ليس كل من قال أنا مكتئب هو حقاً كذلك، فالاكتئاب مرض نفسي لا يستهان به، وله صورة سريرية مميزة، ومعايير خاصة لتشخيصه (سيتم التطرق لها لاحقاً).

ويعرّف البعض الاكتئاب بأنه الشعور بالحزن والتعاسة، وقد يكون ذلك صحيحاً، غير أن الكثير منا يشعر، أو يعاني، من الحزن والتعاسة في فترة من فترات حياته، ولمدة قصيرة، غير أننا لا نستطيع اعتبار ذلك اكتئاباً. ومن هذا المنطلق يمكن تعريف الاكتئاب الحقيقي (المرضي) بأنه اضطراب مزاجي Mood Disorder يتجلى فيه الشعور بالحزن وعدم الاستمتاع بملذات الحياة، والتشاؤم والإحباط وتدني الطاقة الجسدية والعقلية. ويؤثر كل ذلك سلباً على الأداء الوظيفي والواجبات اليومية لعدة أسابيع أو عدة أشهر.

وبتعبير آخر، أستطيع القول إن الشعور بالحزن (أو ما نسميه “اكتئاب”) يحدث عند الجميع، غير أن هذا الشعور يتلاشى عادة ويزول تلقائياً بعد مرور فترة قصيرة من الزمن. في حين أن الاكتئاب المرضي هو عبارة عن اضطراب نفسي طويل الأمد يتمظهر في الحزن وعدم الاستمتاع بمباهج الحياة، يؤثر سلباً على حياة الإنسان المصاب به، وعلى نشاطه اليومي. إضافة إلى أنه يؤثر سلباً على حياة الأشخاص المقربين من المريض. ويحتاج المريض في هذه الحالة للتدخل الطبي للتخفيف من معاناته، من جهة، ولمنع تطور مضاعفات الاكتئاب، من جهة أخرى. علماً أن أغلب حالات الاكتئاب تستجيب جيداً للعلاج.

ويعتبر الاكتئاب واحداً من أكثر الأمراض (الجسدية والنفسية) التي تؤدي إلى إزعاج وإعاقة المصاب به. فالعذاب النفسي المستمر والتفكير بالانتحار تؤثر سلباً على نوعية حياته (علماً أن مرضى الاكتئاب معرضين لخطر الإقدام على الانتحار أكثر من غيرهم من المرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية أخرى).

وقد يكون الاكتئاب مرضاً قائماً بحد ذاته، وفي هذه الحالة يسمى “اكتئاب أولي”. أو قد يكون عرضاً من أعراض أمراض جسدية ونفسية أخرى. وفي هذه الحالة يسمى”اكتئاب ثانوي”. وفي هذا المقال سنركز جل اهتمامنا على الاكتئاب الأولي.

أسباب الاكتئاب

أكثر النظريات ترجح أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء إصابة الإنسان بالاكتئاب هو انخفاض مستوى الناقلات العصبية Neurotransmitters في الدماغ وأهمها “السيروتونين” Serotonin و “النورأدرينالين ” Noradrenaline. والناقلات العصبية هي عبارة عن مواد كيميائية تستخدم لتحقيق الاتصال بين الخلايا العصبية. لذلك نلاحظ أن تناول المريض للأدوية المضادة للاكتئاب (والتي ترفع من مستوى الناقلات العصبية المذكورة سابقاً) يؤدي إلى التخفيف أو القضاء على أعراض الاكتئاب.

وهنالك عوامل عدة تساعد على حدوث هذه التغيرات الكيميائية في الدماغ، وهي:

