التعليم المنزلي: أهميته، سلبياته، إيجابياته، ومناهجه

لا غنى لنا عن تعليم أبنائنا، ولكن في ظل الظروف الحاليَّة السائدة في جميع بلدان العالم بسبب فيروس كورونا، والذي فَرَض علينا الإقامة الجبريَّة في منازلنا، وأعاق ذهاب الطلاب والمعلمين إلى المدرسة؛ كان لابدَّ للآباء من البحث عن طرائق تعليمٍ أخرى أكثر أماناً لأبنائهم، فكان التعليم المنزلي أحد أفضلها وأسلمها. لكن، ما هو التعليم المنزلي؟ ومتى بدأ؟ وما هي أساليبه؟ وهل له سلبيَّات؟ وما هي إيجابيَّاته؟ كلّ هذا سَنَطرحه لكم فيما يأتي:

Share your love

ما هو التعليم المنزلي؟

تعني الدراسة في المنزل (Homeschooling)، الدراسة بعيداً عن جميع المدارس والمؤسسات التعليمية العامّة والخاصّة؛ ومن الممكن أن يقوم به الأبوان أحدهما أو كلاهما، أو من الممكن أن يقوم به معلّمٌ خاص. وكما أنّه من الممكن أن يُدَرَّس الطالب منهج المدرسة نفسه، أو مناهج خاصّةً بالتعليم المنزلي، أو ما يراه الأبوان الأنسب لفهم وقدرة استيعاب ولدهما.

متى بدأ التعليم المنزلي؟

لقد ظهر التعليم المنزلي منذ القدم، حيث أنّ معظم الأطفال كانوا يتلقّون تعليمهم في المنازل من قبل أحد أفراد الأسرة، وذلك قبل أن يسنّ قانون التعليم الإلزامي. ومع بداية السبعينيات، أخذ نظام التعليم المنزلي بالتقدّم، وأصبح معترفاً به قانونياً في 50 دولةٍ حول العالم؛ ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، كشفت مؤسسة أبحاث التعليم المنزلي في دراسةٍ لها أنّ هنالك ما يزيد عن مليوني طفلٍ يتلقّون التعليم في المنزل، وهذه النسبة تزداد من 7% إلى 15% في كلّ عام.

والسؤال الأكثر حيرةً للآباء: كيف يستطيعون البدء بعملية التعليم المنزلي؟

ينصح جون هولت جميع الآباء في كتابه (علّم نفسك)، بما يلي:

أهمّ ما يحتاجه الآباء إذا أرادوا أن يعلّموا أولادهم في المنزل: أن يحبّوهم، ويستمتعوا بصحبتهم ووجودهم وحركاتهم وحماقاتهم، وأن يجدوا المتعة في محادثتهم وأسئلتهم، وأن يحاولوا جاهدين أن يجيبوا عن تلك الأسئلة. ويشترط جون هولت في كتابه، أنّه إذا أراد الآباء انتهاج التعليم المنزلي، فيجب أن تكون لديهم الرغبة بفعل ذلك بالإضافة إلى العملية التعليمية.

ما هي دوافع الآباء إلى اتباع نظام التعليم المنزلي لأبنائهم؟

  1. عدم ثقتهم بقدرة المدرسة على تأمين الاحتياجات التعليمية لأطفالهم.
  2. خوف الآباء على أبنائهم من ظاهرة التنمّر بين الطلاب، والتي أصبحت منتشرةً في الآونة الأخيرة في معظم المدارس.
  3. عدم ثقتهم بالمناهج الدراسية، وطرائق تدريسها.
  4. بالإضافة إلى أنّ التعليم المنزلي يتيح للآباء مزيداً من التحكّم بكيفية تدريس أبنائهم، وبالمحتوى الدراسي للمناهج.
  5. ويمكن أن تكون كثرة أسفار العائلة، وعدم استقرارها في بلدٍ واحدٍ؛ دافعاً هامّاً لاختيار التعليم المنزلي.

ماهي سلبيّات التعليم المنزلي:

لقد بيّنت دراساتٌ كثيرةٌ السلبيّات التي يمكن أن تنتج عن التعليم المنزلي، ومنها: قلّة عدد الأصدقاء لأبنائنا؛ وذلك بسبب الفرص المحدودة للتفاعل مع الأطفال الآخرين. بالإضافة إلى ما يلي:

1. التكلفة الماديّة للتعليم المنزلي:

يعتقد بعض الآباء أنّ التعليم المنزلي غير مكلفٍ. ولكن في الحقيقة: هذا غير صحيحٍ، وبالأخص إذا كان كلا الوالدان يعملان، لأنّ أحداً منهما سيترك العمل ويتفرّغ لتعليم الأبناء، وبالتالي سوف ينقص دخل العائلة، بالإضافة إلى تكلفة الكتب واللوازم التعليمية.

2. نطاق الأنشطة اللاصفيّة محدودٌ جداً:

إنّ الأطفال بحاجةٍ إلى ممارسة الأنشطة اللاصفيّة، من الرياضات المختلفة والرحلات المدرسية. والاحتمال الأكبر: أنّ الأبوين لا يمكنهما اصطحاب أطفالهما بشكلٍ دائمٍ إلى الحدائق أو النوادي؛ لأنّها عمليّةٌ مستهلكةٌ للجهد والوقت، ويصبح الأمر أكثر تعقيداً وصعوبةً عندما يصبح الأبناء في سنّ المراهقة.

3. زيادة توتر الأبوين:

من الممكن في بادىء الأمر أن يعتقد الأبوان أنّ الأمر سهل، ولكنّه في الحقيقة موضوعٌ مرهقٌ جسدياً، ويحتاج الكثير من الوقت والجهد من أجل تحضير الدروس، وتعليم الأطفال. ومن الممكن أن يواجها العديد من المشاكل التي يواجهها المعلّمون أنفسهم، ويجب عليهم أيضاً أن يقدّموا إلى أطفالهم الخبرات والأنشطة التعليميّة العمليّة.

4. قضاء أوقاتٍ وساعاتٍ طويلةٍ مع الأطفال:

نحن نحبّ أطفالنا، ونرغب بقضاء أكبر وقتٍ ممكنٍ معهم، ولكن بالتأكيد لا نحتمل قضاء اليوم بأكمله من دون أيّ عطلةٍ أسبوعيّة، أو حتّى ساعيّة. لذلك يجب على الآباء الذين يفكّرون في اتخاذ قرار التعليم المنزلي، أن يعيدوا التفكير مراراً؛ لأنّه قرارٌ صعبٌ لمن لا يستطيع التعامل مع الأطفال لفتراتٍ طويلةٍ جداً. ولكن ننصح الآباء أن ينظروا إلى النصف الممتلىء من الكأس، فهذا الوقت المتعب الذي يقضونه مع أبنائهم، هو أكبر فرصةٍ للتقرّب من بعضهم بعضاً.

ما هي إيجابيّات التعليم المنزلي؟

بالرغم من وجود العديد من السلبيّات لعملية التعليم المنزلي، إلّا أنّ هنالك إيجابيّات كثيرة يمكن أن تتغلّب على هذه السلبيّات، نذكر منها:

1. السرعة في التعليم:

ومقدرة الآباء على تعليم ما يريدون، وفي الوقت الذي يريدون؛ إذ أثبتت الدراسات أنّ الأطفال الذين يتعلّمون في منازلهم أكثر سرعةً في التعلّم، وأكثر تركيزاً للمعلومات التي يتلقونها. كما يمكن للآباء أن يختاروا الوقت المناسب لبدء وإنهاء الدراسة في اليوم، ويتاح إليهم أيضاً اختيار المنهاج المناسب، والتركيز على المواد التي يحبّها أطفالهم بشكلٍ أكبر، وإعطاءها مزيداً من الأهميّة؛ فالآباء هم الأقدر على فهم أبنائهم، ومعرفة رغباتهم وميولهم.

2. زيادة الإنتاجية التعليمية:

هل من المعقول أنّ نسبة تركيز المعلومة التي يتلقّاها الطفل في عقله من المعلّم بمفرده، هي النسبة نفسها عندما يكون موجوداً مع 20 طالبٍ على أقلّ تقدير؟ الجواب: هو بالتأكيد لا. بل من الممكن أن يقوم بكثيرٍ من الأعمال التي تشتّت تركيزه، وتبعده عن سياق الدرس. بينما يكون الوضع في المنزل مختلفاً تماماً، حيث بإمكان الطفل أن ينجز، ويتعلّم الكثير في وقتٍ أقصر من ساعات الدوام في المدرسة، كما أنّه يستطيع إنهاء واجباته المنزلية في أثناء ساعات الدراسة.

