التحدُّث أمام الجمهور بشكل مقنع ومفعم بالثقة

سواءً كنَّا نتحدَّث في اجتماع فريقٍ أم خلال عرضٍ تقديميٍّ أمام جمهور، علينا جميعاً التحدُّث على الملأ من وقتٍ إلى آخر. يسبِّب التحدُّث أمام الجمهور الكثير من القلق والانشغال؛ لكنَّ الخبر السارَّ هو أنَّه مع الإعداد الشامل والتدريب، يمكنك التغلُّب على توتُّرك والأداء على نحوٍ ممتازٍ في مثل هذه المواقف. وهذه المقالة ستوضّح كيف يمكنك فعل ذلك.

Share your love

أهميَّة التحدُّث أمام الجمهور:

حتَّى لو لم تكن بحاجةٍ إلى تقديم عروضٍ تقديمية أمام مجموعةٍ من الناس بشكلٍ متكرر، فهناك الكثير من المواقف التي يمكن أن تساعدك فيها مهارات التحدُّث أمام جمهورٍ في تقدُّم حياتك المهنيَّة وخلق الفرص فيها. على سبيل المثال: قد تضطَّر إلى التحدُّث بالنيابة عن مؤسستك في مؤتمرٍ ما، أو إلقاء خطابٍ بعد قبول جائزة، أو تعليم فصلٍ دراسيٍّ لمُلتحقينَ جُدُد.

كما يشمل التحدُّث إلى الجمهور أيضاً العروض التقديمية أو المحادثات عبر الإنترنت مثل: تدريب فريقٍ افتراضي، أو عند التحدُّث إلى مجموعةٍ من العملاء في اجتماعٍ عبر الإنترنت.

كما تُعدُّ مهارات التحدُّث أمام جمهورٍ هامَّةً في مجالاتٍ أخرى من حياتك أيضاً، فقد يُطلَب منك إلقاء خطابٍ في حفل زفاف أحد الأصدقاء، أو إلهام مجموعةٍ من المتطوِّعين في مناسبةٍ خيرية.

باختصار، كونك مُتحدِّثاً عامَّاً جيِّداً يمكن أن يعزّز سمعتك وثقتك بنفسك، ويفتح لك فرصاً لا حصر لها.

ولكن في حين أنَّ المهارات الجيِّدة يمكن أن تفتح الأبواب لك، فإنَّ السيئة منها يمكن أن تغلقها. على سبيل المثال: قد يقرِّر رئيسك عدم ترقيتك بعد حضوره لعرضٍ تقديميٍّ سيِّئٍ قُمت به سابقاً، وقد تفقد عقداً جديداً قيِّماً بسبب الفشل في التواصل مع عميلٍ مُحتملٍ خلال جلسة المبيعات، أو يمكن أن تتركَ انطباعاً سيِّئاً لدى فريقك الجديد؛ لأنَّك تلعثمت بالكلام ولم تتواصل بصرياً كما يجب. لذا عليك أن تحرصَ على تعلُّمِ كيفية الحديث جيِّداً، وذلك كي تنجح في مثل هذه الحالات.

استراتيجيَّاتٌ لتصبح متحدِّثاً أفضل:

الخبر السارُّ هو أنَّ التحدُّث على العلن مهارةٌ قابلةٌ للتعلُّم. على هذا النحو، يمكنك استخدام الاستراتيجيَّات التالية لتصبح مُتحدِّثاً ومُقدِّماً أفضل:

1. خطِّط بشكلٍ مناسب:

احرص أولاً على التخطيط لكيفية التواصل بشكلٍ مناسب، واستخدام أدواتٍ مثل “مثلث البلاغة” (Rhetorical Triangle)، ومثلث البلاغة يعتمد على بناء الثقة من خلال سلطتك ككاتبٍ للخطاب، واستخدام العاطفة في التواصل مع جمهورك من خلال قيمهم واهتماماتهم، وتجهيز سياق جيد يحاكي ذكاء جمهورك.