  • المورثات: أشارت بعض الدراسات إلى أن لبعض أنواع الاكتئاب أسباباً وراثية لها علاقة بمورثات (جينات) معينة.
  • الشخصية: كذلك أشار بعض الدراسات إلى أن لأنواع معينة من الشخصية personality قابلية للإصابة بالاكتئاب.
  • المحيط والمجتمع: يؤدي فقدان شخص عزيز (سواء بسبب الموت أو السفر) وتدني الحالة الاقتصادية وفقدان وظيفة وتوترات أخرى، إلى إصابة الشخص بالاكتئاب. كذلك يؤدي الإيذاء الجسدي والجنسي والعاطفي في سن الطفولة إلى إصابة الطفل بالاكتئاب مستقبلاً. إضافة إلى أن الخلافات العائلية طويلة الأمد تؤدي إلى إصابة بعض أفراد العائلة بالاكتئاب.
  • الأمراض والأدوية: يؤدي الإصابة ببعض الأمراض المزمنة وتناول بعض الأدوية والإدمان على المخدرات إلى إصابة الشخص بالاكتئاب (اكتئاب ثانوي).
  • الشيخوخة: قد يؤدي فراغ البيت من الأبناء إلى معاناة المسن من الوحدة وفقدان الدعم المعنوي، وهذا قد يصيبه بالاكتئاب.

وهناك النظرية الهرمونية التي تنص على أن بعض التغيرات الهرمونية تؤدي إلى إصابة الشخص بالاكتئاب. فمثلاً، قد يؤدي الانخفاض المفاجئ لمستوى هرموني الأستروجين Estrogen والبروجسترون Progesterone بعد الولادة مباشرة، إلى إصابة المرأة الحامل باكتئاب ما بعد الوضع Postpartum Depression. وللحصول على المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، يرجى مراجعة مقال: “الاضطرابات المزاجية للأم بعد الولادة” للدكتور جابي كيفوركيان على الرابط : https://www.altibbi.com/article/450/الاضطرابات_المزاجية_للأم_بعد_الولادة_(الوضع

كذلك يلاحظ لدى وصول المرأة سن انقطاع الحيض (سن اليأس) انخفاض مستوى الهرمونات المذكورة سابقاً، والذي قد يؤدي بدوره إلى إصابة المرأة بالاكتئاب. وللمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع أيضاً يرجى مراجعة مقال: “سن انقطاع الحيض” للدكتور جابي كيفوركيان على الموقع الالكتروني سالف الذكر.

الانتشارية

والاكتئاب أكثر الأمراض النفسية انتشاراً على المستوى العالمي، إذ انه يصيب أكثر من 150 مليون شخص في العالم. ويصيب الاكتئاب نحو 15 في المئة من النساء و 8 في المئة من الرجال (والسبب الذي يقف وراء ذلك هو التغييرات الهرمونية التي تتعرض لها المرأة في مراحل حياتها المختلفة). كذلك فإنه يصيب الناس في جميع الأعمار، غير أنه أكثر انتشاراً في الفئة العمرية 25 – 45 سنة (من كلا الجنسين).

وأما في فلسطين (قطاع غزة والضفة الغربية) فيصيب الاكتئاب نحو 17 في المئة من النساء و 18 في المئة من الرجال. وهذا يشير إلى أن الناس الذين يعيشون في مناطق النزاع والتوتر والخوف الدائم يصابون بالاكتئاب أكثر من غيرهم من سكان المناطق المستقرة سياسياً وعسكرياً. ويشير ذلك أيضاً إلى أن الرجال الذين يعيشون تحت الاحتلال يصابون بالإحباط واليأس والاكتئاب نتيجة تعرضهم للإهانات من قبل المحتل من جهة، ولعدم تمكنهم من توفير الأمان والحماية والمأكل والمشرب لعائلاتهم من جهة أخرى.

وللوقوف على النسبة الانتشارية للاكتئاب عند الأطفال راجع مقال: “إضاءة على الاضطرابات المزاجية عند الأطفال” للدكتور جابي كيفوركيان على   الرابط:  https://www.altibbi.com/article/704/إضاءة_على_الاضطرابات_المزاجية_عند_الأطفال

الأعراض العامة

يعتبر كل من المزاج الاكتئابي (حزن، وضيق) وفقدان الاستمتاع بمباهج الحياة، الأعراض الرئيسية للاكتئاب.

ومع ذلك فإن الاكتئاب يختلف من شخص إلى آخر، مع الحفاظ على بعض الأعراض والعلامات المشتركة للاكتئاب. وكلما زاد عدد هذه الأعراض وطالت مدتها، كلما زادت شدة الاكتئاب وبالتالي المعاناة.

وأما الأعراض والعلامات العامة للاكتئاب، فهي:

  • الشعور بالحزن واليأس والضيق.
  • اللامبالاة وعدم الاستمتاع بمباهج الحياة، التي اعتاد المريض أن يستمتع بها.
  • فقدان الرغبة الجنسية.
  • الخمول والشرود وعدم التركيز (وهذا قد يؤدي الى النسيان).
  • التردد في اتخاذ القرارات.
  • شعور المريض بأنه انسان تافه وعديم القيمة ويفقد الثقة بذاته.
  • الشعور بالذنب وتقريع الذات، بسبب وقوع حوادث مؤسفة من الصعب تفاديها أو تجنبها لا ذنب له فيها.
  • إرهاق عام وفقدان الدافع للقيام بأدنى جهد عقلي وجسدي.
  • غضب وهياج لأتفه الأمور.
  • عدم المقدرة على النوم (وأحياناً قد يكثر المريض منه).
  • فقدان الشهية لتناول الطعام (وأحياناً زيادتها).
  • البطء في الكلام والتفكير.
  • التفكير في التخلص من الحياة (وأحياناً قد ينجح في الانتحار).
  • شكاوى ومعاناة جسدية، دون وجود أسباب واضحة لها، مثل: ألم في اسفل الظهر والمفاصل وصداع.

الصورة السريرية

كما ذكرت سابقاً، فإن تردي المزاج وعدم التمتع بملذات الحياة، التي سبق واعتاد المريض على التمتع بها، يشكلان المحور الرئيسي للاكتئاب. وقد يصرح المريض بأنه يشعر بالحزن وفقدان الأمل وأنه شخص تافه وعديم القيمة.

ومن الملفت للنظر أن المزاج المكتئب يختلف عن المزاج الحزين الطبيعي، الذي يلي فقدان شخص عزيز، وأن الأول يعذب المريض، ويصفه بأنه عذاب مؤلم. كذلك فقد يشكو المريض المصاب بالاكتئاب من عدم مقدرته على البكاء وبأنه يتعذب ويقاسي. ويشير بعض الدراسات إلى أن 12 في المئة من مرضى الاكتئاب يقدمون على الانتحار، في حين يعاني 66 في المئة منهم من أفكار انتحارية.

وتضيف أن 98,5 في المئة من المرضى المكتئبين يعانون من تدني الطاقة والمجهود العقلي والجسدي، ويجدون صعوبة في إنهاء الواجبات والمهام الملقاة على عاتقهم، سواء كانوا مهنيين أو موظفين أو طلاب مدارس. فمثلاً نرى ربة البيت غير قادرة على القيام بواجباتها البيتية، مثل تحضير الطعام وتنظيف البيت…. الخ.

وتوضح أن نحو 81 في المئة من المرضى يعانون من عدم المقدرة على النوم، ويتمثل ذلك بالاستيقاظ المبكر عن الوقت المعتاد بنحو ساعتين، أو الاستيقاظ مرات عدة في الليل، ويكون هذا الأرق مصحوباً بالتفكير والقلق من وضعهم والمشاكل التي يعانون منها (فقدان وظيفة، فشل عاطفي، خوف…).

وتشير دراسات أخرى أن نسبة كبيرة من المرضى تعاني من فقدان الشهية للطعام، مصحوياً بفقدان أكثر من خمسة في المئة من وزن أجسامهم خلال شهر من الزمن، إضافة الى عدم المقدرة على النوم المريح والطبيعي. غير أن نسبة قليلة من المرضى يصابون بزيادة الشهية للطعام مع زيادة الوزن والإفراط في النوم. وقد ارتأى بعض العلماء والباحثين أنه من المناسب اعتبار هذه النسبة الضئيلة من المرضى بأنها تعاني من أعراض وعلامات شاذة عن بقية المرضى المصابين بالاكتئاب.

وتضيف أن نحو 93 في المئة من المرضى يعانون من القلق Anxiety إلى جانب معاناتهم من الاكتئاب، ومن أبرز صور القلق: الرهاب Phobia والفزع Panic والوسواس القهري .

وقد يؤدي إصابة النساء بالاكتئاب إلى اضطراب الحيض، ناهيك عن إصابة النساء والرجال بضعف الرغبة الجنسية. ويصاب العديد من المرضى بأعراض جسدية مثل: صداع وإمساك الغائط وألم في المفاصل.

وقد أشارت الدراسات إلى أن أعراض الاكتئاب عند 52 في المئة من المرضى تكون أكثر شدة في ساعات الصباح، في حين تقل في ساعات المساء.

وأما بخصوص الأعراض والعلامات المعرفية Cognitive  فيصاب عدد لا بأس به من المرضى بما يسمى “الضبابية الدماغية”، إذ يشكو نحو 85 في المئة منهم من عدم التركيز، في حين يشكو 66 في المئة من خلل في التفكير.

 

فحص الحالة العقلية

المظهر والسلوكيات: من أكثر العلامات والأعراض شيوعاً عند مرضى الاكتئاب هو البطء الحركي والعقلي (غير أنه قد يلاحظ على المريض أحياناً هياج حركي وعقلي، خصوصاً عند الأطفال والرجال وكبار السن (من الجنسين). وأكثر علامات التهيج حدوثاً، هي فرك أو عصر اليدين وهوس نتف شعر الرأس).

وتلاحظ علامات الإهمال الذاتي على معظم المرضى، مثل: عدم حلاقة الذقن، الثياب القذرة، رائحة الجسد والفم الكريهتان (وذلك لغياب الدافع للاهتمام بالنظافة العامة).

وعادة يجلس المريض وهو منحنٍ إلى الأمام محدقاً نحو الأرض، وتكون تجاعيد جبهته متدلية نحو الأسفل.

الكلام والحديث: يلاحظ على الكثير من المرضى بطء الكلام وانخفاض جهارة الصوت، ويُجيب المريض على السؤال الموجه إليه بعد فترة ملحوظة من الانتظار (دقيقة إلى دقيقتين) بكلمة واحدة.

المزاج والشعور: يعاني المريض من الحزن واليأس والبكاء (وقد يكون بعض المرضى غير قادر على البكاء) وعدم التمتع بمباهج الحياة التي سبق وأن تمتع بها Anhedonia ويفقد الحب والحنان والعطف تجاه أفراد عائلته.

ويعاني المريض أيضاً من الوسواس والهستيريا والرهاب Phobia. ومن العلامات والأعراض العضوية للقلق Anxiety، مثل: خفقان القلب Palpitation، رجفان (رعشة)، دوار (دوخة)، إرهاق، بلادة (لامبالاة) Apathy. كذلك يعاني المريض من عدم المقدرة على التركيز والانتباه، وعدم وجود الدافع للقيام بالواجبات اليومية الأساسية. فمثلاً نرى ربة البيت لا تعير انتباهاً لنظافة البيت ولا لإعداد طعام الغذاء. ويذهب المريض للاستحمام بعد إلحاح الأهل والأقارب.

ومن أبرز الأعراض البيولوجية للاكتئاب: فقدان الشهية للطعام ما يترتب عليه فقدان الوزن، كذلك تتميز الأعراض البيولوجية بفقدان الرغبة الجنسية وإمساك الغائط وغياب الحيض واضطراب النوم.

ويعاني المريض أيضاً من أعراض عضوية، مثل: صداع، دوران، ألم في أسفل الظهر، إمساك الغائط.

وهنا، أرى لزاماً علي أن أتوسع في شرح المظاهر التالية:

1.  الشهية للطعام: لا يعاني جميع مرضى الاكتئاب من فقدان الشهية ونقص الوزن، بل قد يعاني البعض من الإفراط في تناول الطعام (دون التلذذ به) وزيادة الوزن. وفي هذا الصدد يعتقد بعض العلماء أن المريض “يتفشش”، لأنه يتغلب على الاكتئاب والقلق بالتسلية بتناول الطعام.

2.  المزاج: يكون عادة مزاج المريض مكتئباً خلال ساعات النهار جميعها، غير أنه في ساعات الصباح يكون الاكتئاب أكثر شدة (أثناء الاستيقاظ من النوم).

