تحتل أفلام الخيال العلمي جزءا كبيرا من اهتمامات العديد من المشاهدين، ولطالما حظيت السينما العالمية بأفضل الأعمال الفنية التي عاصرت الأجيال القديمة المهتمة ببيئة الفضاء، مثل سلسلة أفلام أوبرا الفضاء “حرب النجوم” أو سلسلة “ستار تريك” التي تُعد أيقونة وطنية وأحد أهم ظواهر الخيال العلمي في التلفاز الأمريكي.
لكن المبالغة في الخيال يُفقد العلوم بعض رونقها، وقد تحدث تجاوزات كثيرة يُفقد البيئة الفضائية حقيقتها. لذا نقدم هنا لكم بعض ترشحيات أفلام الفضاء التي تتناول العلوم دون التفريط في استخدام الخيال العلمي، ولعلّ جزءا كبيرا منها يحاكي الواقع طبق الأصل.
إنترستيلر (2014).. الأرض تختنق وناسا تبحث عن كوكب بديل
لا عجب بأنه أشهر أفلام الخيال العلمي على الإطلاق، وهو من إخراج البريطاني الغني عن التعريف “كريستوفر نولان”، وبطولة “ماثيو ماكنوي” و”آنا هاثاواي” اللذان منحا بعدا نفسيا إضافيا على المحتوى العلمي الثقيل.
ففي الفيلم الملحمي “إنترستيلر” (Interstellar) يتعرض كوكب الأرض لآفة في المحاصيل الزراعية فتهدد الحياة عليه بنقصان الأوكسجين، بما فيه الجنس البشري الذي يشهد آخر أجياله، وبعدها سيتجه نحو الانقراض الموشك بسبب الاختناق.
ويظهر السيد “كوبر” بطل القصة ورائد الفضاء المتقاعد كأحد أولئك المتضررين من ذلك، والذي كان يدير مزرعته في منطقة ريفية برفقة ابنه وابنته العبقرية “مورفي”.
كانت “مورفي” تعتقد دوما بأنّ ثمة شبحا يستهدف غرفتها من حين إلى آخر، وعلى الخصوص عندما تحل عاصفة رملية، فيتشكّل على أرضية الحجرة شيفرات بواسطة الغبار الساقط من السقف. لم يكن والدها “كوبر” يعتقد بأنها أشباح، وإنما مخلوقات ذكية تحاول التواصل باستخدام الجاذبية.
ولم يمض وقت طويل حتى استطاعا فك طلاسم الشيفرة ليكتشفا بأنها إحداثيات لموقع جغرافي في منطقة سرية للغاية تديرها وكالة ناسا الفضائية التي أُغلقت مؤخرا بسبب احتجاجات واسعة على المصاريف التي تخصصها لها الحكومة في ظرف يعاني به كوكب الأرض من آفة جماعية.
يلتقي “كوبر” بالدكتور “براند” العالم الفيزيائي والأستاذ الجامعي وقد عملا سوية سابقا في الوكالة، فيخبره الدكتور بأنّ ثمة مخلوقات ذكية صنعت ثقبا دوديا قرب كوكب زحل يقود إلى مجرة أخرى بعيدة فيها العديد من الكواكب صالحة للحياة.
ثمّ يردف الدكتور قوله بأنّ ثمّة 12 متطوعا قاموا برحلات إلى تلك المجرة منذ عدة سنوات ولسوء الحظ لم يعد أيّ منهم إلى الأرض، لكنهم استطاعوا تحديد ثلاثة كواكب قد تكون صالحة للعيش. وجميع تلك الكواكب تدور في مدارات قريبة للغاية حول ثقب أسود هائل يُدعى “غارغانتوا” (Gargantua).
ثمّ يطلب الدكتور “براند” من “كوبر” أن يهب نفسه لحماية البشرية والكائنات الحية بقيادة آخر مركبة فضائية متاحة تدعى “إندورانس” والاتجاه إلى تلك الكواكب لدراسة الخيار الأفضل منها للحياة، بينما سيعمل الدكتور على إيجاد حل لمعادلة تعمل على التغلب على جاذبية الأرض كي يتسنى نقل البشر من الأرض إلى كوكب آخر صالح للحياة، وهذه هي الخطة “أ”، في حين أن هناك خطة “ب” تقتضي إرسال 5000 بيضة مخصبة على متن المركبة الفضائية للحفاظ على الجنس البشري من الانقراض. ويؤكد الدكتور “براند” بأنّ الخطة “ب” هي عمل احترازي لا أكثر، وأنّ إيجاد حل للمعادلة قادم لا محالة.
