التفاهم الزوجي أحد أهم عناصر الاستقرار الأسري، فحيث أن الزواج هو من أهم المشاريع التي يسعى لتحقيقها الإنسان سواء كان رجل أو امرأة، فهذا هو الطبيعي، والطبيعة هي التي تدفع الإنسان لأن يتزوج مثلما تدفعه للأكل والشرب. ولذلك الزواج ليس مجرد عادة أو تتمة يكملها الإنسان أو الشخصين عندما يكونان قادران على الزواج بل هو أهم. فهو عبارة عن شراكة تحدث بين رجل وامرأة ينتج عن هذه الشراكة ذرية بشرية، ويجب كي تكون هذه الشراكة عميقة وناضجة أن يتوفر عنصر مهم في الزواج وهو التفاهم الزوجي. والذي لا يحدث بسهولة خصوصاً في الشهور الأولى من الزواج حيث لا يكون الرجل والمرأة معتادان تماماً على الحياة الزوجية بكل المقاييس والطباع للطرف الأخر، ولا أحد لديه الطاقة الكاملة لتجعله يتحمل مسئولية أسرة كاملة بهذه السرعة. ولذلك تجد عدم تفاهم بين الأزواج أحياناً يؤدي إلى نتائج سيئة جداً، ولكننا لن نتكلم في مقالنا على نتائج عدم التفاهم بل سنكون إيجابيين أكثر وسنعطيك كيفية التفاهم الزوجي بصورة عملية جداً وملخصة وسريعة وشاملة، حتى تستطيع عزيزي القارئ أن تتغير فعلياً بعد قراءة هذا المقال.
دليلك لتحقيق التفاهم الزوجي في علاقتك مع شريكك
التفاهم الزوجي أوله الاحترام
مصطلح الاحترام مصطلح واسع ونسبي، ومعنى كلمة نسبي أنه يختلف من شخص لأخر. وهذه حقيقة فتقاليد الاحترام عند بعض المجتمعات تختلف تماماً عند مجتمعات أخرى، ولكن ما سنوضحه لك في العموم، أن الاحترام في الزواج غالباً ليس نسبي. ببساطة لأن الزواج فعل موحد للبشرية جميعاً ولذلك عندما نتكلم عن الاحترام وعلاقته بالتفاهم الزوجي سنعطيك البدائيات التي لن نسمح لك بأن تفكر بأن هذا نسبي أم لا. بل ما سنقوله في النقط القادمة هو غالبًا صحيح بنسبة كبيرة لأنه في الأساس يخدم الإنسانية للزوجين ولا يقدم أحد عن الأخر، بل يحقق العدل والمساواة التي تجعل الزوجين راضيين وسعداء.
التفاهم الزوجي والاحترام في النقاش
الحوار والكلام هو وسيلة الاتصال الأكثر تميزاً بين كل الكائنات الحية، وسبب أن الإنسان ككائن حي هو الأكثر تطوراً، لأنه قادر على التواصل بوضوح وصراحة أكثر من أي كائن حي أخر. لذلك في العلاقات الزوجية عموماً يجب أن تكون لغة الحوار والنقاش هي الحاضرة، وليس لغة الصمت والتنحي، وليس لغة الصراخ وعدم التفاهم أو الفهم الخاطئ الغير مبرر لكل طرف. بل لو كان هناك حوار سيكون هناك جسر ولو كان هناك جسر سيكون هناك تفاهم زوجي لا محالة. ولكن هل هذا الحوار يجب أن يكون له شكل معين بالطبع نعم، فليس لأنكم متزوجون يصبح الحوار بينكم عديم الأسس وغير محترم. بمثال بسيط، لا يجب والسيدة تتحاور مع زوجها أن تقول له أنه “غبي ولا يفهم شيء” فليس معنى أنه زوجك وقريب منك فيصير الحوار بينك وبينه مبني على الإهانة. وفي المقابل لا ينبغي على الزوج أن يقول مثلاً لزوجته “أنا لا أتكلم معك لأنك غبية ولن تفهمين هذه الأمور”، فهذا ليس أسلوب حوار بل هذه إهانة.
