” فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا “، سبحان الخالق العظيم، والذي ألبس العظام لحماً، ليعتدل ويستقيم بها العظم. ولحم العمود الفقري، عضلاته التي تجعله يتحرك في مرونة ويسر. وما أن يعتري هذه العضلات أذى، فتبدأ العظام في فقدان السيطرة، وتهاجم الشخص بآلام كثيرة، على رأسها، آلام أسفل الظهر والتي سوف نُلقي عليها الضوء في هذا المقال.

يتكون العمود الفقري من ثلاثة وثلاثين فقرة، أكبرهم حجماً الفقرات القطنية. وتسمى أحياناً الفقرات البطنية لمواجهتها البطن من الناحية الخلفية. العمود الفقري يمثل الهيكل المحوري في الجسم، يحتوي على الفقرات المتمفصلة والملتحمة، والعديد من الأربطة والعضلات والأعصاب. وذلك بهدف توفير الحركة للجزء العلوي من الجسمومع هذا التكوين الهندسي الرائع، تبقى المشكلة الكبيرة في الآلام التي تواجه أكبر الفقرات حجماً، وهي آلام أسفل الظهر

أسباب آلام أسفل الظهر

يمكن أن تكون آلام أسفل الظهر عابرة، أو تكون آلاماً دائمة لا تنقطع. إذا لم تستجب آلام أسفل الظهر للعلاج في فترة اثنا عشر شهر، فهي آلام دائمة ومن أهم أسبابها: 

  • انزلاق الغضاريف في الفقرات القطنية: مما يُعطي فرصة لاحتكاك الفقرات القطنية، محدثاً تآكل فيها، وآلاماً حادة يصعب تحملها. 
  • خشونة الغضاريف: الغضاريف في منطقة الفقرات تسمى الأقراص، وتحتوي هذه الأقراص في منطقة تواجدها بين الفقرات على سوائل زلالية، وبمرور الوقت تفقد الغضاريف هذه السوائل، مما يضعها في مواجهة مباشرة مع حركة الفقرات، فتضغط عليها، ومن ثم تتآكل وتتيبس، وتفقد وظيفتها الأساسية في منع وتخفيف حدة الاحتكاك. 
  • التهابات مفصل الورك: يسمى أيضا المفصل الحرقفي العجزي، وهو الذي يربط الجزء العلوي من الجسم بالجسم السفلي، ويقلل حدة الضغط بينهما. ولذا فعند حدوث أي التهابات أو اصابات في هذا المفصل، يكون على أثرها وجود آلام في أسفل الظهر. 
  • هشاشة عظام العمود الفقري: من العوامل الأساسية لهذه الحالة، كبر السن وتزداد فرصها بتقدم العُمر. وقد ينشأ عنها انزلاق في الفقرات، أو تآكل الفقرات والغضاريف معاً. 
  • التشوهات: من أشكال التشوه أن يكون ظهر الشخص منحني، أو أحدب. وهي من الحالات التي تسبب الضغط على المفاصل وعدم استقرارها، وبالتالي حدوث آلام أسفل الظهر. 
  • الشد العضلي والالتواءات المفاجئة: في حالات كثيرة يؤدي إجهاد العضلات إلى شدها، وبالتالي حدوث ألم أسفل الظهر، كذلك حدوث التواء مفاجئ في منطقة الخصر، مما يضر الفقرات القطنية، ويكون لهذا الالتواء عدة أسباب منها على سبيل المثال، الأوضاع السيئة للجلوس والعمل لفترات طويلة بها، محاولة حمل أوزان كبيرة والجسم في وضع غير صحيح، إصابات الممارسات الرياضية التي تشترك فيها منطقة الخصر. 
  • الحوادث والاصطدام: من الأسباب المفاجئة في حدوث آلام أسفل الظهر، تعرض العمود الفقري لحادث أو اصطدام، ومن ثم كسر العظام في العمود الفقري. 
  •  أسباب أخرى نادرة الحدوث: هناك حالات تؤدي إلى حدوث آلام أسفل الظهر، وبرغم ندرتها لكنها موجودة، مثل انتقال العدوى بالالتهابات لمنطقة العمود الفقري، أو الأورام التي غالباً ما تبدأ في جزء بعيد عن العمود الفقري ثم تنتقل إليه، أو أمراض أخرى لها علاقة مباشرة بضعف الجهاز المناعي للشخص. 

