التنوع الجمالي في أعمال السعودية مناهل العبد الله الوقداني
[wpcc-script type=”b4bcfd801e364c05f76b99f9-text/javascript”]

تستند التشكيلية السعودية مناهل العبدالله الوقداني في منجزها التشكيلي على التعددية الفنية، وعلى الانتهال من المدارس التشكيلية المتنوعة، ليرقى اشتغالها إلى مستوى عال من الجودة في الأسلوب الواقعي، وفي فن البورتريه، وفي الطبيعة الصامتة. وهذا التعدد يتيح لها التنويع في الجماليات والرسم وفق تصوراتها، ووفق خاصيات تشكيلية رائقة تراعي فيها مقاسات المادة الفنية وتوزعها في المساحة حسب الحاجة، بإضفاءات جمالية أساسها اللون والشكل والموضوع.
وهو مسلك تعددي سلكته المبدعة لاعتبارات تخص موهبتها وثقافتها التشكيلية وموسوعيتها المعرفية. كما أن تجربتها الغنية قادتها لبسط رؤى تعبيرية جديدة وتصورات تشكيلية رائدة، خاصة أنها أدارت مركز المناهل للفنون التشكيلية في الطائف في المملكة العربية السعودية بكفاءة واقتدار لسنوات عديدة، ما أثرى خبرتها في المجال، وأسهم في التنوع الجمالي في أعمالها، إذ يعثر القارئ في مختلف منجزاتها التشكيلية على ألوان من الجمال وعلى سحر تشكيلي متعدد الدلالات، وعلى علامات لونية، وأشكال تعبيرية فصيحة، تتوقف على مناحي متعددة من القراءات. فأعمالها الوصفية والواقعية تنبني على إعادة الصياغة بتصورات ورؤى تعبيرية، وتشكل منها مواد رمزية وعلاماتية مثقلة بالإيحاءات والدلالات، وتعمد إلى روابط علائقية تُكثف بها التوجه الواقعي، وهذه الروابط تتمظهر منذ عملية بناء الفضاء في شكل توليفات تحتوي مختلف العناصر المكونة لأعمالها، وهي في الواقع تلجأ إلى وصف صور واضحة المعالم لتشكل من خلالها التتابعات الفنية في تحولاتها المرتبطة بالظواهر الفنية والتعبيرية، تنجزها وفق تقنياتها العالية ومهاراتها الكبيرة، فهي تمرر مختلف العمليات الإبداعية بمقاربة فصيحة بالمادة المرتبطة بالواقع الثقافي والفني، وتقاربها أيضا بالتصورات والرؤى الفنية التي تتوفر عليها، لذلك تتبدى أعمالها ذات تفاعلات إيجابية، حابلة بالمعاني والدلالات، فمحاكاتها للواقع الثقافي والفني بأشكال شخوصية أو بورتريهات تضمر في طيها مغازي ودلالات.
الرؤى الفلسفية والأشكال الواقعية المتناسقة تشكل نسيجا معرفيا ينم عن وعي المبدعة بالمادة التشكيلية، وبمجال الإبداع، وهو ما خصب هذه التجربة
وبذلك فإن مناهل تتجاوز الوصف العادي إلى إنتاج أعمال متجاوزة للجاهز ومتخطية للمألوف؛ وإنجاز تشخيص فني يهدف إلى معاني الانسجام بين التوجه المعرفي والثقافي والمجال الفني في صياغاته المتنوعة وإعداد جمالياته المختلفة. وذلك عن طريق إعادة الصياغة الوصفية للواقع، والخروج بأعمال تشكيلية معاصرة ذات جماليات متنوعة. ولا شك في أن هذا يدخل في سياق مشروعها الفني الذاتي، فهي – وإن كانت- تستقي تجربتها من مجموعة من الأساليب التشكيلية، وفق منظور خاص وبطرق متنوعة؛ فهي في الآن نفسه تُخضع المادة التشكيلية لسلطة التصور باستعمالاتها التقنية، وبعمليات التوظيف المتقنة، فتكون موفقة في الحد من التباينات داخل الأنساق اللونية في علاقاتها بالشخوصات والأشكال. وهو ما يمكنها من توطيد أسلوبها التحاوري الجميل، كما أن استخدام الأدوات التحولية، والأشكال التعبيرية وتكثيف التداخلات اللونية والأشكال، وبسط نوع من الانسجام بين هذه المواد والكتل؛ هو في طيه سعي إلى إنجاز مجال تشكيلي غزير بالمعاني والدلالات. ولا غرو أنها تبني تصوراتها على أبعاد جمالية أكثر تنوعا؛ تحمل مضامين عميقة. إن أعمالها تتواشج على نحو من الجمال الذي يرصد الواقع بطرح للسياقات الفنية التي تستنطق المشاعر وتستنطق الواقع بمتعة التصور والإيجابية التي تروق عين القارئ، خاصة أن أعمالها تتسم بالموتيفية والتنوعية، فتتحول إلى سحر فني يجعلها تحظى بالتقدير في الوسط التشكيلي محليا ودوليا، وذلك لما قدمته من تقنيات هائلة، أهّلَتها إلى مزج فلسفتها الفنية بألوان من الجمال والرقي بالمادة التشكيلية الواقعية إلى أسمى درجات الصفوة الفنية.
لقد بنت هذه التجربة التشكيلية على مسلك فني متوهج، ما جعلها تتربع على عرش الفرادة، فأعمالها تتفاعل مع مختلف الجماليات التشكيلية المعاصرة، والتعبير له فلسفة خاصة في أعمال المبدعة مناهل؛ ذلك أن الرؤى الفلسفية والأشكال الواقعية المتناسقة تشكل نسيجا معرفيا ينم عن وعي المبدعة بالمادة التشكيلية، وبمجال الإبداع، وهو ما خصب هذه التجربة، وهو كذلك ما قادها إلى تمثل طرق تعبيرية خارجة عن المعتاد، ومتجاوزة للجاهز، حيث إن كل المكونات الرئيسية التي اعتمدتها في ثقافتها التشكيلية تشكلت في مسلك فني معاصر جدير بالمتابعة النقدية الهادفة والقراءة الفاحصة.
٭ كاتب مغربي