غسان الطالب*

مما لا شك فيه أن اقتصاديات الدول الإسلامية، وخاصة العربية منها، وكما هي بقية اقتصاديات الدول النامية أو تلك التي هي في طريق التنمية، أكثر ما تكون بحاجة إلى مصادر تمويل قادرة على تلبية حاجات خطط التنمية الاقتصادية، فإما أن تلجأ هذه الدول إلى الاقتراض الخارجي وما يترتب عليه من أعباء وتكاليف مرتفعة تمس أحياناً سيادة هذه الدول، أو تبحث عن تعبئة مواردها المحلية والمتمثلة في مدخرات الأفراد والمجتمع ثم تعيد توظيفها في المشاريع التنموية المرجوة، وهنا يأتي دور القطاع المصرفي للقيام بهذه المهمة، من خلال وظيفته كوسيط مالي ينظم انسياب رؤوس الأموال من الوحدات الاقتصادية ذات الفائض إلى الوحدات الاقتصادية ذات العجز.
المشكلة أحياناً تكمن في شحة الموارد المحلية وعدم قدرتها على الاستجابة لحاجة الخطط التنموية من التمويل اللازم لها، ففي هذه الحالة تكمن وظيفة الجهاز المصرفي في الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة والحفاظ عليها من التشتت والضياع والتوجه إلى تقديم التمويل للمشاريع الاقتصادية التي من شأنها أن تحدث تنمية اقتصادية وتسهم في توظيف الأيدي العاملة والتقليل من حدة الفقر والبطالة من منطلق المسؤولية الوطنية، فعندما يسهم هذا القطاع في خلق بيئة اقتصادية سليمة، فإنه ومما لا شك فيه سيجد؛ أي قطاع البنوك، فرص استثمار أفضل يسعى من خلالها لزيادة حصته من الأرباح ويحقق أهدافه التي وجد من أجلها، وهنا الحديث يشمل مكونات القطاع المصرفي كافة وبشقيه الإسلامي والتقليدي، ولهذا نجد أن الجهاز المصرفي أو قطاع البنوك، إن جاز التعبير، هو المسؤول عن التقدم الاقتصادي في اليابان والعديد من الدول الأوروبية والصين والحفاظ على قطاع الإنتاج ينمو بشكل متواصل ويحافظ على المكانة الاقتصادية لهذه الدول وغيرها من الدول التي حققت تقدما ونموا اقتصاديا.
وفي الوقت نفسه، فإن هذا القطاع نفسه هو المسؤول عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي اندلعت قبل ما يقرب من العشرة أعوام وما تزال إرهاصاتها إلى يومنا هذا في العديد من دول العالم عندما تجرد هذا القطاع من المسؤولية الأخلاقية بهدف تعظيم أرباحه بشتى الوسائل، فكانت أزمة الرهن العقاري وما تلاها من انهيارات في أكبر المجموعات المصرفية في العالم وخاصة الأميركية منها، وقد عزا العديد من خبراء الاقتصاد والمال ذلك الى سلوك الجشع في جني الأرباح الطائلة من ارتفاع معدلات الفائدة وعدم قدرة المقترضين سواء الصغار منهم ممن اقترضوا لتأمين مأوى لهم وتسوية حاجاتهم الاستهلاكية أو على مستوى كبرى المجموعات الاستثمارية التي تراجع لديها الطلب ولم تعد قادرة على تسديد التزاماتها تجاه البنوك، وكانت بداية الأزمة، وهنا اتجهت الأنظار إلى الصناعة المصرفية الإسلامية، وخاصة بعد نجاحها في تجاوز آثار الأزمة المالية العالمية وما رافق ذلك من زيادة في الطلب على منتجاتها المالية، ما أوجد لديها حالة من التحدي لكسب المزيد من الحصة السوقية في الأسواق المالية العالمية وتسابق المصارف التقليدية لفتح نوافذ مالية إسلامية لديها لغرض المنافسة، ما فرض على مصارفنا الإسلامية التمسك بقوة برسالتها الأخلاقية الملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية.
وعليه، فإنها ملزمة؛ أي البنوك الإسلامية، بنهج السلوك الإسلامي، والمقصود هنا بالسلوك الالتزام بكل المعايير الأخلاقية التي وردت في الشريعة الإسلامية، وأقرها القرآن الكريم والسنة النبوية؛ مثل عدم الاحتكار واستغلال حاجيات الناس وضروريات المجتمع، ونهى عن التبذير والإسراف وعدم حجب الزكاة التي هي بمثابة الضريبة الشرعية وما شابه ذلك.

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي