أهمية البحث:
لم تهتم الدراسات السيكولوجية السابقة كثيراً بالانفعالات، ولكن في ظل الظروف الحالية وانتشار الانحرافات السلوكية والأمراض النفسية كالاكتئاب، ودخول الأسر إلى عالم القلق، وما يعانيه الطلبة من مشكلات انفعالية وظهور العنف الطلابي سواء في المدارس أم في الجامعات وانتشار الانحراف بكل أشكاله؛ إذ تعد هذه النتائج سبباً في عدم الاهتمام بالذكاء الانفعالي الذي يشمل ضبط النفس والحماسة والمثابرة والقدرة على حفز النفس؛ وهي مهارات يمكن تعليمها للأطفال، لتوفر لهم فرصاً أفضل، كما أنَّ هناك ضرورة أخلاقية لتعليم الأطفال العواطف، فالأشخاص الذين يفتقرون إلى القدرة على ضبط النفس يعانون من عجز أخلاقي.
إنَّ القدرة على السيطرة على الانفعالات هي أساس الإرادة وأساس الشخصية وعلى النحو نفسه فإنَّ أساس مشاعر الإيثار إنَّما يكمن في التعاطف الوجداني مع الآخرين؛ أي القدرة على قراءة عواطفهم، أما العجز عن الإحساس بحاجات الآخرين ومشاعرهم فمعناه عدم الاكتراث، وإذا كان هنالك موقفان أخلاقيان يستلزمهما العصر الحالي فهما على وجه التحديد: ضبط النفس والرأفة (كما يرى جولمان).
مشكلة البحث:
هناك أشخاص يتمتعون بذكاء مرتفع، ولكن لا يستطيعون تسيير حياتهم العاطفية، ويمكن أن يُرَدَّ هذا إلى أنَّ عامل الذكاء الأكاديمي ليس له سوى علاقة محددة بالحياة العاطفية والانفعالية، فقد يفشل الشخص اللامع من حيث الذكاء ويخفق في حياته نتيجة عدم سيطرته على انفعالاته ودوافعه الجامحة.
لقد اعتدنا على إهمال المشاعر في حياتنا وأحاديثنا، فنحن عندما نتحدث عن أمر يسأل بعضنا بعضاً: ما رأيك في هذا الأمر ولا يسأل، ما شعورك تجاه هذا الأمر؟
يحرمنا إهمال الجانب العاطفي من التمتع بأجمل شيء في الحياة وهي المشاعر، فالإنسان بدون مشاعر يتحول إلى آلة صمَّاء، والمشاعر هي التي تعطي الحياة تَجدُّدها وتلوُّنها وأبعادها؛ إذ تصبح الحياة بدونها مملة ورمادية ومسطحة، إضافة إلى هذا البُعد الجمالي الذي تضيفه المشاعر إلى حياتنا فهي أهم مصدر نستقي منه المعلومات عن أنفسنا؛ حيث إنَّ المشاعر هي النافذة التي نطل منها على ذواتنا فبواسطتها نستطيع أن نعرف من نحن، وهناك قاعدة في الذكاء العاطفي تقول: “كل شعور يحمل داخله معلومة”.
هدف البحث:
يهدف هذا البحث إلى الإضاءة على ناحية من نواحي هذا العلم الجديد ألا وهي دور الأسرة في تكوين الذكاء العاطفي لدى الطفل هذا الذكاء الذي يساعده على ممارسة نمط من التفكير والنظر إلى الأمور بطريقة تُولِّد في نفسه أكبر قدر من المشاعر الإيجابية ولأطول فترة ممكنة.
مصطلح الذكاء العاطفي قديم جديد:
لقد وضع ثورندايك (Thorndike)1920 بذوراً لمفهوم الذكاء العاطفي عندما تحدث عن مفهوم الذكاء الاجتماعي (social intelligence)، والذي عرَّفه بأنَّه القدرة على التصرف الحكيم في العلاقات الإنسانية، ولكنَّه لم يطرأ على هذا المصطلح أي تعديل أو دراسة جادة حتى قام هاوارد غاردنير(Howare Gardner) عام 1983 بالحديث عما سمَّاه الذكاء المتعدد (multiple intelligence).
ويبدو أنَّ أول من استعمل مصطلح الذكاء العاطفي طالب جامعي في عنوان رسالته للدكتوراه عام 1985 في كلية أميريكية للفنون، ولكن دون أن ينتبه لهذا المصطلح ولسنوات عديدة.
