الثورة السورية الكبرى.. يوم الخلاص من المُستعمِر الفرنسي

تأريخ لثورة السوريين الكبرى في معركة خلاصهم من المستعمر الفرنسي عام 1925.

“إلى السلاح أيها السوريون، يا أحفاد العرب الأمجاد. هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم. هذا يوم انتباه الأمم والشعوب، فلننهض من رقادنا ولنُبدّد ظلام التحكم الأجنبي من سماء بلادنا. لقد مضت علينا عشرات السنين ونحن نجاهد في سبيل الحرية والاستقلال، فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم، ولا يضيع حق وراءه مطالب.

أيها العرب السوريون، تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي، لقد نهب المستعمرون أموالنا واستأثروا بمنافع بلادنا، وأقاموا الحواجز الضارّة بين وطننا الواحد، وقسّمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير وحرية السفر حتى في بلادنا وأقاليمنا”.

هذا بيان القائد العام للثورة السورية الكبرى “سلطان باشا الأطرش”، الذي يُلخّص فيه أهداف الثورة وأسباب اندلاعها ضدّ المستعمر الفرنسي عام 1925[1].

بيان القائد العام للثورة السورية الكبرى “سلطان باشا الأطرش”، حيث يُلخّص فيه أهداف الثورة وأسباب اندلاعها ضدّ المستعمر الفرنسي

 

رصاصات في جسد الجنرال “غورو”.. الشرارة الأولى للثورة

ينهمر وابل من الرصاص على إحدى المنعطفات بين قرية سعسع ومدينة القنيطرة بجنوب غرب سوريا، ويستهدف سيارة يجلس فيها المندوب السامي الفرنسي على سوريا ولبنان الجنرال “غورو”، ومرافقه وحاكم دمشق “حقي العظم”.

يختبئ الجنرال غورو تحت المقعد سامعاً أزيز الرصاص فوق رأسه، لكنه نجا منه وأصيب بجراح بسيطة فقط رغم تلقّيه ثلاث رصاصات، غير أن مرافقه أصابته رصاصات عدّة أردته قتيلاً، كما أن “حقي العظم” جُرح جراحاً عدّة أيضاً.

قبل ساعات قليلة من هذه الحادثة كانت مجموعة من الرجال تنبطح على التلة المشرفة على المنعطف، فقد بلغتهم أنباء عن نية حاكم سوريا العسكري زيارة القنيطرة سائحا، وبينما كانوا ينتظرون مرّت دورية من رجال الدرك لتأمين الطريق، فانقضّ عليها الرجال بقيادة أحمد مريود، وجرّدوا عناصرها من أسلحتهم وخيولهم وملابسهم، وتنكروا بها لتنفيذ المهمة[2].

بعدما أخفقت محاولة اغتيال الجنرال غورو في 23 يونيو/حزيران 1921، كان من بين عناصر تلك المجموعة أدهم خنجر ذو الأصول اللبنانية، الذي فرّ إلى شرق الأردن بعدما شكّل عصابات حاربت الفرنسيين مدة من الزمن، مُتبعةً أسلوباً خاطفاً أقلق الفرنسيين وخلخل قواتهم.

من شرق الأردن أراد خنجر استمرار نضاله ضد الفرنسيين، فقرّر نسف محطة توليد كهرباء دمشق، لكنه ما لبث أن عدل عن خطته لعلمهم بذلك، فأُحبط مخططه وغيّر طريقه، ولم يُكمل سيره نحو دمشق، بل اتجه نحو جبل العرب (جبل الدروز).

أدهم خنجر الذي جاء ضيفا إلى مقرّ سلطان باشا الأطرش فاعتقله الفرنسيون، واعتبر الأطرش ذلك إهانة وذنبا لا يُغتفر

أدهم خنجر.. اعتقال الضيف ذنب لا يُغتفر

لمّا صار أدهم خنجر قريباً من القريّا (مقر سلطان باشا الأطرش)، قرّر دخولها والتعرف إليه (وقيل لطلب الحماية والمساعدة)، لكن نقطة عسكرية أدركته وألقت القبض عليه أمام دار سلطان، فتعرف إليه أحد عناصرها وساقوه إلى السويداء.

