الذاكرة الطويلة المدى

Share your love

 إن ما يتم الاحتفاظ به في الذاكرة الطويلة المدى هو كل ما نعرفه عن العالم من حولنا، إذ بفضل المواد المحفوظة في الذاكرة نستطيع استرجاع حوادث الماضي وحل المسائل المختلفة والتعرف على الصور… الخ. أو بعبارة أخرى نتمكن من التفكير وبهذا الصدد أشار كل من (بياجيه وانهيلدر) في كتابهما المشترك (الذاكرة والذكاء 1968) إلى أن الذاكرة – ويقصد هنا الذاكرة الطويلة المدى – تخضع لقوانين التفكير وانها تعمل وفق هذه القوانين وهي بدورها تساند التفكير. ذلك لأن كل المعلومات والمهارات الموجودة في أساس القدرات العقلية لدى الإنسان محفوظة في هذه الذاكرة.

 إن المعلومات تدخل وتحفظ في الذاكرة الطويلة المدى وفق قواعد محددة إملائية، منطقية، نحوية، ايقاعية… الخ وحسب رأي (بنفليد Penfield 1959) إن كل ما يحتفظ به الإنسان في وقت ما في الذاكرة الطويلة المدى يظل فيها لمدة طويلة جداً. وفي هذه الحالة فإن الذاكرة الطويلة تحتوي على قدر هائل من المعلومات. وربما كان التنظيم والترتيب وفق معايير متعددة الذي تخضع له المعلومات المختزنة، هو الضمانة لبقاء المعلومات بصورة دائمة فيها لأن الترتيب يجعل الوحدات تترابط وتتماسك على أساس معناها المشترك وهو الذي يتيح لنا إمكانية استخراج المعلومات الضرورية والتي نحتاجها من الذاكرة الطويلة المدى خلال وقت قصير بينما ننفق جهوداً مضنية ونمضي وقتاً طويلاً وبلا جدوى إذا كانت المعلومات غير مرتبة وغير منظمة. وانطلاقاً مما تقدم فإن الموديلات المعاصرة للذاكرة الطويلة المدى معقدة جداً وسبب ذلك يعود إلى تعقيدات الذاكرة نفسها، إضافة إلى اعتبارات خاصة نذكر منها ما يلي: 1) إن استخدام المعلومات المحفوظة في الذاكرة الطويلة المدى مرتبط بحل المسائل وبالاستنتاج المنطقي، وبالاجابة عن الأسئلة، وباستدعاء وقائع وأحداث وأشياء كثيرة.

 2) تشتمل الذاكرة الطويلة المدى على معلومات متنوعة إلى اقصى حدود التنوع.

 3) الذاكرة الطويلة المدى ذات طابع معنوي وذات ترتيب رفيع المستوى وبعيد عن العشوائية. وفي هذا الصدد يرى العلماء وجود عدة أنواع للذاكرة الطويلة المدى، لكن بعضاً منهم يشير إلى وجود نوعين (تولفينك Tulving 1972) حيث ميز بين الذاكرة المعنوية وذاكرة الحوادث، إذ لكل منهما مخزن طويل المدى للمعلومات لكنهما يختلفان من زاوية طابع المعلومات التي يحتفظ بها كل منهما.

 * ففي الذاكرة المعنوية يحتفظ مثلاً بكل ما نحتاجه من أجل الكلام حيث لا يشتمل هذا النوع على الكلمات والتراكيب اللغوية والرموز التي تدل عليها وعلى الموضوعات ومعانيها (الأشياء وأسماءها) فقط، وإنما تشمل كذلك القواعد التي تستخدم وفقها حيث تحفظ فيها ايضاً تلك المواد مثل قواعد النحو، الصيغ الكيميائية، الخصائص الفيزيائية، قواعد الجمع والضرب، ومعرفة أن الخريف يأتي بعد الصيف… الخ.

بعبارة أخرى تحتوي الذاكرة المعنوية على جميع تلك الحقائق التي لا ترتبط بأوقات معينة أو بمكان معين وإنما تمثل حقائق عامة.

* أما ذاكرة الأحداث فتشتمل على المعلومات والأحداث التي رمزت في وقت محدد والكيفية التي كانت عليها عند إدراكها وفي أثناء تعلمها وتذكرها. وهذا النوع من الذاكرة الطويلة المدى يحتفظ بأنواع مختلفة من البيانات الخاصة بسير الأشخاص والظواهر والأشياء… لقد سافرت إلى فرنسا في شتاء 1981، تخرج أخي من الجامعة 1978… الخ كما تشتمل على المعلومات التي ترتبط بجريان الحياة اليومية وفق سياق معين. * إن المعلومات المحفوظة في كلا نوعي الذاكرة الطويلة المدى (الذاكرة المعنوية وذاكرة الأحداث) تطرأ عليها تغيرات هامة أثناء عملية الاحتفاظ بها حيث يعاد تشكيلها وصياغتها أحياناً، وتصبح بعيدة المنال بالنسبة للاستخراج احياناً أخرى.

وهنا نشير إلى احتمال تعرض ذاكرة الأحداث للنسيان أكثر من الذاكرة المعنوية. وإلى أن الذاكرة الطويلة المدى تقوم بمعالجة المعلومات المخزونة وإجراء بعض التغيرات أو التعديلات عليها بحيث لا تتطابق مخرجاتها (استرجاعها) مع مدخلاتها (التذكر).

 أخيراً وفي ضوء كل ما تقدم يمكن وصف الذاكرة الطويلة المدى بأنها عملية الاحتفاظ بالموضوعات التي تم إدخالها إلى الذاكرة من قبل، لمدة طويلة. وتكمن المهمة الرئيسة لها في الاحتفاظ بما هو ضروري في المستقبل. أي أنها ترتبط بتنظيم السلوك خلال فترات زمنية مديدة. ويتطلب ذلك بالضرورة أن تعمل وفق مبدأ التوقع أو الاحتمال حيث تكتسب الخصائص الاحتمالية للمعلومات أو الإشارات المدخلة إليها أهمية فائقة وهذا يعني أن العامل الهام في التذكر والاحتفاظ والاسترجاع هو المضمون المعلوماتي للإشارات والتقارب المعنوي فيما بينها.

وبفضل هذه الخصائص تصبح الذاكرة الطويلة المدى نظاماً قادراً على تخزين المعلومات وفق طرائق عقلية عالية التنظيم، وعلى الاحتفاظ بكمية غير محدودة منها ولفترة زمنية غير محدودة أيضا.

 

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!