التفاعل الشخصي : كيف يمكن خلق مريض نفسي من مجرد التفاعل ؟

التفاعل الشخصي هو ذلك النوع من التفاعلات التي تحدث بين شخصين على مستوى الشخصية، هل من الممكن أن يؤدي مجرد التفاعل الشخصي إلى نشوء مرض نفسي؟ هذا ما نراه هنا.

Share your love

التفاعل الشخصي هو ذلك التفاعل الذين يكون بين الأشخاص وبعضهم البعض. وهؤلاء الأشخاص يتنوعون بمختلف ألقابهم واعتباراتهم في المجتمع. فالتعامل قد يكون بين صديقين أو أخوين أو شريكي حياة. وقد يكون بين والد وابنه أو أم وابنتها أو صديق وأخ أو حتى مجرد غريبين لا يعرفان عن بعضهما البعض شيئا يذكر. التفاعل الشخصي هو التفاصيل التي تملأ حياتك اليومية والتي تترك رواسبها بداخلك وتترك رواسبك بداخل من تتعامل معه. ذلك التفاعل الشخصي هو ما يجعلك سعيدا عندما يُطري شخص تعرفه أو لا تعرفه على ملابسك اليوم، وهو ما يجعلك تعيسا عندما ينتقدك أحد بحدة أو تشعر بالظلم. إذا،وبما أن الإنسان بطبعه كائن لا يقوى على الوحدة التامة، فإن التفاعل الشخصي هو أبسط التفاصيل التي تتكون منها حياتنا وحياة هؤلاء الذين نتفاعل معهم. فكيف إذا يكون هذا التفاعل الشخصي الذي لا غنى عنه، والذي هو أبسط تفاصيل حياتنا، هو الطريق نحو خلق مريض نفسي؟ هذا ما سنحاول معرفته في السطور القادمة من هذا المقال.

كيف يمكن أن يخلق التفاعل الشخصي المرضى النفسيين ؟

[wpcc-script src=”https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js” defer]

ما هو المرض النفسي؟

قبل أن نتحدث عن كيفية خلق التفاعل الشخصي لمريض نفسي، علينا أولا أن نضع أسسا لوصف المريض النفسي وتعريفه. فليس المرض النفسي هو الجنون فقط، وليس العقل هو دليل الصحة النفسية. هناك الكثير من الأشياء الحياتية التي نتعامل معها باعتبارها أمرا اعتياديا وهي أبعد ما يكون عن الاعتيادية. وفي المقابل، هناك تلك الأشياء التي نعتبرها غير عادية وهي المنطق بعينه. فيكف إذا نفرق بين العادي وغير العادي وكيف نعتبر الشخص مريضا نفسيا أو صحيحا نفسيا؟

الأمراض الجسدية

عندما نتحدث عن العلة النفسية، علينا دائما أن نقارنها ونطابقها بالعلل الجسدية. فما يحدث للجسد يحدث مثله للنفس ولكن تختلف المسميات في كلا النوعين. ما يحدث للجسد عند الحديث عن الأمراض فإنه يصاب بأنواع مختلفة من الأمراض. هناك تلك الأمراض الطفيفة التي تأخذ دورتها فيما لا يتعدى ثلاثة أيام كالبرد وارتفاع درجة الحرارة، وهناك الأقوى منها كالإنفلونزا التي تستغرق أسبوعا على أقل تقدير وتحتاج إلى رعاية ومعالجة متتابعة، وهناك الحمى وهي النوع الأعنف من فصيلة الأمراض تلك والتي تستغرق وقتا أطول وتتطلب مجهودات أكبر وأكثر. يوجد كذلك الأمراض المزمنة التي لا تنجلي بسهولة أو ربما أبدا كأمراض السكري أو الأمراض المميتة كأنواع السرطان الخبيثة المختلفة. يوجد هناك تنوعات كثيرة ومختلفة لتعريف الأمراض الجسدية وكل نوع لديه حدته وصفاته ومدة حضانته داخل الجسد. فكيف إذا نطبق هذا على الأمراض النفسية؟