إنها البداية فقد، إذ تأخذ وتيرة الأحداث بالتسارع وسط نظريات علمية فائقة تستند على أسس صحيحة. وقد أشرف عالم الفلك “كيب ثورن” على الفيلم في صياغته علميا. وعليه ألّف كتابه “المادة العلمية وراء فيلم إنترستيلر” يشرح فيه بالتفصيل جميع النظريات التي تطرق لها هذا الفيلم.
الجاذبية (2013).. حطام الفضاء في مواجهة المكوك إكسبلورر
يُعد فيلم “الجاذبية” (Gravity) أحد الأفلام التي حققت نجاحا مبهرا على مستوى الأداء وكذلك على مستوى الدقة العلمية إلى حد كبير، وهو من إخراج “ألفونسو كوارون” من بطولة النجمين “ساندرا بولوك” و”جورج كلوني” اللذين لعبا دور رائدي فضاء لصالح وكالة الفضاء الأمريكية ناسا.
تدور أحداث القصة حول بعثة فضائية تضم الرائد المخضرم “مات كولوسكي” الذي ينوي التقاعد بعد هذه الرحلة، والرائدة الدكتورة “ريان ستون”، وهي أول رحلة لها إلى الفضاء، ليصعد بهما مكوك الفضاء “إكسبلورر” إلى المدار الذي يستقر فيه تلسكوب “هابل” في مهمة لصيانته وتركيب بعض المعدات الإضافية.
وفي أثناء أداء المهمة وبينما يتواجد الرائدان خارج المكوك، يأتي إخطار من غرفة التحكم الواقعة في مدينة هيوستن الأمريكية عن سحابة من الحطام الفضائي سريعة التوسع تكوّنت عن طريق الخطأ بعدما ضرب الروس صاروخا بالستيا نحو قمر صناعي استطلاعي كان خارج الخدمة، وتأتي الأوامر بالعودة السريعة إلى الأرض حالا.
لكن، لم يتم تدارك الموقف لضيق الوقت، إذ يصل الحطام متجها بسرعات عالية نحوهما فيدمّر المكوك الفضائي والتلسكوب على حد سواء. وتحت رهبة الموقف تفقد الدكتورة “ستون” سيطرتها وتُقذف بسرعة في الفضاء قبل أن ينطلق الرائد “كولوسكي” لإنقاذها بواسطة استخدام “الوحدة المأهولة للمناورة” التي كان يرتديها.
وبعد أن استقر الأمر قليلا، يجد الرائدان نفسيهما عالقين في الفضاء غير قادرين على الحركة بسبب العطب الذي أصاب المكوك، فيقرران استخدام وحداتهما المأهولة للمناورة للوصول إلى محطة الفضاء التي تبعد عنهما مسافة 1450 كلم، قبل أن تصل الدفعة الثانية من حطام الفضاء بعد نحو 90 دقيقة.
ويستمر الفيلم بأحداث مشوقة يتخللها لحظات درامية ونهاية غير متوقعة. وعلى الرغم من بعض الأخطاء العلمية التي وقع فيها الفيلم، فقد وجد إشادة كبيرة من بعض العاملين في وكالة ناسا وكذلك إشادة شخصية من “بوز ألدرين” ثاني رجل تطأ قدمه القمر.
السائر في الفضاء (2017).. على أعتاب اكتشاف المجهول
في أحد أكثر المشاهد إثارة ورهبة، يقف رائد الفضاء الروسي على مقربة من المركبة الفضائية التي انفصل عنها للتو، مراقبًا جسده الذي يطفو وهو عائم في الفراغ في سابقة تاريخية لم يجرؤ عليها أحد قطأحلي، ومن الأسفل ظهرت بقعة زرقاء هائلة تخللها الكثير من السحب البيضاء في مشهد يحبس الأنفاس، كما لو أنّ الأرض وحشٌ هائج يوشك على الانقضاض.
