يشتغل الفنان الفوتوغرافي محمد الشيوي بعدسته التي ترصد مجموعة من المواضيع ذات التوجه الجمالي، والبعد التراثي والاجتماعي والثقافي. فتتبدى تجربته قوية بقدر ما تحتويه أعماله الفوتوغرافية من تشكلات فنية وجمالية، تتكتل في قيم معرفية وتراثية رائقة، وفي صياغة دلالية متفردة، تخترق المادة الفنية وخصوصية البناء التي تقوم على الرمزية المباشرة، والدلالة التراثية التي تنبلج من كل العناصر المكونة لأعماله.
وهو بذلك يكشف عن عوالم جديدة في الصياغة الفنية الفوتوغرافية، حيث يقلص مسافة الظلام، التي تغشي العديد من الماورائيات، ويكشف غطاء الحجب عن دقائق الأشياء، ليظهر مختلف المعالم والمشاهد والشخوصات، والمواد الطبيعية والواقعية، في صور ذات تعابير من إحساسه ورؤيته الخاصة، وهو تحوّل يجعل الصورة الواقعية البصرية تتحول إلى مادة تخبيرية بمحتويات إضافية.
إنه انزياح عن المألوف في عالم الفن الضوئي، وغوص في التعبير وفق طقوس ومفردات فنية فوتوغرافية محضة. ليثبت فنيا ما يكتنزه من موهبة، وما يدخره من تقنيات جديدة في فن التصوير، لإبداء أفكاره وتوجهه الصريح في التعبير بالتصوير الضوئي، إذ تتمظهر مهاراته العالية في توظيف الصورة وإغنائها بدقائق الأوصاف، التي تتبدى من خلالها مختلف القيم الفنية والجمالية، وما تصوغه نظرته الفنية الدقيقة، ورؤيته الفنية الفوتوغرافية القويمة، من توظيف محكم، وتحويل إبداعي في المادة الفنية.
إنه يعتمد أسلوبا فنيا يستند إلىمختلف العناصر الضوئية والتموقع المركَّز والعُدة المنهجية للعمل الفني، والشكل الفني الذي تتأسس عليه المشاهد، ليقدم دلالات إضافية، تحول المشهد الواقعي، إلى صور جمالية؛ بمضامين فلسفية ومعرفية، ويؤكد فنيا قدرته العالية في توظيف الصورة التعبيرية، بانعكاسات متنوعة، توضح جودة التكوين والأداء التصويري والتقنيات والتعبير، بما تحمله المشاهد من مفاهيم قيمية وجمالية تصب شكلا ومضمونا في المنحى التعبيري، وفي المعالم التراثية والطبيعة، يصوغها المبدع بين المفهوم والجمال، خاصة أنه يتميز بجودة الالتقاط، ودقة اصطياد الهدف، وصياغة محتوى الصورة، في منشأ فوتوغرافي تكتمل فيه الرؤية الفنية التي تقود العمل الفني، إلى التعبير الدقيق عن قيم جمالية تصل بالمشاهد إلى عمق دلالي يترنح بين ما تحمله المضامين والمادة الجمالية. هناك علاقة تُرسخ جانبا من التداخل بين كافة العناصر المنفصلة بكل ما تحمله الإشارات الفنية من تشعبات دلالية، وتأويلات تميز في عمقها الخطاب الفوتوغرافي، وفق مسلك فني ممنهج، يفسح المجال لتوظيف المهارات الفنية والتقنية. فالمبدع غالبا ما يجسد كل مقومات الصورة الفوتوغرافية المتكاملة، والمتناسقة، في مختلف المضامين التي تنفذ إلى الأعماق، والتي تتضمن القيم الفنية والجمالية، بنوع من التوازن الإبداعي والانسجام بين مختلف مفردات التصوير الضوئي، لتتبدى أعماله متماسكة محكمة، في تسلسل منطقي، يقود إلى فهم ماهية الصورة التي يتم نقلها وإخضاعها للتصورات الجمالية التي توجهها حاسته الحادقة، التي تنتج سحرية أدائه، وتكشف عما تخبئه أعماله من محمولات جمالية تزخر بالتأويل ذي الدلالات المفتوحة، وفقا لما يلتقطه بدقة عميقة وعناية فائقة من مسافات مختلفة، موظفا حزمة من العناصر الضوئية، التي تنسج جملة من العلائق بين الدوال والمدلولات، ليقارب بين المبنى والمعنى، ويرصد في أدائه الفني التعبيري الوشائج القويمة، بين ملمح الصورة والموضوع، وفق المرجعيات المنبثقة من الواقع. فمعظم المفردات الواقعية الدقيقة حاضرة في صوره، لتكتسي أعماله طابعا رمزيا ودلاليا، يمكّنه من ترسيخ البعد الجمالي في الصورة، عن طريق الدقة في الأداء، والتقنية العالية في الإنجاز، وفي معالجة المؤثرات الضوئية بدرجات من الألوان، التي تتناسب مع المنجز الصوري والمشهد البصري المبني على التوازن، وعلى الخصوصيات الجمالية المقترنة بالفن الفوتوغرافي، الذي يأخذ الظاهر والمستتر بطرق فنية تعتمد إعادة بناء المشاهد، وصياغة محتوى الصورة بشكل يضفي عليها أبعادا دلالية.
وبذلك، يشكل أسلوب الفنان محمد الشيوي إبداعا جماليا مميزا بكل ما يحتويه من تفاصيل الصورة الفوتوغرافية الفنية بمعناها الفني المعاصر.

٭ كاتب مغربي