التصرفات البشرية : هل البشر منطقيون حقا في تصرفاتهم ؟

هناك الكثير من الأبحاث حول التصرفات البشرية التي نقوم بها بدون وعي منا، هذه الدراسات تستهدف الحصول على فهم أفضل لهذه التصرفات، واستخدامها في شيء مثمر.

Share your love

التصرفات البشرية هي تلك الأفعال البسيطة التلقائية التي نقوم بها في حياتنا اليومية. كالتسوق واحتساء كوب قهوة من مطعمنا المفضل، أو حتى شراء بذلة جديدة لعرس ما. لكن، هل تعتقدون أن هذه التصرفات البشرية هي منطقية تماما؟ هل تعتقد أنه منذ استيقاظك في الصباح وحتى خلودك إلى النوم، تقوم باتخاذ الكثير من القرارات المنطقية بناءا على تفكير عميق وما إلى ذلك؟ إذا كانت إجابتك بنعم، فتخيل معي هذا الموقف إذا. إذا ذهبت لتشتري قلما من محل ما، ووجدت سعره بخمسة عشر قطعة نقدية. ثم عرفت أن هناك محل آخر على بعد شارعين يبيع نفس القلم ولكن أرخص بسبع قطع نقدية. هل ستذهب إلى ذلك المحل البعيد؟ احتفظ بإجابتك لنفسك، وتخيل معي ذلك المشهد القادم مجددا. تخيل أنك ذهبت لتشتري بذلة رسمية، وكان سعر هذه البذلة خمسمائة قطعة نقدية. ثم عرفت أن هناك محل آخر على بعد شارعين فقط يبيع نفس ذات البذلة، ولكن أرخص بسبع قطع. هل ستذهب إلى ذلك المحل البعيد لتشتري منه تلك البذلة؟

هل تدل التصرفات البشرية على أننا منطقيون حقًا ؟

[wpcc-script src=”https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js” defer]

أنا لا أعرفك مطلقا عزيزي القارئ، ولكني سأتوقع أن إجابتك على الموقف التخيلي الأول كانت نعم، وعلى الموقف التخيلي الثاني كانت لا. هذه هي تحديدا النقطة التي نتحدث فيها. هل التصرفات البشرية الخاصة بنا منطقية حقا؟!

لا منطقيون بطريقة متوقعة

كان هذا هو عنوان الكتاب الذي يجيب على سؤال هذه المقالة، لا منطقيون بطريقة متوقعة أو predictably irrational. يخبرنا هذا الكتاب بأن التصرفات البشرية هي في معظمها تصرفات لا منطقية. وقد يبدو هذا جليا من مثال القلم والبذلة، فالفرق في الحالتين كان نفس كمية النقود وهي سبعة قطع نقدية. نفس المسافة ونفس الفرق ونفس كل شيء. لماذا اختلف قرارنا إذا في الحالة الأولى عن الحالة الثانية؟! ولكن الشيء الآخر المدهش حقا الذي يخبرك به هذا الكتاب، هو أن هذه اللامنطقية يمكن توقعها في كثير من الأحيان كما توقعت أنا إجابتك مثلا في المثال الموجود بمقدمة المقال! لقد كان من الممكن توقع لا منطقية القارئ، ليس لأن القارئ نفسه لا منطقي، وإنما لأننا جميعا لا منطقيون. ومعظمنا كان ليجيب نفس الإجابة. إذا، التصرفات البشرية هي تصرفات لا منطقية يمكن توقعها لأننا جميعنا نقوم بها في معظم الأوقات. كيف يحدث هذا إذا؟ وما أسبابه؟ وكيف نتحكم في لا منطقيتنا أو نستفيد منها؟

هذا هو ما سنتحدث عنه في باقي المقال. سنحضر الكثير والكثير من الأمثلة والتجارب التي تبين السبب وراء هذه التصرفات البشرية . وكيف يمكن التعامل مع لا منطقيتنا هذه.

الحقيقة وراء النسبية

كان أول فصل في هذا الكتاب يتحدث عن النسبية في التصرفات البشرية . ويتساءل عن السبب الذي يجعل كل شيء نسبيا، حتى عندما لا يجب أن يكون كذلك! كان السبب الرئيسي في كتابة هذا الفصل، هو الإعلان الإلكتروني الذي تلقاه الكاتب على بريده الإلكتروني. حيث قامت جريدة معينة بإرسال بعض العروض التي تقدمها لتحفيز القراء على شراء نسختهم الخاصة من تلك الجريدة. العرض المقدم من الجريدة كان كالتالي:

  • العرض الأول: الاشتراك الإلكتروني، ادفع 59 دولارا واحصل على صلاحية تصفح جميع أعداد الجريدة القديمة والحديثة على حاسوبك لمدة عام كامل
  • العرض الثاني: الاشتراك الورقي، ادفع 125 دولارا واحصل على نسخة ورقية يوميا من أعداد الجريدة يتم توصيلها إلى منزلك لمدة عام كامل
  • العرض الثالث: الاشتراك الإلكتروني والورقي، ادفع 125 دولارا واحصل على صلاحية تصفح جميع الأعداد على حاسوبك، مع خاصية إيصال نسخ ورقية إلى منزلك لمدة عام.

إذا كان هذا العرض أمامك أنت عزيز القارئ، أي هذه الثلاثة كنت لتختار؟ غالبا كانت الصفات البشرية الطبيعية لديك لتختار – وأنا أيضا – الاختيار الثالث. فهو اختيار لا يعوض حقا. إنه يعطيك رفاهية النسخة الإلكترونية والورقية، وبنفس سعر النسخة الورقية .. أتصدق ذلك! وهذا هو ما ظنه الكاتب في أول وهلة من قراءة الخبر. حتى تمكن أخيرا من ملاحظة الخدعة التي لعبها أخصائيو التسويق العباقرة لدى هذه الجريدة. وفي الحقيقة، هم يستحقون هذا اللقب عن جدارة. ولإثبات هذه الخدعة العبقرية، قام الكاتب – والذي يعمل دكتورا لعلم النفس في إحدى الجامعات – بإجراء تجربة على طلبة يدرسون إدارة الأعمال في تلك الجامعة. واختار هذا الصف بالذات ليضمن أن هذه العقول ستكون لماحة كفاية لتضمن هذه الخدعة التي تتعلق بمجال عملهم. تخيل ماذا وجد الكاتب إذا عزيزي القارئ؟!

التجربة

قام الكاتب بوضع الاختيارات الثلاثة من عروض الجريدة أمام الطلاب المائة الموجودون بالصف. وطلب منهم أن يختاروا العرض الذي يفضلونه. وبطريقة بإمكانك أنت شخصيا توقعها عزيزي القارئ نتيجة التصرفات البشرية المتوقعة كما ذكرنا، كانت النتيجة هي 16 اختيارات لصالح العرض الأول (الإلكتروني فقط) و 84 لصالح العرض الثالث (الإلكتروني والورقي). ولم يختر أحدا منهم العرض الثاني إطلاقا، وهو العرض الورقي. إذا، لقد كانت نسبة الاختيارات متوقعة نوعا ما. فهذا إذا هو الجزء التوقعي في مهمة الكتاب. أين إذا الجزء اللامنطقي في التصرفات البشرية هنا؟ وأين هي تلك الخدعة العبقرية؟!

قام الكاتب بعمل تغيير بسيط جدا في هذه العروض الثلاثة، وهي حذف الاختيار الثاني! أي أن الاختيارات هذه المرة هي العرض الإلكتروني بقيمة 59 دولارا، والعرض الورقي والإلكتروني بقيمة 125 دولارا. وتم عرض الاختيارات مجددا على المائة طالب. هل ستتغير اختيارات الطلبة؟ لقد تم فقط إزالة العرض الذي لم يختره أحد منهم مطلقا. فهل إزالته من بين العروض الأخرى، سيؤثر على اختيار الطلبة أم أن الاختيارات ستظل ثابتة دون تغيير؟ أقصد أنه لم يتغير شيء سوى إزالة عرض لم يختره أحد .. ما الذي بإمكانه أن يغير رأي هؤلاء الطلبة؟

في هذه التجربة الثانية يظهر الجانب اللامنطقي في التصرفات البشرية التي يتحدث عنها الكتاب. برغم أنه من المفترض أن شيئا لم يتغير، إلا أن اختيارات الطلبة جاءت كالآتي. 68 طالبا اختاروا العرض الإلكتروني، بينما 32 فقط اختاروا العرض الإلكتروني والورقي! ما الذي حدث بحق كل شيء؟! ولماذا كان هذا التغير الكبير في الاختيارات بين المرتين؟!

الفخ

الخدعة العبقرية التي قام بها خبير تسويق الجريدة والتي كشفها الكاتب، ما هي إلا وسيلة خداع نفسي تُدعى “الفخ”. لقد وضع خبير التسويق فخا يعتمد على طبيعة التصرفات البشرية لتختار العرض الأغلى. وما فعله الكاتب في التجربة الثانية هي أنه أزال “الفخ” فقط! الفخ في هذه التجربة كان هو العرض الثاني. العرض الذي يبدو لنا غير منطقي، والذي بسببه فكرنا في اختيار العرض الثالث كمقارنة بالعرض الأول. ففي الحقيقة، العرض الثاني لم يكن الغرض منه أن يختاره أحد إطلاقا. وإذا اختاره أحد أبدا، فإنما هو مجرد ربح سهل قادم للجريدة. ما الذي حدث إذا؟!

هذه الخدعة لم تقتصر فقط على تلك الجريدة. فهناك عروض أخرى أيضا كانت تحمل نفس الطريقة التي كشفها الكاتب. وأحد هذه العروض هي العروض التي قدمتها إحدى شركات الشاشات التلفزيونية، فكان عرضهم هو :

  • العرض الأول: شاشة باناسونيك حجمها 36 إنشا بقيمة 690 دولارا
  • العرض الثاني: شاشة توشيبا حجمها 42 إنشا بقيمة 850 دولارا
  • العرض الثالث: شاشة فيليبس حجمها 50 إنشا بقيمة 1,480 دولارا

ما العرض الذي ستختاره أنت إذا؟ إذا حاولنا أن نمنطق هذه العروض، سنجد أن الفرق بين العرض الأول والثاني كبير من ناحية الحجم ( 6 إنشات)، والفارق بينهما في السعر هو 160 دولارا. وبين الثاني والثالث 8 إنشات في الحجم و 630 دولارا! وبين الأول والثالث أكبر من أن نهتم بالمقارنة أصلا. فأول شيء سنفعله هو استبعاد الثالث لأنه باهظ الثمن بدون مقابل كبير في الحجم. يتبقى لنا إذا الأول والثاني. في هذه الحال سنميل كثيرا إلى الثاني. لأن الثاني لديه الحجم الأكبر ولأن الفارق ليس كبيرا جدا. فإذا لم يكن لدينا تفضيل شخصي تجاه أي ماركة من هاتين الماركتين، سننتهي إذا إلى أن الاختيار الثاني هو أفضل اختيار. وأيضا تم حساب هذا الاختيار بالعقل والمنطق. لن يستطيع أحد أن يخبرك بلا منطقية التصرفات البشرية الآن مهما حاول. أليس كذلك؟

حسنا .. أنت مخطئ!

النسبية مجددا

اختيارنا في عرض الجريدة كان لا منطقيا، والسبب كان الفخ المتجسد في العرض الثاني. واختيارنا في عرض الشاشات كان لا منطقيا أيضا، والفخ هذه المرة كان متجسدا في العرض الثالث! لقد كان الغرض الرئيسي من العرض الثالث هو أن تشعر بغلوّ ثمنه فترفضه،ويتبقى لديك العرضان الأولان. وكطريقة عمل عقلك، سيفضل عقلك الاختيار الثاني لأنه متوسط بين الاختيارات المطروحة ولأنه لا يبدو اختيارا سيئا. لم يكن الغرض من العرض الأول هو أن تشتريه أبدا. ومجددا، إذا اخترت هذا العرض رغم ارتفاع ثمنه، فما أنت إلا ربح سهل للمحل ليس أكثر! ما الذي اعتمده خبراء تسويق هذه الأعمال إذا ليأتوا بهذا الأمر الذي يدفعك دفعا إلى اختيار معين؟

الأمر كله يتعلق بالنسبية. فالأمر الذي استغله خبراء التسويق هؤلاء، هو حقيقة أن التصرفات البشرية وطريقة تعاملها مع كل شيء حولها يكون بطريقة نسبية. فعقولنا لا تستطيع فهم أي شيء مجردا من دون مصدر يرجع إليه. نحن نحب أن نقارن الأشياء ببعضها البعض لنتمكن من معرفة أي شيء يتصف بأي شيء. سنضرب مثالا بالصورة التي قد تكونون رأيتموها على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث توضع كرة صغيرة وسط مجموعة كور كبيرة، وعلى الجانب الأيسر تماما نفس الكرة ولكن محاطة بكور صغيرة هذه المرة. ويأتي سؤال أسفل هاتين الصورتين يسألك أيهما أكبر؟ عقلك ينظر إلى الصورة التي تحمل كورا كبيرة، فيترجم الكرة الموجودة وسطها على أنها كرة صغيرة. وينظر مجددا إلى الكور الصغيرة، فيترجم الكرة الموجودة وسطها على أنها كرة كبيرة. فأصبح عقلك مبرمجا على أن الكرة على الجانب الأيمن هي كرة صغيرة، بينما الكرة على الجانب الأيسر هي كرة كبيرة. فتكون إجابتك الفورية على السؤال المطروح أسفل الصورتين هي أن الكرة على الجانب الأيسر أكبر. رغم أن الكرتان نفس الحجم تماما. المشكلة لم تكن في الصورة أو في عينك، ولا توجد مشكلة أصلا، وإنما هي طريقة عمل عقلك. وهي النسبية. عقلك يتحتم عليه أن يقارن الأشياء ببعضها ليتمكن من معرفة الجيد والأفضل، والسيئ والأسوأ. وخبراء التسويق لم يفعلوا أي شيء سوى استغلال الطريقة التي يعمل بها عقلك.

نحن نلجأ للمقارنات السهلة

التصرفات البشرية لم تكن معتمدة على مجرد مقارنة الأشياء ببعضها، بل إن عقولنا أيضا تحاول استغلال المقارنات البسيطة التي لا تستهلك منها وقتا ومجهودا. فمثلا، في مثال الشاشات التلفزيونية مثلا، كان أول شيء استبعدناه هو العرض الأغلى، لأنه يختلف عن الاثنين الآخرين، ولأنه سيضيف وقتا إلى المقارنة دون جدوى. فاستبعدناه سريعا وحاولنا أن نختار أحد العرضين الآخرين. كانت هذه النتيجة هي ما توصل إلى الكاتب بعد عدة ملاحظات بخصوص التصرفات البشرية. وكمحاولة لتأكيد هذه التصرفات البشرية، قام بعقد تجربة أخرى لإثبات هذه النتائج. في هذه التجربة قام بالتقاط صورا مختلفة للعديد من الطلبة في الجامعة. ثم قام بعدها بعمل بعض التعديلات على وجه هؤلاء الطلبة عن طريق برامج الفوتوشوب، وأدخل بعض التغييرات الدميمة في وجوه الطلبة، كجعل أنف أحدهم معوجا بعض الشيء، أو عين إحداهن حولاء قليلا، أي شيء سيجعل الصورة المعدلة أسوأ من الصورة الأساسية. ثم قام بعد ذلك بوضع ثلاث صور على ورقة، الصورة الطبيعية لطالب ما، الصورة المعدلة لنفس هذا الطالب، وأخيرا، صورة لطالب آخر. وقام الكاتب بالذهاب إلى طلبة عشوائيين في ممرات الجامعة وعرض هذه الأوراق عليهم، وطلب منهم أن يختاروا الوجه الأجمل بين هذه الوجوه الثلاثة. في معظم المرات التي يطلب فيها هذا الطلب، يخبره الطالب بأن الصورة غير المعدلة هي الأجمل. لم يحاول أحد أن يقارن بين الصورة غير المعدلة وبين الطالب الآخر، بل قاموا جميعهم باستبعاد الطالب الآخر ومحاولة الاختيار بين الصورتين المتشابهتين، ولكن إحدى هاتين الصورتين تبدو أفضل من الأخرى. التصرفات البشرية اللامنطقية في هذه التجربة قامت باستبعاد الطالب الآخر لمجرد أنه مختلف، ولمجرد أنه سيطيل عملية المقارنة لا أكثر. فكطريقة لاختصار الوقت والمجهود العقلي، قامت عقول هؤلاء الطلبة باستبعاد الصورة الأخرى وبدأ المقارنة بين الشيئين المتشابهين. نفس الوضع في عروض شاشات التلفاز، تم استبعاد العرض الأغلى وبدأ المقارنة بين العرضين الأرخص نسبيا.

هل يمكن أن تساعدك النسبية في إنهاء عزوبيتك؟!

التصرفات البشرية ليست فقط غير منطقية فيما يتعلق بمقارنة الأشياء التي نعرفها أو نود الاختيار من بينها. بل يمكن أيضا لهذه التصرفات البشرية غير المنطقية أن تجعلك تختر شيئا أنت لا تعرف أي شيء عنه، فقط لمجرد أنه يبدو أفضل من غيره!

في أمريكا، قامت سلسلة المحلات الشهيرة ويليام سونوما بصناعة آلة خبر منزلية. في ذلك الوقت الذي تم فيه صناعة هذه الآلة، لم يكن المجتمع الأمريكي يفقه أي شيء عن الخبز المنزلي. وكان يعتمد كليا على المخابز. لذلك، عندما تم طرح منتج ويليام سونوما في الأسواق، لم يلاق رواجا إطلاقا. فلا أحد يدري ما هذا الشيء ليشتريه من الأساس.

كمحاولة لتدارك الخسارة التي تصيب هذه السلسلة، قاموا بإصدار نسخة أخرى من آلة صنع الخبز هذه، ولكن هذه المرة كان حجمها ضعف حجم الأولى، وسعرها أعلى من سعر الأولى بمرة ونصف. عندما تم وضع هذه النسخة الثانية بجوار النسخة الأولى التي لم يشتريها أحد، جن جنون الناس هناك في أمريكا وأصبحوا يتهافتون على شراء النسخة الأولى من الآلة! الوضع لا زال كما هو، ولا أحد يعلم ما هو هذا الجهاز، لكن الآن أصبح لديهم شيئا ليقارنوا به ويختاروا على أساسه. في البداية كان التفكير يتم بطريقة “أنا لا أعلم ما هو هذا الجهاز، لذلك لن أشتريه” بعد طرح النسخة الثانية “الفخ” أصبح التفكير يتم بطريقة “حسنا، أنا لا أعلم ما هو هذا الجهاز. لكن، إذا كنت سأشتري واحدا، فبالتأكيد سيكون الأرخص”! وعلى غرار هذه الطريقة، هل تريد أن تعرف كيف تستغل النسبية لتجد شريكة لك؟

إذا أردت الذهاب إلى حفل أو تجمع ما، وعلمت أن الفتاة التي تحبها – ولا تدري عنك شيئا- توجد هناك. اذهب وبرفقتك صديق لك. ويجب أن يكون هذا الصديق يشبهك كثيرا في صفاتك الجسدية كالطول ولون الشعر والعينين مثلا، ولكن الأهم من هذا هو أن تحرص أن تكون أنت أفضل منه في شيء ما كخفة الدم مثلا. ثم اذهبا سويا إلى حيث توجد تلك الفتاة وابدآ نقاشا. عندما تندمجون جميعا سيكون تفكير تلك الفتاة أشبه بطريقة “حسنا، أنا لا أعرف هذين الشابين. لكن، إذا كنت سأختار أحدهما فبالتأكد سأختار الأخف دما” وهكذا تكون قد كسبت قلب فتاتك! لكن احذر عندما يطلب منك أحد أصدقائك الذهاب معه إلى حفلة. فربما تكون أنت الفخ في هذه الحالة!

النسبية سيئة أم ضارة؟

النسبية هي أمر حتمي من أجل وجود التصرفات البشرية من الأساس. فنحن لن نتمكن من الاختيار أو التساؤل أو المقارنة بين أي شيء إذا لم يوجد ما نقارنه به. ولكن ما هي مشكلة النسبية؟ يقول الكاتب أنه كان مع صديق له ذات يوم، فأخبره أن موظفا بشركته أتى إليه يشتكي صغر مرتبه أمام مرتب زميل له في شركة أخرى. عندما سأله المدير عن المبلغ الذي كان يتوقعه عندما قدم إلى العمل هنا أول يوم، فأخبره أن توقعه كان أقل من المرتب الذي يأخذه الآن بحوالي ثلاث مرات! أي أن مرتبه فاق توقعاته بثلاثة أضعاف! لماذا من الممكن أن يشتكي إذا؟!