كان سلطان باشا الأطرش خارج القريّا حين علم بالأمر، فأحس بالإهانة وعدّ ذلك خرقاً للعادات والتقاليد، فاعتقال ضيف يقصده أمام بيته ذنب لا يُغتفر، وذُل لا يُسكت عنه، لذلك أرسل أخاه يفاوض الفرنسيين لإطلاق سراح خنجر، لكن المستشار الفرنسي رأى في طلبات سلطان بعض التهويل، وأن الأمر مُبالغ فيه وأن من حقه اعتقاله، ولم يُصغِ إلى تلك المطالب.

قدّم سلطان باشا (اللقب الذي حازه من الشريف حسين إبان مشاركته في الثورة العربية الكبرى) كفالته في القضية، وأن يطلق أدهم خنجر بضمانته، وأرسل رسالتين إلى الجنرال غورو في بيروت، كما قدّم بعض رجال الدين وساطاتهم، لكن كان ذلك كله دون جدوى، فلم يستجب الفرنسيون لهذه النداءات، لذلك قرّر سلطان باشا المواجهة متمركزا في قرية الثعلة (غرب محافظة السويداء) لقطع الطريق التي سينقل الفرنسيون السجين منها.

في الـ21 من يوليو/ تموز 1922 كانت ثلاث سيارات مصفحة تسير قادمة من درعا لنقل السجين أدهم خنجر، فترصدها سلطان باشا مع رفاقه الخمسة عشر، فقطعوا طريق درعا/السويداء وحطموا إحدى السيارات وأسروا الثانية وتراجعت الثالثة عائدة إلى درعا.

جُنّ جنون غورو لهذه الحادثة، وأمر بتأديب سلطان باشا الأطرش وجماعته، فضربت الطائرات قرية سلطان وهدمت بيته، وسقط ضحايا من النساء والأطفال، وصادر الفرنسيون الغلال والماشية وأحرقوا المحاصيل، وفرضوا غرامات باهظة على الأهالي.

خريطة توضح الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان عام 1922، وكيف تظهر دولة جبل الدروز مُنفصلة عن الوطن الأم سوريا

دولة جبل الدروز.. مسلسل الانتقام الفرنسي

أصدرت السلطات الفرنسية أمراً بالقبض على سلطان باشا الأطرش الذي فرّ من قريته، وظل تقريباً عشرة أشهر طريداً يتنقل بين القرى ويقاوم الفرنسيين ويحاربهم وينتصر عليهم في أحيان كثيرة، فبدا بطلاً ومنقذاً لشرف أهل الجبل الذي أهانه الفرنسيون، يوحّد الأهالي ويلتفون حوله، حتى تدخلت وساطات لدى الفرنسيين للعفو عنه، فعاد إلى السويداء مُكرِساً صورته كبطل وزعيم شعبي[3].

في السادس عشر من مارس/آذار 1922 أصدر الجنرال “غورو” قراراً بإنشاء دولة جبل الدروز وفصله عن الوطن الأم سوريا، فازدادت نقمة أهل الجبل وسخطهم على الأوضاع المتوترة أصلاً، وتصاعد حنق الأهالي وغضبهم بعدما عين الجنرال “كاربييه” نفسه حاكماً عسكرياً على الجبل في الخامس عشر من سبتمبر/أيلول 1923، وذلك بعد وفاة الحاكم المحلي سليم الأطرش.

انتهج الجنرال “كاربييه” سياسة تعتمد على القمع والبطش بسكان الجبل، ففرض الضرائب الباهظة، وحاول التدخل في شؤونهم الدينية وتحطيم الزعامات التقليدية، وقيّد حرية التنقل بتراخيص شخصية منه، وأجبرهم على الخروج لاستقبال القيادات الفرنسية التي تصل إلى الجبل، وسخّر الناس في شقّ الطرق وتكسير الحجارة لتعبيدها.

ذو الوعد المشؤوم.. “بلفور” في ملعب الجماهير الغاضبة

غير بعيد عن الجبل كان أهل دمشق يستشيطون غيظاً، وذلك عندما علموا بزيارة “اللورد بلفور” صاحب الوعد المشؤوم إلى دمشق في بدايات عام 1925، بنصيحة من الجنرال الفرنسي “ساراي”، الذي عُيّن مندوباً سامياً على لبنان وسوريا في الـ29 من نوفمبر/تشرين الثاني 1924، ووصل إلى بيروت مقر حكمه في الثاني من يناير/كانون الثاني 1925.

هاج الشعب وأضرب واحتجّ في الشوارع مستنكراً الزيارة والوعد المشؤوم، وتجمهر الناس أمام محطة الحجاز (المحطة المقررة لنزوله)، لكن الفرنسيين عندما أدركوا تفاقم الأمور أنزلوه في محطة أخرى، ونقلوه سراً إلى فندق فكتوريا. غير أن الجماهير الغاضبة علمت بذلك، فتوجهت نحو الفندق تصيح للحرية والاستقلال وبسقوط بلفور، فوقعت اشتباكات مع قوى الأمن الفرنسية وسقط عدد من الجرحى.

وفي اليوم التالي استمرت المظاهرات والإضرابات، وحدث صدام مع قوى الأمن مرة أخرى، فسقط عدد من القتلى والجرحى، وحينها خشيت السلطات الفرنسية توتر الأمور أكثر، فطلبت من بلفور المغادرة، وأرسلته سراً إلى طريق بيروت، ليكمل طريقه إلى العاصمة اللبنانية.

مظالم “كاربييه”.. الطريق إلى تدمر

نتيجة ممارسات “كاربييه” القمعية المتلاحقة اقتنع الأهالي بضرورة الثورة على الفرنسيين والاتصال بالعناصر الوطنية خارج الجبل لتكون ثورة شاملة، لكنهم جرّبوا أولاً الاتصال بالحاكم العسكري “ساراي” لعزل “كاربييه”، فأوفد الأهالي وفداً إليه في بيروت للتوسّط لديه وعزل كاربييه، لكن ساراي رفض مقابلة الوفد وطرده، وهدّد بنفي أعضائه إلى تدمر في البادية السورية، فعقد شباب السويداء اجتماعات سرية لتنظيم الثورة والاتصال مع القوى الأخرى.

عادت المظاهرات والاحتجاجات، فرضخ “ساراي” لها، وطلب من أهالي الجبل إرسال عريضة لمعرفة مطالبهم، فكتبوا فيها مظالم “كاربييه” من 35 بنداً، لكن “ساراي” أهملها وتجاهل مطالبها، ودعا اثنين من الوجهاء هما حمد الأطرش ونسيب الأطرش، فاعتقلهما وأرسلهما إلى تدمر، وقبض على قادة آخرين وأرسلهم إلى الحسكة في أقصى شمال شرق سوريا[4].

 

معركتا الكفر والمزرعة.. في الجماهير تكمن المعجزات

اشتدّ غضب الأهالي واستعدوا للثورة في الـ17 يوليو/تموز 1925، بينما كان الفرنسيون يُحركون حملة نحو قرية الكَفَر (12 كيلومتراً جنوب شرق مدينة السويداء) بقيادة الكابتن “نورمان” تحسباً لأي طارئ.

أرسل سلطان باشا الأطرش مبعوثين إلى “نورمان” طالباً منه المغادرة، ولمّا رفض هاجمه الثوّار، فقضوا على الحملة ومزقوها شرّ مُمزق، فهرب الجنود الفارّون إلى قلعة السويداء مُتحصنين فيها، فحاصرهم الثوار.