عندما تفعل هذا، فكِّر في مدى أهمية الفقرة الأولى من كتابٍ ما؛ فإذا لم يجذبك الكتاب من خلال قراءة فقرته الأولى، فمن المُحتمل أن تتركه دون الاهتمام به حتَّى. ويسري المبدأ نفسه على خطابك؛ لذلك أنت تحتاج إلى أن تأسر جمهورك منذ اللحظة الأولى. على سبيل المثال: يمكنك البدء بإحصائيَّةٍ أو عنوانٍ أو حقيقةٍ مثيرةٍ للاهتمام تتعلَّق بما تتحدَّث عنه، والتي تُدرِك أنَّ لها صدىً لدى جمهورك؛ يمكنك أيضاً استخدام سرد القصص كبدايةٍ قوية.

يساعدك التخطيط أيضاً في التفكير السريع والردِّ بفعاليَّة، وهذا أمر هامٌّ بشكلٍ خاصٍّ خلال جلسات الاستماع غير المتوقَّعة، أو المناقشات والأسئلة التي تحدث في اللحظة الأخيرة.

2. تَدَرَّب:

هناك سببٌ وجيهٌ لأن نقول أنَّ “التدريب يصنع المثاليَّة”، أنت ببساطةٍ لا يمكن أن تكون مُتحدِّثاً مُقنعاً وواثقاً دون ممارسة ذلك. وللحصول على التدريب، ابحث عن فرصٍ للتحدُّث أمام الآخرين.

على سبيل المثال: يُعدُّ موقع منطمة توست ماستر العالمية (Toastmasters) نادياً موجَّهاً بشكلٍ خاصٍّ نحو المتحدِّثين الطموحين. يمكنك الحصول على الكثير من الممارسة في جلسات “توست ماسترز”، ويمكنك أيضاً أن تضع نفسك في المواقف التي تتطلَّب التحدُّث أمام جمهور، مثل أن تقوم بتدريب مجموعةٍ من قسمٍ آخر، أو عن طريق التطوُّع للتحدُّث في اجتماعات الفريق.

إذا كنت ستقدِّم عرضاً تقديمياً أو خطاباً، فجهِّزه في أبكر وقتٍ ممكن؛ فكلَّما بكَّرت بإعداده كان لديك مزيدٌ من الوقت للممارسة والتدرُّب على الأداء الأفضل. مارسه لوحدك مرَّاتٍ عديدةً باستخدام الموارد التي ستعتمد عليها في الحَدَث، وعندما تتدرَّب، عدِّل كلماتك حتَّى تتدفَّق بسلاسةٍ وسهولة، ثمَّ إذا كان ذلك مناسباً، أجرِ جولةً تجريبية أمام جمهور صغير؛ هذا سيساعد على تهدئة حدَّة التوتُّر، ويجعلك تشعر براحةٍ أكبر مع المعدَّات التي تستخدمها. يمكن لجمهورك أيضاً تزويدك بتغذيةٍ راجعةٍ مفيدةٍ على موادك وعلى أدائك.

3. تفاعل مع جمهورك:

عندما تتحدَّث، حاول إشراك جمهورك فيما تقول؛ هذا سيجعلك تشعر بأنَّك غير معزولٍ كمتحدِّث، ويُبقِي الجميع مُندمجين في رسالتك. وإذا كان مناسباً، اطرح أسئلةً أساسيَّةً تستهدف الأفراد أو الجماعات، وشجِّع الناس على المشاركة وطرح الأسئلة.

ضع في اعتبارك أنَّ بعض الكلمات تقلِّل من قدرتك كمتحدِّث. على سبيل المثال: فكِّر في كيف تبدو هذه الجمل: “أريد فقط أن أضيف، أعتقد أنَّنا نستطيع تحقيق هذه الأهداف” أو “أعتقد أنَّ هذه الخطة جيِّدة”؛ إنَّ الكلمتين “فقط” و”أعتقد” تحدَّان من قوَّتك وإقناعك، فلا تستخدمهما.

كلمةٌ مماثلة هي: “في الواقع”، كما في المثال: “في الواقع، أودُّ أن أضيف أنَّنا كنَّا ضمن الميزانيَّة في الربع الأخير”؛ عند استخدام “في الواقع” فإنَّك تنقل شعور الاستسلام أو حتَّى المفاجأة. بدلاً من ذلك، قل الأشياء كما هي: “كنَّا ضمن الميزانيَّة في الربع الأخير” بشكلٍ واضحٍ ومباشر.

