
والكبر درجات بعضه فوق بعض، وله أحوال وظروف وأوقات، والتواضع مثل ذلك، فتكبر العالم كبيرة، وليس هو ككبر العامي وهكذا، وإن كان الكبر كبيرة في أصله، وقد يتواضع البعض أحياناً، ويتكبر في أحايين كثيرة، وقد يتواضع أحدنا مع أشخاص دون آخرين، وكم رأينا من طالب علم وعالم ومحسوب على أهل الخير يَظن في نفسه أنه من المتواضعين، وصفات الكبر طافحة فيه وهو لا يشعر، وربما تجده يتحدث عن الكبر وخطره، ويحث على التواضع، ويتذمر من حال المتكبرين، وهو أحدهم،-لا جعلنا الله منهم- وقد صَدَق من قال: (التواضع عزيز)؛ لأن التواضع صفة لا تظهر للشخص نفسه أبداً، ولكنها صفة يلحظها الآخرون، ولذلك لا تفرح كثيراً، وتَظن من نفسك التواضع، فقد يكون من الناس من وجد فيك بعض أمارات الكبر والعجب، فلا تمدح نفسك بالتواضع فتغفل عن صفة الكبر التي قد تكون فيك وأنت لم تشعر، وتقع بعدها بمصيبتين مصيبة الإعجاب بالنفس، ومصيبة الكبر معاً، ولكن فتش عن صفة الكبر في نفسك، ولاحقها، واعتبرها كالجرثومة في القلب، وجاهد النفس، وطار الكبر بمبيدات التواضع، ولعلك تسلم.
والتواضع ليس فقط بين الأقران فذلك واجب عليك، ولا فضل لك، ولو تكبرت على قرينك فأنت الخاسر في الدنيا قبل الآخرة، وليس التبسط لمن هو أكبر منك سناً أو قدراً أو علماً أو جاهاً يعد تواضعاً، فذلك ركن أنت مقهور عليه برغم الأنف، ولو تكبرت على الكبار فأنت منبوذ من الجميع، ولكن حقيقة التواضع أن تتواضع لمن هو دونك في العلم أو القدر أو السن أو الجاه، فتعطف على الصغير، وتقف للمسكين وتقضي حاجته، وتعلم الجاهل برفق، وتساعد المحتاج، وتواسي المريض الذي لا يجد من يواسيه، وتجيب سؤال السائل، وتعتذر لمن هو دونك عند الخطأ، وتقبل النصيحة والعلم ممن هو أقل منك علماً، وتتواضع لتلميذك…، وذلك خلق الأنبياء والمرسلين، والصديقين والصالحين، فإن فعلت ذلك كله بلا تردد فأنت منهم، وإلا فعاود وفتش عن نفسك، والله المستعان.