ اللغة هنا فعل ووسيط لترجمة التجربة ــ من الفكرة الشعورية لدى الفنانة إلى اللوحة، ثم إعادة التوضيح من خلال اللغة في الكتابة عن اللوحة، وهي بذلك تحتمل تأويلات عدة من جانب المُتلقي. هناك الجسد الأنثوي وما يحمله من حالات نفسية مختلفة، هناك لوحة الفتاة داخل الإطار، وكأنها تطل من نافذة، إلا ان النصف الأسفل من جسدها يصبح خارج هذا الإطار، في تكوين مُبالغ فيه، مقارنة بالجزء العلوي من جسدها، إضافة مع اللون الأحمر للرداء، والتوازن اللوني مع لون شعر الفتاة، وهو من درجات الأحمر نفسه، فالفتاة هنا هي التي ترى العالم من داخل اللوحة (من داخلها كشخصية تمتلك وتسيطر على الكادر بالكامل) أشبه بالبورتريه، إلا أن ثقل التكوين في الجزء الأسفل من اللوحة ــ الحجم الذي يشغله من الكادر واللون الأحمر، مقارنة بمساحة الأبيض في الجزء العلوي، يجعل منه ساحة صراع لا يُستهان بها، والفتاة تعرف ذلك وتدركه جيداً، يبدو هذا في نظرة عينها، التي تبدو كمركز الاهتمام في الصورة، وكأنها تجري اختباراً للمُشاهد في احاطته بكافة تفاصيل اللوحة وصاحبتها، لابد من وقت للتعرف إليها واكتشافها في هدوء وصبر شديدين. عمل آخر تواصل من خلاله (رحاب حسين) التأكيد على مفردات تتكرر في اللوحات لتخلق إيقاعها الخاص، كالإكسسوارات كـ (الحَلق) وسلسلة الرقبة التراثية إلى حد ما، والمتناقضة مع حداثة الوجوه وتفاصيلها، والنقوش التي توحي بنقوش الفن الإسلامي/التراثي، سواء في ملابس الفتاة، أو خلفية اللوحة، إضافة إلى القط الأسود المتكرر في عدة لوحات، وهي رموز تخلق عالماً خاصاً تحياه هذه الشخصيات، وتوحي به أكثر مما تصرّح.
عالم مُفزع
على العكس من تجربة انفلات الجسد من قوانينه، كما جسدتها (رحاب حسين)، تأتي لوحات الفنان «أيمن حسين» لتجسد مدى انفلات الوعي، وصولاً لحالة مما فوق الوعي (سيرياليزم) تحاول تجسيد حالات من الفزع والتنافر في عالم اللوحة الواحدة، وهو ما يتكرر في معظم لوحات (أيمن فؤاد)، سواء في حالة العيون الشاخصة، والتي تحتل مساحة الاهتمام من اللوحة، رغم كل الخطوط التي تختبئ خلفها هذه العيون وصاحبها. عمل آخر يبدو وجه كامل، بينما تحيطه كائنات خرافية لم تظهر سوى عيونها المُتربصة، والتي تسيطر على اللوحة، في تفاصيل متداخلة، بخلاف المساحة التي يشغلها الوجه ــ اللوحة توحي بأجواء لوحة كامل التلمساني التي رسمها لألبير قصيري ومخلوقاته ــ فهناك عالم آخر وحالة من الفزع والخوف تحيط بالشخصية الأساس في اللوحة، وقد تكون هذه الحالة ترجمة لمخيلة هذه الشخصية، التي يبدو عليها الهدوء الشديد، والنظرة الواثقة، بما ان هذا العالم بكامله يقع في خلفية اللوحة، وجزء منه فقط يلق جسد الشخصية. الأمر يحتمل العديد من التأويلات والتفسيرات، وهو ما يدل على نجاح الفنان في إثارة مثل هذه الاستنتاجات الشخصية، من خلال الانفعال والتفاعل مع لوحاته.

محمد عبد الرحيم

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *