التعلُّم عن بعد: نصائح للأهل لخلق تجربة أكثر متعة وثراء

في الوقت الذي تزداد فيه المخاوف من تفشِّي وباء فيروس كورونا المستجد، يتخذ العديد من قادة التعليم القرار الصعب بإغلاق المدارس والانتقال إلى التعلُّم عن بعد. سوف نتحدَّث إليكم في هذا المقال عن بعض التوصيات التي من الممكن أن يتبعها الأهل، والتي تضمن للأطفال تجربةً رائعةً ومثيرةً في أثناء التعلُّم عن بعد. ونستعرض أيضاً المشكلات التي من الممكن أن تواجههم، وما هي الحلول الإبداعية التي يمكنهم القيام بها:

Share your love

ملاحظة: هذه المقالة مأخوذة عن مايفي ريتشموند (Maeve Richmond)، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة (Maeve’s Method)، والتي تخبرنا فيها عن نصائحها للتعليم عن بعد.

يسكن بعض هذه العائلات شققاً سكنية، بينما تسكن عائلاتٌ أخرى منازل ذات ساحاتٍ وحدائق وأقبية.

أردت أن أعرف منهم كيف يتعاملون مع واقع انتقال التعلُّم من المدرسة إلى المنزل؟ وما هي المشاكل التي تواجههم؟ وكيف يتعامل أطفالهم مع ذلك التغيير؟

لقد دُهِشت حقاً بالإجابات التي وصلتني، وشعرت بالفخر بهذا الجيل الصغير. إنَّ هؤلاء الأطفال يتمتَّعون بمرونةٍ عاليةٍ بتعاطيهم مع هذه النقلة النوعية؛ بشكلٍ يثير الدهشة، كما هو الحال أيضاً بالنسبة إلى المعلمين.

سوف نتحدَّث إليكم في هذا المقال عن بعض التوصيات التي من الممكن أن يتبعها الأهل، والتي تضمن للأطفال تجربةً رائعةً ومثيرةً في أثناء التعلُّم عن بعد. ونستعرض أيضاً المشكلات التي من الممكن أن تواجههم، وما هي الحلول الإبداعية التي يمكنهم القيام بها:

1. قم بإنشاء فصل دراسيٍ في المنزل:

إنَّ أكبر مشكلةٍ قد تواجه الآباء هي إيجادُ مكانٍ مخصَّصٍ في المنزل ليكون بمثابة الفصل الدراسي.

من خلال عملي كمنظمةٍ ومرشدةٍ للحياة المنزلية، لطالما دافعت عن أهمية إنشاء مساحة عملٍ في المنزل للأطفال مثل: طاولةٍ أو مكتبٍ أو زاويةٍ مريحة، حيث يمكن للأطفال القيام بالواجب المنزلي أو الاسترخاء أو قراءة كتاب.

في الظروف العادية، تعدُّ غرفة النوم مثاليةً لذلك؛ ولكن إلى أيِّ مدىً يمكننا الاستفادة منها في الوقت الحالي؟ كانت الإجابات التي حصلت عليها متعددة، ومبهجة، ومضحكةً في الوقت نفسه.

فقد ذكرت إحدى الأمهات أنَّها قامت بتجهيز فصلٍ دراسيٍّ لطفلها في الصف الخامس في مكتب الأب المنزلي، ولكن هذا لم يدم طويلاً؛ وأضافت أُخرياتٌ أنَّ الفصل الدراسي كان عبارةً عن غرفة النوم.

كما تحدَّثت عائلةٌ في مدينة نيويورك عن تجربتها مع ابنتيها اليافعتين، إذ لم يتبدَّل الأمر لديهم في المنزل، حيث تتقاسم الفتاتان غرفة نومهم منذ سنوات، وقد جرى تجهيزها سابقاً بمكاتب مخصَّصةٍ لهم، ومساحةٍ لقضاء وقتٍ ممتعٍ والاستمتاع بموسيقاهم الخاصة.

المغزى الحقيقي الذي نستنتجه من هذه التجارب: لا توجد حلولٌ خاطئةٌ في هذه المرحلة، وعليك فقط استكشاف الإمكانات المتاحة والاستفادة منها. فقد تتبدَّل الأمور قريباً ولا تبقى على حالها؛ لذا قم بخوض هذه التجربة، وحاول أن تتكيَّف مع الأوضاع الجديدة بأفكارٍ مبدعةٍ وخلَّاقة، وضع في الحسبان العدل والتساوي في منح أطفالك جميعاً مساحاتٍ للتعلُّم واللعب وقضاء أوقاتٍ ممتعة.

