عبد السلام بنعيسي
عندما يمهل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الكيان الصهيوني عاما واحدا للاستجابة لقرارات الشرعية الدولية بما يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لسنة 1967، وإلا فإن أبوابا واسعة ستفتح ((أمام بدائل أخرى سيفرضها الواقع))، كما جاء في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنه بكلامه هذا يدين نفسه بنفسه، فالرجل يصرح بأن لدى الشعب الفلسطيني بدائل جاهزة، وبإمكانه اللجوء إليها لانتزاع حقوقه من مغتصبيها، ولكن رئيس السلطة الفلسطينية يعطِّل هذه البدائل، ويحول دون اعتمادها، فما هو السرُّ وراء ذلك؟
لماذا انتظار عام كامل إضافي آخر قبل الإقدام على التبني الفوري للبدائل التي في حوزة محمود عباس؟ لماذا لا يقع إشهار هذه البدائل حالا، وليس بعد عام من الآن؟ هل ينتظر رئيس السلطة الفلسطينية من قادة الكيان الصهيوني التكرم عليه بحقوق أبناء شعبه وأن يقدموها له مجانا فوق طبق من فضة؟ هل يعتقد أن فصائلهم سترتعد وأنهم سيشعرون بالرعب ويخافون من تهديده لهم، وسيقبلون صاغرين على الانسحاب من الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وأنهم سيسلمونها إليه لينشئ عليها الدولة الفلسطينية الموعودة؟؟ هل يتصور أن قادة الدولة العبرية سيرأفون به ويشفقون عليه، وسيتجاوبون مع كلمته في هيئة الأمم المتحدة، ويتفاعلون معها بشكل إيجابي؟
رئيس السلطة الفلسطينية نفسه، يبدو في كلمته المشار إليها يائسا من تجاوب صهيوني مع مناشداته ومساعيه السلمية، وهو يعترف بذلك عندما يقول: (( لا نتمكن من استعادة أراضينا بسبب القوانين الإسرائيلية التي لا تحترم القرارات الدولية ولا مواثيق الأمم المتحدة))، مشيرا إلى أن (( قادة إسرائيل يتنكرون لحلِّ الدولتين))، فلماذا إمهالهم سنة إضافية قبل الإقدام على البدائل التي في حوزتك يا حضرة رئيس السلطة الفلسطينية؟ ألم تكفيك السبعة وعشرين عاما من الانتظار في مفاوضات عبثية وعقيمة؟ ما لم تستطع تحقيقه خلال هذه المدة المديدة من الزمن هل تتصور أنك ستدركه في السنة المقبلة؟؟
إذا كانت كلمة محمود عباس موجهة للمنتظم الدولي لكي يضغط على الكيان الصهيوني من أجل الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والانسحاب من الأراضي المحتلة سنة 1967، فإنه هنا أيضا يتناقض مع نفسه في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما يقول: إن القيادة الفلسطينية، (( التزمت بكل ما طلب منها وفق قرارات الشرعية الدولية، وقد وافقنا على كل مبادرات السلام، وإسرائيل تهربت من الانخراط فيها)) ثم يضيف: (( سياسات المجتمع الدولي تجاه حل القضية الفلسطينية قد فشلت لأنها لم تحاسب إسرائيل على ممارستها إزاء شعبنا))..
إذا كان الأمر على هذا النحو، فلا شيء يتعين انتظاره من هذا المسمى منتظما دوليا، فلماذا إمهاله عاما آخر قبل اتخاذ البدائل الجاهزة لديك يا سيد عباس؟ فهل المنتظم الدولي المتواطئ مع الكيان الصهيوني منذ ما يقرب السبعين سنة، والمشغول بأزماته المتعددة والمتفاقمة الراهنة، سيلتفت اليوم إلى القضية الفلسطينية ليجد حلا سريعا لها خلال السنة القادمة؟؟ والجواب طبعا معروف ومستخلص من الممارسة الصهيونية على الأرض الفلسطينية، حيث تنامي الاستيطان، وتهويد الأرض، وتدمير الأحياء الفلسطينية والاستيلاء عليها، وتهجير ساكنتها منها، ورفض كلي حتى للتفاوض الشكلي مع السلطة الفلسطينية.
وللصراحة فإن جملة واحدة صحيحة، ولا جدال حولها كانت في خطاب رئيس السلطة الفلسطينية في هيئة الأمم المتحدة، وذلك عندما قال: (( الممارسات الإسرائيلية لن توقف نضال الشعب من أجل استرداد حقوقه))، لكن المسكوت عنه في جملة عباس هو أن نضال هذا الشعب الأسطوري والإعجازي في حاجة إلى قيادة فلسطينية، تكون في مستواه، ومندمجة معه ومنخرطة فيه، وتستثمره بطريقة أفضل لانتزاع حقوقه المشروعة من محتلي أرضه، وهذا ما ليس متوفرا مع القيادة الحالية التي باتت عبئا على النضال الفلسطيني، وعائقا كبيرا أمام مقاومته الباسلة التي تخوض نضالات رائعة لطرد المحتل وكنسه من أرضها، وذلك بتنسيق هذه القيادة الأمني مع الكيان الصهيوني، وقبولها الاستمرار في التفاوض معه إلى ما لا نهاية…
كاتب مغربي
Source: Raialyoum.com