المحتوى:
1- ما هي الإيجابية السامة
2- علامات الإيجابية السامة
3- الإيجابية السامة تدمر حياتك
في فيلم “Inside Out”، رأينا محاولات الفرح دائما أن يُسكت المشاعر السلبية ويمنعها من الظهور، فكلما أردات الفتاة أن تحزن، تبدأ في جلب ذكريات مبهجة لتصرفها عن هذا الشعور السلبي، فلا حزن أو غضب أو خوف، فقط سعادة دائمة وإيجابية، حتى صارت الفتاة باهتة وكأنها تمثال.. يمكننا أن نعتبر تلك أحد أشكال الإيجابية السامة، والتي لم تتخلص منها الفتاة ولم يعدها إلى طبيعتها، سوى أنها عاشت المشاعر جميعها كما ينبغي دون أن تتجاهل الرغبة في البكاء أو التعبير عن الخوف.
ما هي الإيجابية السامة
قد يبدو ذلك غريبا لدى البعض، كيف يمكن للإيجابية أن تكون سامة ومؤذية؟ وكيف تتحول الرغبة في النظر دوما إلى نصف الكوب الممتليء إلى زيف؟ الفكرة هي عندما تتحول هذه الإيجابية والتطلع دوما بنظرة متفائلة للحياة إلى شعور لا فائدة أو قيمة له، خاصة إذا كان هدفه أن يتعامل مع أي مشاعر إنسانية أخرى، وخاصة، السلبية أو الموجعة منها، باستحقار واستهانة، وأنها لا يجب أن تكون موجودة من الأساس.
أتعرف من يخبرونك أن تنهض وتجري وتسعد بالحياة، بعد أن تكون قفد تعرضت لحادثة فقدت فيها إحدى قدميك (يعتبر هذا تشبيه مُبالغ)، ولكن هؤلاء هم الناطقون باسم الإيجابية السامة، التي يمكننا تعريفها على أنها “الاعتقاد بأنه على الجميع الحفاظ على نهج المشاعر الجيدة فقط، والتفكير بصورة متفائلة بشكل مفرط، مع قمع واضح لتجربة المشاعر الإنسانية المختلفة والأصلية، والوقوع في حالة من الإنكار وكبت المشاعر لنكون دوما في حالة من الإقبال والابتهاج غير المبرر”.
الأصل في الحياة أن نعيشها كتجربة إنسانية كاملة، نختبر خلالها الغضب والخوف والغيرة والفرح والإيثار والاستئثار، ولن يفيد أن تحاول قتل أي مشاعر تعتقد أنها سلبية ولا تختبرها، معتبرا أنها تعوقك عن ممارسة حياتك، رغم أن ما يحدث هو العكس. عندما نشعر بالحزن لا نريد من يقول لنا “اترك الحزن ولا تضع وقتك، واسعد واستمتع”، لأن هذا لن يترك داخلنا سوى الشعور بالعار والذنب، ولكننا نريد من يفهم ويسمع ويتركنا نختبر مشاعرنا لنهايتها.
علامات الإيجابية السامة
لا يعني حديثنا أن كل ما هو إيجابي سام وأننا يجب أن نغرق في السلبية، ما نقصده هو أن الإفراط والتعميم هو الذي يفسد كل شئ، فمن غير المنطقي أن تكون الإجابة على كل ما يحدث هو “انسى ما حدث، أنت بخير”، الكلمات التي بتنا نعتبره حديث “التنمية البشرية”، الذي لا يراعي ظروف الأشخاص ومعاناتهم، ويجبرهم على أن يعيشوا وهم لا يناسب وضعهم أو حياتهم.
ومن العلامات التي تشير إلى الإيجابية السامة، والتي قد تكتشفونها في مَنْ حولكم أو تجدون أنكم تتحدثون بلسانها:
- التقليل من تجارب الآخرين أو من أي صعوبات، وترديد “يجب عليك أن تشعر بالرضا، كان يمكن للأمور أن تكون أسوأ”، أو “أنت أفضل حالا ممن يعانون من كذا ويواجهون كذا”.
- المطالبة بأن تبقى إيجابيا و “تنظر للجنب المشرق” حتى وأنت تمر بتجربة سيئة وصعبة، بالتأكيد التفاؤل مهم، ولكن العيش بواقعية والتعامل مع فقدان أو خسارة حقيقية أهم، وأن يكون هناك مساحة للتعبير عن المشاعر السلبية دون لوم.
- عندما تجعل الأشخاص يشعرون بالذنب لأنهم غير سعيدين، مرددا أن “السعادة اختيار وقرار” كأنهم اختاروا أن يكونوا تعساء.
- إجبارك على إخفاء مشاعرك الحقيقية، حتى لا يتم لومك أو تضطر إلى سماع كلمات إيجابية جوفاء وفارغة المعنى لا تراعي ما تمر به.
- التقيل من قدرات الأشخاص الآخرين على اتخاذ القرار، والقول إنه يمكن ببساطة “التخلص من كل ما يزعجك” في تهكم يُشعرك أن الأمر أشبه بضغطة زر.
- عندما يخبرك المحيطون بأن تنسى ما فات “وتمضي في حياتك”، في رفض واضح للمشاعر التي تمر بها والعمل على إخفائها، دون إدراك أن ما نخفيه ونضعه تحت السجادة اليوم، سيبتلعمنا في المستقبل.