3.  اضطراب النوم: يكون عادة اضطراب النوم على شكل أرق Insomnia غير أن بعض المرضى قد يعانون من الإفراط في النوم، ومع ذلك لدى الاستيقاظ لا يشعرون بالنشاط، بل على النقيض يشعرون بالكسل وعدم وجود الدافع لمغادرة الفراش.

وأما الحرمان من النوم، فإما أن يكون على  شكل الاستيقاظ المبكر عن العادة بساعتين أو ثلاث ساعات. ولا يعود للنوم ويجلس مهموماً ويفكر بحالته ووضعه المشؤوم. وأستطيع القول إن الاستيقاظ المبكر المصحوب بالتشاؤم هو من المظاهر المهمة في تشخيص الاكتئاب (كيفوركيان 1996). وأما النوع الثاني من الأرق فيكون عبارة عن الاستيقاظ وسط أو خلال فترة النوم ويكون المريض قلقاً، غير أنه يعاود النوم. وقد يكون الأرق في بداية مرحلة النوم، حيث يواجه المريض صعوبة في الخلود الى النوم، وقد يستغرق ذلك ساعة إلى ساعتين.

الصفات الذهانية: في حال معاناة المريض المصاب بالاكتئاب من الضلالات Delusions او الهلوسات Hallucinations، نشخص حالة المريض بأنه يعاني من الاكتئاب الذهاني Psychotic Depression. وقد ذهب بعض العلماء إلى أبعد من ذلك، إذ أطلقوا مصطلح الاكتئاب الذهاني على مريض الاكتئاب الذي يعاني من الامتناع عن الكلام المطلق، ولا يستحم، ولا يتحكم بالغائط (البراز)، رغم عدم وجود الأعراض الكلاسيكية للذهان (الضلالات والهلوسات).

وتتميز الضلالات عند مريض الاكتئاب بأنها مرتبطة مع مزاج المريض، مثل: الشعور بالذنب، وتقريع الذات والشعور بالإثم رغم عدم اقتراف أية أعمال أو أخطاء تدعو للشعور بالذنب، غير أن المريض يعتقد خطأ أنه هو المسؤول عن كل ما يحدث حوله من مصائب وآثام.

كذلك فإن المريض يشعر بالفشل والتقصير والاضطهاد، ويعتقد خطأ بأنه يعاني من أمراض خطيرة، مثل السرطان و الإيدز.

التفكير والاعتقاد: يعاني عادة المرضى المصابون بالاكتئاب من الرؤية السلبية تجاه أنفسهم وتجاه العالم من حولهم. وغالباً تتضمن أفكارهم اجترارات Ruminations غير توهمية Nondelusional (ويعرف الاجترار بأنه افكار متكررة ذات مضمون سيء وغير سار)، مثل: الشعور بالذنب والتفكير بالموت والانتحار. ويعاني نحو 11 في المئة من مرضى الاكتئاب من اضطراب بالأفكار، مثل: انسداد (إعاقة) الأفكار Thought Blocking.

الإدراك والحس:

1.  الاهتداء Orientation: معظم مرضى الاكتئاب يستطيعون التعرف على الأشخاص والمكان والزمان.

2.  الذاكرة: نحو 63 في المئة من مرضى الاكتئاب يعانون من الاضطراب الإدراكي والمعرفي، وذلك بسبب معاناتهم من عدم التركيز (وليس الخرف)، لذلك سميت هذه الظاهرة بـ “خرف زائف ” Pseudodementia.

السيطرة على الدوافع: هناك ما نسبته 12 في المئة من مرضى الاكتئاب يقدمون على الانتحار، في حين يعاني نحو 66 في المئة من أفكار انتحارية، وقد يقدم القليل من المرضى المصابين بالاكتئاب الذهاني على محاولة قتل الآخرين تحت تأثير الضلالات التي قد يعانون منها.

البصيرة الذاتية: يحافظ المريض في الغالب على البصيرة الذاتية (إدراك المريض لطبيعة مرضه) غير أن المرضى المصابين بالاكتئاب الذهاني يفقدون بصيرتهم الذاتية تجاه المرض ولا يدركون أو يقتنعون بأنهم يعانون من اضطراب نفسي.

