تظل الأم هكذا، ويكبر الولد ومعه هذا الفهم الخاطئ بأنه غير مسئول عن أي شيء، سواء داخل المنزل أو خارجه، وتبدأ معاناة الأم بعد ذلك، ولا يفيد في ذلك الوقت النصح والإرشاد، فقد فات الأوان، “فمن شب على شيء شاب عليه”.
ـ الأمهات: أخطأنا من البداية؛ لعدم جعل أولادنا يعتمدون على أنفسهم، ويشاركون أخواتهم البنات في عمل المنزل.
ـ الزوجات: تدليل الولد في مرحلة الطفولة جعله زوجا غير قادر على تحمل مسئولية البيت والأولاد.
ـ د. نصر الدين شهاب: تقسيم تربية الأبناء لمراحل ثلاث فلسفة تربوية عميقة
ـ د. عرفة عامر: عدم تربية الأبناء على تحمل المسئولية يجعلهم غير قادرين على التعامل مع محن وتجارب الحياة
نتيجــة التدليـل
تشكو ع.أ – موظفة بإحدى الشركات – من ابنها البالغ من العمر 25 عاما، الذي دللته كثيرًا في صغره، وكانت تلبي له كل طلباته، ولم تعوده الاعتماد على نفسه، حتى اعتاد على ذلك، وليست لديه رغبة في العمل، رغم وجود الفرص المناسبة التي عرضت عليه، إلا أنه رفضها جميعا، وأنا الآن وصلت إلى سن أحتاج فيه إلى الراحة، والرعاية، والمساعدة حيث لم أعد قادرة على القيام بكل شيء، ومع ذلك فهو لا يحضر كوب ماء لنفسه، وأنا في شدة الأسف؛ لأنني لم أعوده على العمل، والاعتماد على نفسه، فهذه هي النتيجة.
كما أنه يركن إلى الراحة والخمول، فلم يخرج للبحث عن عمل رغم مهاراته العالية، ومؤهله العالي، إلا أنه اعتاد على الراحة، وعدم تحمل المشقة؛ لذلك فهو ينتظر عمل لا تعب فيه، ولا جهد يبذله، فأنى له بهذا؟
(ف.م) – ربة منزل – تقول: هذا للأسف اعتياد خاطئ أن يكون الولد في البيت هو المطاع من أخواته البنات، يلبين له كل طلباته، حتى ولو كان أصغر منهن.
وكذلك أن تقوم البنت بكل أعمال المنزل، فهذا ضغط كبير عليها، وعدم مشاركة أخيها لها.
وهذا التعود لا نلاحظه في الريف، فالولد هناك يعتاد العمل الصعب الشاق منذ صغره، ويعتمد على نفسه، حتى يشب مساعدًا لأبيه في الحقل أو في مهنته.
لكننا للأسف عودنا أولادنا الذكور أن هذا حق مكتسب لهم، وأن عليهم الأمر، وعلينا الطاعة؛ لذلك ينشأ الزوج، وهو معتمد على زوجته في كل شيء، فإذا تعبت أو احتاجت لبعض الراحة تغير كل شيء في حياة الأسرة، فلا تجد من يستطيع القيام بما كانت تقوم به الأم، وهذا خطأ كبير في التربية يجب أن نتداركه في الأجيال القادمة.
شيرين كمال – زوجة وتعمل أخصائية اجتماعية في إحدى المدارس – تقول: عمل البيت على الزوجة، والزوج يكفيه ما يلاقيه من تعب ومشقة طوال النهار، وأحيانا يعمل في الليل ليوفر نفقات أسرته، لكني مع عملي أحتاج لمساعدته لي في بعض الأحيان، ولكن لشغله، وعدم تفرغه لا يجد وقتا لذلك، فالزوج يشعر دائما أن زوجته هي المسئولة عن كل أعمال المنزل، حتى لو كانت تعمل; لأنه اعتاد على ذلك في بيت والديه قبل الزواج، أن يرى أمه وأخواته البنات يقمن بكل أعمال المنزل.
وتؤكد والدتها هذا الكلام؛ حيث تقول المسئولية تقع على الأم منذ البداية، فولدي محمد اعتاد أن يفعل بعض الأمور البسيطة مثل: الإفطار، أو العشاء؛ لأنه تعود على هذا منذ الصغر، أما أحمد فلا يرتب حتى غرفته، ويرمي كل ما يخصه في أرجاء المنزل، وأنا أعترف أن هذا خطأ مني، فلو عودتهم من صغرهم المشاركة في عمل المنزل، ما كان هذا حالهم، ولأنهم كانوا يروني أنا وأخواتهم البنات نقوم بكل أعمال المنزل، فالآن تزوجت البنات، وأنا كبرت، وأحتاج لمساعدتهم، ومع ذلك يتركون كل شيء لي.
مجتمع ذكوري
شادية سعد – متزوجة حديثا ولا تعمل – تقول: البنت مثل الولد في كل شيء، فكل منهما عليه واجبات يجب أن يؤديها، وله حقوق يجب أن يأخذها، ولكننا في هذا المجتمع الشرقي نفرق بين الولد والبنت، فالولد منذ صغره يتحكم في أخته، ويظن أن عليها القيام بكل أعمال المنزل، وتلبية طلباته، فنحن نعيش في مجتمع ذكوري يعترف بالذكور أولا ، ثم بعد ذلك الإناث.
وإذا حملنا الفتاة فوق طاقتها، فهذا ظلم لها، ولو قسمت الأم المسئولية بينهما في الصغر لشب الولد وهو معتمد على نفسه قادرا على تحمل المسئولية.
النتيجــة الطــلاق
أ.س – 25 سنة مطلقة من سنتين – تقول: إن أحد الأسباب الأساسية للطلاق، كانت عدم قدرة زوجي على الاعتماد على نفسه في أي شيء، فكل صغيرة وكبيرة في حياتنا، كان يرجع فيها إلى أمه، حتى يعرف كيف يفكر فيها، وباستمرار تدخل الأهل تأتي المشاكل التي لا يتحملها البيت.
نمـاذج مثـالية
ولكن على الرغم من ذلك هناك نماذج مثالية لأزواج يساعدون زوجاتهم في أعمال المنزل، والأولاد يقومون بعمل المنزل كله، مثل هذه الأسرة التي تعمل فيها الأم، حتى وقت متأخر، ولديها أربعة أبناء ذكور، فعودت كل واحد منهم على القيام بعمل ما داخل البيت، فمنهم من يقوم بتنظيف المنزل، وآخر يعد الطعام، وثالث يغسل الأطباق، حتى ينتهوا من عمل المنزل كله، ومع ذلك فهم شباب متفوقون في أعمالهم ودراستهم، فهل يوجد في المجتمع مثل هذه الأسرة؟.
مسئــولية مضاعفــة
وفي هذا الموضوع يتحدث د. نصر الدين شهاب – أستاذ التربية النوعية جامعة حلوان – حيث يقول: كي ينشأ الأبناء على تحمل المسئولية والاعتماد على الذات، فهذا يعتمد على عدة جوانب؛ حيث لا تقع مسئولية التربية على الأسرة وحدها، إنما أصبح هناك الآن نوع من التحدي والمشاركة في التربية، فكل من المدرسة والكلية، أو المعهد، ووسائل الإعلام له دور فيها.
ومن كل هذه المؤسسات يكتسب الأولاد السلوكيات سواء كانت حميدة أو غير ذلك، وبالتالي تضاعفت مسئولية الأسرة، فلم تعد المؤثر الوحيد في الأبناء، وأصبحت المهمة الملقاة على عاتق الوالدين كبيرة، فلابد من الاهتمام بالأبناء منذ ولادتهم، ولابد من متابعة نموهم وخصائص كل مرحلة في حياتهم.
والحديث في هذا الموضوع سهل، ولكن تطبيقه صعب؛ لأننا عندما نعطي أولادنا قدرًا من الاستقلالية والاعتماد على النفس، بحدث خلط بين التحرر والتحلل، فالتحرر مستقل ومرتبط بضوابط معينة، أما التحلل مطلق، والتحرر يعني الحفاظ على مقومات الشيء كي يؤدي وظائفه بعيدا عن أي ضغوط، أما التحلل فيعني التفكك والتفتت.
فلسفـة تربـويـة
وقد وضع الإمام علي (رضي الله عنه) فلسفة تربوية تعد نظام تعليمي شديد العمق، وهو يعتمد على تقسيم مراحل عمر الأبناء إلى ثلاثة مراحل، كل مرحلة لها خصائصها، وكيفية التعامل مع الابن فيها; حيث قال (رضي الله عنه): “لاعب ابنك سبعا، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا، ثم اترك له الحبل على غاربه”.
فلابد أن يستشعر الطفل خلال سنين عمره الأولى كل معاني الخير، حتى يكون إيجابيا في المجتمع، ويكون فكرة صائبة عن العالم من حوله، ولا تكون لديه رهبة، أو خوف من التعامل مع الآخرين.
ثم تأتي المرحلة التالية في حياة الأبناء، وهي تعتمد على التربية بالثواب والعقاب، ومن الممكن أن يكون العقاب واضحا إذا ما أخطأ الابن، كذلك على الوالدين تربية ابنهما على تحمل مسئولية كل ما يصدر عنه من أفعال، وكل هذا يتحول إلى سلوك؛ حيث يصبح جزءًا من تكوين شخصيته، ويترسخ بداخله هذا التعليم، وكيفية تنظيم الوقت، والاعتماد على النفس، ومشاركة الغير في العمل النافع.
طابـع عقلــي
ويضيف د. نصر الدين فيقول: ثم ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة التالية، وهي فترة الشباب، والنضج، وفهم أمور الحياة، أوجه الابن خلالها إلى كيفية استحضار النية في كل أعماله، وكيف يوجه تصرفاته؛ حيث ينتقل الكلام معه إلى الطابع العقلي، وتقوم هذه المرحلة على التأديب؛ حيث يتعلم احترام وتوقير الكبير، وأسند إليه مهمات يقوم بها، وأكلفه بأعمال ينجزها، وأوضح له ثوابه إذا أتمها، وعقابه إذا قصَّر فيها، فينتقل بذلك من الدائرة الصغيرة إلى الدائرة الأكبر وهكذا.
