الانسجام مع الشخصيات: وعيٌ ورقي وتماهي مع الحياة ورزق لا محدود!

نتعامل يومياً مع أناسٍ من شخصياتٍ متنوعة ونتقرَّب منهم، فإمَّا أن يصبحوا من أقرب أصدقائنا، أو من ألدِّ أعدائنا، لنسأل أنفسنا بعد ذلك: كيف نُحسِن التعامل مع الشخصيات كلِّها، بحيث يعطينا الآخر أجمل ما لديه؟ دعونا نخوض سويةً في هذا المقال، لاكتشاف كيف ننسجم مع كلِّ أنماط الشخصيات.

Share your love

إنَّ مشاعر الكراهية والعدائية لا تؤذِّي إلَّا صاحبها؛ وإن سيطرت علينا، فستجعل حياتنا ظلاماً دامساً. ففي علاقاتنا مع الآخرين لطالما نتصادم مع أشخاص يتمتَّعون بمنظومة قيمٍ ومبادئٍ واهتماماتٍ وأفكارٍ ورغباتٍ وأهدافٍ مختلفةٍ تماماً عمَّا لدينا. فكيف لنا أن نحقِّق الانسجام بوجود كلِّ هذا الاختلاف بين البشر؟ لكن:

  • ماذا لو أنَّ الاختلافات أكبر محرِّض للإنسان لاكتشاف ذاته ومدى مرونته وقدرته على تقبُّل الآخر؟
  • ماذا لو أنَّ الاختلافات تحدٍّ ممتعٌ للوصول إلى التماهي مع الآخر؟
  • ماذا لو أنَّ الاختلافات مُرشِدٌ لنا لاتباع طرائق مختلفة من التواصل الاجتماعي؟
  • ماذا لو أنَّ الاختلافات دعوةٌ لنا للتأمُّل من جديدٍ في قوانين الكون؟

دعونا نخوض سويةً في هذا المقال، لاكتشاف كيف ننسجم مع كلِّ أنماط الشخصيات.

لماذا نحن بحاجةٍ إلى الانسجام في علاقاتنا؟

نلاحظ أنَّ أغلب علاقات الناس اليوم يشوبها الكثير من التوتر وانعدام التوازن والسلام الداخلي، وعندما تكون علاقات الإنسان العملية أو العائلية غير متوازنةٍ ومريحة، سينعكس هذا الأمر سلباً على كلِّ نواحي حياته، وسيبدأ بجذب كلِّ ما هو سلبيٌّ إلى حياته.

ولكي نصل إلى الانسجام في علاقاتنا مع الآخرين، علينا أن نعي عدّة نقاط، وهي:

1. الهدف من التعامل:

يوجد أربع مكونات للتعامل بين الناس، هي:

  1. الشخص المُستقبِل.
  2. الشخص المُرسِل.
  3. الوسيلة.
  4. الهدف.

تأتي أغلب مشكلاتنا في التعامل إمَّا من ضياع الهدف، أو من اختيار الوسيلة الخاطئة. على سبيل المثال: إنَّ الأب والأم اللَّذين يكون هدفهما: “نجاح ولدهما”، فيحثُّانه على ذلك بالقول له: “يا فاشل، ادرس وإلَّا سنضربك ضرباً مبرحاً”؛ هما في هذه الحالة، يتَّبعان الوسيلة الخاطئة تماماً. فعلى الرغم من الهدف الإيجابي، إلَّا أنَّهما لن يصلا مطلقاً إلى النتيجة المطلوبة بسبب الوسيلة المُتبعة.

أو الابن الذي يكون هدفه في تعامله مع أبيه أن يثبت له أنَّه على خطأ، سيؤدي تعامله هذا إلى مشكلاتٍ رهيبة، نظراً إلى ضياع الهدف وبعده عن الإيجابية.

فالهامُّ هنا أن نعي هدفنا من أيِّ تعاملٍ لنا مع الآخرين، وأن يكون واضحاً وإيجابياً ومنطقياً.

2. الحدود في التعاملات:

حدَّد اللّه تعالى حدَّين لا يجوز المساس بهما، هما:

2. 1. حدُّ الحرية:

لا يُسمَح لأيِّ مخلوقٍ على وجه الأرض أن يتعدَّى حدَّ الحريَّة. قال تعالى “أفأنتَ تُكرِه الناس حتَّى يكونوا مؤمنين”.

لقد خلقنا اللّهُ أحراراً، وحدُّ الحرية هو الحدُّ الفاصل بين الإنسان والحيوان؛ لذا علينا احترام هذا الحدِّ في تعاملاتنا.

فالطفل المتمتع بالحرية طفلٌ مبدع، وخلَّاق، ويقوم بفعل واجباته بمنتهى الحب والمتعة؛ بينما يكون الطفل الذي رُبِّيَ على الإجبار قنبلة موقوتة، ويستخدم آلياتٍ دفاعيةً لحماية حريته، مثل آلية العناد والكذب.

يقتصر دور الأهل على البيان وتوضيح الأمور للطفل، وترغيبه لفعل الأشياء بطرائق ذكيةٍ ومدروسة، وليس بالإجبار والإكراه.

فمن أجمل أنواع التربية، التربية بالحريَّة، والتعلُّم بالمحاولة والخطأ. وإنَّ كل أب وأم يمنعون أطفالهم من الخطأ عندما يكونون صغاراً، سيدفعونهم إلى الوقوع بأخطاءٍ كبيرةٍ جداً عندما يكبرون.

على سبيل المثال: يوجد كوبٌ من الماء الساخن، ويريد ابنك لمسه. عليكَ هنا أن تبيِّن له خطورة الأمر، كأن تقول له: “يا بني، إن لمسته ستنحرق وتتألَّم، ولك الحرية في ذلك”. فإن اقتنع ولدك ولم يلمسه، كان جيداً؛ وإن لمسه وتألَّم، اقترب منه بحبٍّ وقل له: ” لقد قلتُ لكَ أنَّك ستتألَّم، أنا أحبُّك ولا أريدك أن تتأذَّى”. عندها سيقتنع الابن بكلامك ولن يكرِّرها مطلقاً؛ لأنَّك أعطيت له الحق في الخطأ، ولم توبِّخه عند ارتكابه.

أمَّا إن قلت لولدك: “إيَّاك أن تلمس الكوب، وإلَّا سأوسعك ضرباً”، عندها تكون قد ألغيت حقَّه في الخطأ، وامتنع الولد عن الخطأ ليس قناعةً منه وإنَّما خوفاً منك، وسيتحوَّل إلى قنبلةٍ موقوتةٍ تنفجر بممارساتٍ خاطئةٍ كالعناد والكذب.

من جهةٍ أخرى: الزوج الذي يتعدَّى حق حريَّة زوجته، ويضغط عليها، ويتحكم بها؛ سينعكس تصرُّفه سلباً على حياته؛ لأنّ الضغط الذي يسبِّبه الشخص في حياة الآخرين، سيرتدُّ ذاته على حياته. وبالمقابل، الحرية المُهداة من الشخص إلى الآخرين، ستعود ذاتها إلى حياته وتزيُّنها.

ويجب الانتباه إلى أنَّ الحرية المطلقة هي مَفسدةٌ مطلقة؛ فلا يجوز أن تتعدَّى حريتك حريَّة الآخرين، وحريَّة المجتمع.

فالإنسان الذي يقود سيارته وهو تحت تأثير الكحول، من واجب الشرطة أن توقفه، وتتصرَّف معه التصرُّف القانوني، فهو يتعدَّى على حرية الآخرين ويعرِّضهم إلى الخطر.

2. 2. حدُّ التكريم:

خلقنا اللّه في أجمل صورة، وكرَّمنا على سائر المخلوقات، فمَن يتعدَّى حدَّ التكريم، سينال الأمور السَّلبية في حياته.

فمَن يسخر من الآخرين، أو يؤذيهم بالكلام السلبي، أو يغتابهم، أو ينبذ من هم مختلفون عنه، أو يفتري على الناس ويحكم عليهم؛ يكون قد ضرب حدَّ التكريم عرض الحائط. قال تعالى : {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [سورة الطلاق: الآية 1].

تعدُّ سخريتك من الآخرين -ولو كانت من باب المزاح- تعديَّاً على حدِّ التكريم، وسترتدّ عليك كلُّ الآثار السلبية التي سبَّبتها للآخرين.

3. الإصلاح أم الإفساد:

يعتقد الكثير من الأشخاص أنَّهم مُصلِحون، لكن في الحقيقة ما يقومون به هو إفساد. فمثلاً: إنَّ الشخص المُفسِد الذي يقول لزوجة صديقه أنَّه رأى صديقه يغازل إحداهن، بدلاً من أن يوجِّه النصيحة إلى الشخص المُخطِئ -أي إلى صديقه- ويُصلِح من وضعه، ويقول له: “أليس من المعيب أن تفعل ذلك بزوجتك الراقية المحترمة؟ ابتعد عن هذا التصرُّف غير المسؤول”؛ سينال عقاب ما أفسد من ودٍّ بين الزوجين.