ملاحظات مهمة

الأعراض التالية مهمة جداً وتساعد في تشخيص الاكتئاب:

1.  معتقدات سلبية، مثل تقريع الذات والشعور بالذنب (تحمل المسؤولية لحدوث مصيبة من الصعب تجنبها) وتقدير الذات المنخفض (اعتقاد المريض بأنه إنسان فاشل وغير كفؤ).

2.  قلق وفزع.

3.  الانعزال الاجتماعي والوجداني.

4.  الاستيقاظ المبكر عن المعتاد، مصحوب باكتئاب شديد.

وكي يستطيع الطبيب تشخيص الاكتئاب عند المريض، تمت صياغة معايير من قبل مراجع عدة، وسأكتفي هنا بإيراد ما ورد في DSM-IV-TR لتشابه جميع المعايير في المراجع المختلفة نوعاً ما، بعد إدخال بعض التعديل مع مراعاة الحفاظ على المضمون العام:

معايير تشخيص الاكتئاب

البند الأول: يجب أن يكون المريض قد عانى على الأقل خمسة من التسعة أعراض (فقرات) التالية، لمدة لا تقل عن أسبوعين، ويمثل ذلك تغيراً ملحوظاً في سلوكياته ونشاطاته السابقة (قبل الإصابة بالمرض)، شريطة أن يكون أحد الأعراض من الفقرة الأولى أو الثانية، ويفضل أن تكون من الفقرتين معاً.

الفقرة الأولى: مزاج منخفض (حزن) خلال معظم ساعات اليوم وتقريباً كل يوم (أما الأطفال والمراهقون فقد يكونون متهيجين).

الفقرة الثانية: عدم الاستمتاع بمباهج (ملذات) الحياة خلال معظم ساعات اليوم، وتقريباً كل يوم.

الفقرة الثالثة: فقدان أو زيادة الشهية للطعام، مصحوباً بانخفاض أو زيادة وزن الجسم (بمعدل 5 في المئة من وزن الجسم أو أكثر خلال شهر من الزمان)، شريطة أن لا يكون ذلك متعمداً أو نتيجة اتباع حمية معينة بشكل يومي (أما عند الأطفال فيلاحظ عدم زيادة الوزن كما هو متوقع طبيعياً).

الفقرة الرابعة: أرق أو الإفراط في النوم تقريباً بشكل يومي.

الفقرة الخامسة: هياج أو بطء حركي ونفسي تقريباً كل يوم.

الفقرة السادسة: تعب وإرهاق وانخفاض الطاقة كل يوم تقريباً.

الفقرة السابعة: شعور المريض بأنه عديم القيمة وانه إنسان تافه، إضافة إلى شعوره بالذنب المفرط لآثام لا أساس لها من الصحة تقريباً يومياً.

الفقرة الثامنة: انخفاض المقدرة على التفكير والتركيز والتردد في اتخاذ القرارات (عدم الاعتماد على النفس) تقريباً يومياً.

الفقرة التاسعة: التفكير المتكرر بالموت (سواء كان ذلك خوفاً من الموت أو التفكير في التخلص من الحياة) والإقدام على الانتحار.

البند الثاني: الصورة السريرية لا تنطبق على حالة اكتئاب ممزوجة Mixed Episode (فترة من الاكتئاب يليها فترة من الهوس).

البند الثالث: تؤدي الأعراض إلى إزعاج المريض وعطل في الأداء الوظيفي والاجتماعي ونواحٍ أخرى مهمة في الحياة اليومية.

البند الرابع: أعراض الاكتئاب ليست نتيجة ادمان المريض على المخدرات أو لتناوله أدوية معينة، أو معاناته من مرض معين.

البند الخامس: أعراض الاكتئاب ليست نتيجة الحزن الطبيعي المؤقت الذي يلي فقدان شخص عزيز بسبب الموت. بل إن الأعراض تبقى لمدة أكثر من شهرين مصحوبة بفقدان المقدرة على القيام بواجبات الحياة اليومية والشعور بتدني القيمة والتفاهة.. والتفكير في الإنتحار وأعراض ذهانية خاصة بالاكتئاب والبطء النفس – حركي.

الإكتئاب والمسنون

الإكتئاب أكثر إنتشارا بين المسنين منه بين باقي أفراد المجتمع. وقد يكون الإكتئاب عائدا إلى الحالة المادية المتدنية للمسنين، أو فقدان شريك الحياة، أو بسبب الإنعزال والوحدة والتعرض للإيذاء الجسدي والعاطفي. وقد يكون أيضا بسبب معاناة المسن من مرض جسدي مزمن وعضال. ومعروف أن نسبة كبيرة من المسنين يعانون من أكثر من مرض جسدي، وبالتالي يتحتم تناول العديد من الأدوية (كوكتيل أدوية)، قد يكون لبعضها تأثير اكتئابي على المريض. وأود أن أشدد على أنه لا توجد أية علاقة للإكتئاب بالتقدم بالسن. فعامل السن لا يشكل سببا لمعاناة الشخص من الإكتئاب، إلا في حال معاناة المسن من الأسباب والعوامل المذكورة سابقا.

ومن الملفت للإنتباه أن الإكتئاب عند كبار السن يكون مصحوباً بفقدان الشهية للطعام وباضطرابات معرفية Cognitive (الإدراك والتفكير والتذكر) ويتجلى ذلك في معاناة المريض من “الخرف الزائف”.

وقد أشارت الدراسات إلى أن المسنين يقدمون على الانتحار أكثر من غيرهم من الناس.

مضاعفات الإكتئاب

كما ذكرنا سابقا، فإن الإكتئاب هو مرض نفسي خطير، قد يؤدي إلى نتائج وخيمة في حال عدم علاجه. وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الفشل في المدرسة أو العمل، الإنعزال عن المجتمع، نشوء مشاكل عائلية، تأثير سلبي على باقي أعضاء العائلة، لجوء بعض المرضى للتدخين والمخدرات أو الكحول للتخلص من أعراض الاكتئاب، حدوث أمراض عضوية نتيجة المعاناة من الإكتئاب المزمن، مثل إرتفاع ضغط الدم الشرياني، أو تأزم الحالة المرضية الجسدية (التي يعاني منها المريض أصلاً) في حال إصابته بالاكتئاب، مثل داء السكري، إرتفاع ضغط الدم الشرياني، … وأخير قد يقدم مريض الإكتئاب على الإنتحار.

العلاج

الخطة العلاجية المتبعة حاليا هي إعطاء المريض الأدوية المضادة للإكتئاب (وهي عدة انواع، يختار الطبيب الدواء المناسب للمريض أو للمريضة، إذ قد يكون المريض طفلاً أو مسناً، أو يعاني من أمراض جسدية معينة، أو امرأة حامل أو مرضعة) إضافة إلى البدء بعلاج المريض بالأسلوب النفسي Psychotherapy إلى أن يبدأ الدواء المضاد للإكتئاب مفعوله (علماً أن الأدوية المضادة تحتاج إلى ما يقارب الأسبوعين أو أكثر كي تبدأ بإعطاء مفعولها).

وقد يحتاج المريض إلى تناول الدواء لفترة زمنية معينة أو مدى الحياة.

والعلاج النفسي هو عبارة عن علاج المريض بالكلام والترويح والفضفضة. كذلك يجب على الأهل والأقارب والأصدقاء دعم المريض معنويا ومنحه الحب والحنان والعطف.

أما في حال عدم تجاوب المريض مع الأدوية والعلاج النفسي، يجب أن يخضع للعلاج بالتخليج (التشنج) الكهربائي Electroconvulsive Therapy وهو عبارة عن تمرير تيار كهربائي إلى الجسم من خلال الدماغ. ويعتقد أن هذا الأسلوب يؤثر في مستويات الناقلات العصبية في الدماغ.

ويجب إدخال المريض إلى المستشفى في حال عدم مقدرته على العناية بنفسه أو في حال شروعه على الانتحار أو التفكير به.