تغريد السعايدة

عمان- بعد ظهور حالتي إصابة بفيروس كورونا في مكان العمل، تسلل الخوف والقلق لنفس الموظفة سارة من انتقال العدوى لها ولعائلتها فيما بعد، فحرصت منذ بداية الجائحة على ألا تكون ضمن صفوف المصابين، ما جعلها تشعر في لحظات بأن كل الأعراض التي سمعت عنها باتت تظهر على جسدها.
سارة، كما تقول، شعرت بحرارة مرتفعة في جسمها، تعب عام وإرهاق، وتؤكد أنها فقدت حاسة الشم بشكل كامل، ولم تعد قادرة على استشاق الروائح المختلفة، عدا عن وجود صداع شديد في رأسها، ما جعل جميع من حولها يعتقدون بالفعل أن العدوى انتقلت إليها وأصيبت بالمرض.
توجهت سارة إلى أحد مراكز الفحص المخصصة للتأكد من إصابتها بالفيروس، لتبين النتيجة ولمرتين متتاليتين أنها غير مصابة بالفيروس، لتؤكد بعد ذلك أن حاسة الشم لديها عادت باللحظة ذاتها، ولم يعد هنالك أثر لصداع أو حرارة مرتفعة كما كانت تشعر، على حد تعبيرها.
هذه الحالة التي عانت منها سارة عبارة عن إحساس بالأعراض الفعلية التي تحدث عنها المقربون منها ممن أصيبوا فعلياً بعدوى كورونا، فلديها حالة من الخوف الشديد من أن تصاب بالمرض، وأصبحت تستشعر ما يتحدثون عنه من أعراض بارزة، ولكنها في الواقع لم تصب به، ولكن الهوس والخوف الشديدين دفعاها لاستشعار المرض.
خلال جائحة كورونا، ومع ازدياد أعداد المصابين بالمرض في الأردن، أصبح هناك شعور دائم بالقلق من إمكانية الإصابة في أي وقت، خاصة وأن الحياة اليومية تسير كالمعتاد، فالقلق يزداد من الاختلاط في العمل أو محيط الأسرة، على الرغم من وجود إجراءات احترازية بشكل عام، بيد أن وجود حالة مرضية “مخفية” أو ظاهرة يجعل الفرد دائم القلق، بانتظار المجهول من وقوع الإصابة بالمرض.
دراسة حديثة تم نشرها في شهر نيسان (إبريل) الماضي، بينت أن “هذا النوع من الاضطراب النفسي يؤثر عادة على المقربين من الشخص المصاب أو المريض بأي مرضٍ كان، وليس فقط كورونا؛ حيث بينت الإحداثيات أن أفراد الأسرة يميلون إلى المعاناة منه، والذي قد يشير إلى وجود أسر ضعيفة بشكل خاص، وأكثر عرضة للتفسير السلبي لعلامات المرض”.
حالة مشابهة لما حدث لسارة، وهو ما شعر به إياد أحمد، الذي قام بإعادة الفحص أكثر من ثلاث مرات للتأكد من أنه لم يُصب بفيروس كورونا، بعد أن أصيب كل من والده وإخوته الآخرين، ولكنه لم يصب؛ كونه عزل نفسه عنهم منذ بداية الأعراض، وأيضا والدته وباقي أفراد الأسرة، ولكن ما يحيره هو أنه بات يعاني من أعراض مشابهة لما يتحدث بها إخوته ووالده.
“والدتي لم تشعر بشيء ولكن أنا أعاني من الحرارة العالية وعدم مقدرتي على تمييز الروائح بشكل جيد عدا عن الإرهاق العام”، هكذا وصف عياد حالته الصحية، التي أثبتت الفحوصات المخبرية بأنه لا يعاني أبداً من الإصابة بـ”كوفيد 19″، ما يجعله يشعر بقلق دائم وتخوف من الاقتراب من والده وإخوته لفترة طويلة حتى بعد شفائهم من المرض، ومرور مدة كافية ليكونوا أصحاء ولا ينقلون العدوى للآخرين.
اختصاصي الطب النفسي الدكتور علاء الفروخ، يرى أن التوهم بالأعراض المرضية هو أمر موجود لدى عدد من الناس وليس ظاهرة عامة، وخاصة في ظل هذه الظروف التي يعاني فيها العالم أجمع من انتشار وباء “كورونا” الذي أصاب عددا كبيرا من المجتمعات، وبأعداد كبيرة ومنها الأردن، بيد أنه لا يمكن القول إنها أمر موجود لدى نسبة كبيرة من الأشخاص، بل هي أعراض نفسية تظهر على بعضهم ممن يعانون بالأساس من خوف وتوتر من الإصابة بالمرض، وخصوصاً في حال كانت هناك إصابات مقربة من الشخص كأحد أفراد الأسرة أو الأصدقاء وزملاء العمل.
ويوضح الفروخ أن هذا المرض “التوهمي” هو إسقاط نفسي يشعر به الإنسان، ولكن بشكل “لا وعي منه”، وعلى الطبيب أو المتخصص النفسي ألا يقرر وصف المريض بهذا المرض، إلا بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة التي تؤكد إصابة الشخص بالمرض أو عدم إصابته، ليتم بعد ذلك تشخيص الحالة، والإقرار فيما إذا كانت وهمية أم حقيقية.
بعد ذلك، يشير الفروخ إلى أن الفحوصات المخبرية يمكن أن تكون بداية العلاج للمريض، وطمأنته بأنه لا يعاني من أي مرض، وفي عدد كبير من الحالات تزول الأعراض الوهمية للمريض بعد الاطمئنان على حالته الصحية، والتخلص من الأوهام المرضية، وهو أمر موجود ومتعارف عليه.
هذه الحالة قد تنتشر في هذه الفترة بسبب وجود عدوى فيروس كورونا، بحسب الفروخ، ووجود أشخاص في محيط الجميع قد يكونون مصابين أو منهم من وصل إلى مرحلة متقدمة من المرض، أو حدوث حالات وفاة فعلية جراء مضاعفة آثار المرض على المريض.
وأكد الفروخ أن بعض الحالات يتبقى الخوف والهاجس الكبير بالإصابة لدى الشخص واضحة، ويجب على الشخص أن يراجع الطبيب النفسي في محاولة لعلاج هذا المرض التوهمي، الذي يستدعي تدخلا علاجيا نفسيا، ليتم التخلص من تلك الأعراض؛ إذ قد يعاني بعضهم من تزايد حالات التوهم التي قد تزداد خطورة على الوضع الصحي النفسي والجسدي فيما بعد، في الوقت الذي يؤكد فيه الفروخ أن الوضع الصحي العام يظهر حاجة الكثيرين إلى الدعم النفسي والعلاج في مرحلة ما بعد كورونا، لوجود آثار نفسية واضحة على الجميع.