تصنيف آلام أسفل الظهر

معظم آلام أسفل الظهر تكون بسبب مشاكل في الفقرات نفسها، والعضلات والأربطة، وهي ما تكون آلاماً ميكانيكية. وفي بعض الحالات تكون آلام أسفل الظهر، سببها وجود مشاكل في الأعصاب الموجودة، وهو ما يُعرف باسم آلام عصبية، ومن المعروف عندما تكون الآلام عصبية، وفي ناحية واحدة من الجسم، أن هذه الحالة تسمى عرق النسا

أعراض آلام أسفل الظهر

تتنوع أعراض آلام أسفل الظهر تبعاً لسببها، كذلك تتنوع بين البسيطة والحادة، ولكن في معظمها تكون كالآتي: 

  1. ألم حاد وعنيف أو بسيط في منطقة أسفل الظهر.
  2. انتقال الألم من أسفل الظهر إلى الجزء السفلي من الجسم، الفخذ، الساق وأحياناً القدم.
  3. تقلصات في عضلات الظهر ومنطقة الحوض. 
  4. آلام حادة عند تغيير وضع الجسم من الوقوف للجلوس والعكس. 
  5. ألم يتلاشى مع تغيير وضع الجسم تبعاً للمسبب الرئيسي في الألم. 

تشخيص آلام أسفل الظهر

من الأشياء المهمة في تشخيص آلام أسفل الظهر، أن يكون تشخيصاً دقيقاً وشاملاً، لكي يوجه الطبيب بعد ذلك للعلاج الصحيح. تتضمن عملية التشخيص عدة مراحل مهمة وهي كالتالي: 

تاريخ الحالة

لابد أن يسمع الطبيب من المريض قبل أن يشرع في عملية التشخيص، وعليه أن يعرف من المريض مدى شدة الألم، طبيعة العمل الذي يقوم به، هل تعرض لحوادث أو إصابات شديدة من قبل، عدد ساعات النوم، وماهي وضعيات الجسم الأكثر راحة له. 

الفحص الجسدي

يشمل الفحص الجسدي العديد من الخطوات، منها أن يطلب الطبيب من المريض القيام بعدة حركات أمامه، مثل السير والانحناء والالتفاف، كذلك يضغط الطبيب على منطقة الظهر، ليتابع حالة العضلات والفقرات القطنية. استخدام تمرين رفع الساق أثناء استلقاء المريض على ظهره. من المهم في هذا الفحص اختبار حالة الأعصاب، من حيث الاستجابة الحسية لها عن طريق استخدام الإبر. 

استخدام الأشعات المختلفة

تستخدم الأشعة السينية في غالبية الحالات، للوقوف على حالة الفقرات، وبروزات العظام، أو كسورها والتورم بها. ولرؤية أكثر وضوحاً، يستخدم الطبيب الأشعة المقطعية، والتي تحول الأشعة السينية إلى صورة مُجسمة للعمود الفقري. التصوير بالرنين المغناطيسي، لما له من قدرة على تصوير الأنسجة المحيطة بالفقرات من أربطة وأوتار وعضلات. 

علاج آلام أسفل الظهر

هناك الكثير من الطرق والأساليب العلاجية المستخدمة في علاج آلام أسفل الظهر ومنها: 

العلاجات المنزلية

يكون أثرها رائع مع حالات الآلام البسيطة أو حتى الحادة لكن بشرط أن تكون من العضلات، ومن هذه الطرق: 

  • الراحة، وهي اتخاذ فترات في منتصف الأنشطة، تساعد على عودة النشاط لمنطقة أسفل الظهر. 
  • البعد عن الأنشطة التي ينتج عنها آلام أسفل الظهر، مثل تقليل الوقوف أو الجلوس على حسب سبب الألم. 
  • استعمالكمادات الحرارة أو الثلج، والتبديل بينهم، لتحسين حالة الألياف العضلية والأوعية الدموية بمنطقة أسفل الظهر. 
  • مسكنات الآلام التي لا تحتاج لزيارة طبيب، ومنها الإيبوبروفين، والنابروكسين وهي مضادات التهاب لتخفيف الألم. 