ويجب على الوالدين أن يعودا ابنهما على تحمل المسئولية داخل الأسرة وخارجها، فقد يقوم الوالدان ـ مثلا ـ بتعريف الابن بظروف الأسرة المالية، وأن يشارك في التفكير في أوجه الإنفاق و الاقتصاد، وقد يتحمل مسئولية البيت لمدة يوم في الأسبوع، كي يعتاد بعد ذلك على تحمل مسئولياته عندما يتزوج.
دور الإعــلام
ويتفق معه، في كثير من النقاط، د. عرفه عامر – أستاذ الإذاعة جامعة الأزهر – حيث يوضح أن الإسلام اهتم بتربية الأولاد حتى قبل مجيئهم إلى الدنيا؛ حيث أوصى الزوج بحسن اختيار الزوجة ذات الخلق والدين، وكذلك اهتم باختيار الاسم الحسن للمولود، الذي يحمل معاني جميلة، فالإسلام يهتم بكل من الذكر والأنثى على حد سواء، بما ينعكس على حياتهم المستقبلية، واهتم كذلك بتربية الأبناء منذ بداية نطقهم، وفهمهم بالكلام؛ فيروىفي بعض الآثار “استفتحوا على أولادكم بلا إله إلا الله”؛ حيث يكون الطفل في مرحلة اختزان المعلومة، ويسمع الخير والشر، فإذا ما جاءت مرحلة العطاء بدأ ينطق ما سمعه؛ لذلك علينا متابعته والعناية به، والتربية تكون مدي الحياة؛ حيث تبدأ منذ ولادة الابن أو قبل ولادته، وتستمر بلا نهاية، فهي تربية تراكمية.
منــع التمييز
وقد حذر الإسلام من التمييز بين الذكر والأنثى تحذيرًا شديدًا، وهذا خطأ في التربية فعندما نفرق في المعاملة بين الذكر والأنثى، ونفضل الذكر نزرع داخله الأنانية، وحب الذات، والأثرة، وكلما نضج ولم يكلف بشيء ينشأ إنسانا هشّا غير قادر على تحمل المسئولية، ولأن الحياة تجارب ومحن، فهو لن يستطيع التعامل معها، ولن يحسن التصرف فيها.
ومن الخطأ أن نلقي العبء كله على الأنثى داخل المنزل، لكن لابد من توزيع الأدوار، فهناك واجب على كل فرد داخل الأسرة.
فهناك ما يقضى عن طريق الأب، وما يقضى عن طريق الأم، وما يقضى عن طريق الأبناء.
والإسلام فضل الرجل على المرأة بدرجة واحدة، وهي د رجة القوامة، وللأسف هناك من الرجال من لا يحسن القوامة.
والبيت سفينة تحتاج إلى قائد يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ويكون مسئولا عن أسرته أمام الله، وأمام الناس، وأمام القانون، فهذه الأسرة هي التي تخرج للوطن فلذات أكبادها، حتى يكونوا لبنات صالحة تمثل سواعد بناء، أو عكس ذلك، فيكونوا معاول هدم للمجتمع.
ويجب ألا نفرق بين الأبناء في المعاملة والعطاء في كل شيء، حتى في القبل، كي لا يشعروا بالغيرة، ويوغر ذلك صدور بعضهم تجاه والديهم أو أخواتهم، فيحدث لديهم رد فعل عكسي.
إن كلا من الرجل والمرأة له اختصاصاته حسب طبيعته التي خلقه الله عليها، فالرجل من طبيعته القوة والتحمل، فعليه أعباء العمل خارج البيت فيما يناسبه، والمرأة عليها أعمال البيت، وكذلك خارج البيت فيما يتناسب مع طبيعتها العاطفية الحانية.
لكن إذا انغمس الرجل في أعمال النساء تحللت شخصيته، وفقد رجولته، وكذلك المرأة إذا تعمقت في أعمال الرجال ضاعت أنوثتها، وتأثرت طبيعتها، فنحن لا ندعو إلى عدم مشاركة الرجل أمه وأخته، أو زوجته في عمل المنزل، ولكن كذلك لا ينغمس انغماسا كليا في عمل النساء، فلابد من التوسط والاعتدال في كل شيء.
ولا يمنع هذا من وجود تناغم، ومزاج من الرحمة والتعاون داخل الأسرة بين الأب والأم والأبناء، فالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) كان في خدمة أهله يشتري لهم من الأسواق، ويساعد في عمل المنزل مع أمهات المؤمنين. فمساعدة الرجل لأهله في المنزل من حسن الاقتداء النبي الكريم، خاصة لو كانت الزوجة مشغولة بالأولاد، أو تعمل خارج المنزل فلا يضع رجلا على الأخرى، ويجلس بلا عمل، ويقول أنا الرجل، ويترك لزوجته كل أعمال المنزل من الألف إلى الياء.
فالرحمة والتعاون والمشاركة هو عنوان البيت المسلم السعيد.