الأمراض النفسية

الأخطاء الشائعة التي كثيرا ما نقع فيها في مجال الأمراض النفسية هي عدم إلمامنا بالنفس البشرية بقدر كاف للتعامل معها في أبسط طرق التعامل كما في التفاعل الشخصي . ونتيجة لهذا الجهل فكثيرا ما نقع في الأخطاء الكبيرة دون حتى أن نكون على دراية بأننا نرتكب مثل هذه الأخطاء. كما أننا قمنا باختزال الأمراض النفسية في النوع المميت أو المتقدم منها إذا عقدنا مقارنة الأمراض النفسية والجسدية سويا. فنحن مثلا نعترف بالأمراض النفسية الشبيهة بالانفصام أو الذهان أو أمراض الوسواس القهري. ولكن المشكلة هي أن هذه الأمراض هي ما يقابل الأمراض المزمنة أو المميتة في عالم الأمراض الجسدية. المشكلة أننا نهمل الكثير من الأمراض النفسية التي لا تقل خطرا عن تلك الأمراض الكبيرة لمجرد أن تأثيرها ليس عنيفا كتأثير تلك الأمراض! ولكن هل نحن نتجاهل مرض البرد أو الإنفلونزا عندما يصيبوننا؟ هل نستيقظ ذات صباح وعندنا دور حمى قوي فنكمل يومنا بطريقة عادية وكأن ليس هناك مشكلة تذكر؟ لا، نحن لا نفعل هذا. نحن نأخذ ردود أفعال ونذهب للطبيب ونسترخي للراحة ونطلب الشفاء العاجل من الله لأن هذه الأمراض ترقد أجسادنا في الأسرة وتجعلنا غير قادرين على الحركة. ما تفعله الأمراض النفسية الشبيهة هي أنها ترقد أرواحنا وتجعلها غير قادرة على التسامح والحب والاحترام. فما هي هذه الأمراض النفسية إذا؟

تدرج الأمراض النفسية

كما كل عضو في الجسد لديه المعايير التي نحكم عليه بأنه سليم طبقا لها. هناك معايير لكل جزء في النفس نحكم بأنه سليم استنادا إليها. والأجزاء التي تتكون منها النفس تتجسد في أخلاق الفرد وتعامله مع غيره، وتتمثل أيضا في تعامل الفرد مع نفسه وطريقة رؤيته وتمييزه لذاته. فهذان هما الجزءان الأساسيان اللذان يتجزأ منهما كافة الأجزاء الباقية. إذا دعونا نرى كيف يمكن لكل جزء من هذين الجزأين التأثر والإصابة بالأمراض؟

تعامل الفرد مع الغير

الشق الأول والذي يعتبر أساس التفاعل الشخصي بين طرفين هو الطريقة التي يتعامل بها الفرد مع غيره من الأشخاص. والطريقة التي يمرض بها هذا الجزء هي في ما نراه من تعاملات غير سوية ظاهرة في التفاعل الشخصي . وهذه الأمراض التي تتراوح في حدتها تتمثل في الخداع والمراوغة والكذب وإيذاء الطرف الآخر وعدم إعطاءه حقوقه أو هدم الثقة الداخلية للفرد الذي يتحاور معه أو غير هذه من الأشياء التي لا نعطي لها بالا والتي نتعامل معها بأنها نقائص أو أخطاء في الأفراد ويجب علينا أن نتعامل معها وكفى. ولكن الحقيقة هي أن هذه الأشياء تعتبر أمراضا نفسية ولكنها من النوع الذي لا يلحق الأذى الجسدي بالفرد وغيره رغم أنه عرضة لذلك عند تطور الأمور.

تعامل الفرد مع نفسه

الشق الثاني من النفس هو ما يتعلق بمعاملة الشخص لنفسه وطريقة رؤيته لها وتفاعله معها، فهذه الطريقة هي ما تحدد إذا ما كان سويا بداخله أو قادرا على التمييز بين الصواب والخطأ أو الحقيقة والخيال. ومعظم الأمراض النفسية التي تنشأ نتيجة هذا الشق هي تلك الأمراض التي نتخذها بجدية كأمراض الانفصام والذهان والاكتئاب وغيرها من الأمراض التي تؤذي الفرد أشد الضرر والتي قد تصل به إلى مرحلة تخليه عن الحياة أو إيذاء نفسه أو إيذاء غيره. ويوجد أيضا أنواع طفيفة في ذلك الشق وهو ما يتعلق بطريقة رؤية الفرد لنفسه وإذا ما كان يستحق الاحترام أو الشفقة وإذا ما كان يشعر بالحب أو الجفاء. وهذه الأعراض غالبا ما تكون السبب في تدهور الشق الأول المختص بموضوع التفاعل الشخصي .