حرّك الفرنسيون حملة مُدججة بالعتاد والجنود بقيادة الجنرال “ميشو” لفك الحصار عن القلعة، فوقعت معركتان في قرية المزرعة؛ الأولى في الـ31 من يوليو/تموز، والثانية في الثاني من أغسطس/آب 1925، وكان الانتصار فيهما للثوار أشبه بمعجزة، إذ إن أقل من ألف مقاتل حطّموا جيشاً نظامياً مؤلفاً من أكثر من ستة آلاف جندي، وبلغت خسائره مئات الجنود (تختلف الأرقام من رواية لأخرى)، كما استولى الثوّار على عشرة مدافع وأربعين رشاشاً ومئتي بندقية ومئة جمل، و25 ألف قذيفة ومليون طلقة[5].

سلطان باشا قائداً عاماً للثورة

وصلت أخبار المعارك إلى دمشق، فاستنفرت القوى الوطنية متهيئة للمشاركة في الثورة نتيجة الاتصالات السابقة، وأرسلت وفداً إلى الجبل قرّر متابعة الثورة وتعيين سلطان باشا الأطرش قائداً عاماً لها[6].

تنقل سلطان باشا الأطرش بين القرى للاطلاع على التجهيزات، وبثّ العيون للتجسس على الفرنسيين واستعداداتهم، وكان الفرنسيون قد تمركزوا في قرية المسيفرة بجنوب محافظة درعا، فقرّر الهجوم على هذا المعسكر عبر قرية كناكر القريبة منها.

عند منتصف الليل بدأ الثوار بالتحرك بحذر شديد، وعندما بلغوا تحصينات العدو، أُضيئت السماء بالأضواء الكاشفة وقذائف الفرنسيين، فقد باغتوهم بنيران أسلحتهم، عندئذ ارتبكت صفوف المهاجمين، لكنهم تمكنوا من اختراق خطوط العدو، وما لبثوا أن أجبرهم الفرنسيون على التراجع تحت ضغط النيران والطيران الحربي[7].

 

حماة والغوطة.. تمدد نيران الثورة

بعد معركة المسيفرة توجّه عدد من وجهاء حماة والكابتن فوزي القاوقجي إلى سلطان باشا الأطرش، طالبين منه أن يُرسل قوتين إلى غوطة دمشق والقريتين جنوب شرق محافظة حمص، متعهدين أن يشتركوا معه في إشعال الثورة في حماة، وأن يقدموا لها الدعم والمساندة، حيث حدثت مواجهات عديدة وهاجم الثوار تحصينات الفرنسيين.

كما ظهر الثوار في الغوطة بقيادة حسن الخرّاط، فهاجم الفرنسيون زور المليحة في ريف دمشق، لكنهم هُزموا أمام الثوار وتكبدوا خسائر جسيمة، فهاجموا المليحة وجرمانا، وأطلقوا النار عشوائياً، حتى قتلوا عدداً من الضحايا المدنيين الأبرياء الذين لم يشتركوا في المعركة.

ثورة دمشق.. ثلاثة أيام من القصف العنيف

بدأ الثوار يحشدون لاقتحام دمشق وتقسّموا فرقاً، واتفقوا على دخول كل فرقة من موقع مُحدّد ليحكموا الطوق جيدا، وفي هذه الأثناء علموا بوجود “ساراي” في قصر العظم، فهاجمه الثوار ووقعت معركة حامية احترق على إثرها القصر، وهرب الجنرال “ساراي” إلى مقر قيادة الأركان، وتشاور مع القيادة التي قررت دكّ دمشق بالمدافع، وقد دام ذلك ثلاثة أيام وهدم على إثره العديد من شوارع المدينة وبيوتها الأثرية، حتى استسلمت المدينة صباح العشرين من أغسطس/آب 1925 نتيجة القصف العنيف، مُجبرة على قبول الغرامات الباهظة التي فرضها المفوض السامي.

