البحرينية سارة قائد… فنان الكاريكاتير العربي يعاني تسلط الأنظمة
[wpcc-script type=”22ece92e35d0eb7ce236154f-text/javascript”]

يُعَدُّ فنُّ الكاريكاتير من أهم الوسائل التي يستخدمها الفنان؛ لتسليط الضوء على هموم المواطن البسيط ومعاناته، وكذلك نقل آرائه وانفعالاته إلى السلطات السياسية والاجتماعية، بأسلوب تغلب عليه السخرية والمبالغة، فهو فن التعبير عن مشاكل الواقع المسكوت عنها في المجتمع. من ناحية أخرى ظل فن الكاريكاتير في العالم العربي مجالًا مقتصرًا على الرجال منذ بداياته في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، غير أن هناك عددًا من النسوة العربيات اللاتي استطعن اقتحام هذا المجال مؤخرًا وأثبتن جدارتهن، ومنافسة الرجال في هذا التخصص. ومنهن على سبيل المثال المصرية دعاء العدل، الإماراتية آمنة الحمادي، السعودية منال الرسيني، المغربية مها الهور والبحرينية سارة قائد التي نحاورها اليوم .
ولدت قائد في البحرين، وتقيم حاليًا في نيوكاسل في المملكة المتحدة. تستخدم سارة قائد أساليب وتصاميم مبتكرة؛ لعرض رسوماتها الهزلية، سواء أكان ذلك من خلال عرضها على هيئة صور في رسومات، أو فيديوهات، أو قطع من الملابس، وقد ركَّزت أعمالها على قضايا المرأة، اللجوء والهجرة غير الشرعية، الفتنة الطائفية، الجهل والاستبداد السياسي.
وقد تم تكريمها في الخامس من شهر يوليو/تموز لهذا العام من قبل مؤسسة (ابن رشد للفكر الحر) في برلين.
■ متى اعتقدتِ أنه بإمكانكِ اعتبار فن رسم الكاريكاتير مهنة؟
□ أنا أرسم منذ الصغر. الكاريكاتير بدأ بالنسبة لي كموهبة، وتطور بالممارسة والقراءة، وتطور أكثر بالدراسة والنقاش المستمر والمساحات التفاعلية والأخطاء! كنت أرسم: (أشخاصًا، وجوهًا، مدنًا، مناسباتٍ). تجذبني النقوش التقليدية للأماكن، الأسواق القديمة، أحاديثنا مع بعضنا بعضا. أعشق اللون الأسود وتدرجاته إذا ما أصبح رماديًّا وتحول إلى بياض، وأحب بعض الألوان إذا ما أخذت مسحةً مغبرةً غيرَ واضحة. دخلت هذا العالم (الكاريكاتير) خلال عامي 2009 – 2010 مع لقطة كانت على التلفزيون لعائلة قضت تحت القصف، كنت منبهرة بقدرة الكاريكاتير على تقديم أفكار عميقة وقريبة جدًّا من الشارع، قد تكون هذه العبارة مكررة، ولكن هي بالفعل أكثر ما يشدني في الكاريكاتير. الفنون الأخرى لا تقل عمقًا طبعًا: (الكتابة، الإلقاء، النحت)، ما سمي فنًّا أو لم يُسَمَّ. لكن يظل ما في الكاريكاتير مميزًا جدًّا؛ فهو قريب من أعمار وخلفيات متنوعة، وهو لغة بصرية لجميعنا قدرة على التقاط شيء منها. كذلك لم يكن الكاريكاتير مجال العمل الوحيد بالنسبة لي، كنت أمارس بجانبه العديد من الأعمال التي دعــــمت الكاريكاتـــير بصريًا وماديًّا، وأثرت في الأعمال الكاريكاتيرية بشكل أو بآخر. درست التصميم الداخلي، عملت مدرسة فنون للأطفال، ثم محاضرة في الجامعة، ودخلت مجال الأعمال الحرة الإبداعية.
■ تقومين بتقديم ورش عمل في فن الكاريكاتير أيضًا؟ ماذا عن الأساليب التي تقدمينها للمهتمين بتعلم فن الكاريكاتير؟
□ أولًا أحاول أن تكون الجلسات أو الورش عبارة عن (تبادل/تشارك) بيني وبين الحضور، كل شخص لديه حكاية أو صنعة ملهمة، هذا الحضور هو جزء من جمهور كبير نرسم عنه وله كاريكاتير بشكل يومي، والإنصات لحكاياته أكثر متعة من التفرد بالحديث. أتذكر دائمًا عملي مدرسة فنون للأطفال، أحببت جدًّا ما كنت أقوم به؛ فالأطفال لهم قدرة هائلة على الخيال، لا يملكون أي صندوق ليفكروا خارجه، نقاد بالفطرة، ومفعمون بالنشاط. ما إن نكبر حتى تبدأ هذه القدرات بالتقلص. لا أعرف ما الذي يحدث لكمية الحماس والنشاط؟ هل تتلاشى مع منظومة السمع والطاعة في المناهج، المجتمع، الأسرة، والدولة! جاءت فكرة مشروع «أكمل» لتعيد هذا (الفنان/الناقد) بداخل كل فرد، وبدأت بعرض كاريكاتيرات ناقصة للتكملة.
«أكمل» .. هو طريقة للرؤية والنظر للأشياء ككتل غير مكتملة، فهو يدفع المحيطين للتفكير والسؤال والعمل أكثر، ويسعى لتحويل الجمهور لنقاد، والمتلقي لفاعل، والمستهلك إلى طرف مساهم في الإنتاج. في كل مرة يعيد «أكمل» صياغة شيء ما، يشكك في نهايته، ويلقي بنقصانه بين يدي الجمهور، من خلال تمارين على وسائل التواصل الاجتماعي، شاركنا في معارض جماعية، ورش للأطفال، رسوم مصورة.
المبالغة مسحة أساسية في الكاريكاتير، لكنها أحيانًا لا تخدمه عندما يبالغ في عرض خبر ما، أو المبالغة في الرسم عن فئة معينة وتجاهل أخرى تجاهلًا تامًّا!
■ فن الكاريكاتير هو فن المبالغة، ولكن متى تصبح المبالغة شيئًا غير مستحب؟ وما هي الأخطاء الشائعة التي يقع فيها رسامو الكاريكاتير المبتدئون؟
□ نظل جميعًا مبتدئين، ونكتشف كل يوم أننا في البداية. المبالغة مسحة أساسية في الكاريكاتير، لكنها أحيانًا لا تخدمه عندما يبالغ في عرض خبر ما، أو المبالغة في الرسم عن فئة معينة وتجاهل أخرى تجاهلًا تامًّا! يظل من الصعب تغطية جميع الأحداث، ولكل فنان مساحته الخاصة لاختيار المواضيع بكل تأكيد، لكن التحدي يكمن في عرض الأحداث بمبالغة منصفة إن صح التعبير. أما المبالغة في الرسم نفسه: فهي عالم يبحر فيه كل فنان بأسلوبه الخاص، يظل يشكل حتى يصل إلى ما يقتنع به. وجه الرئيس الأمريكي ترامب مثلًا: بالغ الناس في رسمه إلى حَدِّ اللامعقول تمامًا كتصرفاته، فأطالوا شعره الأشقر، وبالغوا في تصوير فمه وسائر أعضائه، وصولًا إلى لون بشرته التي احتاروا إذا ما كانت بيضاء أم برتقالية مشتعلة كالنار!
■ إلى أي حدٍّ تُقيمين وجود المرأة العربية في مجال الكاريكاتير اليوم؟
□ لكل امرأة سبب خاص في الظهور أو الغياب. قابلت العديد من النساء اللواتي لديهن مهارة وشغف في الرسم نفسه، لكن يبدأن بالاختفاء تدريجيًّا؛ لعدم وجود وقت أو رغبة شخصية في المواصلة مثلًا. الكاريكاتير بشكل عام يتطلب متابعة يومية، التطرق لمواضيع سيكون من الآمن عدم التطرق لها أحيانًا، وسيضطر الفنان لإيمانه بمبادئ معينة بالمجازفة والرسم، بالإضافة إلى هذا هو ضعف العائد المادي، والمشاكل التقليدية التي يمكن أن تعانيها المرأة في أي مجال؛ لذلك هذه الحياة المهنية (غير المستقرة) قد لا تناسب العديد، سواء كان رجلًا أو امرأةً. أتابع العديد من النساء المميزات جدًّا في مجال الكاريكاتير منهن، مارينا نردي، دعاء العدل، وآن تيلناس وغيرهن الكثير.
■ ما هي أهــــم التحديات التي تواجهك كرسامة كاريكاتير وامرأة تعمل في هذا المجال الذي يسيطر عليه الرجال تقريبًا؟
□ معظم الصعـــــوبات لها علاقة بالحريات، ومدى تقبل الأطراف الأخرى النقد، الكاريكاتــــير مجال فيه مزيج من «النقد» و«السخرية»، قد يتقبل البعض الأول، ولكن ليس الثاني.
كذلك فالدعم المادي المستقل لايزال ضعيفا بعض الشيء، يحتاج الفنان أو العامل في المجال الإبداعي كالكاريكاتير أو غيره للكثير من الوقت والمستلزمات لينتج ويجرب ويعيد التجربة، أعتقد أننا بحاجة لمن يعتني بالفنان في هذه المرحلة، ويكون له دعم مادي، معنوي، ومساحة معقولة من الحرية والأمان ليستطيع أن يستمر في ما يفعل بدون ضغط، أو يستطيع أن يصل لمرحلة الإنتاج المقنع له وليس التجاري فقط..
■ وهل توجد فروق جوهرية بين تصوير الرجال والنساء من رسامي الكاريكاتير للموضوعات التي تخص المرأة في العالم العربي؟
□ تصوير الرجال وتصوير النساء يكمل بعضه بعضًا، نحن بحاجة للاثنين، وبحاجة (لرسامين/رسامات) كاريكاتير من جميع التخصصات والخلفيات، بحاجة إلى الكاريكاتير من (الطبيب ومن الشاعر والمحاسب والجزار، من الكبير والصغير، الأبيض والأسمر) بحاجة: (للعربي/العربية)؛ لتعبر عن قضايانا، و(غير العربي)؛ ليعطينا بعدًا مختلفًا للقضية. كل منهم سيأتي بجزء مختلف من الصورة لن يستطيع آخر أن يأتي بمثله. ومن الوارد جدًّا أن ذائقتنا الشخصية وقراءاتنا للأعمال ستكون مختلفة، سنتقبل عملًا يعتبره آخر بلا قيمة، وسنعجب بكاريكاتير مسيء لآخرين، أو سنستاء من آخر يعتبره صاحبه حرية تعبير!