كيف يخلق التفاعل الشخصي مريضا نفسيا؟

هذا هو السؤال الأهم في هذه المرحلة، وهذا هو ما نهتم بالإجابة عنه. كيف يمكن أن يؤثر التفاعل الشخصي على حياتنا البسيطة لدرجة خلق أمراض نفسية طفيفة أو عنيفة؟

الكلمة

أول وسيلة من وسائل التفاعل الشخصي والتي قد تساهم بقدر ليس بالصغير أبدا في تكوين شخصية الشخص المقابل أو التسبب في إصابته ببعض الأمراض النفسية هي الكلمة. ولذلك تجد الأديان السماوية تحث على الكلمة الطيبة وتدخلها تحت ميزان الصدقة ذات الأجر العالي في ديانة الإسلام مثلا. كما أن علماء النفس يجمعون على أهمية تغليف كلماتك بالمشاعر الإيجابية والاهتمام بانتقاء كلماتك حتى لا تكون سببا في جرح مشاعر أحدهم. وأخطر أضرار الكلمة هي أن تأثيرها لا يمكن أن يزول إذا ما وقع، وإذا كانت هناك طريقة لإزالة أثره فسيكون طريق شاق ومنهك قبل الوصول إلى نهايته. فكيف مثلا تسحب تأثير كلمة “أنت غبي” التي صدرت منك إلى طفل يهتم كثيرا لما تقول وما تخبره به؟ أو كيف تسحب تأثير كلمة “أنت قبيحة” لفتاة ليست على ذلك القدر من الثقة بنفسها والذي ربما كان سبب هذه الثقة المنخفضة هو التفاعل الشخصي مع شخص لا يعرف كيف ينتقي كلماته هو أيضا؟

كيف تؤثر الكلمة في التفاعل الشخصي ؟

ربما تعتقد أن الأمر يلزم أكثر من مجرد كلمة للتأثير في شخص ما بطريقة سلبية، لكن الحقيقة هي أن الكلمة بإمكانها أن تترك أثرا أبلغ من أي طريقة أخرى! فالكلمة هي طريقة واضحة وصريحة لتحديد معالم الحوار الحضاري المتفهم الذي يلجأ طرفيه للاهتمام بمجرياته والتنبه لما يحدث فيه. ففي هذا الحوار لا يكون طرفا ذو سلطة على الآخر أو هناك مشاكل عالقة بين الطرفين، وإنما هما شخصين اختارا أسلوب الحوار كوسيلة للتواصل والتفاهم. بناءا على المقدمات التي رسخها مفهوم التحاور هذا، كان من الطبيعي أن يكون لكل كلمة في تلك المحاورة وزن لدي الطرفين، وأن يكون لكل كلمة اهتمام خاص بها. وهذا هو ما يجعل الكلمة لها تأثير قوي ونافذ عند الحوار و التفاعل الشخصي . تخيل معي مثلا طفل يتحدث مع والديه في حوار عادي عندما قام الابن بتصرف خاطيء فاستشاط أحد الوالدين غضبا وقام بإعلاء صوته والتلفظ بألفاظ قد تجرح من مشاعر الفتى الصغر. تخيل كمية المؤشرات السلبية النفسية والتربوية التي استقاها الطفل من ذلك الحوار والتي ترسخت بداخله ولديها احتمالية كبيرة أن تظهر ذات يوم في المستقبل على أشخاص آخرين نتيجة لذلك التفاعل الشخصي بين والد أو والدة وطفليهما!