إثر هذا القصف العنيف عيّن الفرنسيون الكونت “هنري دي جوفينيل” مفوضاً سامياً على سوريا ولبنان، وقد دعم إرسال وفد من دمشق إلى سلطان باشا الأطرش، لينقل مفاوضات بينه وبين الفرنسيين، فغادر الوفد دمشق في الـ17 من ديسمبر/ كانون الأول 1925 لعقد المفاوضات، لكن القائد العام للثورة تمسّك بمطالبها من تعويض المنكوبين، وإعلان عفو عام وعقد معاهدة مع الفرنسيين[8].

انسحب الثوار من دمشق خوفاً عليها من التدمير إلى جبل القلمون، حيث تابعوا الثورة. ومن النبك قرّرت قيادة الثورة توجيه حملة إلى حمص وحماة، وحين بلغت الحملة مدينة القصير على الحدود السورية اللبنانية؛ نسفوا الخط الحديدي وبعض الجسور لمنع إمداد القوات الفرنسية، فأعدّ الفرنسيون حملة كبيرة للقضاء عليهم، فنشبت معركة هُزم فيها الثوار في الخامس من يناير/كانون الثاني 1926 وقفلوا عائدين إلى النبك.

تحقيق الوحدة.. حكومة تتوكأ على الثورة

عاد الثوّار في الغوطة للنهوض مُجدداً لكون الفرنسيين كانوا منشغلين بقمع الثورة في مناطق أخرى، فبرز محمد الأشمر الذي وحّد الجهود بعد انقسام بين بعض صفوف الثوار، وعقدوا اجتماعاً للتباحث في حيثيات الثورة، فبدأ نشاط جماعات مقاتلة في أحياء المدينة دعماً لثوار الغوطة، لكن الفرنسيين تمكنوا من السيطرة على الوضع الأمني، واعتقلوا عدداً من الشخصيات الدمشقية[9].

استمرت فرنسا في وأد الثورة، وضيّقت على الثوار في الجبل، كما بدأت بقصفهم قصفاً شديداً في الـ25 من أبريل/نيسان 1926، فتراجعوا أمام تلك الضربات، ولجأ سلطان باشا إلى منطقة الأزرق[10] على الحدود مع شرق الأردن.

تشكلت حكومة في دمشق لاستطلاع آراء رجال سوريا البارزين للوصل إلى حلّ برئاسة الداماد أحمد نامي بك، وقد وضعت تلك الحكومة برنامج عمل يُحقق بعض مطالب الشعب من تحقيق الوحدة السورية، وإعلان عفو وتأليف جيش وطني وإلغاء الغرامات وغيرها، فسافر “دي جوفنيل” إلى باريس في يوليو/تموز 1926 لعرض المطالب على حكومته، لكنها رأت فيها انتقاصاً من حقوق فرنسا في سوريا.

صورة جماعية فريدة لقادة الثورة السورية الكبرى والمنشورة في إحدى الصحف

انتصار ساحق للوطنيين.. الدستور الجديد

طلبت الحكومة الفرنسية من “دي جوفنيل” التراجع عن مطالب الشعب التي جاء لعرضها عليها، لكنه آثر الاستقالة فعيّنت بدلاً منه “هنري بونسو” الذي وصل إلى البلاد في الـ13 من أكتوبر/تشرين الأول 1926، وتشكلت حكومة جديدة برئاسة أحمد نامي بك مرة أخرى، لكنها أكدت تنفيذ المطالب السابقة[11].

تردّد “بونسو” في تنفيذ مطالب الحكومة الجديدة فاستقالت الوزارة، وطلب منها إرجاء الاستقالة لحين نهاية المفاوضات، لكنه نسف تلك المفاوضات والاتفاقات جميعها بتأليف حكومة برئاسة تاج الدين الحسني في الـ16 من فبراير/شباط 1928، وقد اشترط على الفرنسيين إجراء انتخابات حُرّة لإنشاء جمعية تأسيسية تضع دستوراً للبلاد.

