التناص والتوافق التلقائي في اللوحة الخطية المعاصرة
[wpcc-script type=”2c54c9558c77d50a0669a1c9-text/javascript”]

عادة ما يطرح الأدباء والفنانون والشعراء بعض إنتاجاتهم بدون علمهم بمتشابهاتها في أمكنة أخرى، فتجد عددا من الأعمال الأدبية والشعرية والفنية في التاريخ العربي والعالمي، تتقاطع في الرؤى وفي الشكل وفي المحتوى، وهو تقاطع تلقائي عبق به التاريخ لأجلة العلم والشعر والفن.
وقد ثمن ظهور التناص نظرية الكتلة، وهو ما دعم مجموعة من الطروحات التي انبنت عليها مجموعة من المواد التي توافقت في ما بينها من حيث الشكل، أو من حيث المضمون أو من حيث هما معا. ولا شك في أن النقاد الذين تناولوا التناص أكدوا على أهمية الكتلة في تشكيلها، من متفرقات وقد تكون متشابهة. وحدث هذا في التاريخ الإنساني بكثرة. وقد تناول رولان بارت مسألة التناص، وفق رؤية موضوعية، فاعتبر اللوحة الفنية كتلة من اللوحات المستحضرة من هنا وهناك. ولا غرو في ذلك لأن عددا من الأعمال الفنية والأدبية والشعرية، قد وقع فيها التبادل أو التداخل أو التوافق أو التشابه، وهذا يدخل في نطاق انفتاح العمل الفني أو العمل الأدبي أو العمل الشعري، بما يدحض الانغلاق الذي يحد من التطور.
وأُعرج هنا إلى اللوحة الخطية المعاصرة، التي شكلت مثل هذا التناص، وهي لوحة للخطاط عبد المجيد الأعرج التازي، التي تشابهت إلى حد ما مع عمل خطي للخطاط محمد فاروق في الشكل والمضمون، وهو تناص توافق فيه بعض من الشكل، كما هو في المضمون، وهذا مدعاة لأن نربط ذلك بغيره مما حدث في التاريخ الإنساني الذي أسهم في تطور الفن والأدب والشعر. فالفكرة تلقح اختها، والعمل يلقح العمل، والقصيدة تلقح القصيدة. فيجب أن لا يكون التناص مدعاة إلى الفرقة بين الفنانين أو الخطاطين أو الأدباء والشعراء؛ خاصة أنه شكّل نقدا صريحا لدى رولان بارت، ولدى جوليا كريستيفا وغيرهما ممن تعرضوا للتناص. فمجال التطور يخضع لموازين قد ترسى على قدر معين في المادة العلمية أو الفنية. ويبقى للبعد الجمالي مكان آخر في التقييم ووضع صيغ التفاعل مع المعطيات التشكيلية، وفق التناص الذي له أهميته النقدية، وله رصيد معرفي فني، لذلك وغيره فإن العمل الفني للخطاط عبد المجيد الأعرج التازي، ينبثق من مجال خطي يبرز من الرؤى الجمالية، التي تمتح مقوماتها من النسيج الثقافي الخطي العربي. فلتصوره بعد حقيقي في تراسيمه الخطية على مستوى الشكل والمضمون، وهو يوظف تجربته في ذلك، بتحويل أبجدية الشكل بحسية وأسلوب جمالي رائق، إذ تحكم في الفضاء عبر مكونات حرفية وشكلية ولونية دقيقة؛ وتَمَثَّل المادة الخطية الثلثية برؤى جمالية، أهلت هذا العمل الخطي لأن يخرج إلى الوجود الحسي البصري بمقومات جمالية متنوعة، ما جعل المادة الخطية في سياقها الفني تتسم بقوة العلاقات التحاورية، والتعبيرية والقيم الجمالية، استهدفت البعد البصري للقارئ.

فجماليات خط الثلث نتج عنها نوع من السيولة الفنية، إن لجوء المبدع إلى استعمال خط الثلث، وتثبيت النص القرآني بتقنيات ترصد الشكل الجمالي هو في حد ذاته انفتاح من جهة، وعملية اقتطاع لصياغة عمل جديد من جهة أخرى، وهو ما رمزت إليه جوليا كريستيفا حين حديثها عن اقتطاع أجزاء من لوحة ومحاولة صياغتها في أشكال أخرى. باعتبار أن عملية التناص هي عميلة تجميع منتظم، من عدد من اللوحات السابقة في عمل فني جديد يحيل إليها، ليشكل عملا جديدا في نطاق التحولات المرتبطة بالظواهر الاجتماعية، وهو أمر ينتهي إلى إدراك الحقيقة المعرفية، التي يتوخاها المبدع من خلال العملية الفنية والجمالية. لهذا تبدى هذا العمل الذي تقاطع مع عمل آخر متسما بالجدية والإيجابية، ما جعل مجال التفاعل معه قائما.
ولكل ذلك؛ فإن مجال الخط هو مجال إبداعي، ومجال يحيل إلى التآخي، باعتبار أن جل المضامين تتسع للمجال الروحي، الذي يستمد منه الخطاطون القوة لصنع الألفة والأخوة ونشر قيم التسامح وقيم الحب والتوليف والإيثار. فما دون المعاملات السمحة في الخط وما دون التفاعلات الموضوعية فهو زائل.
٭ كاتب مغربي
