البساطة العاطفية والعمل

هذا المقال مقتطف عن كتاب "البساطة العاطفية" (Soulful Simplicity) لمؤلفته المدوِّنة كورتني كارفر (Courtney Carver)، التي تُحدِّثنا فيه عن كيفية عيش حياة بسيطة دون ضغوطات للتمتع بصحة جيدة وإيجاد حيز ومتسع من الوقت.

Share your love

عندما شُخِّصت إصابتي بمرض التصلب المتعدد، لم يخطر ببالي أنَّني قد أستقيل من وظيفتي في نهاية المطاف، وفي الواقع، لأثبت للجميع أنَّني بخير، أصريت على الاستمرار في عملي في البداية؛ ولك لأنَّني كنت قلقة بشأن التكاليف الطبية المحتملة، ومن جلوسي عاجزة لفترة طويلة، وما قد يعتقده الآخرون؛ لذا حرصت على أن يكون العمل أولوية بالنسبة إلي، وأن أتحدى نفسي لإثبات جدارتي مرة أخرى.

بعد أن سددنا أنا وزجي ديوننا، وركزنا على تحقيق أهداف أقل، وتخلصنا من أشيائنا، ولم نَعُد نهتم بما يظنه الآخرون أفضل لنا، أو نصائحهم فيما يخص قراراتنا، شرعت بالتخطيط لعمل أجد فيهِ ذاتي، لم أُرِد العمل ضمن مكتب ضيق أو لدى شركة، وخطر لي أن أستفيد من مدونتي، لم أكن واثقة من الخطوة التالية؛ لكنَّني كنت متحمسة لتجربتها مهما حدث.

وفي أيار من عام 2010، انطلق موقع bemorewithless.com الذي يعلِّمنا كيف نعيش حياتنا ببساطة دون ضغوطات، وجعلتُ هذا الموقع عملي الرسمي، كوسيلة لأقول لنفسي: “أنا أفعل هذا، إنَّه ممكن”، وكنت لا أزال أعمل بدوام كامل، لكن جعلني القيام بشيء أهتم به حقاً أحتمل العمل الذي لم أكن أطيقه.

لا تتماهَ بعملك بل دع عملك يتماهى بك:

صحيح أنَّ الوظيفة كانت تستفزني تماماً؛ لكن لا يمكنني إلقاء اللوم كله عليها، ولا أنكر ارتياحي بالعمل لدى بعض أرباب العمل وسروري بالعمل نفسه، لقد كنت أنا سبب المشكلة؛ وذلك لأنَّني أصبحت جزءاً من عملي، بدلاً من اختيار العمل الذي يعبِّر عني.

كنت أعتقد أنَّني امرأة ذات شخصية منفتحة، وهذا ما ينفيه أصدقائي المقربون وحتى مديريَّ في العمل، فقد كنت دائماً ما أحاول مغادرة المناسبات الهامة والوجبات مع العملاء مبكراً، كلَّما أُتيحت لي الفرصة، ومع ذلك، كنت أرتاد هذه المناسبات وأتظاهر بالاستمتاع فيها، ولأنَّني كنت بارعة في التصنُّع؛ لم يعرف معظم الناس كم كنت بائسة.

شاهد بالفديو: صفات الشخصية الانطوائية وكيفية التعامل معها

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/q24yHl-UlQM?rel=0&hd=0″]

كانت تتطلب وظيفتي مني مجهوداً كبيراً، وتفاعلاً متواصلاً مع الكثير من الأشخاص؛ لذا تماهيت مع هويتي التي افترضتُها ملائمة لي لأقوم بعملي، وكنت مثالاً لما تصفه الكاتبة غلينون دويل (Glennon Doyle) بالشخص الألِق؛ حيث تقول: “يمكنك إما أن تكون متألِّقاً ومحط إعجاب الجميع أو حقيقياً ومحبوباً”، وتفقد هويتك الحقيقية عندما تكون متألِّقاً، وهذا التألق لا يدوم ولا يمنحك الرضا، وليس هو ما يهم حقاً، وفي المقابل، المحبوب دائماً هو الرابح.

كنت مفعمة بالتألق في وظيفتي؛ حيث أتذكر إحدى اللحظات الأكثر تألقاً، عندما كنا نحضر أنا وزوجي فعالية في أحد استوديوهات التصوير الفوتوغرافي لعملائي، فقد كنت أعي أنَّه سيكون ملتقىً اجتماعياً؛ لذا لم أشعر بالحماسة للذهاب، وفي طريقنا إلى هناك، كنت قليلة الكلام، لقد كنت مرهقة وأشعر بأنَّني لست على خير ما يرام، فكنت أتحدث مع زوجي بعبارات مقتضبة أو بسخرية، فشعر بالأسى على حالي.

عندما وصلنا، انتقلت إلى حالة التألق وبدأت في معانقة الأشخاص، وتجاذب أطراف الحديث معهم وظن الجميع أنَّني كنت أقضي وقتاً رائعاً، وعندما غادرنا، كان زوجي مرتبكاً ومجروح المشاعر، فقال لي: “ماذا حدث للتو؟ اعتقدت أنَّك لست على ما يرام”، أجبت: “لا بد من حضوري للعمل”، ولم نتحدث عن هذا الأمر بعدها مطلقاً أخرى، لكنَّني كنت واثقة من رغبته في أن أكون حاضرة قلباً وقالباً معه أيضاً.

الآن بعد أن عرفتُ أنَّني انطوائية، تجلى لي سبب إجهادي في العمل وكثرة الأيام التي قضيتها مريضة، وتحاشيَّ للقاءات الاجتماعية الإلزامية، وشعوري بالإرهاق الشديد في نهاية كل يوم عمل أو اجتماع أو فعالية، فأنا لم أخصص الوقت الكافي لأكون وحدي أو أشحن طاقَتي أو أهدئ نفسي، وبدلاً من ذلك، واصلت الضغط وإثبات نفسي ومحاولة التألق، وكانت تكثر المهام الملقاة على عاتقي والتي عليَّ إنجازها، وكان عليَّ إثبات نفسي، والوصول إلى الأهداف الأكبر والقمم الأعلى.

في كتابها “الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يكف عن التحدث” (Quiet: The Power of Introverts in a World That Can’t Stop Talking)، تشجع الكاتبة سوزان كاين (Susan Cain) الانطوائيين ليكونوا على طبيعتهم؛ أي في المكان الذي نريد بجوارحنا أن نحيا فيه، فعندما كنت جزءاً من عملي وأمارس حياتي كشخص منفتح لفترة طويلة جداً، خرجت عن طبيعتي ونسيت هويتي، لقد نسيت من أكون وما أحتاج إليه لأتألق، ولم أكن بحاجة إلى اختبار لتحليل الشخصية ليخبرني أنَّني انطوائية، فقد كنت دائماً بحاجة إلى بعض المجال والمتنفس، وكان علي القول: “لقد ضقت ذرعاً”، وأن أجلس ساكنة وأصغي.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!