من حيث المبدأ، فإن أي جهود رسمية أو غير رسمية تبذل في مسار تعزيز التشغيل للتخفيف من معدلات البطالة المرتفعة جدا في الأردن، ستسهم بطريقة أو أخرى بزيادة التشغيل.
ولكن السؤال الذي يطرح دائما، هل هذه الجهود، وبخاصة الرسمية منها والمتمثلة في ما تطلق عليه الحكومات “برامج تشغيل”، ستسهم في تقليص معدلات البطالة بشكل ملموس يتواءم مع معدلات البطالة المرتفعة جدا التي وصلت الى 23 بالمائة، وبين الشباب قاربت 50 بالمائة وبين النساء 32 بالمائة.
مراجعة سريعة لبرامج التشغيل التي طبقتها الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية تبين أنها لم تفلح في تخفيض معدلات البطالة، لا بل إن معدلات البطالة في تزايد مستمر، ما يشير الى عدم فاعليتها.
وذلك يعود بشكل أساسي الى أن تصميم برامج التشغيل هذه تقوم على فرضيات غير دقيقة؛ تتمثل في أن الباحثين عن عمل لا يعرفون كيفية الوصول الى فرص العمل المتوافرة في سوق العمل، وأن المشغلين في القطاع الخاص لا يستطيعون الوصول إلى طالبي الوظائف من الشباب والشابات.
لذلك تركزت هذه البرامج على التجسير بين المشغلين في القطاع الخاص والباحثين عن الوظائف، وتمكين الشباب والشابات من المهارات التي يحتاجها سوق العمل في القطاع الخاص، ودعم أجور العاملين في القطاع الخاص، للتخفيف عليه.
صحيح أن غالبية خريجي النظام التعليمي في الأردن غير مؤهلين للانخراط في سوق العمل بسبب ضعف منظومة التعليم والتدريب، ولكن الأسباب الأساسية التي تقف خلف الارتفاعات الكبيرة في معدلات البطالة، وعدم رغبة الشباب والشابات بالانخراط في سوق العمل في القطاع الخاص مختلفة كليا.
هنالك العديد من الحلقات المفقودة في برامج التشغيل الحكومية، أولاها: أنها لم تستهدف السبب الأساسي في ارتفاع معدلات البطالة، الذي يتمثل في تراجع قدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل كافية لطالبيها، وهذا يعود إلى اختلالات في السياسات الاقتصادية التي أرهقت الاقتصاد والمجتمع بالضرائب غير المباشرة (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة (المقطوعة) والرسوم الجمركية)، ما أضعف قدرات الاقتصاد على النمو الشمولي الكافي، وللأسف الحكومات المتعاقبة لم تجر أي تعديلات على هذه السياسات.
كذلك هنالك حلقة مفقودة أخرى في هذه البرامج تتمثل في عدم مراجعة سياسات التعليم، التي أسهمت بشكل ملموس في زيادة معدلات البطالة، حيث توسعنا في التعليم الجامعي على حساب التعليم المتوسط والتقني والمهني، بينما حاجات سوق العمل كانت تتجه نحو الوظائف الفنية والمهنية والمتوسطة، وما تزال الحكومات تسير بالنهج ذاته، ولم تستهدف معالجتها في أي من برامج التشغيل.
كذلك، تفتقر برامج التشغيل لحلقة أساسية أخرى تتمثل في عدم استهداف الضعف الكبير في شروط العمل في غالبية القطاع الخاص، وعلى وجه الخصوص مستويات الأجور المنخفضة، من خلال تطبيق ما يطلق عليه سياسات العمل “المرنة”، خضوعا لفرضيات خاطئة تقول إن شروط العمل الضعيفة والأجور المنخفضة تسهم في تشجيع الاستثمار المحلي على التوسع وجذب الاستثمارات الخارجية، وأن هذه الاستثمارات ستؤدي الى توليد مزيد من فرص العمل، إلا أن النتائج التي نراها في الوقت الراهن تؤكد العكس.
دون استهداف هذه الحلقات والمحاور التي تسهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات البطالة، ستبقى برامج التشغيل غير فعالة، وغير منتجة، وستستمر معدلات البطالة عند مستويات مرتفعة.