هذه هي مشكلة التصرفات البشرية عندما نتركها للنسبية تماما. فما حدث في هذا المثال هو أن الموظف – رغم علو مرتبه – قارنه بمرتب شخص آخر فشعر بأنه أقل منه قدرا. وقد سببت مشكلة كهذه بالذات أزمة كبيرة عام 1993، حيث أجبرت الحكومة الشركات بالكشف عن راتب مدرائها التنفيذيين. كان الغرض من هذه الأوامر أن يرى المدراء التنفيذين ذوي الرواتب العالية الرواتب التي يتقاضاها من هم أقل منهم. لكن ما حدث كان كارثيا بحق. التصرفات البشرية لم تعمل كما توقعتها الحكومة حينها، بل حدث العكس تماما. قام المدراء التنفيذيين ذوي الرواتب القليلة بالاحتجاج على رواتبهم هذه وطالبوا بزيادتها حتى نالوا ما حصلوا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أصبحت المرتبات تزداد بجنون حتى أصبح الفرق بين مرتب المدير التنفيذي عام 1993 حوالي 95 مرة أعلى عن عام 1967!

فالنسبية إذا تساعدنا على اختيار القرارات و التصرفات البشرية المختلفة. ولكن إذا تُركت هذه المقارنات بدون رقابة من أنفسنا عليها، سيتحول الأمر إلى كارثة ربما لا نتحمل عقباتها لاحقا.

كيف نواجه مخاطر النسبية؟

الأمر يكمن ببساطة في كسر الدوائر المحيطة بنا كلما شعرنا باتساعها عنا ومحاولة ترويض التصرفات البشرية اللامنطقية لتتماشى مع ظروف حياتنا. فإذا شاهدنا شخصا يتحدث عن مرتبه العالي وحياته المرفهة، ابحث عن عائلتك التي تشعرك بالراحة واستمتع بوجدهم قربك. وإذا أردت الحصول على راتب كراتب هذا الشخص، ففكر كيف تحصل عليه دون خسارة الأشياء العزيزة على قلبك ثم اسع بإخلاص وصدق.

يذكر الكاتب أنه جلس مع صديق له صاحب موقع تواصل اجتماعي يختص بالمواعدة وجمع شركاء الحياة سويا. وكان يقول بأن هذا الشخص قد جنى الكثير من المال، وبإمكانه جني أكثر من ذلك بكثير. لكنه كان يقود سيارة تويوتا بروس في نفس الوقت. وفي حوار لصديقة هذا مع جريدة النيويورك قال بأنه لا يريد أن يشتري ماركة بوكستر. لأنه حين يقود بوكستر، سيتمنى أن يقود 911، وجميعنا نعرف أن من يقود 911 يتمنى أن يقود ماذا؟ إنه يتمنى أن يقود فيراري. هذه هي إذا الطريقة لكبح جماح التصرفات البشرية اللامنطقية وتأثير النسبية أو الأقحاح الموجودة حولنا في حياتنا. علينا أن نعود أنفسنا أن لا نطلب أكثر مما نحتاجه. فكلما طلبنا أكثر، كلما احتجنا أكثر.

وعلينا أيضا أن ننتبه لأفعالنا المختلفة ونصبح قادرين على تمييز اللامنطقية فيها. ففي مثال القلم والبذلة، قامت عقولنا بمقارنة السبع قطع نقدية بالخمسة عشر قطعة، فكانت المسافة تستحق الفرق. بينما في البذلة قامت عقولنا بمقارنة السبع قطع أمام الخمسمائة قطعة، فكانت المسافة لا تستحق. بينما في الحقيقية السبع قطع هنا هي السبع قطع هنا. إنما النسبية هي التي جعلتنا نفكر بطريقة مختلفة. وهي التي تجعلنا نستسهل صرف 200 قطعة زائدة بعد أن صرفنا 5,000 قطعة في بعض الأثاث، لكن لا تتركنا نصرف نفس المبلغ على بعض الأكواب مثلا. فالانتباه والضبط النفس هما الطريقان لمنع النسبية من التأثير سلبا على حياتنا.

Source: ts3a.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!