الجمال والبيان في منجز المغربي حميد الخربوشي

■ تشكل عملية إنجاز الفضاء الخطي في تجربة الخطاط حميد الخربوشي ـ مهندس المجوهر الجليل – حلقة جمالية ذات خصوصيات مجوهرية مغربية، وذلك لخضوعه لتأطير هندسي محكم، يأخذ بعين الاعتبار الأسس الفنية والجمالية للعمل الخطي. فالمبدع يشتغل وفق منظور مترامي الأبعاد، كي يحرك سكونية الفضاء بنصوص متحركة محكمة بنسقية متوالية من التعبيرات المفعمة بمجموعة من […]

الجمال والبيان في منجز المغربي حميد الخربوشي

[wpcc-script type=”621ee0010ac6d47eb62aae5a-text/javascript”]

■ تشكل عملية إنجاز الفضاء الخطي في تجربة الخطاط حميد الخربوشي ـ مهندس المجوهر الجليل – حلقة جمالية ذات خصوصيات مجوهرية مغربية، وذلك لخضوعه لتأطير هندسي محكم، يأخذ بعين الاعتبار الأسس الفنية والجمالية للعمل الخطي. فالمبدع يشتغل وفق منظور مترامي الأبعاد، كي يحرك سكونية الفضاء بنصوص متحركة محكمة بنسقية متوالية من التعبيرات المفعمة بمجموعة من الدلالات الهندسية، والأنساق التركيبية المختلفة، التي يتم استجلاؤها وفق مسلك سيميوطيقي، وهي في عمقها تشكل مواد جمالية دالة على أوصاف غير متناهية، فصناعة المنجز الخطي من ترسيمات هندسية وأشكال خطية مركبة تضع المادة الفنية كليا في نطاق حروفي مغربي متحول، جمالا وبيانا، بتنويع لوني وشكلي؛ وبتوزيع منضبط داخل المساحة، ما يترك للفراغ مساحات كبيرة لاختزال المادة التعبيرية، فيلجأ المبدع إلى استغلال البؤر اللونية بتمظهرات متباينة ذات جماليات تتوازى مع جماليات الخط، وهو أداء تتبدى فيه التجربة الرائدة للمبدع؛ ويقرن العملية الإبداعية بالبناء على ملمس متحرك يتسم بنبضات تحولية، وموتيفات متوالية أكثر خصوصية، وذلك لمّا يعرج بالشكل في اتجاهات متنوعة، أو يختزل الحروف داخل المنجز اللوني.


وهو ما ينتج عنه التنوع في الشكل وفي المادة الخطية، ليمسي جوهر الجمال لديه مادة غنية بكل ما يلتصق بها من مفردات فنية، تدعم بشكل مباشر العمليات الإبداعية المعاصرة. ولا شك في أن التقنيات العالية التي يستعملها المبدع تلعب دورا مركزيا في التحويل الهندسي إلى بؤر فنية تخترق الفضاء بطرق ممنهجة، وبانطباع ذاتي، ووفق خطاب حسي، ومن منطلق ابستمولوجي. فتتجسد بذلك سحرية الخط المغربي المجوهر الجليل في عملية التثبيت المحكم والمنظم داخل الفضاء، باحترام دقيق لضوابطه؛ وباعتماد صرف لمختلف عمليات اختزال الحروف أحيانا، واختزال المساحات أحيانا أخرى، وإشراك اللون في دعم العمليات الإبداعية. وهو ما يحيل إلى أن هندسة المبدع مرتبطة بالمسار التطوري للخط المغربي ومقترنة بالتوظيف الجمالي المتنوع للألوان والأشكال.
ويتبدى أن هذا التأطير الرائد يأتي في سياق الخبرة الفنية للمبدع التي تروم التجليل في الخط المغربي المجوهر بأسلوب معاصر، ووفق مسالك فنية تجمع بين الحرف واللون والمساحة، في نطاق مشروع فني جمالي يتغيى الالتزام بالضوابط الخطية للمجوهر الجليل من جهة، ويروم حرية الحروف في الفضاء بما تشكله هذه الأخيرة من اختزالات وإخفاءات وتستر في الألوان من جهة ثانية، وهي عملية صعبة تلقي بسحرها الجمالي المرصع بنشوة الخط المغربي المجوهر بتجلياته الفنية والثقافية على الفن المعاصر، لتتبدى تحويلا جماليا، وشكلا فنيا، ومادة بلاغية، ومظهرا بيانيا يتمثل الكلَّ الفني؛ بانتقاء دقيق للمفردات الحروفية المغربية، وبتسويغ تحكمه الخبرة العالمة، فيتبدى الدال الخطي المجوهري المجلل في أبهى صوره، يأخذ من الرؤية البصرية نصيبا لاستجلاء حزمة من الدلالات والمعاني.

أعماله يتحقق فيها التوليف الفني بين وحدة الشكل والبناء والتصور والأسلوب، ليطبع المجال الحروفي المغربي

وهذا يدل قطعا على أن الخطاط حميد الخربوشي يبني منجزه المجوهري على لبنات فنية وعلى أسس معرفية؛ وبناء على مرجعيات علمية وثقافية وتربوية. وهو ما يجعل أعماله الإبداعية متعددة المناحي الجمالية ومليئة بالطاقات التعبيرية المتنوعة، بل وهو ما يجعل تجربته رائدة في مصاف الفن العالمي المعاصر. إن إبراز الملامح الجمالية للخط المغربي المجوهر الجليل في السياق اللوني والشكلي المعاصر هو تفاعل ضمني مع المادة الفنية المعاصرة، يشكل به المبدع تصميما مفتوحا على بلاغة خطية مغربية جديدة، وإنتاج دلالات متجددة. إن أعماله يتحقق فيها التوليف الفني بين وحدة الشكل والبناء والتصور والأسلوب، ليطبع المجال الحروفي المغربي، سواء من خلال خط الثلث المغربي أو المجوهر الجليل بإيقاعات جديدة ترتكز على الهندسة العلمية الدقيقة، وعلى الإنجاز الخطي المحكم، وعلى الاختزال المنتج للجماليات المتنوعة. وكل ذلك يفضي إلى مسلك إبداعي بخصوصيات مغربية صرفة، وبمقومات جمالية جديدة.
وبكل ذلك، تشكل تجربة حميد الخربوشي وقفة طلائعية في المنجز الفني المغربي والعربي والعالمي، إذ جعل من مدينة خريبكة المغربية مدرسة خطية يحج إليها كل طالب خط، وكل شغوف بالخط، ليرتشف من أسلوبها التجليلي التقنيات العالية والأشكال الجمالية غير المألوفة. فأضحت تشكل مراسا حضاريا متقدما يقود إلى عوالم خطية مغربية في نطاق تعدد المجال الجمالي والشكلي؛ ومن حيث الهندسة القويمة الناجعة التي تهدف إلى بعث الجديد، ما يحيل إلى أن الخطاط حميد الخربوشي صانع هذا الإنجاز يعمل وفق تصورات مركزية، ويشتغل وفق هندســـة علمية رصينة. ويمارس وفق توجه فني، ووفق مدرسة قائمة بذاتها، الشيء الذي خول لمنجزه الخطي والحروفي أن يكون ضمن صفـــوة الفن المعاصر.

٭ كاتب مغربي

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *