‘);
}
الخير والشر في الفلسفة اليونانية
إن مفهومي الخير والشر في الفلسفة الرواقية يرتبطان بفلسفة الأخلاق عند الفلاسفة الرواقيين، فالإنسان يجب أن يستكشف نفسه من خلال العقل، ويترجم هذا من خلال سلوكياته، وأفعاله، فالسعادة في الفلسفة الرواقية لا تكون إلا من خلال العيش وفق الطبيعة والعقل، ولا يكون الإنسان خيّرًا إلا بهما، والإنسان يمتلك الملكات التي تجعله قادرًا على التحكيم والتميز بين ما هو خير أو شر.[١]
فالمدرسة الرواقية ترد على المدرسة الأبيقورية التي قضت بأن الخير لا يكون إلا من خلال اللذات، والسعادة هي تحقيق أكبر قدر ممكن منها، ويلحظ التمسك الكبير بالمفاهيم المتعلقة بالطبيعة، لأنها وهبت الإنسان ميولًا يمكن عده فطريًا، وطيبًا، تواجد مع الإنسان بفطرته، وبعقله يدرك الإنسان الحكيم أنه جزء من هذه الطبيعة الكلية، وغريزة البقاء متصلة بإرادة الطبيعة الكلية.[١]
بهذا نستنتج أن الحكمة والخير هما الوجه الآخر للطبيعة الكلية، كما أن الرواقية وجهت العديد من الوصايا الفلسفية أهمها تلك المتعلقة بالأحكام الخارجية، أو الموضوعات الخارجية، وهي تلك التي لا تصدر عن إرادة الإنسان، فهذه الأحكام أو الموضوعات لا يمكن وصفها بأنها خيرة أو شريرة، ويبقى موقف الإنسان محايداً تجاهها، ولا يجب عليه أن يغرق في التفكير فيها؛ لأنها ليست بسببه.[١]
‘);
}
وأخلاقيًا يجب التأكيد على أن القاعدة الأخلاقية عند الرواقيين تقول بأن الخير هو خير لذاته، وليس لأجل شيء آخر، فلا يجوز النظر إليه على أنه وسيلة لتحقيق منافع، وعلى الرغم من أن المدرسة النفعية في الأخلاق وجهت انتقادات للفلسفة الرواقية، إلا أن أهمية الفلسفة الرواقية تكمن في أنها أقرت بأن الإنسان الحكيم هو الذي يعلم يقينًا أن كل ما هو في الطبيعة يقع في العقل الكلي، أو ما يعرف بالإرادة الإلهية.[١]
التراتبية في مفاهيم الخير والشر عند الرواقيين
يمكن عد الإنسان الحكيم أو الخيّر، هو الإنسان الذي يقع في أعلى التراتبية الهرمية عند الرواقيين، وهذا الإنسان هو الذي تطابق سولكياته الطبيعة، ويعيش وفقًا لها وللإرادة الإلهية، وربطت الرواقية بين هذا المفهوم ومفهوم آخر، وهو السعادة، أو الخير الأسمى، أما الترتيب الثاني فهو للإنسان الحكيم، فقد أطلق الفلاسفة الرواقيون عليه “الإنسان الناقص”.[١]
وهذا الإنسان يعلم ما هو الخير، ولكنه لا يرتقي بأفعاله لمطابقة الطبيعة والعيش وفقًا لها وللإرادة الإلهية، وفي حال تصرف وفقًا للطبيعة، فإنه يتصرف فقط لكونها واجبًا مفروضًا عليه، وليس لقناعته التامة بضرورة توافق سلوكياته مع الطبيعة، وأطلق الرواقيون على أفعاله حكمًا وهو أنها لا خيرة ولا شريرة، فهي تقع بين حدين، الأول هو الكمال، الذي لم تبلغه، والحد الآخر هو براءة أفعاله، ولكنها عرضة للسقوط بسبب عدم صدورها عن الطبيعة وموافقتها للإرادة الإلهية، أما الإنسان الشرير فيقع في أدنى هرم التراتبية، وهذ الإنسان انحرفت أفعاله عن الإرادة الإلهية، وجعل من نفسه مركزًا للوجود، وعارضت أفعاله الخير المطلق.[١]
ويمكن ملاحظة الفرق بين فلسفة الأخلاق السقراطية وفلسفة الأخلاق الرواقية، فبالنسبة لسقراط المعرفة فضيلة والجهل رذيلة، ولا يمكن للإنسان أن يسلك سلوكًا شريرًا إلا إذا كان عن جهل، لكن الرواقيين أثبتوا أنه من الممكن أن يحصل ذلك.[١]
نظرة الفلسفة الرواقية للحياة
يمكن القول إن الرواقيين لا ينظرون إلى الفلسفة على أنها رفاهية، وترف ينفرد به النخب من المثقفين، بل على العكس، فهنالك فلاسفة رواقيون كانوا فقراء، وأبيكتيتوس، وهو أشهر فلاسفتهم كان عبدًا مملوكًا بتر سيده ساقه، ووظف الفلسفة لتحرير نفسه، وكتب شذرات فلسفية عميقة، وبهذا كانت الفلسفة الرواقية فلسفة الحياة، وتعليم لفن العيش، فعرفوا الفلسفة على أنها تدريب أو ممارسة “Askêsis” في أطر معينة.[٢]
فمعرفة الذات الإنسانية وطبيعيتها وطبيعة العالم الذي يحيط بها من أهداف الفلسفة الرواقية، لمساعدة الإنسان على تقويم سلوكه، وذكر المؤرخون أن لها دوراً كبيراً في التأثير في الفلاسفة اللاحقين في العصور الحديثة وعصر النهضة، كما أنها جسدت النظرة الأفلاطونية في الفلسفة السياسية التي تقضي بحكم الفلاسفة وكان ذلك من خلال أحد فلاسفتها المعروف بماركوس أوروليوس،[٢] الذي كتب كتاب التأملات، واستطاع الجمع بين الفلسفة والسياسة، فهو إمبراطور روماني وفيلسوف، والكتاب عبارة عن وصايا للتعامل مع ما يواجه الإنسان من صعوبات ومشاكل، وتتميز الوصايا بالطابع العملي، وعده الفلاسفة اللاحقون من أهم كتب الفلسفة الرواقية.[٣]
المراجع
- ^أبتثجحخيوسف كرم ، تاريخ الفلسفة اليونانية، صفحة 273-275.
- ^أب“الفلسفة الرواقية “، حكمة ، اطّلع عليه بتاريخ 5/2/2022. بتصرّف.
- ↑“الرواقيون “، هنداوي، اطّلع عليه بتاريخ 5/2/2022.