“التدفق”: تحقيق التوازن بين التحدّيات والمهارات المطلوبة لإنجازها

هل سبق ووجدت نفسك مندمجاً في عملٍ ما لدرجة أنك فقدت إحساسك بالوقت؟ وكلّ ما هو من حولك بدا وكأنه يتلاشى، ابتداءً برنين الهاتف وانتهاءً بالأشخاص الذين يعبرون بجانبك. فانتباهك بات مُركزاً تماماً على ما كنت تقوم به من عمل، والذي كنت مدموجاً به لدرجة أنَّك قد نسيت تناول وجبة الغداء، وقد كنت تشعر بأنَّك مُفعمٌ بالطاقة والسعادة بسبب العمل الذي بين يديك.

Share your love

الكثيرون منّا مرّوا بتجربة مماثلة مرة واحدة أو أكثر، والتي يطلق عليها علماء النفس اسم “التدفق”. فعندما يحدث التدفق نفقد الإحساس بالذات، ونمضي قُدُماً بشكل فطري، بحيث نكرِّس أنفسنا بشكل كامل للمهمة التي نعمل عليها.

في هذه المقالة سندرس التدفق بالتفصيل من خلال تسليط الضوء على “مفهوم التدفق”. وسنتعرَّف كيف يساعدنا هذا المفهوم على إيجاد بعض المهام أكثر سهولة من بعضها الآخر. وسنسلط الضوء أيضاً على كيفية استخدام الأفكار التي ينطوي تحتها مفهوم التدفق، لتخوض هذه التجربة أكثر الأحيان، مما قد يجعلك أكثر إنتاجية.

مفهوم التدفق:

إنَّ أوَّل من طرح مفهوم التدفق (شاهد الصورة) هو عالم النفس الإيجابي “ميهالي تشكزنتمبهالي” والذي كتب عن عملية التدفق في كتابه الشهير “التدفق: سيكولوجية التجربة الأمثل”.

تنويه: قام “ميهالي تشكزنتمبهالي” بنشر كتابه عام 1990 لكنّه لم يطرح النسخة الحالية منه حتى عام 1997.

يُظهر مفهوم التدفق الحالات العاطفية التي من الممكن أن نمرّ بها عندما نحاول إتمام مهمّة ما، وذلك بالاعتماد على صعوبة التحدّي الذي نواجهه وإدراك مهاراتنا الخاصة.

فعلى سبيل المثال، إن كانت المهمّة لا تتطلّب تحدياً من نوع خاص ولا تتطلّب الكثير من المهارات، فعلى الأرجح سنشعر باللامبالاة تجاهها. كما أنّ مواجهة مهمّة تتطلب تحدياً ما من دون وجود المهارات اللازمة، من الممكن أن تؤدي إلى القلق والهَم.

للحصول على التوازن وتقديم أفضل ما لدينا من عمل، نحتاج تحديات كبيرة ومُثيرة، ونحتاج كذلك إلى مهارات متطوّرة للغاية، بحيث نكون على ثقة تامة بأنّه بمقدورنا مواجهة التحدّي. أمر كهذا يقودنا إلى تجربة “حالة التدفق” والتي هي الاندماج الكامل في النشاط الذي نقوم به.

إنّ حالة التدفق هذه غالباً ما تُلاحظ لدى الأشخاص الذين يتقنون أعمالهم كالفن أو الرياضة أو الهوايات المختلفة. فهم يقومون بأيّ شيء كان، ليبدو سهلاً من خلال اندماجهم فيه بشكلٍ كامل.

العناصر العشرة للتدفق:

كيف تعلم بأنّك تمر بتجربة التدفق؟ لقد حدّد العالم “ميهالي تشكزنتمبهالي” 10 تجارب ترافق حالة التدفق، ألا وهي:

  1. القدرة على التركيز المتواصل لفترة من الزمن.
  2. الوعي التام بالأشياء التي تريد تحقيقها.
  3. فقدان الشعور بالذات.
  4. الشعور بأنّ الوقت يمضي بسرعة.
  5. الحصول على نتائج مباشرة وفورية.
  6. تحقيق التوازن بين قدراتك والتحدي الذي تخوضه.
  7. الشعور بالسيطرة على الوضع.
  8. الشعور بأنّ العمل الذي تقوم به، هو مكافأة بحد ذاته.
  9. عدم الشعور باحتياجات الجسم (الجوع أو العطش الخ…).
  10. الاستيعاب التام للمهمة.

تذكّر أنّه ليس من الضروري أن تمر بهذه التجارب والعوامل جميعها لتصل إلى التدفّق، لكن من الممكن أن تمرّ بالعديد منها عند حدوثه.

الشروط الثلاثة لحدوث التدفق:

حدّد العالم “ميهالي” كذلك ثلاثة أشياء يجب أن تتوفر لديك في الوقت الحاضر إن كنت تنوي دخول حالة التدفق:

  1. الأهداف: إنّ الأهداف تمنحك التحفيز وتمنحك كذلك البنية الأساسية لما تقوم به من عمل، سواء كنت تتعلم مقطوعة موسيقية جديدة أو تقوم بإعداد عرض تقديمي، فعليك أن تعمل باتجاه الهدف لكي تجرّب حالة التدفق.
  2. التوازن: يجب أن يكون هناك توازن جيد بين مهاراتك وبين التحديات التي ستواجهها لإنجاز المهمّة. فإن كان أحدهما أكبر من الآخر، قد لا يحصل التدفق.
  3. التغذية الراجعة: عليك أن تحصل على تغذية راجعة فورية وواعية، تمكّنك من إجراء التغييرات اللازمة لتحسين أداءك في العمل. قد تكون هذه التغذية من الآخرين، أو قد تكون هي وعيك التام بأنّك تحقق تقدُّماً في المهمّة التي بين يديك.