لا تكونوا تماثيل
دائماً اجعلا الحوارات بينكم راقية، وعند وقت المزاح حاولا ألا يكون المزاح جارح. وكمثال، لا تقول لزوجتك “أن هناك من هي أجمل منها” على نحو الضحك فهذا جارح لها. لأنك لن تقبل منها قولها “هناك من هو أجمل وأكثر رجولة منك” فالأمر مُهين وستشعران أنتما الاثنان أن الأمور بينكما ليست على ما يرام، والحوار والهزل بينكم تحول لجدار عازل من التجريح. وفي المقابل لا تكونوا تماثيل ولا تتكلمون مع بعض على الإطلاق بل بالعكس تكلموا كثيراً في السياسة وفي أحوال الناس وفي الطقس وفي الوجود وفي الفلسفة، وأيضاً لو كان هناك مزاح فليكن وهذا جيد جداً ولكن حاولا أن يكون الأمر دون تجريح، فلا تجرح أنت كرجل أنوثتها ولا تجرحين أنتِ كزوجة رجولته. وهنا سيسود التفاهم الزوجي في الحوار الذي سيمكنكم فيما بعد عند حدوث المشاكل أن تتفهموا بعضكم بهدوء ورصانة، لأنكم معتادين على احترام شخصية كل واحد منكم للأخر فسيكون العتاب بمحبة والمشكلة محلولة بمجرد التكلم فيها.
التفاهم الزوجي والاحترام في التعامل أمام الآخرين
يجب على الزوجين أن يعرفان جيداً أن التعامل بتلقائية في البيت، لا يجب أن يكون أمام الناس أيضاً، فالبيت مكان خاص. ولكن أي مكان خارج البيت يكون بالنسبة للزوجين هو مكان عام، ولذلك عليكم جيداً أنتما الاثنان ألا يهين أحد الأخر حتى ولو على سبيل المزاح أمام الناس. ولا أن يذكر أحد خصوصيات البيت أمام الناس، بل فقط يجب أن يكون الظاهر أمام الناس احترام متبادل بينكم. ولا أقصد بالاحترام الوقوف كالأصنام بل الفكرة أن يكون الرجل لطيف ومتفهم وغير متسلط، وأن تكون السيدة غير متسلطة وتريد أن تعرض على السيدات الأخريات مدى حب رجلها لها فتأمره أن يأتي لها بطلب معين ليذهب ويأتي به. دائماً احترما بعضكما أمام الناس وخصوصاً فيما يتعلق بالغيرة.
التفاهم الزوجي بين الغيرة والعراك
وسأعطي مثال، لو أن الرجل لا يحب لزوجته أن تضحك بصوت عالي أمام الناس، فيجب على الزوجة أن تحترم رغبته لأن هذا يؤذيه ويشعره بالإحراج. وفي المقابل أيضاً لو أن الزوجة لا تحب أن يتركها زوجها ويتكلم مع نساء أخريات في مكان بعيد، فيجب عليك ألا تفعل ذلك وتحترم رغبتها. احترموا رغبات بعضكم البعض في مواضيع الغيرة أمام الناس حتى لا يشعر أحد أن الأخر لا يحترمه. وأهم شيء عند غضب واحد منكم من الأخر، يفضل أن تجعلوا العتاب والنقاش في البيت حتى لو اضطررتم أن تتركوا المكان. فعلاقتكم أهم كثيراً من أي شيء حتى لا تصرخوا أمام الناس بل اجعلوا خلافاتكم بينكم، لأن الإهانات أمام الناس من الممكن أن تجعلكم انتقامين في حين أن لو الأمر كان سري بينكم من الممكن أن تتخطوا الأزمة بسهولة.
التفاهم الزوجي والاحترام أمام الأطفال
يجب أن يسود الاحترام بين الزوج والزوجة أمام أطفالهم، فكيف ينمو الأطفال أصحاء نفسياً في جو غير مبني على التفاهم! وكما نعلم أن الأسرة هي أساس كل شيء في تربية الطفل، وأن الأب والأم هما الأمثلة الأكثر تأثيراً في حياة الطفل دائماً. لو كان هناك عدم تفاهم زوجي بين الأب والأم سينطبع هذا كلياً على الأطفال وسينتج أطفال عدوانين، ويميلون إلى الغضب والصراخ والعصبية المفرطة. كل هذا لأن المثال الكبير لديهم يفعل ذلك، ولذلك لزاماً على أي أسرة مكونة من أب وأم أن يتوخوا الحذر أمام أطفالهم ولا يهينوا بعضهم أمام الأطفال، لأن ذاكرة الطفل يعلق بها الكثير من الأشياء التي قد لا يتوقع الكبار أن تختزن في أدمغتهم. إن أردت أن يتكلم الطفل بصوت هادي، إذاً تكلم أنت مع والدته ومعه بصوت هادي. لو أردت طفلك أن يتناقش معك ويحبك، إذاً ناقش أنت زوجتك وسيرى الطفل ما تفعلونه ويحب أن يدخل بينكم ليشعر أنه مثلكم كبير ويفهم. وهكذا التفاهم الزوجي الذي يعطيه كل منكم للأخر سينتقل للطفل بصورة طبيعية وبسيطة جداً ليحترمكم ويتكلم معكم بنفس الطريقة التي تتكلمون أنتم بها مع بعض.
