«الجنون طليقا» رواية تفوق فيها الواقع على كل خيال… واحة الراهب: نحن قيد الأمل رغم طغيان المؤامرة
[wpcc-script type=”466444c860c26e1e944b172a-text/javascript”]

بيروت ـ «القدس العربي»: في المشفى الذي قررت الكاتبة والفنانة واحة الراهب أن يكون استوديو لفيلم روائي، المريضات نسوة. اقتحمت مجموعة تقنيين وممثلين عالمهن الخاص لإنجاز المهمة. وفي لحظة اختلط السياق الدرامي للفيلم بالسياق الواقعي الدرامي في الخارج، وتفوقت الدراما في الأخير كل خيال ممكن. تقول الراهب في روايتها الجديدة «الجنون طليقاً» في هذا الصدد جملة معبرة عن نزيلات المشفى «جنونهن أمام انفلاته عقل نير». فهل ستثابر المريضات بالبحث عن حل خارج المكان؟ ربما هو ضرب جنون.
مع واحة الراهب هذا الحوار:
■ هل من تمييز بين الجرائم الجماعية والفردية التي شكلت حافزاً لروايتك «الجنون طليقاً»؟
□ هو جنون عام ينطبق على الكون برمته في عصر «صفقة القرن» والأساطيل المستبيحة لشواطئنا بكاملها. إلى سبعة جيوش عالمية تحتل وتحكم سوريا. نحن في عالم تحكمه المافيات، وفي الجنون المطلق يصبح العام والخاص واحداً، وتفصل شعرة بين العقل والجنون، ولا فاصل بين الواقع والخيال. ورد في الرواية أن الواقع يطغى في لا معقوليته على الدراما والخيال. الواقع لا يصدق، وإن وضعناه في الدراما سيحرض المخرج الكاتب ليكون الفيلم واقعياً. في أحداث الرواية طغت دراما الواقع في المشفى على مسار الفيلم، الذي كان يصور بالتزامن. وهكذا قال المخرج للكاتب لن يُصدّق فيلمنا، فالواقع طغى عليه.
■ في قراءة الرواية نستنتج مبكراً وكأنك كتبتها لتكون سيناريو فيلم سينمائي؟
□ استنتاج مشترك بين كل من قرأها، إلى جانب ملاحظة جمالية اللغة وبساطتها واختزالها. كنت سأخاف من الاستنتاج الأول لو تجنّب القراء تناول اللغة والنص روائيا ووصفه بالمتمكن. شرف لي أن تصبح «الجنون طليقاً» فيلما سينمائياً. الاقتباس من الرواية لصياغة فيلم يعطي سيناريو أقوى بكثير من سيناريو عادي. أكتب السيناريو، وأدرك عمق الرواية ومتانتها بالقياس للسيناريو. ولا شك في أن الرواية تحمل من الأحداث الدرامية ما يكفي لسيناريو فيلم، وكذلك مسلسل تلفزيوني. وهذا مشروع أرغب في تنفيذه.
■ هل تختلف الكتابة عن الحرب ونحن في أتونها عنها في ما لو نظرنا إليها من مسافة؟
□ أكيد. كتبت روايتي الأولى «مذكرات روح منحوسة» بعد خمس سنوات من بدء الحرب، وكنت في خشية مما ذكرته. الحاجة للبعد عن الحدث ضرورة. في الرواية الأولى تقصدت الكتابة عن مسببات الثورة التي حدثت عبر رصد الزمن، منذ الاحتلال الفرنسي لسوريا إلى زمننا الحاضر. سعيت لتسلسل أحداث، وبالتالي تسلسل أفكاري وتداعيات ذهني بشكل سليم. كنت على مسافة كافية من الحدث، والاستنتاج الذي وضعته في نهاية الرواية يقارب الوقائع الحاضرة.
■ فريق التصوير مع الممثلين حاصرتهم الحرب في مشفى المجانين. هل هو جنون الحرب أم جنون الحياة؟
□ بالدرجة الأولى يعنيني الإنسان بكل جنونه. في واقعه وخياله، وفي كل أشكال الفنون. الفنون انعكاس للواقع، حتى إن شطح خيالنا، فشخوصنا وأحداثنا ومفرداتنا مستنبطة من تربة واقعية. روايتي برمتها محض خيال، لكنني ابنة الواقع. أدخل النفس البشرية وعلم النفس بقوة، واستمتع بقراءته. أظنني حاولت رصد كافة المفردات التي تمكنت منها.
هناك وحوش وأشباح وفوضى خلاّقة، والمؤامرة موجودة بدءاً من الأكبر في تاريخنا الحديث وهي سايكس بيكو، وقد ثبُت ذلك مع وعد بلفور. المؤامرة ضد الشعوب والثورات وليس الأنظمة.