كما عليك أيضاً أن تنتبه إلى الطريقة التي تتحدَّث بها؛ فإذا كنت تشعر بالتوتَّر، فقد تتحدَّث بسرعة. هذا يزيد من فرص تلعثمك في الكلام أو قولك شيئاً لا تقصده؛ لذا أجبر نفسك على التباطؤ عن طريق التنفس بعمق، ولا تخف من جمع أفكارك؛ حيث يُعدُّ التوقُّف المؤقَّت جزءاً هامَّاً من المحادثة، ويجعلك تبدو واثقاً، وطبيعياً، وجديراً بالتصديق.

أخيراً، تجنَّب القراءة كلمةً كلمة من ورقة ملاحظاتك؛ وبدلاً من ذلك، اصنع قائمةً بالنقاط الهامَّة على بطاقات، أو حاول حفظ ما ستقوله بينما تتحسَّن مهاراتك في التحدُّث أمام الجمهور، واعلم أنَّه لا يزال بإمكانك الرجوع إلى بطاقاتك عندما تحتاجها.

4. انتبه إلى لغة الجسد:

إذا لم تكن على علمٍ بذلك، فإنَّ لغة جسدك تمنح جمهورك أدلَّةً خفيَّةً منتظمةً عن حالتك الداخلية. إذا كنت متوتِّراً، أو إذا كنت لا تؤمن بما تقوله؛ يمكن للجمهور معرفة ذلك من خلال تحرُّكاتك وإيماءاتك. انتبه إلى لغة جسدك:

  • قف بشكلٍ مستقيم.
  • خذ نفساً عميقاً.
  • انظر إلى عيون الناس، وابتسم.
  • لا تتَّكئ على ساقٍ واحدةٍ أو تستخدم إيماءاتٍ تبدو غير طبيعيَّة.

يُفضِّل الكثير من الناس التحدُّث من خلف المنصَّة عند تقديم العروض التقديمية، على الرغم من أنَّ المنصَّات قد تكون مفيدةً لإمساك الملاحظات، إلَّا أنّها تضع حاجزاً بينك وبين الجمهور، ويمكن أن تصبح أيضاً بمثابة “عُكَّاز”، ممَّا يتيح لك مكاناً للاختباء من العشرات أو المئات من العيون التي تنظر إليك. ولكن بدلاً من الوقوف وراء المنصَّة، تجوَّل واستخدم الإيماءات لإشراك الجمهور في حديثك. إنَّ هذه الحركة والطاقة سوف تظهر أيضاً في صوتك، فتجعله أكثر نشاطاً وشغفاً.

5. فكِّر بإيجابيَّة:

إنَّ التفكير الإيجابي يمكن أن يُحدِث فارقاً كبيراً في نجاح تواصلك؛ لأنَّه يساعدك في الشعور بثقةٍ أكبر. قد يدفعك الخوف بسهولةٍ إلى الانزلاق إلى دائرة الحديث السلبي عن النفس، خاصةً قبل أن تتحدَّث إلى العلن مباشرة، حيث تُخفِّض الأفكار المُدمِّرة للذات مثل: “لن أكون أبداً جيّداً في هذا” أو” سوف أرتكب خطأً مُحرِجاً” – الثقةَ وتزيد فرص عدم تحقيقك ما أنت قادرٌ عليه بالفعل.

استخدم التأكيدات والتصوُّر لرفع ثقتك بنفسك، إذ أنَّ هذا هامٌّ بشكلٍ خاصٍّ قبل خطابك أو العرض التقديمي مباشرة. تصوَّر تقديم عرضٍ ناجح، وتخيَّل كيف ستشعر بمجرَّد انتهائه وبأنَّك قد قدَّمت للتوّ فارقاً إيجابيَّاً إلى الآخرين.

إنَّ استخدام التأكيدات الإيجابيَّة مثل: “أنا مُمتنٌّ لهذه الفرصة المُتاحة لي لمساعدة جمهوري” أو “سأقوم بعملٍ جيّد”، بالتأكيد سيُحدِث فارقاً كبيراً.

6. تعامل مع التوتُّر:

كم عدد المرَّات التي استمعت أو شاهدت فيها متكلِّماً قد أخفق بالفعل؟ قد يكون الجواب: “ليس في كثيرٍ من الأحيان”. عندما يتعيَّن علينا التحدُّث أمام الآخرين، يمكننا أن نتصوَّر أشياء فظيعةً تحدث، فمثلاً: نتخيَّل نسيان كلِّ نقطةٍ نريد أن نطرحها، أو أن يُغمَى علينا من التوتُّر، أو القيام بذلك بفظاعةٍ لدرجة أن نفقد وظيفتنا. لكنَّ هذه الأشياء غالباً لا تحدث أبداً، بل نحن نبنيها في أذهاننا فقط، وينتهي بنا المطاف أكثر توتُّراً ممَّا يجب أن نكون عليه.

يعترف الكثير من الناس بأنَّ التحدُّث إلى الجمهور هو أكبر مخاوفهم، وأنَّ الخوف من الفشل هو في كثيرٍ من الأحيان جذرُ هذه المشكلة؛ حيث أنَّ التحدُّث أمام الجمهور يمكن أن يزيد من إفراز الأدرينالين في مجرى الدم، ومن معدَّل ضربات قلبك؛ فتتعرَّق وتصبح أنفاسك سريعةً وسطحية. على الرغم من أنَّ هذه الأعراض يمكن أن تكون مُزعجةً أو حتَّى مُوهِنة، يوضِّح “نموذج U المقلوبة” Inverted-U Model أنَّ مقداراً معيَّناً من الضغط يمكن أن يعزِّز الأداء.

وبواسطة تغيير ضبط عقلك، يمكنك استخدام طاقة التوتُّر لصالحك. حاول أولّاً أن تتوقَّف عن التفكير في نفسك وتوتُّرك ومخاوفك؛ وبدلاً من ذلك، ركِّز على جمهورك، فما تقوله يدور حولهم. تذكَّر أنَّك تحاول مساعدتهم أو تثقيفهم بطريقةٍ أو بأخرى، ورسالتك بالتأكيد أهمُّ من خوفك؛ لذا ركِّز على احتياجات الجمهور ورغباته، بدلاً من احتياجاتك الخاصة.

إذا سمح الوقت، استخدم تمرينات التنفس العميق لإبطاء معدَّل ضربات القلب وإعطاء جسمك الأوكسجين الذي يحتاجه للأداء؛ لهذا أهميةٌ خاصةٌ قبل أن تتحدَّث مباشرة. خذ نفساً عميقاً من بطنك، واحتفظ به لعدَّة ثوانٍ، ثمَّ ازفره ببطء.

تُعدُّ الحشود أكثر ترهيباً من الأفراد؛ لذلك فكِّر في خطابك باعتباره محادثةً تجريها مع شخصٍ واحد، على الرغم من أنَّ جمهورك قد يكون 100 شخص، ولكن ركِّز على وجهٍ واحدٍ صديقٍ في كلِّ مرة، وتحدَّث مع هذا الشخص كما لو كان هو أو هي الوحيد في الغرفة.

7. شاهد تسجيلات الخُطب الخاصَّة بك:

كلَّما كان ذلك ممكناً، سجِّل العروض التقديمية والخطب الخاصة بك. تستطيع تحسين مهاراتك في التحدُّث بشكلٍ كبير بمشاهدتك لنفسك لاحقاً، ثمَّ العمل على تحسين المجالات التي لم تَسِر على ما يرام. في أثناء المشاهدة، لاحظ أيَّ مماطلاتٍ شفهية، مثل: “امم…” أو “مثل…”؛ وانظر إلى لغة جسدك: هل تتمايل أو تتَّكِئ على المنصَّة أو تميل بشدَّة على قدمٍ واحدة؟ هل تنظر إلى الجمهور؟ هل تبتسم؟ هل تتكلَّم بوضوحٍ في جميع الأوقات؟ أولي الاهتمام لإيماءاتك: هل تبدو طبيعيةً أم مصطنعة؟ واحرص على أن يراها الناس، خاصَّةً إذا كنت تقف وراء منصَّة.

أخيراً، انظر إلى كيفيَّة تعاملك مع المقاطعة، مثل: العطاس أو سؤالٍ لم تكن على استعدادٍ له. هل يُظهِر وجهك المفاجأة أو التردُّد أو الامتعاض؟ إذا كان الأمر كذلك، فتدرَّب على إدارة المُقاطعات بسلاسة، لكي تكون أفضل في المرَّة القادمة.

 

المصدر: موقع “مايند تولز”.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!