2. حاول الالتزام بالروتين، والذي هو جزءٌ أساسيٌّ من المدرسة:

ما أثار دهشتي هو أنَّه لم تكن هناك هيكليةٌ جاهزةٌ للتعلُّم عن بعدٍ كما كنا نعتقد، وأنَّ الإجراءات والتعليمات كانت وليدة الحدث. ومع ذلك نجد بعض المدارس قد أبدعت في التوصيات والاهتمام بطلابها، فقد أخبرتني إحدى الأمهات أنَّ مدرسة طفلها قد شجَّعت الطلاب على تولِّي مسؤولية جداولهم الخاصَّة، مع تلقِّي كلِّ طالبٍ دليلاً حول ما يجب فعله كبرنامجٍ وروتين يومي على النحو التالي: الاستيقاظ، والتحقُّق من التقويم، والتخطيط لجدول المهام، وتحديد فتراتٍ للراحة.

وعلَّقت أمٌّ أخرى: “إنَّ الأطفال يتواصلون مع بعضهم بعضاً عبر مكالمات الفيديو عبر “جوجل مييت” (Google Meet)، وينظِّمون سوياً جدولهم الخاص لليوم القادم”.

تساءَلْتُ: كيف يستطيعون القيام بذلك في هذه الأعمار الصغيرة؟ وهل هذا كثيرٌ ليستوعبه طالب الصف؟ الجواب: أنَّه لا وجود لهذه المخاوف في عالم اليوم؛ إذ يجيد الأطفال واليافعون تماماً التعامل مع التكنولوجيا، وقد ثبتت فعلياً قدرتهم على التكيف والإبداع.

لقد تبيَّن لنا في هذه المرحلة، أنَّ العديد من المدارس -حتَّى الابتدائية- كان لديها بالفعل الكثير من العمل عبر الإنترنت؛ لذا فإنَّ التحول إلى مزيدٍ من العمل عبر الإنترنت ليس بهذه الصعوبة.

لكنَّ الأمر المختلف هنا هو أنَّ اليوم الدراسي عن بعدٍ أقصر من المعتاد عليه في أثناء المدرسة؛ لذا كن مستعداً لذلك.

قَرأْتُ إحدى المشاركات لطالبةٍ في الصف الثامن، تقول: “نبدأ بواجباتنا المدرسية، وباستطاعتنا القيام بذلك بالسرعة التي تناسبنا؛ لذلك ينتهي وقت الدراسة بمجرد الانتهاء من مهامنا اليومية”.

كنت أضحك في سري وأنا أقرأ هذه الكلمات؛ لأنَّ هذه الطفلة سريعة الخطى قامت بعملها المدرسي في وقتٍ مبكر، وكانت الساعة 11:20 صباحاً فقط.

علينا أن نتذكَّر أنَّ اليوم الدراسي المعتاد يشمل: الطريق إلى المدرسة، والتنقُّل عبر الممرات، وتفقُّد الخزائن، والاستمتاع بأوقات الراحة مع الأصدقاء، وبعض الأنشطة الإضافية بعد أوقات الدوام. ومن دون هذه الجزئيات الصغيرة اليومية، يمكن أن يشعر الطالب أنَّ اليوم الدراسي عن بعدٍ مكثفٌ وممل؛ لذا كن مستعداً للتعامل مع الأطفال الذين لديهم أوقات فراغٍ أطول ممَّا هو متوقع، وشارك طفلك أفكاراً حول روتينٍ يوميٍّ يسدُّ هذه الثغرات.

3. امنح أطفالك الثقة لتولِّي زمام أمورهم والتفكير في طرائق لملء أوقات فراغهم:

عند الانتهاء من التعلُّم، يُترَك الأطفال بمفردهم لإكمال واجباتهم اليومية. لقد وجدت هذا مدهشاً، فمن الصعب على البالغين أن يحفِّزوا أنفسهم على العمل عن بعد، فكيف يواجه الأطفال هذا التحدِّي؟

لقد عبَّر عنها أحد طلاب المرحلة الإعدادية المحجورين في المنزل: “يصبح الأمر مملاً للغاية عندما تفعل ذلك بمفردك. كنت أعتقد أنَّ التعليم عن بعدٍ يعني الجلوس طوال اليوم في فصلٍ دراسيٍّ افتراضيٍّ مع أصدقائك؛ ولكن في الواقع، الفصول الدراسية عبر الإنترنت قصيرةٌ وفيها نوعٌ من العزلة”.

ولكنَّ هذا العقل الذكي قد وجد حلاً، وهو: إجراء مكالمة فيديو مع الأصدقاء للقيام بالواجبات المدرسية معاً. لذا، خذ بعين الاعتبار هذه العزلة التي يشعرون بها، وتحدَّث مع أطفالك، واستمع إلى رأيهم لتمديد وقت الاجتماع الصباحي، وبعد ذلك تواصل مع الأهالي لتشكيل قاعاتٍ صفيَّةٍ افتراضيةٍ للدراسة مع أصدقائهم.

ما الذي يجب عليك القيام به في الأسابيع القادمة؟

نصيحتي للأسابيع القادمة، دع الأمور تجري بسلاسةٍ ومرونةٍ داخل المنزل، وحاول دوماً الحفاظ على المعنويات والحالة الشعورية عندك وعند أبنائك في مستوياتٍ مرتفعة. إنَّها حالةٌ استثنائيةٌ لن تدوم، وحتَّى حداثة هذا التعليم عن بعدٍ أمرٌ مؤقت؛ لذلك حافظ على روتينٍ سهلٍ وبسيطٍ داخل المنزل لضمان بقاء الأمور تحت السيطرة.

ابدأ بالتفكير خارج الصندوق، واطلب من الأطفال أن يخرجوا إلى الساحة أو حتَّى إلى الصالة داخل المنزل بين أوقات الدروس، واطلب منهم مدّ أرجلهم وثنيها، والقيام ببعض التمرينات المنشطة، ثمَّ العودة مجدداً، ومتابعة مهامهم.

 قد يؤدِّي ذلك إلى زيادة نشاطهم وتجديد الطاقة لديهم، وهذا سوف يكون رائعاً لأدمغتهم.

حاول أن تجعل الأمور أكثر متعةً، من خلال مطالبتهم بالخروج من الباب الأمامي للمنزل كلَّ صباحٍ ثمَّ العودة مرةً أخرى، كما لو كانوا يدخلون إلى المدرسة. ويمكنك أيضاً السماح لهم بارتداء المعاطف وحقائب الظهر، وزيارة الخزائن في المنزل، أيَّاً كان من الأمور التي تجعلهم يشعرون وكأنَّهم في يومهم المدرسي الاعتيادي مرةً أخرى.

وعندما لا تنجح هذه الأساليب معهم، الجأ إلى تغيير مساحة العمل الخاصَّة بهم، وانقل بعض اللوحات الفنية، أو علّق الملصقات في غرفهم للإلهام، أو قم بتغيير الديكور.

إنَّ الفصول الدراسية عادةً ما تميل لأن تكون مساحاتٍ بسيطةً تتغيَّر بشكلٍ موسمي، أو بناءً على المشروع الذي صمِّم للمرحلة الدراسية. ولقد اعتاد الأطفال على الخروج لقضاء فرصةٍ بين الفصول؛ لذلك فأنت بحاجةٍ إلى نقل بعضٍ من هذه الأمور إلى المنزل.

من الضروري أيضاً الحفاظ على أوقات العمل معاً، لتنظيم وترتيب المنزل، فهذا هو الوقت المثالي لبدء المحادثات والنقاشات حول ما يشعر به أطفالك عن مكاتبهم الدراسية، وملابسهم، وأفكارهم لإجراء التغييرات والتعديلات؛ لذا حاول أن تضعهم في موقع المسؤولية.

ذكَر أحد الآباء تجربته مع ابنته الصغيرة: “ذهبت ابنتي لتفقُّد أدراجها قبل البدء بالمدرسة الافتراضية، حتَّى تتمكَّن من تحديد ما تحتاج إليه، ثمَّ قامت بتنظيف مكتب الدراسة الخاص بها. بعد ما اتفقنا على أنَّه من الهامِّ أن تقوم بتنظيف وترتيب مكتبها كلَّ صباح”. إنَّها لفرصةٌ لغرس بعض العادات الرائعة والدروس التي يجب تعلُّمها.

وأخيراً، الغاية هنا هي إنشاء مساحات عمل آمنةٍ للبقاء على تواصل، حتى في أثناء التباعد الاجتماعي. فإذا كان العالم الخارجي يمرُّ بظروفٍ خارجةٍ عن سيطرتنا ولا يمكننا تغييرها من أجل أطفالنا، فإنَّ العالم الداخلي هو ملكٌ لنا. لذا فلنبتسم، ولنركِّز على المستقبل.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!