■ قال والد «دينا» – بطلة الرواية – «الأقوياء لا يبكون.. الرجال هم الأقوياء». كم تمثل تلك العبارة من زمن الكبت في شرقنا؟
□ يحزنني الفصل بين الجنسين، المرأة هي الوجدان والعواطف، والرجل هو العقل، القوة والسيطرة. فصل حَرَم المرأة الانتماء للعقل، وحرم الرجل الانتماء للمشاعر. ولهذا السبب كنت حيال شخص أضاع هويته الجنسية في روايتي «مذكرات روح منحوسة». ما أردت قوله إن الاستبداد يُنتج بشراً مخصيين. يُخصى الرجل بحجة قوته. الخصاء اجتماعي وسياسي، وهو تضييع للحق بالشعور والانفعال. يتباهى الرجل بأنه لا يبكي، فيما يبكي مع ذاته، وإن لم يفعل فهو كائن غير متوازن.
■ إلى حد ما نهاية الرواية بوليسية، فهل هذا ناتج عن العنف الذي يضرب مجتمعاتنا؟
□ في رأيي النهاية ليست بوليسية كلياً. تذهب الرواية بهذا المنحى، وأشدد على أنها نفسية، سياسية، اجتماعية وفنية. سعيت لقول ما هو أكبر من البوليسي. الجريمة الفردية تحولت إلى جريمة عامة. ألقي القبض على القاتل، وبقي القتل موجوداً بحالات جماعية. النهاية سياسية أكثر منها بوليسية.
■ من المفردات التي تكاثر استعمالها في الحرب على سوريا «الأشباح. الفوضى الخلاّقة» واستخلصت أن الجنون طليق. لا أمل؟
□ «الحياة محكومة بالأمل» كما قال سعد الله ونوس. نحن قيد الأمل شئنا أم أبينا. إن توقف الأمل توقفت الحياة. أؤمن بأن من يرغب بالموت يأتيه. هناك وحوش وأشباح وفوضى خلاّقة، والمؤامرة موجودة بدءاً من الأكبر في تاريخنا الحديث وهي سايكس بيكو، وقد ثبُت ذلك مع وعد بلفور. المؤامرة ضد الشعوب والثورات وليس الأنظمة. غير مسموح الثورات الحقيقية في بلداننا، ورغم ذلك علينا اكتشاف حدود المؤامرات وكل ما يحدث على أرضنا. وأن نرى بوعي وإدراك سليم وعقل منفتح على كافة الاحتمالات لنعرف كيف نواجه تلك المؤامرات. عندما تقرر الشعوب فهي جبّارة. الأمل هو المفتاح الأكبر وليس لنا أن نتركه.
■ تكتبين السيناريو فكم ساعدتك تلك الحرفة في كتابة الرواية؟
□ درست الفنون الجميلة في سوريا، ومن ثم تحولت في فرنسا لدراسة السيناريو، بعد أن اكتشفت التمثيل وسُحرت به. كنت في السنة الأولى حين كتبت السيناريو الأول الذي نال إعجاب الأستاذ، وقرر أن أصوره مع فريق عمل في بداية الفصل الثاني. «منفى اختياري» هو عنوان الفيلم ونال الجائزة الفضية في مهرجان قليبيا في تونس. حينها علمت أنني غير متطفلة. ومن ثمّ وجدت سيناريوهاتي حماساً شديداً. أما فيلمي الروائي الطويل «طار عقل» اللجنة الفكرية به، وبقي لسبع سنوات قيد الحرب، رغم نيله كماً من الشهادات في المحاضر الرسمية.
■ لماذا؟
□ ربما لأنه يطرح قضايا المرأة. كنت مخرجة في مؤسسة السينما في سوريا وفيلمي يُحارب، قد يكون لكوني المرأة الوحيدة الموظفة في المؤسسة وقدمت فيلماً. ربما كنت في وضعية التعدي على مهنة الزملاء الذكور. الإخراج مهنة ذات صلة بالقيادة، ومعروف أنها حكر على الرجال. وبعد سبع سنوات من الملاحظات التعجيزية قررت صرف النظر عن الفيلم، وإعلان الحرب. وعلى مدى سنتين صرحت ضد اللجنة الفكرية ومؤسسة السينما، وكانت النتيجة «طار المدير العام». ومع المدير الجديد رفع الظلم عن سيناريو «رؤى حالمة» وصورته.
■ إلى جانب الكتابة الروائية هل لا يزال التمثيل يجذبك؟
□ التمثيل عشقي. الدور هو تخصص بشخصية، ندرسها ونتغلغل إلى داخلها، ننسجها ونضيف لها البهارات. أعاني من الشخصيات التي أمثلها، أعاني وأتعذب معها. أعيش مرضها إن كانت مريضة بهدف تأدية إحساسها الصادق. تختلف المسؤولية بين التمثيل والإخراج. أرغب في الاستمرار في التمثيل، وللأسف لا تُعرض لي أدوار بالطموح الذي أرغبه.
■ ما هو آخر حضور تلفزيوني وسينمائي كممثلة؟
□ في التلفزيون كنت مع المخرج حاتم علي في مسلسل «أوركيديا» قبل سنتين، وقبله «حمّام شامي» مع المخرج مؤمن الملاّ. ومؤخراً أديت دوراً في فيلم قصير من تأليفي وإخراجي بعنوان «قتل معلن»، يعرض لقضايا النساء من خلال زواج القاصرات.