اليد

اليد أو ما تعبر عنه من تفاعل جسدي في التفاعل الشخصي بين طرفين هي الشق الثاني من طرق الحوار أو التفاعل عموما. نادرا ما يتحاور شخصين متواجهين دون استخدام جسديهما في التمايل وإيضاح المعنى ومحاولة توصيله بأكثر طريقة ممكنة. ولكن ليس هذا هو ما يثير قلقنا كثيرا في مجال التفاعل الشخصي . وإنما ما يثير قلقنا هو عندما يستغل الفرد قوته الجسدية أو ضعف الطرف المقابل له في محاولة لفرض قوته وسيطرته عليه. هذه الطريقة هي أسرع الطرق لخلق شخص غاضب وناقم على الشخص المقابل وعلى المجتمع الذي لم يعطه حقه ولم يراعي ضعفه أو عدم قدرته على رد كرامته وأذاه الجسدي والنفسي قبل هذا. كل مواقف الظلم والقسوة والعنف الجسدي هي الدافع الأول لأي شخص كي يصاب بأمراض نفسية غير تلك التي نستمع إليها في البرامج التلفازية كل يوم. القهر هو مرض نفسي، والظلم هو مرض نفسي، والشعور بالمهانة هو مرض نفسي، والضعف هو مرض نفسي. ربما يكون للتربية أو البيئة أو طبيعة الشخص يد في وجود السبب الأول لإمكانية تعرض هذا الشخص لمثل هذه المواقف، فلو كان شخصا ذا ثقة نفسية أكبر لاستطاع رد الاعتبار لنفسه. ولو كان شخصا ذا لياقة بدنية أكبر لاستطاع الذود عن نفسه. لكن حقيقة أنه كان ضعيفا ثم تعرض لمثل هذه المواقف تجعل المرارة والغضب بداخله مشتعلين، وربما تطور الأمر إلى تحوله لمريض نفسي لا نأمن على أنفسنا من شروره. شروره التي كنا سببا في وجودها منذ البداية بجهلنا بطباع النفس البشرية!

الإيحاءات النفسية

هذا النوع ربما يكون مفاجئا لكلا طرفي التفاعل الشخصي ، ولكنه أحد الأسباب المهمة التي تساهم في نشوء بعض التشوهات النفسية التي تحدث لنا دون وعي من أي طرف فينا. ما يحدث في هذا النوع هو أن أجسادنا تستقبل مشاعرنا والطريقة التي نفكر فيها وتقوم بتطبيقها على أجسادنا وطريقة تعبيرها. فربما ننتقي كلماتنا وربما نكف أذانا عن غيرنا، ولكن عقولنا تتلاعب بنا من خلفنا. يقوم العقل بالتقاط المشاعر التي تكونها تجاه الشخص الذي أمامك ويرسل هذه الإشارات على هيئة انفعالات جسدية قد تكون طفيفة جدا ولا يمكن تمييزها، لكن يمكن للجزء اللاواعي من عقولنا بالانتباه إليه واقتناصه والتعامل على أساسه. بل في حقيقة الأمر أن هذه الانفعالات الجسدية الصغيرة يمكن الانتباه إليها بأعيننا ولكن بصعوبة بعض الشيء، وتكون هذه الانفعالات وسيلة لكشف كذب الشخص الذي أمامك إذا كان يكذب في أمر ما. فربما تكون أنت كاذبا أثناء التفاعل الشخصي مع الآخرين دون حتى أن تدري. وربما كان الآخرون يكتشفون كذبك دون أن يدروا.

ماذا تفعل بخصوص الإيحاءات الجسدية؟

إذا كان الأمر يصدر دون إرادتك تماما ويتم التقاطه من الطرف الآخر دون وعي منه أيضا. وإذا كنت على حذر تام بما يصدر منك من قول أو فعل، فكيف تقي الآخرين من شرور هذه الإيحاءات الجسدية وتجنب تأثيرها السلبي عليهم؟ هذا سؤال سيشغل بالنا لمدة طويلة من الوقت إذا كنا أسوياء كفاية لنمتلك تلك الرغبة في عدم إيذاء الآخرين بأي طريقة ممكنة. الإجابة على هذا السؤال ستكون متلخصة في أن تتوخي الحذر عند الحديث مع الأشخاص الذين تمتلك مشاعر سلبية تجاههم. الإجابة تتلخص فيه أنه إذا لم يكن لديك تحكم تام في لغة جسدك وطريقة تفاعل جسدك –ومعظمنا لا يملك مثل تلك المهارة النادرة- فكل ما علينا هو محاولة تجنب الحديث مع الأشخاص الذين نملك مشاعر سلبية تجاههم، أو محاولة تقليص مدة الحوار بألطف طريقة ممكنة. وما سيتوجب علينا يعد ذلك الهروب اللطيف هو أن نتقتنص بعض الوقت لنجلس مع أنفسنا ونتوصل إلى أسباب تلك المشاعر السلبية التي تؤثر علينا وعلى الطرف الآخر. فإذا كان هناك حل ما لإنهاء تلك المشاعر السلبية وإضفاء روح من الإيجابية على تلك العلاقة، كان هذا أمرا رائعا بحق. أما إذا كان الأذى الناتج عن ذلك الشخص أكبر من تلافيه وتجاهله، فما عليك إلا تجنب التعامل مع ذلك الشخص. وتذكر دائما أن أذى الآخرين ليس مبررا لكي نرد لهم الأذى. فعلينا أن نحاول جاهدين بالتعامل مع الآخرين بالطريقة التي ترضينا لا بالطريقة التي ترضيهم. هذا من باب إرساء احترامنا لذاتنا لا أكثر.

الأمراض النفسية المنتشرة في مجتمعاتنا

ربما نحرز أرقاما عالية في معدل الإصابة بالاكتئاب أو أرقاما منخفضة في معدل الإصابة بأمراض أخرى غير هذه. لكن سأعود لأخبركم بأن ما أتحدث عنه ليس متصلا تماما بتلك الأشياء الكبيرة التي تكون جلية وظاهرة. وإنما يتمحور الحديث حول تلك الأشياء التي نظنها اعتيادية بينما هي أبعد ما تكون إلى الاعتيادية. تلك الأشياء التي استبحنا وجودها في حياتنا العادية والتفاعل الشخصي بين بعضنا البعض، إلا أنها يجب أن تكون من المحرمات والأشياء التي لا يجب أن نسمح لأنفسنا حتى بمجرد استساغتها عوضا عن فعلها. بعض هذه الأمراض تنتشر في مكان خاص من مجتمعاتنا العربية وبعضها ينتشر في كثير من الأماكن وبعضها يشترك فيه مناطق مختلفة حول العالم. بعض هذه الأمراض المنتشرة جليا في مجتمعاتنا سنجملها في السطور التالية.

التحرش الجنسي

ظاهرة كظواهر التحرش الجنسي هي مرض من أكبر الأمراض النفسية والتي تحتاج إلى علاج نفسي متخصص وفعال. ظاهرة كهذه لا يجب أن نتعامل معها باعتبارها “قلة ذوق” أو “لعب عيال” أو أي شيء مما يطلق عليها هذه الأيام. هذه الظاهرة طبقا لمواقع التواصل الاجتماعي تنتشر بشدة في مصر، ولكن هناك أيضا الدلائل التي تشير إلى انتشارها في بعض الأماكن الأخرى باختلاف حدتها وطريقتها. هذه الظاهرة يجب اعتبارها مرضا يجب استئصاله لأن المتحرش يقوم بانتهاك حرمة ليست ملكه ولا تخصه، إنه لا يقل ذنبا أو مرضا عن ذلك الذي يقتل شخصا أو يغتصب طفلة. الفارق هو أن الاغتصاب والقتل في هذه الظاهرة كان علنا وفي وجود حشد كبير من الناس! السبب الجلي وراء هذه الظاهرة هو انعدام أساليب التربية القويمة وانعدام الضوابط والروابط في تلك المجتمعات، وأيضا التعامل مع استباحة عرض أحدهم كأنه أمر لا يستحق هدم بلاد من أجله! وكأن ليس في تاريخ قصة تلك الأمم “وا معتصماه” التي جعلت “المعتصم” يقود جيشا بأكمله لرد عرض امرأة في بلدة أخرى! بل وصل تقبل تلك الظاهرة في مجتمعاتنا بأن أصبح العامة يدافعون عن المتحرش أو يهاجمون الفتاة بأي اعتبار كان. وأصبح لدينا الآن مرض نفسي آخر بجانب التحرش واستباحة عرض الآخرين وهو السكوت والدفاع عن الباطل. طبعا لن نتحدث في هذا المقام عن كمية الأمراض النفسية التي ستتعرض لها الفتاة نتيجة أمر كهذا. فهذا موضوع أكبر من أن نختصره في قطعة صغيرة.