استخدام مفهوم التدفق:

لكي تزيد من فرص وصولك إلى حالة التدفق، جرّب ما يلي:

  • ضع أهدافك الشخصية: وضع الأهداف أمر في غاية الأهمية للوصول إلى حالة التدفق. وقد يساعدك تعلّم كيفية وضع أهداف فعالة على الوصول للتركيز الذي تحتاجه.
  • حسّن من تركيزك: كثيرة هي الأشياء التي قد تشتت انتباهك عن عملك، وسيكون وصولك إلى حالة التدفق أكثر صعوبة إذا ما تمّت مُقاطعة تركيزك. لذا استخدم استراتيجيات تحسين التركيز الخاص بك لتصبح أكثر إنتاجية وأكثر تركيز خلال اليوم.
  • ابنِ ثقتك بنفسك: إن لم تمتلك الثقة اللازمة بإمكاناتك (مهاراتك)، فقد تبدو لك المهام أكثر صعوبة ممّا هي عليه.
  • احصل على التغذية الراجعة (منك ومن الآخرين): تذكّر أنّ التغذية الراجعة هي من المتطلبات الهامة للتدفق. لذا تأكّد من حصولك على تغذية راجعة مُناسبة، وتعلّم كيف تستقبلها وكيف تقدمها للغير، لكي تساعد نفسك والآخرين على التطور.
  • اجعل عملك أكثر تحدياً: ابحث عن استراتيجيات معينة مثل “احترافية العمل” واكتشف الطرق التي تجعلك راضياً أكثر عن عملك.

تنويه: تذكّر أنّ زيادة بسيطة في تحديات العمل لا تضمن لك التدفق. “منهالي” أكّد على أنّك ستمر بتجربة التدفق فقط عندما تدرك الفُرص المناسبة. ويحدث ذلك عندما تفكر بشكل سديد، وليس لأنّك فقط تمتلك ظروفاً مثالية. 

  • طوّر مهاراتك: قم بتحليل الشخصية (SWOT) الذي يساعدك على تحديد المهارات التي تحتاجها لتكون ناجحاً في عملك. تستطيع عندها إعداد خطة تطويرية لتحسن مهاراتك وتتمكن بالتالي من إتمام المهام الأكثر تحدياً في عملك.
  • درّب نفسك بنفسك: إن لم يكن لديك مُدرّب خاص أو شخص يسدي لك النصائح ويساعدك في المهام الأكثر تحدياً، فتعلّم كيف تدرّب نفسك بنفسك.

مفهوم الـ (U) المعكوسة:

هناك تناقض بالأفكار بين مفهومي التدفق والـ (U) المعكوسة والذي هو مفهوم ذو شعبية واسعة ويحظى باحترام كبير، فهو يساعد على اكتشاف العلاقة بين الضغط والأداء.

يمثل المحور العمودي في الرسم البياني لمفهوم الـ (U) المعكوسة مستوى أداء الشخص، في حين يمثل المحور الأفقي للرسم مستوى الضغط الذي يخضع له. ووفقاً لهذا المفهوم، هنالك بيئة مثالية من الضغوطات تجعل الشخص يقدّم أفضل ما لديه من أداء.

إنّ حالة التدفق لا تعكس الخسارة في الأداء والتي تحدث غالباً نتيجةً للضغوطات العالية، كأن تكون على سبيل المثال خائفاً أو مُجهداً من العمل. ففي حالاتٍ كهذه تتدهور إنتاجيتك وتزيد المشاعر السلبية لديك بشكل مُفاجئ، كزيادة القلق مثلاً. فباستخدامك لكلا المفهومين معاً، من المحتمل أن تكون قادراً على الدخول في حالة التدفق والاستمتاع بها.

النقاط الرئيسة:

إنّ التدفق هو الحالة التي نصل إليها عندما تكون مهاراتنا متناسبة مع التحديات التي نواجهها أثناء قيامنا بالمهام. عندما نكون في هذه الحالة، نبدو وكأننا قد نسينا الوقت، ويغمرنا العمل الذي نقوم به بالمتعة، ونفقد الشعور بالذات لأننا نركّز بشكل كامل على المهمّة. هذه الحالة هي التي نمر بها عندما نقدّم أفضل ما لدينا من عمل، وعندها نكون في أعلى درجات الإنتاجية.

إنّ مفهوم التدفق يُظهر العلاقة بين المَهام المُعقدة والمهارات المطلوبة لإنجازها. فيمكنك استخدام هذا المفهوم لتكتشف الأسباب الكامنة وراء عدم وصولك إلى التدفق، والذي بإمكانه أيضاً مساعدتك على اكتشاف إذا ما كنت بحاجة إلى تطوير مهاراتك، أو زيادة التحديات التي تواجهها أو المهام الحالية التي تقوم بها، لكي تصل إلى التدفق.

المصدر: The Flow Model

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!