التفاهم الزوجي واحترام المسئوليات
لن يحدث تفاهم بين زوجين لو لم يحترم كل منهم مسئوليات الأخر. وكمثال حتى أبسط لك الأمر، عندما لا يقدر الرجل مسئولية المرأة في اهتمام البيت فهذه كارثة بالمعنى الحرفي، فالمرأة كل ما تحتاجه بضع كلمات ما بين الحب والاحترام والتقدير ليس إلا. فتكون الكارثة بأن يقلل الرجل من مجهود المرأة المبذول، ويقول لها، أنها لم تفعل الكثير عندما كنست ومسحت وغسلت فقط. وفي الحقيقة هذا رديء جداً عندما يحدث من الرجل، فلا يجب أبداً أن تقلل من مسئوليات الطرف الأخر. أيضاً هناك سيدات تقلل من قيمة عمل زوجها، بل وتذله بطبيعة عمله، وتقول له أنها تحتمله هو وطبيعة عمله السيئة، فهذا عدم احترام كبير لمسئولية الرجل. وهذه النقطة مهمة جداً، فعدم احترام المسئوليات ينتقل أوتوماتيكياً كأنه عدم احترام للذات، فتشعر السيدة أنها مهانة، ويشعر الرجل أن زوجته سيئة، ويحدث كسر كبير في العلاقة بينهم. ولذلك لزاماً عليكم أيها الأزواج أن يحترم كل منكم طبيعة عمل الأخر مهماً كانت بسيطة. بل والأفضل أن يشجع كل واحد منكم الأخر، فالتشجيع ليس بمال بل هو مجرد كلمات حلوة، لن تتكلف شيء سوى أنك تقول كلام حلو تعبر فيه عن ثقتك بشريكك، أعتقد أن هذا سهل.
التفاهم الزوجي واحترام القيمة الإنسانية
في الكثير من البلاد تكون المرأة أقل من الرجل في أشياء كثيرة، في العمل، وفي البيت، وفي التعامل، ولكن الحقيقة أن هذا خاطئ جداً. وعلى كل رجل أن يفهم أن المرأة بشر، كل ما تختلف فيه هو تركيبها الفسيولوجي، ليس إلا. فلو كانت نفس الشخص وتركيبها الفسيولوجي مذكر، كانت ستكون مثل الرجل في القيمة. ولذلك يجب أن تسود المشاركة والاحترام للطرفين ومن الطرفين ناحية بعض، بمعنى يجب على الرجل ألا يعامل المرأة على أنها لا تمتلك الحق في عدة أشياء، بل المرأة مثلها مثلك. وعندما تتعامل أنت معها على هذا الأساس فهي ستقدر ذلك. وفي المقابل لا يجب على المرأة أن تقلل من قيمة الرجل حتى تثبت له أنها أعلى منه فهذا سيقتل كل العواطف بين الاثنين. لذلك يجب أن يتعامل الاثنين مع بعض على أنهم أصدقاء يسود بينهم الاحترام الدائم والأبدي.
الواقعية
ننتقل في هذه النقطة في موضوعنا عن التفاهم الزوجي من الاحترام إلى نقطة أخرى مهمة جداً يجب ألا يفوتها أحد وخصوصاً الخطاب والمتزوجين حديثًا، وهي الواقعية. حيث لا يمكن أن يعيش كل زوج في أحلامه العالية وخصوصاً السيدات بعد الزوج، حيث أنها تعتبر أن الزوج هو فارس الأحلام، وأنه صباحاً ومساءً سيكون رومانسي جداً. وأن الضحك سيسود على هذه الزيجة مدى العمر، فلا توجد هناك مشاكل أبداً. طبعاً كل ما قلته لا يمت للواقعية بصلة أبدًا، فالرجل الطبيعي سيستمتع بالوقت الأول من الزواج وبعد ذلك سيضطر للرجوع إلى عمله والضغط اليومي الذي كان يعاني منه قبل الزواج. وكثيراً سيرجع إلى البيت ويكون هو المحتاج لأن يسمع كلام جيد، وغالباً يكون مستنفذ وغير قادر على العطاء العاطفي مباشرة. وهنا أحياناً تحدث المشاكل ويبدأ عدم التفاهم الزوجي بالظهور. ولكن ما نقوله هو أن على كل طرف في الزواج أن يكون واقعي، فالزوج ليس الجنة بل هو مشروع أسرة وأي مشروع يواجه عقبات ومشكلات. لذلك يجب على الطرفين أن يتفهما هذه النقطة جداً ويقدرون أن الواقع غير الخيال. الواقع مسئولية ومجهود وألم، لهم نقيض في الشعور بالذات والسعادة مع الشريك الذي تتخطى معه كل هذه الصعوبات.
عدم تدخل طرف ثالث حتى تصنع التفاهم الزوجي
هذه النقطة مهمة جداً لأنها حساسة، وتختلف من شخص لشخص، ومن شخصين لشخصين. فالتفاهم الزوجي ليس كما يعتقد البعض بحدوثه قبل الزواج خلال فترة الخطوبة، بل هو فعلياً وواقعياً يحدث بعد الزواج، حيث يرى كل واحد الأخر على حقيقته الكاملة دون رياء أو زيف أو أي صفة خادعة قد يكون استخدمها أحد الطرفين للتمويه على سلبية فيه. ولكن ما يحدث هو أن هناك أشخاص يبدئون في التدخل في الحياة الزوجية وخصوصاً الأزواج الجدد، وغالباً تكون الحموات. وهنا أي تفاهم بين الزوجين يكون ضائع، ببساطة لأن الطرف الثالث سيبث في أذن أي طرف منهم كلام ليس بحقيقي، فهما الاثنان فقط من يعرفان بعض.
وربما نصيحة الأم لابنتها في التعامل مع زوجها ستكون غير مناسبة لنوعية زوج ابنتها والعكس صحيح. وخصوصًا أن هناك اختلاف في الأجيال واختلاف في طرق التفكير. أيضاً الرجال عموماً لا يحبون أبداً فكرة تدخل أحد خارج إطار أسرته ليعرف أسرار بيته، وخصوصاً الرجل الشرقي. في حين أن المرأة الشرقية غالباً تتمتع في مشاركة أسرار بيتها مع النساء الأخريات، وهنا يكون طرف ثالث غير مباشر موجود في حياة الزوجين، وهي غالبًا صديقة الزوجة التي تنصحها في ماذا تفعل. فيكتشف الرجل مع الوقت أن زوجته تفعل ما تفعله صديقتها التي لا تناسبه نصائحها. من النهاية لا تدخلون طرف ثالث بينكم أيها الأزواج وأنتم تتناقشون وتتحاورون في حياتكم الخاصة، حتى تعرفون كيفية إدارتها بأنفسكم.
التفاهم الزوجي يحتاج إلى الصراحة
لن يحدث نضوج وتفاهم زوجي في العلاقات الزوجية بدون صراحة. فما فائدة حوار محترم وعقول واقعية، مع رجل وامرأة ليسوا صريحين مع بعض! بل هو يخبئ عنها أشياء وهي تخبئ عنه أشياء، وفي الأخير يظلم كل منهم الأخر في أنه لا يقول الحقيقة. والمشكلة الأساسية التي تحدث بسبب عدم الصراحة، هي أنه سيصير من المستحيل أن يعرف أحد الطرفين كيف يتعامل مع الأخر ببساطة لأن الأخر يخبئ عنه حقيقته. فيعيش كل منهم في عالم من الزيف، والشك، وعندما يبدأ الشك في التسرب بين الزوجين غالباً تُفقد الثقة تماماً. وتصير العلاقة مجرد علاقة ظاهرية لا يوجد فيها تفاهم ولا عواطف ولا محبة ولا أي نوع من أنواع التفاهم الزوجي من الأساس.
أيضًا الصراحة تظهر قبحك للطرف الأخر، والطرف الأخر من المفروض أنه سيقبل هذا القبح. وهذا في حد ذاته سيجعلك ممتن له، وتعرف قيمته بأنه قبلك برغم العيوب التي من الممكن أن تكون أنت نفسك لا تقبلها، وفي المقابل أنت ستقبل عيوبه. وهنا يكون الحب الحقيقي والمغير، حيث يتغير كل شخص لأجل الأخر. يصير هناك دافع وحافز نفسي تبنيه الثقة الناتجة من الصراحة.
عدم الالتفات لكلام الناس
التفاهم الزوجي لن يدوم لو كل شخص متزوج نظر لما يقوله الناس. فالأفضل لك على الإطلاق أن يكون كلام الناس بالنسبة لك غير مهم وليس له معنى. أما حياتك الزوجية فهي شيء أعظم بكثير من كلام الناس. فمثلاً إن كنت رجلاً تهتم بزوجتك وتخاف على مشاعرها، ستجد من يقولون لك أن هذا خطأ وأنك يجب أن تتعامل بجفاء أكثر من زوجتك. أو العكس مع السيدات عندما تسمع كلام زوجها في طلب معين، فتجد واحدة من صديقتها تقول لها أنها بلا شخصية ولا يجب أن تسمع كل ما يقوله زوجها حتى يحبها ويعرف أن شخصيتها قوية. كل هذه النصائح والكلام والتعليقات التي ستقال لكم أمامكم أو من خلفكم لا تهتموا أبداً بها، وثقوا فقط في أنفسكم.