بعد الانهيار الأخير والشهير لسوق الأسهم – أو ما يسميه البعض: بعملية التصحيح – تسارع المحللون والخبراء والكتاب والمهتمون لتقديم حلول كثيرة تضع حداً لهذا الانهيار, وقد استجابت هيئة سوق المال لعدد كبير من هذه المقترحات, إلا أن السوق لا يزال يتجاهل هذه الحلول كلها, ويضرب بها عرض الحائط, وسبب هذا التجاهل في نظري أن تلك الحلول المقترحة – في الجملة- لم تضع اليد على الجرح, ولهذا استمر نزيف السوق لمدة سنة أو أكثر, ولا زال, وفي تقديري أن مكمن الخلل هو المضاربات المحمومة التي لا تعكس حقيقة الواقع المالي للشركات المدرجة في السوق, ففي الوقت الذي تنخفض فيه القيمة السوقية لبعض الشركات العملاقة إلى أدنى مستوياتها, نرى مؤشر بعض الشركات الصغرى يرتفع عكسياً إلى أعلى مستوى!! مع الفارق الكبير بينهما, فالشركات الأولى يراهن عليها التجار ورجال الأعمال, والثانية يراهن عليها المضاربون والمقامرون, وهنا صرخ كثيرون بوجوب تصحيح وضع السوق بتحويله من ساحة قمار إلى ساحة بيع وشراء, وفي تقديري أن الواقع أثبت أنه لا يمكن القيام بعملية جراحية لهذه المضاربات المحمومة إلا من خلال ربط سعر سهم كل شركة بمؤشرات واقعها الربحي التي تكشف عنها قوائمها المالية, بحيث لا يتم تحديد سعر السهم بقيمة واحدة, وإنما بوضع نطاق سعري له سقف أدنى وأعلى يتناغم مع واقع الشركة المالي, على أن يتغير هذا النطاق السعري كل أربعة أشهر بتغير واقع الشركة, حسب ما تكشف عنه قوائمها المالية, سواء نحو الأعلى, أو الأدنى, ولكن بشرط أن يقوم بتقييم هذه الشركات مؤسسات مالية محايدة, لها وزنها وثقلها على مستوى المنطقة. والهدف من هذا النطاق السعري أن يئد الممارسات الممنوعة للمضاربة التي عصفت بمدخرات الناس, وأن يدفع الشركات المساهمة نحو تحسين واقعها المالي, وفي الوقت نفسه يكون هذا النطاق السعري هامشاً ربحياً للبيع والشراء في حدود السعر المعقول لكل شركة. وعلى سبيل المثال: لو فرضنا أن المؤسسة البريطانية (إتش إس بي سي) قامت بتقييم سهم إحدى الشركات العملاقة بـ(155 ريالاً) وقامت المؤسسة الإماراتية (شعاع كبتل) بتقييم سهم الشركة ذاتها بـ(165 ريالاً) فهذا مؤشر على أن النطاق السعري العادل لأسهم هذه الشركة هو ما بين (155- 165 ريالا) تقريباً. ويمكن توسيع النطاق السعري بحيث يكون هامش المضاربة عشرين ريالاً أو أكثر, حسب ما يسمح به واقع الشركة.
إن التسعير الذي يفرضه ولي الأمر وإن منعه جمهور العلماء, إلا أن بعض أهل العلم رأى جوازه كبعض المالكية, وبعض الحنابلة منهم ابن تيمية وابن القيم, وقيدوا القول بالجواز فيما إذا كانت حقوق الناس لا تصان إلا به, فيسعر ولي الأمر مستأنساً برأي أهل الخبرة؛ كي يكون التسعير عادلاً, يحفظ توازن السوق, ولا يضر بمصلحة العامة, والعمل الآن على التسعير في كثير من السلع والخدمات التي تمس إليها الحاجة, كتحديد أجور النقل داخل المدن, وتحديد أجور الكهرباء والماء والغاز, وكتحديد بعض السلع الرئيسية, إما الغذائية كالخبز, أو الاستهلاكية كالبنزين, أو التي تستورد من الخارج عن طريق الوكالات التي منحت حق الامتياز كالسيارات, ونحو ذلك مما تمس إليه حاجة العامة, بل تقوم الدولة أحياناً بتسعير بعض الخدمات العادية للحاجة كأجور الحلاقين, ونحوها, وهنا أقول: إذا لم تندفع تلك المضاربات المحمومة التي صيرت الأغنياء تحت خط الفقر, إذا لم تندفع إلا بالتسعير, فإنه جدير بالمسئولين في هيئة سوق المال أن يعطوا هذا الأسلوب حقه من الدراسة والنظر, والله تعالى هو الموفق والهادي.