3. حريّة الدين والمعتقدات:

تعدّ كثيرٌ من العائلات أنّ المعتقدات والقيم الدينيّة والأخلاقيّة هامّةٌ جداً، ويجب غرسها في أطفالها منذ الصغر. وبهذه الحالة، يتيح التعليم المنزلي للآباء تدريس معتقداتهم، ودينهم، وقيمهم وأخلاقهم؛ ضمن المناهج التي يتلقّاها أبناؤهم.

4. حصول الأطفال على مزيدٍ من الراحة:

إنّ حصول الطفل على ساعات النوم الكافية من أهمّ الأسباب لتطور نموه العقلي وذكائه، وخاصةً الساعات الأولى من الصباح، والتي يحرم منها طلّاب المدارس؛ إذ يتوجّب عليهم الاستيقاظ منذ الصباح الباكر للذهاب إلى مدارسهم، ليقضوا على الأقل 6 ساعاتٍ خارج المنزل، ويعودوا مرهقين.

5. الاستقرار العاطفي للأطفال:

أشارت الدراسات إلى أنّ الأطفال الذين يخضعون إلى نظام التعليم المنزلي هم الأكثر استقراراً عاطفياً، حيث أنّه بإمكانهم تجاوز التحديات التي يواجهونها، والتعامل معها بشكلٍ أفضل؛ كما أنّهم يستطيعون تخطي صدمة انتقالهم إلى مدينةٍ أخرى، بعكس الأطفال الذين يخضعون إلى نظام التعليم المدرسي.

6. الأمان العاطفي والجسدي:

في هذه الأوقات، زادت حالات التنمّر بين طلاب المدارس بشكلٍ واضحٍ جداً، ويكون هذا الأمر مدمّراً لبعض الأطفال من الناحية العاطفية، ومن الناحية الدراسية أيضاً، حيث تصبح عملية التعلّم لدى الطفل المتعرّض إلى التنمّر شبه مستحيلة؛ ولهذا يكون الخيار الأفضل للآباء من أجل تجنيب أطفالهم هذه الأضرار، هو التعليم المنزلي.

7. التفوّق الدراسي:

لقد أكّدت الدراسات أنّ الأطفال الخاضعين إلى نظام التعليم المنزلي، تكون نتائجهم في الاختبارات المعيارية أعلى بكثيرٍ من غيرهم، ويتفوّقون في المرحلة الجامعية، ويصبحون متعلّمين ذاتيين، وينجحون في مجالات عملهم ووظائفهم.

مناهج التعليم المنزلي:

يمكن أن يختار الآباء المنهاج المدرسي نفسه، ويدرّسوا منه ما يرغبون تعليمه لأطفالهم، ومن الممكن أن يختاروا منهاجاً من المناهج المتوفّرة على الإنترنت، والخاصّة بالتعليم المنزلي.

وإنّ أكثر هذه المناهج انتشاراً هو “منهج ماريا مونتيسوري”؛ إذ قدّمت ماريا فلسفةً تربويّةً في تعليم الأطفال أحدثت ثورةً في التعليم في مرحلةٍ مبكّرةٍ من الطفولة من خلال التعليم المنزلي. تعتمد فلسفتها التربويّة على التنظيم الذاتي، أي أن يكون لدى الأطفال القدرة على تنظيم سلوكهم بطريقةٍ مناسبةٍ للمواقف التي يمكن أن يقعوا فيها؛ كما أنّها تشجّع الإبداع وحبّ الاستطلاع لدى الأطفال.

ومن الممكن أن يلاحظ الآباء أنّ أغلب المناهج المنزلية التي تتّبع فلسفة مونتيسوري، غالباً ما تكون توصياتٍ لمنهجٍ كامل، حيث يمكن لأيّ أسرةٍ تتبع نظام التعليم المنزلي أن تنشىء منهجها في التعليم، والذي يعتمد على هذه الفلسفة.

أعزائي الآباء: يقول شيشرون، الكاتب الروماني وخطيب روما المميّز: “المعرفة فنٌّ، ولكنّ التعليم فنٌّ آخرٌ قائمٌ بذاته”، ولكم حريّة اختيار الفنّ الذي ستعلّمون من خلاله أطفالكم.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!