قد تكونوا سمعتم هذه الجمل، أو اكتشفتم أنكم قمتم بترديدها على من كانوا يخبرونكم بأنهم يفتقدون أحباءهم الراحلين، او يشعرون بالغيرة من زملائهم في العمل، أو يتألمون بسبب فشلهم. الهدف منها قد يكون نبيل وإنساني، ويتمنى أن يرى من حوله يعيشون في سعادة، ولكنها أيضا تنكر عليهم ما يختبرونه وتعتبره شيء سيء، رغم أنه طبيعي ولا يمكن لوم أو فضح أحد بسببه.
الإيجابية السامة تدمر حياتك
يعتبر مارك مانسون، مؤلف كتاب فن اللامبالاة، أن كل شئ يستحق العناء في هذه الحياة، يأتي من التعامل مع المشاعر السلبية أو المواقف السيئة، وأن أي محاولة للهروب وتجنب السلبية وتدميرها وإسكاتها يتسبب في نتائج عكسية، فتجنب المعاناة هو شكل من أشكال المعاناة، وتجنب النضال صراع، وإنكار الفشل بالتأكيد هو فشل، ومحاولة إخفاء ما يخجلك يشعرك بالعار.
وهذا بالضبط، ما يجعل الإيجابية السامة مؤذية ومدمرة لك ولمن حولك، فهي تجعلك غارق في وهم المشاعر الإيجابية المستمرة، ولا تسمح لنفسك بالحزن أو اليأس أو تقبل الفشل، فتجد أنك تعاند مشاعرك وترغمها على الاختفاء، دون ان تدري أنها تكبر داخلك وتتحول إلى وحش قد يهزمك في أية لحظة.
سامية الإيجابية تجعل الأوقات الصعبة أكثر صعوبة على الأشخاص الذين يواجهونها، لأنهم يحتاجون حينها إلى المشاركة والدعم، لا أن يكونوا مرفوضين وأن تصبح مشاعرهم “السلبية” منبوذة ولا يمكن تحملها.. ولذلك احذرو مما يمكن أن تفعله الإيجابية السامة، مثل:
الشعور بالعار
نعم، قد يصل الأمر إلى هذا الحد، عندما تكونون مصدر لطاقة إيجابية سامة أو تجدون من حولكم يخبرونكم بأنه يجب أن تكونوا أكثر تفاؤلا وإقبالا على الحياة، رغم وجود سبب للحزن أو التعاسة أو الغضب، فهذا سيجعلكم تخجلون من مشاعركم وتضطرون للصمت تجاه ما تمرون به، حتى لا تكونون عائق لغيركم بوجودكم السلبي، فيستمر الإنكار والاختفاء وراء هذه المشاعر خوفا من الحكم عليكم وعدم تقبلكم، وينتابكم شعور بالعار تجاه أنفسكم وعدم الراحة، ويعيق ذلك أن تعيش حياتك بصورة طبيعية.
مشكلات صحية
عندما نضطر إلى إخفاء مشاعرنا الحقيقية، ونصطنع وجها مزيفا لا يتناسب عما يختلج بصدورنا، يكون لذلك تأثير سلبي قوي على صحتنا النفسية والجسدية، كوننا نتعمد كبتها ودفنها ولا نحترم ما نشعر به حتى لا يتم لومنا أو نبذنا، ونواجه الحزن والغضب بابتسامة ونخبر أنفسنا “كل شيء سيكون بخير”، ونعتقد أن التعامل السليم هو تجاهلها، لنجدها تؤلمنا بطريقة أخرى، فقد نصاب بالاكتئاب والقلق، وأمراض جسدية أخرى متعلقة بآلام الظهر مثلا أو القولون العصبي.
الزيف والعزلة
عندما يفقد الشخص القدرة على أن يكون صادقا في التعبير عن مشاعره، ويُصدر دوما الصورة الإيجابية الزائفة، ويشعر الآخرين أن التواجد حوله يجب أن يكون بمشاعر إيجابية مبهجة دوما، ولا مجال للحديث عن أحاسيس حقيقية عميقة، فيولد ذلك زيف عاطفي، ويجعل الشخص معزول عن اللآخرين للذين لن يشعرون بالراحة في وجوده، غير أنه هو نفسه لن يشعر بالراحة مع وحدته مثلا، ولن يتمكن من أن يختلي بنفسه، ويتعمد أن يكون منشغل دوما حتى لا يصطدم بمشاعره الحقيقية الإنسانية.. والناتج عن ذلك عزلة وغربة عن نفسه وعن من يحيطون به.
التراجع
عدم القدرة على مواجهة المشاعر “السلبية أو غير المريحة”، وفقدان إمكانية التعبير عنها، لن يُنتج في النهاية سوى تراجع كبير، وليس تقدم أو تطور- كما يتصور البعض- لأنك لم تتمكن من تخطي ما تشعر به والتعامل معه، فستكتشف معوقات أكبر تعتقد أن تجاهلها والنظر بإيجابية غير مبررة هو الحل، لتكتشف في النهاية أنك تخسر وتتراجع.
انقذوا أنفسكم من الإيجابية السامة، وتابعوا تصرفاتكم ومكذلك من حولكم، حتى لا تقعون في فخ الابتسامات الزائفة والمشاعر غير الحقيقية.. وتصطدمون بواقع قاسي لا تملكون أدوات التعامل معه.