تقع أحداث فيلم “السائر في الفضاء” (Spacewalker) في صيف 1965، وهي الفترة التي كان سباق الفضاء بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية في أوجه. ويتناول الفيلم بشكل أساسي قصة الطيّار الروسي “أليكسي ليونوف” أوّل رائد سار في الفضاء بعد أن انفصل عن مركبته “فوسخود 2” برفقة الطيّار الحربي “بافيل بيلييف”. وكلا الرائدين تعرضا لمأزق حقيقي عندما كانا يقومان بعملهما خارج المركبة الفضائية في صورة تجسد الثبات والعزيمة والتعلق بالنجاة حتى في أقسى الظروف البيئية عند الإنسان.
لا يصوّر الفيلم محاكاة علمية لما قد سبق في فترة الحرب الباردة فحسب، وإنما لهذا العمل أبعاد أخرى تتجلى في محاولة الروس كسر هيمنة الغرب على الشاشة العالمية، إذ إنّ الفيلم عُرِض بنسخة مدبلجة بالإنجليزية علمًا بأنّ اللغة المستخدمة الأساسية هي الروسية من بطولة الممثلين “قسطنطين خابنسكي” و”يفجيني ميرونوف”، وبجودة إخراج لا تقل عن فلمي “إنترستيلر” و”الجاذبية”.
والفيلم يحمل رسالة أخرى مفادها التذكير بفضل الرواد الروس ومكانة الاتحاد السوفياتي التي مهدت المستقبل لاستكشاف الفضاء، فلم تكن تلك تضحيات على المستوى الشخصي فقط، بل على المستوى الوطني كذلك.
ساليوت 7 (2017).. بث الحياة في محطة فضاء عائمة مهجورة
مجددًا تعود الأعمال الروسية إلى القائمة وإلى إبهار المُشاهد باللقطات السينمائية الهائلة من تصوير وإخراج، في حبكة سينمائية مستندة على قصة حقيقة قل نظيرها، وهي عن محطة فضائية عائمة مهجورة تُعرف بـ”ساليوت7″ (Salyut 7) ويحمل الفيلم الاسم ذاته.
العمل الفني يطرح كارثة تحلّ على هذه المحطة السوفياتية، فينقطع الاتصال بينها وبين الأرض، مما يستدعي إرسال بعثة فضائية مكوّنة من رائدي الفضاء “فلاديمير فيودوروف” و”فيكتور إليوخين” إلى المركبة قبل أن يلتحما معها في محاولة إلى إعادة المحطة الفضائية إلى الحياة.
تدور أحداث القصة في بيئة درامية مشوّقة وحماسية، ومشاهد محاكاة لواقع الفضاء وانعدام الجاذبية، كما تظهر فقاعات الماء وهي تتطاير داخل المركبة في مشهدٍ آسر، وتتوالى الأحداث مع حلول عدة عقبات على الرائدين.
المريخي (2015).. البقاء حيا في ظروف تقهر الحياة
كثيرا ما كانت الأفلام التي تستند على الروايات تبدو أقلّ جودةً لافتقارها إلى عناصر يصعب دمجها بالمشاهد الحيّة المصورة، لكن فيلم “المريخي” (The Martian) يُعد استثناءً لذلك، فالحبكة الروائية التي استند عليها الكاتب شقّت طريقها ببراعة إلى الشاشات، ويعود الفضل في ذلك إلى المخرج البريطاني “ريدلي سكوت” الذي استعان بالنجم المتألق “مات ديمون” كي يلعب شخصية البطل في الفيلم.
وتدور أحداث القصة في المستقبل في عام 2035 على وجه التحديد، بعد أن انطلق طاقم من رواد الفضاء إلى المريخ في رحلة استكشافية لسهل مريخي يُدعى “أسيداليا بلانيتيا”. وبينما هم ماكثون هناك، تظهر عاصفة ترابية شديدة متجهة إلى مستوطنتهم الصغيرة، وكما بدا فإنّ آثار العاصفة ليست محمودة، بل إنّها على وشك أن تنقض على المركبة الفضائية “ماف” (MAV) التي ينبغي لهم أن يعودوا بها إلى الأرض. لذا يتم إبلاغ جميع طاقم الرحلة المكون من 6 أفراد إلى الإخلاء السريع والتوجه نحو المركبة الفضائية استعدادا للإقلاع.
وفي هذه الأثناء يتعرض الرائد “مارك واتني” لصدمة بواسطة الحطام المتطاير مما يفقده الوعي ويلقيه أرضا، ويتعطل كذلك جهاز الـ”بيو مونيتور” الذي كان يرتديه، ويعمل هذا الجهاز كمستشعر لمراقبة الأداء الحيوي لروّاد الفضاء مثل قياس ضغط الدم ومستوى الأوكسجين وغيره.
وبينما يصل بقية الطاقم إلى المركبة، يحاول أحدهم التواصل مع “واتني” لكنه يفشل، وعندما يتفقد جهاز الاستشعار عن بعد يجده لا يستجيب، فيتهيأ للطاقم بأنّه قد فارق الحياة، ومن دون مماطلة تنطلق المركبة هربا من الكوكب الأحمر تاركة وراءها رائدا ما زال على قيد الحياة.
يستعيد “واتني” وعيه مجددا بعد أن تهدأ العاصفة الرملية، فيجد نفسه يعاني من جروح ونقص في الأوكسجين، فينطلق مسرعا تجاه المستوطنة ليعالج نفسه. ولن يستغرق الأمر كثيرا حتى يدرك أنّ الجميع قد رحل وأنه الوحيد الآن على سطح كوكب بأكمله، وأن فرصته الوحيدة للعودة إلى سطح الأرض بأن يلتحق بمهمة المريخ التالية “آريس4” التي ستهبط بعد 4 سنوات. وبحكم معرفته المسبقة بجدول هبوط الرحلات المريخية، فإنه يدرك بأنّ فوهة “سكياباريلي” ستكون الوجهة المقبلة للإنزال القادم والتي تبعد عن مركزه نحو 3200 كلم.
لقد كان همّ “واتني” الأكبر هو إيجاد المؤونة الكافية لتبقيه على قيد الحياة طيلة هذه المدة. ولأنه عالم نبات، فقد أنشأ مزرعة صغيرة داخل قمرة سكنية باستخدام تربة المريخ الخصبة بعد أن عالجها. ولعلّ نشوة البقاء حيا أنسته صعوبة المهمة التي هو بصدد القيام بها، فقد بقي طويلا يسجل مقاطع من يومياته حبيسا على المريخ، تملؤها لحظات فكاهية وأخرى حزينة. ومع مرور الوقت تتغير الخطة وتنكشف آفاق أخرى تقلب المشهد رأسا على عقب في أحداث غير متوقعة.
الفيلم يروي جانبا علميا مبهرا نال ما ناله من الانتقادات، بالإضافة إلى تطرقه إلى الجانب النفسي الذي بدا واضحا في عدة لقطات من العمل الفني.
غاغارين.. الأول في الفضاء (2013).. قصة تفوّق السوفيات
أحد أجمل المشاهد التي تحكي قصة أوّل رائد في الفضاء واللحظات الأولى التي ينقطع بها التواصل مع مركز التحكم والمراقبة، حيث كان المهندس الروسي “سيرجي كوروليف” يقف بارتباك وهو يشاهد ارتفاع نبضات “يوري غاغارين” على نحو مثير. ثمّ إنها كانت لحظات صمت مطبقة طويلة ومربكة، قبل أن يأتي صوت مشوش من أعماق الفضاء عبر مكبرات الصوت. لقد كان صوت “غاغارين” الذي غيّر مجرى التاريخ ووضع السوفيات في مقدمة الحرب الباردة مع الأمريكان.
يقدّم فيلم “غاغارين.. الأول في الفضاء” (Gagarin: First in Space) نموذجا نقيًا عن رحلة أول رائد فضاء ابتداء من مشاركته في مدرسة الطيران الحربية ومن ثم ترشيحه واقتحامه التدريبات ونيله المرتبة العليا وتجهزيه لهذه المهمة الانتحارية، وأخيرا عودته إلى الأرض واحتفاء الشعب الروسي بحضور الزعيم السوفياتي “نيكيتا خروتشوف” أمام الجماهير، مع التطرق إلى حياته الشخصية وحتى وفاته.
يتقمص الممثل الروسي “ياروسلاف زالين” شخصية “غاغارين” في الفيلم، وهو من إخراج مؤسسة “الشراكة المركزية” الروسية، كما ووجه العمل بانتقادات حادة بسبب رداءة المؤثرات البصرية التي لم ترتق للمستوى الذي يليق بالحادثة.