مَن يقوم بتحذير الناس من أشخاصٍ معيَّنين، يقوم بفعل أشياءَ قد نهى اللّه عنها مثل: الغيبة والنميمة؛ فعوضاً عن ذلك يجب أن يُحذِّر من حالاتٍ معيَّنةٍ دون ذكر الأشخاص بأسمائهم، أي: عليه اتباع نهج البيان والتوضيح دون التشهير بالأشخاص.

كُن مصلحاً؛ لأنَّ ما تقوم به من إفسادٍ في العلاقات، سيتجسَّد بشكل عقباتٍ كبيرةٍ في طريق أهدافك.

4. الأحكام:

الشخص الحكيم: هو الإنسان الذي يتحكَّم بغضبه وانفعالاته وظروف حياته.

إنَّ الحكم للّه وحده، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة يوسف: الآية 40]، ومَن يحكم على إنسانٍ ما، فإنَّه يتعدَّى على حقِّ الأُلوهيّة؛ وحتَّى الحكم في المحكمة، يُبَّتُ من قبل قاضيين اثنين.

عندما يحكم الإنسان على الآخر، فقد ارتكب خطأً فادحاً؛ لأنَّه لا يعرف كلَّ الأمور عن الآخر، ولا يعلم معدَّل كلٍّ من حسناته وسيئاته لكي يحكم عليه حكماً عادلاً. ومن جهةٍ أخرى، فقد يحكم إنسانٌ على آخر بارتكاب أمرٍ سيءٍ، ويكون الثاني قد تاب وغفر اللّه له ذنبه؛ وبذلك يكون قد ظلمه ظلماً كبيراً.

إنَّ اللّه وحده مَن يعلم الموازين الدقيقة ليحكم بالعدل بين الناس.

5. الفصل بين الفعل والفاعل:

عندما يتعلَّم الإنسان الفصل بين الفعل وفاعل الأمر، يرتاح كثيراً في علاقاته، ويبني علاقةً سليمةً مع الآخر.

على سبيل المثال: عندما يُخطِئ الابن، لا يجوز الحكم عليه كشخصٍ واتهامه بألفاظٍ سلبية، مثل: “أنت غبي، لا تفهم”؛ بل يجب التركيز على التَّصرف، كأن تقول له: “أنت ابني، وأنا أحبُّك في جميع الحالات حتَى لو أخطأت، لكن تصرُّفك كان خاطئاً، وسأعاقبك عليه”.

6. الثقة:

الشخص الواثق هو مَن ينسف ارتباطه بنظرة الناس، ويوجِّه كلَّ اهتمامه إلى نظرة اللّه عزَّ وجل.

فلن يستطيع شخصٌ القيام بإلغاء الأحكام على الآخرين، والتسامح مع الآخر، واحتوائه، وفصل فعله عنه، واحترام حريته، وتكريمه؛ إلَّا إذا كان واثقاً من نفسه.

إنَّ الشخص الواثق هو مَن يُعطِي الطرف الثاني كامل الحرية، وحده المهزوز مَن يضغط على الطرف الآخر ويسجنه. فعندما يكسر الشخص ارتباطه بنظرة الناس، لن يبالي إن قالوا عنه ضعيف الشخصية إذا ما قام بمسامحة صديقه والصفح عنه إن أخطأ الأخير بحقِّه واعتذر منه.

7. يعطي التعامل الجيد رزقاً أكثر:

إنَّ طريقة تعاملك مع الآخرين تُحدِّد رزقك، فقد بيَّنت دراسةٌ أنَّ نجاح كبار الشركات مبنيٌّ على 75% لطرائق التعامل، و25% للمواهب والمعلومات. إذاً، إنَّ التعاملات تنعكس إيجابياً على رزقك أيضاً.

على سبيل المثال: سيُفضِّل الناس الطبيب ذا التعامل الحسن، على الطبيب ذي التعامل الجاف؛ وبالتالي انعكس التعامل على رزق كلٍّ من الطبيبين.

من جهةٍ أخرى، إنَّ المدير الذي يتعامل بتعاونٍ وحبٍّ ورقيٍّ ومشاركةٍ مع موظفيه، سيترقَّى بسرعة أكبر، وسيكسب الرزق بشكلٍ أكبر من نظيره ذي التعامل الفَظّ.

الخلاصة:

إنَّ التعاملات جوهر كلِّ قضية، والسبب الأساسي للوصول إلى نعيم الحياة، وإلى التوازن والسلام الداخلي؛ لذا علينا أن نُعيد التفكير في تعاملاتنا، ونبحث عن مواطن الخلل فيها، ونسأل أنفسنا إن كنَّا نضغط على الآخرين ونحتجز حريتهم؛ وذلك لكي نُخفِّف الضغط عن حياتنا، ونصل إلى حالة التَّماهي والاتحاد مع الحياة.

 

المصادر: 1، 2، 3

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!