في العاشر من أبريل/نيسان 1928 جرت الانتخابات وفاز الوطنيون فوزاً ساحقاً، وتشكل دستور ينصّ على أن حدود سوريا هي حدود اتفاقية “سايكس بيكو”، وأن نظام الحكم جمهوري، كما أكد حرية الأديان[12]، فكان هذا الدستور ثمرة الثورة السورية الكبرى الذي ناضل السوريون من أجله وبذلوا دماً غالياً.

وصول الجنرال ساراي الى اللاذقية في الثلاثين من أبريل/ نيسان 1925

وحدة الصفوف.. حصاد الثورة المشرقة

مع إقرار الدستور السوري تنتهي مرحلة من مراحل الثورة ضد الفرنسيين التي كانت أكثرها إشراقاً، فقد وحّد السوريون صفوفهم بمختلف انتماءاتهم للوقوف في وجه المستعمِر، بعدما قدّموا شهداء ينتمون إلى الأراضي السورية كلها بعدد بلغ تقريباً عشرة آلاف، منهم ستة آلاف في أحداث الثورة السورية الكبرى، وهناك تقديرات عن أعداد الذين ماتوا أو قتلوا بسبب الثورة، أو بسبب أعمال الحريق والتدمير، وتبلغ بين صفوف النساء والأطفال والشيوخ والرجال حوالي 15 ألفاً، يُضاف إليهم مثلهم استشهدوا في الحروب والمعارك التي دارت مع الجيش الفرنسي (تختلف الأرقام من مصدر إلى آخر)[13].

كما أن الجنرال “ساراي” نفسه يعترف بأنه خلال عام 1922 فقط وفي سوريا وحدها، قامت 35 ثورة دُفن فيها 5 آلاف جندي فرنسي، وعن خسائرهم أثناء الثورة السورية الكبرى يقول إنها بلغت ألفي جندي وضابط في منطقة جبل العرب، وألف جندي وضابط في منطقة دمشق والغوطتين، و1500 جندي وضابط في المناطق الأخرى ومنها المنطقة الوسطى والقلمون والجولان ووادي التيم وحوران).

عادت فرنسا إلى نكث عهودها ومواثيقها، ولم تنفذ دستور 1928 بحجة اعتراضها على بعض مواده، مما أدى إلى تعطيله وعودة التوتر إلى الأراضي السورية، فنشط الحراك السياسي هذه المرة للمطالبة بالحرية والاستقلال الذي تحقق أخيراً في الـ17 من أبريل/نيسان 1946.

 

[1] للاطلاع على البيان كاملاً راجع الصورة المرفقة أو الرابط: https://bit.ly/361pG5g
[2] نبيل صالح (تحرير)، رواية اسمها سورية، ج 1، ط 2، ص 345. راجع الرابط: https://bit.ly/36Z3Ctz
[3] سلامة عبيد، الثورة السورية الكبرى 1925-1927 على ضوء وثائق لم تنشر، ص 84-85.
[4] هاشم عثمان، تاريخ سوريا الحديث (بيروت: رياض الريس للكتب والنشر، 2012)، ص 66-70.
[5] راجع الرابط: https://bit.ly/2QW8euJ، صالح، ص 471.
[6] عثمان، ص 70-71.
[7] لتفاصيل المعركة راجع الرابط: https://bit.ly/38hkrQt
[8] عثمان، ص 73-75، 80.
[9] المرجع نفسه، ص 76-77-78.
[10] راجع الرابط: https://bit.ly/2v3mmtM
[11] عثمان، ص 81-83، 85.
[12] المرجع نفسه، ص 86-87-88.
[13] راجع الرابط: https://bit.ly/3amzM47

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *