
عمان-الغد- تدور أحداث رواية “الخراب” للأردني أحمد سليم المحاسيس حول شاب تعصف به أحداث الربيع العربي، فيفقد أهله ومنزل أحلامه ويضطر إلى مغادرة بلده بحثا عن أمان منشود.
و”الخراب” هو العمل الأول للروائي “المحاسيس”، وقد صدرت عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان، وجاءت في 237 صفحة من القطع المتوسط. واستخدم فيها المحاسيس تقنية الفلاش باك، عبر صوت البطل نفسه الذي يبدأ باسترجاع الأحداث التي مرت به، بدءًا من خسارته لبيته ومنزله، ثم ما أصاب حبيبته التي بُترت قدماها إثر حادثة انفجار لغم، مرورا بسجنه وما عُرّض له من عذابات في داخل بلده وخارجه.
واللافت أن المحاسيس لم يجعل لشخصيته أسماء، كما أنه لم يحدد بلدا عربيا بعينه تقع فيه الأحداث فترك البعد المكاني مفتوحًا على احتمالات عديدة، بينما كان الزمن زمن الثورات العربية وما تمخض عنها من أحداث تركت آثارها في كل مكان حلت به.
وأهدى المحاسيس عمله هذا إلى الراحل محمد طمليه، قائلًا: “هذه الرواية التي خرجت من رحم الألم أهديها لذلك الرجل الذي كان سيصبح من أولئك العمالقة في الأدب، لكن داهمه ذلك الداء الخبيث فقضى على آماله وأحلامه.. إلى الصديق الذي كنتُ أتمنى لقاءه وحالت بيننا الظروف القاسية، إلى الأستاذ محمد طمليه”.
ويصف المحاسيس روايته في تقديمه لها بأنها: “تنتمي إلى أدب الواقع، وربما يُخيل إلى القارئ أنها تحتوي على الكثير من الخيال، لكنه إن دقق جيدًا سيجدها تميل إلى الواقع، ولعل تلك الأحداث المريرة التي أسردها على صفحات روايتي أشبه بالخيال، لكنها تُعبر عن حال الضياع التي وصلت إليها الشعوب العربية وهي تجري وراء الوهم”.
أما البطل فهو: “مثال حي لما مرت به تلك الشعوب من الموت والضياع، هو ذلك الشاب الذي هرب من وطنه في رحلة طويلة للبحث عن الأمان والاستقرار بعيدًا عن مدينته التي عمَّها الخراب والدمار، لكنه في النهاية عاد إلى وطنه مُحملا بالخيبات”.
وأشار إلى مجمل الرواية، قائلًا: “حاولت بروايتي تسليط الضوء على معاناة الشعوب التي ذاقت ويلات هذه الحروب قدر استطاعتي، وتعرية الوجوه التي لبست الأقنعة، واستطاعت الصيد في الماء العكر عبر دسّ الفتنة والمؤامرات بين تلك الطوائف التي تعيش بأمان جنبًا إلى جنب في وطن واحد”.
ومما ورد على لسان البطل داخل متن الرواية: “كبرنا وليتنا لم نكبر، لو أنَّ الحياة توقفت ولم نرَ ما رأيناه من دمار وخراب عمّ مدينتنا. كنت أرى حبيبتي وهي تقف على نافذة غرفتها تُطل عليَّ وشعرها مبتلٌّ ومتطاير مع الريح، تحاول عبثاً لملمته وإزاحته عن وجهها. كنت أراها وهي ترتجف من البرد وتحترق شوقًا لرؤيتي. كنت أتمنى لو أن لديَّ جناحين فأطير لعناقها وأحظى بتلك القبلة التي بقيت حتى اليوم ضربًا من الخيال. وها أنا اليوم أصبحتُ في وضع تستحيل عليّ فيه رؤيتها، أو لمس يديها، أو مجرد النظر إليها وهي تقف على نافذتها، إلا في مخيلتي الآن. وأنا هنا عاجز عن فعل أي شيء يقربني إليها.. ما أعيشه الآن محض خيال لا أكثر!”.
ويصف البطل حاله خلال تقديمه جردًا لما مر به من معاناة: “وأجلس هنا وحدي لا أفعل شيئًا سوى النزيف، نزيف الذكريات البائسة التي عشتها طوال حياتي بمُرها وعَلقمها، وأصب وجعي على الورق، وأُفرِغ كل شيء هنا من ذاكرتي قبل أن تتلاشى ويتلاشى معها جسدي البائس.
آلافٌ من السجائر أُنفِقَت، والبيوت التي هُدِمَت على رؤوس ساكنيها، وآلاف من الرصاص المتطاير يقتل بشكل عشوائي ووحشي المئات من البشر، والقنابل سقطت على مدينتي كالمطر؛ فحصدت الأرواح والبيوت وأحرقت كل شيء، وقطعتُ آلافًا من الأميال سيرًا على قدَمي، وعبرت المدن واحدة تلوَ أخرى، وتجاوزتُ الوحوش وقطّاع الطرق، وأكلتُ الحشائش والخبز الجاف والطعام العَفِن، والبرد نخر عظامي”.
وأحمد المحاسيس كاتب أردني ولد العام 1977، وسبق له العمل في السلك العسكري، وهذا الإصدار هو باكورة أعماله الأدبية.