العلاج الطبيعي

هناك الكثير من التمارين التي تُستخدم للسيطرة على آلام أسفل الظهر ومنها: 

  • تمارين تمديد العضلات، وهي تشمل تقريباً كل عضلات الجزء السفلي من الجسم، وهي تساعد على تخفيف الوزن الواقع عليها من الجزء العلوي من الجسم. 
  • تمارين التقوية، وهي تقوم بتقوية معظم العضلات الأساسية التي يعتمد عليها الجسم. 

للمزيد: تمارين تقوية عضلات الظهر

  • التمارين الرياضية الخفيفة، مثل المشي، والعجلات الثابتة في صالات الألعاب الرياضية. 

العلاجات الدوائية

يصف الأطباء الأدوية، حتى تقلل من الآلام. ومن هذه الأدوية: 

  • باسطات العضلات، وهي تمنع تضييق الألياف العضلية، لكن يبقى أثرها محدود ولا تساعد في الآلام الدائمة. 
  • المسكنات القوية، وهي تُضعف السيالات العصبية التي تنقل الإحساس بالألم، خصوصاً الآلام الحادة عقب الإصابات مباشرة أو بعد إجراء جراحي. 
  • الحقن الستيرويدية، وغالباً تكون مصاحبة للأشعة السينية لتحديد مكان الحقن بدقة عالية. 
  • دعامات الظهر، ودورها الأساسي توفير الراحة للمريض، والمساعدة مع طرق أخرى لتسريع الشفاء. 

العلاجات الأخرى البديلة

أفادت الكثير من العلاجات التي لا تُصنف تبعاً للعلاجات المنزلية أو الطبية في تخفيف آلام أسفل الظهر ومنها: 

  • التدليك، والذي يلعب دوراً مهماً في تنشيط الدورة الدموية أسفل الظهر. 
  • الإبر الصينية، عن طريق ترك الإبر مدفونة في أماكن معينة لتخفيف آلام أسفل الظهر. 
  • اليوجا، والتي يعتقد الكثير أن لها دور فعال في تقليل التركيز على الألم، أي تعمل مثل مشتتات الانتباه. 

للمزيد: اليوغا: فوائدها وكيفية أدائها

جراحات آلام أسفل الظهر

اللجوء للجراحة في حالات آلام أسفل الظهر يكون بعد فشل الطرق العلاجية السابقة، وفي حالات خاصة يكون خياراً وحيداً في حالة ما إذا كانت الإصابة شديدة. يجب مراعاة كثير من الأمور قبل الخوض في إجراء عملية جراحية، منها الحالة النفسية للمريض، ومالها من أثر لاحقاً في إتمام عملية الشفاء. 

في الغالب تعتمد الجراحات على إزالة الغضاريف ما بين الفقرات القطنية، وتركها كي تلتحم كعظمة واحدة، حتى تخفف من الضغط الناتج عن حركة الفقرتين فوق بعضهما، وفي حالة عدم ملائمة جراحات التحام الفقرات، يلجأ الجراحون إلى تغيير القرص التالف بقرص صناعي مرن لتفادي آلام أسفل الظهر. 

إعادة تأهيل مريض آلام أسفل الظهر

العامل الرئيسي في هذه الفترة هي حالة المريض، النفسية والبدنية. بطل هذه المرحلة الأساسي، العلاج الطبيعي، والراحة التامة لفترة لا تقل عن ثمانية أسابيع، حتى يتجنب التعب وانتكاس حالة العمود الفقري مرة أخرى. 

الوقاية من آلام أسفل الظهر

مع مرور الأيام، وكبر السن، ليست هناك طرق محددة لمنع ظهور آلام الظهر، لكن بعض النصائح، تساعد في السيطرة على آلام أسفل الظهر عند ظهورها ومنها: 

  • الوزن المناسب، والقوام الرشيق المتناسق، عامل مهم لتأخير ظهور آلام أسفل الظهر. 

اقرأ أيضاً: طرق تثبيت الوزن

  • لا شك في أن ممارسة الرياضة بانتظام، تقي الجسم كله من أي آلام، وخصوصاً آلام أسفل الظهر. 
  • الابتعاد قدر الامكان عن العادات الخاطئة، في المنزل أو العمل، التي تكون سبباً في استدعاء الألم. 

للمزيد: الرياضة الصحية