الاستمتاع بأذى الآخرين

هذه الظاهرة والتي تعتبر مرضا نفسيا قد يكون النسخة المصغرة من مرض السادية،وهو استمتاع الأشخاص عند رؤية شخص آخر يتم تعذيبه أو إرعابه. ويظهر ذلك الأمر جليا في برامج التلفاز الرمضانية، وخاصة المصرية –لا أدري لما تتصدر مصر مجال الأمراض النفسية؟!- كما في برنامج “رامز جلال” الذي يحمل شكلا مختلفا كل عام. وأيضا برنامج “هاني رمزي” الذي يسير على خطى رامز. حقيقة الموضوع هي أن هذه البرامج تعتمد على إثارة الرعب في قلب شخص لا يدري أي شيء عما سيصيبه، والنتيجة هي أننا نقع على ظهورنا من الضحك كلما صرخ أحدهم أو أصابه انهيار عصبي. ما يحدث هو أننا نضحك على مشاعر الخوف والرعب الكامنة داخل أحدهم في موقف لا يمكن أن يحسده أحد عليه إذا كان مكانه. ربما لا نرى هذا أمرا جللا أو نضعه تحت خانة الأمراض النفسية، لكن صدقوني هذا الأمر يستحق أن يدخل قائمة الأمراض النفسية بجدارة. في الحقيقة هذه البرامج تذكرني بالعصور الرومانية التي كانوا يرمون فيها المسجونين أو العبيد أو سواهم للحيوانات المفترسة لتأكلهم في ميدان كبير يحضره آلاف الجمهور للاستمتاع بمنظر دموي كهذا! بالطبع نحن نختلف عنهم .. فنحن نشاهد الحدث من خلف شاشة تلفاز !

الكذب

هذه الظاهرة يمكن أنت نتحدث فيها كتبا مطولة. لحسن الحظ لا تتصدر مصر قائمة هذا المرض النفسي، لأن العالم بأجمعه يتبارى في التسابق على المركز الأول. الكذب يجري في عروق الدول حيث يتوغل في السياسيين والدبلوماسيين وهؤلاء الذين نسمعهم يتشدقون بكل محاسن الكلام، ثم لا نفقه عنهم أي شيء إلا عندما يقومون بفعل مشين هو التناقض التام من حديثهم. ولكن هذا كذب جلي يؤثر في شعوب بأكملها. كيف إذا بالكذب –الأبيض كما نحب أن نطلق عليه-. تلك الكذبات الصغيرة التي نلقيها لأطفالنا لنغريهم بفعل شيء ما أو الكذبة الصغيرة على أحبائنا وتحججنا باننا نحاول حمايتهم. الكذب هو أكثر الأمور وضوحا في التفاعل الشخصي لأنه لا يستلزم مجهودا لفعله، وإنما مجرد عكس الحقيقة أو تجريدها. الكذب والرغبة في الكذب واستساغة الكذب كلها أشياء تجعله مرشح قوي من أجل دخول قائمة الأمراض النفسية. فلا يمكن لأحد منا أن ينكر الآثار السلبية للكذب التي يحدثها، ورغم ذلك قد لا يتوانى أحدهم عن فعله. هل تستطيعون إيجاد الفارق بينه وبين النوعين السابقين؟ جميعهم تعدي على الآخرين وعلى احترامنا لذاتنا بطرق مختلفة.

ربما كان المقال مركزا على الأخلاق التي تنحدر في محتماتنا والأشياء البسيطة أثناء التفاعل الشخصي بيننا الذي لا نلقي له بالا. لكن، صدقا. كل هذه الأشياء هي طريق واحد يؤدي لمجتمع غير سوي ومريض. ومرضه ليس لعلة جسدية بأفراده. وإنما لعلة نفسية بهم. علينا دائما أن ننتبه جيدا لما نتلفظ به وما نصنعه بأيدينا، وعلينا أن نحرص دائما على تجنب أذية أي شخص بقول أو فعل أو حتى إيماءة.

Source: ts3a.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!