نشر الأستاذان الجامعيان جون ماير (John Mayer) وبيتر سالوفي (Peter Salovey) في عام 1990 مقالتين جامعيتين حول الموضوع؛ حيث قاما بمحاولة لتأليف اختبار لقياس الذكاء العاطفي، وقد لاحظ كل من الأستاذين أنَّ الناس يتفاوتون في دقة معرفة العواطف التي يشعرون بها، وفي التعرف إلى عواطف الآخرين، وكذلك في القدرة على حل المشكلات المتعلقة بالعواطف والمشاعر، ولم ينتشر اسما هذين الأستاذين؛ وذلك لأنَّ كتابتهما كانت في الوسط الأكاديمي التعليمي.
وهكذا حتى جاء دانييل جولمان (Daniel Goleman) وهو مراسل صحفي كان يكتب المقالات العلمية في عدد من الصحف والمجلات منها نيويورك تايمز ومجلة علم النفس للجميع (Popular Psychology)، لقد كان جولمان يحاول أن يكتب كتاباً بعنوان الأمية العاطفية (Emotional literacy)، إلا أنَّه ولأسباب اقتصادية ودعائية أصدر الكتاب بعنوان الذكاء العاطفي 1995.
وقد انتشر كتاب الذكاء العاطفي بعد إصداره 1995 انتشاراً واسعاً، وقامت العديد من الصحف والمجلات بالإشارة إليه في مقالاتها.
ما هو الذكاء العاطفي؟
الذكاء العاطفي هو قدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه والتفاعل الإيجابي معها ومع الآخرين، وهو قدرة الإنسان على مواجهة التحديات الصعبة والمواقف الحرجة، تلك القدرة التي تغمرنا بالفرح وتمنحنا الرضا عن الذات وتقبُّل الآخرين.
فهو القدرة على ضبط النفس والتحكم بالذات من خلال التحكم بالانفعالات العاطفية، وهو قدرتنا على قراءة مشاعرنا ليسهل علينا التحكم بها، وقدرتنا على فهْم مشاعر غيرنا ليسهل علينا التعامل معها بمرونة.
فلما كانت العاطفة شعوراً فطرياً دائم الحضور، وكان الاحتكام إليها دون العقل يؤدي بالضرورة إلى عواقب غير مأمونة؛ كان من الضروري أن نقرأ هذا الشعور قراءة واعية وأن نستثمر ما يختزنه من طاقة جبارة بإيجابية، وأن نوظِّفه توظيفاً مناسباً لنجعل منه طاقة بناءة يمكن أن نسميها “الذكاء العاطفي” أو “الذكاء الإيجابي”.
باختصار: الذكاء العاطفي هو التعامل الإيجابي مع النفس ومع الآخرين، وهو قدرة الشخص على ضبط نفسه، والتحكم بذاته في جميع الظروف.
شاهد بالفيديو: 6 عادات يومية لتنمية الذكاء العاطفي
[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/6nEw5E-7zdA?rel=0&hd=0″]
مركز كل العواطف:
إنَّه النتوء اللوزي، لا ترتبط بالنتوء اللوزي مشاعر الحب فقط؛ بل تعتمد عليه كل المشاعر الأخرى، فالحيوانات التي أُزيل النتوء اللوزي من دماغها، أو انفصل جزء منه تفتقر إلى الإحساس بالخوف أو الغضب، وتفقد حافز التنافس أو التعاون كما تفقد الإحساس بموقعها في نظام نوعها الاجتماعي؛ فالعاطفة عندها عمياء، أو غائبة تماماً، أما دموع الإنسان فهي علاقة انفعالية فريدة، لا يتمتع بها سوى البشر فقط، يثيرها النتوء اللوزي، والتركيب الدماغي القريب منه والتلافيف المحيطة به: فإذا ما كُبِحت هذه الدموع وجفت المآقي ساعد ذلك على تسكين هذه المناطق نفسها من المخ فتتوقف التنهدات، فمن دون النتوء اللوزي لا يتمتع البشر بنعمة الدموع التي تخفف الأحزان.
يبدو النتوء اللوزي في مخ الإنسان على شكل لوزة، وتتكون من تراكيب متداخلة تقع أعلى جذع المخ بالقرب من قاعدة الدائرة الحوفية.
علاقة الحب بنمو الدماغ:
لقد وجد الباحثون أنَّ الرُّضَّع الذين يُترَكون في المياتم دون وجود أمهات وآباء يقدِّمون لهم العطف والحنان يتأخر نموُّهم الجسدي والعقلي والعاطفي، ويصابون بالأمراض أكثر من أقرانهم، ومع أنَّ هؤلاء الأطفال تُعلَّق فوق أسرتهم الكثير من الألعاب المثيرة التي تصدر أصواتاً وألواناً مختلفة إلا أنَّهم لا يهتمون بذلك؛ لأنَّ ما يريده الطفل هو التفاعل العاطفي مع شخص يحبه ويقدم له العطف والحنان.
إنَّ أكثر الأمور إثارة فيما يتعلق بحاجة الطفل إلى التفاعل العاطفي منذ أسابيعه وشهوره الأولى هو أنَّ الدراسات الحديثة تشير إلى بطلان الاعتقاد القديم بأنَّ الارتكاسات المعرفية والعاطفية تكون منفصلة بعضها عن بعض عند الطفل؛ فالعلماء يعتقدون اليوم أنَّ الطفل عندما يتلقى المعلومات بواسطة حواسه فإنَّه يتفاعل معها عاطفياً ومعرفياً في الوقت نفسه.
فتبدأ جذور التفاؤل مثلاً بالتكون في نفس الطفل عندما يدرك أنَّ العطاء في هذه الحياة يقابَل بالعطاء، فهو عندما يبتسم لأمه وترد عليه بابتسامة مماثلة تصله الرسائل التالية: (عندما تعطي الحياة تعطيك) و(الحياة حلوة) و(أنا إنسان محبوب)، وعندما يتلقى الطفل هذه الرسائل تلقياً متكرراً من خلال التفاعل العاطفي مع من يحيط به، ينمو عنده الشعور بالتفاؤل والإقبال على الحياة، ويحمل هذا الشعور معه طيلة حياته.
النمو الانفعالي للطفل وأثره في تكوين الذكاء الانفعالي:
هناك أحوال اقتصادية واجتماعية وثقافية ودينية وعاطفية، وما إلى ذلك، لها تأثيرها في تكوين الذكاء العاطفي للطفل تأثير غير مباشر بتأثيرها في تكوينه الجسمي والنفسي والاجتماعي، كما تؤثر مباشرة بتكوين عواطف جديدة وإتاحة الفرص لتبلورها وتقديم الموضوعات التي تتركز حولها هذه العواطف ونماذج المواقف العاطفية التي يحذو الطفل حذوها في مواقفه أو يندفع إلى تجنبها في مواقف عاطفية مضادة.
1. الوضع الاقتصادي للأسرة وأثره الانفعالي:
يدخل في هذا الوضع مستوى معيشة الأسرة ودخلها المادي ومهنة أفرادها وموقع البيت ومحتواه ونوعيته ومدى ما يوفرِّه للطفل من لعب ومجال لممارسة نشاطاته المختلفة؛ فعاطفة الإعجاب بالأب تقوى بمدى قدرته على توفير التحكم في هذا الوضع أو تحسينه وعدِّ الذات تنمو في الطفل بقدر ما يجد الإمكانات المادية التي تُشعِره بوجوده وبكيانه المستقل كممتلكاته الصغيرة وغرفته الخاصة أو لعبه، وحبه للجمال يتأثر بمحتوى البيت وترتيبه.
لا يذهب الباحث خوالدة من هذا إلى أنَّ مثل هذه العواطف تنشأ حتماً في الطفل بتحسن الوضع الاقتصادي للأسرة، كما لا يرى الباحث خوالدة في الحالة المنافية أنَّ سوء الوضع الاقتصادي وحده يؤدي حتماً إلى انعدام مثل هذه العواطف في الطفل، ولكنَّه ينبِّه فقط إلى أهمية هذا الوضع كعامل من ضمن عوامل أخرى إلا أنَّه عامل لا يمكن إغفاله في تكوين العواطف وتوجيهها.
2. الوضع الاجتماعي للأسرة وأثره الانفعالي:
إنَّ لكل أسرة شخصيتها الخاصة داخل المجتمع، وهذه الشخصية في الأسر كما في الأفراد هي نظرة الآخرين إلينا وحكمهم علينا، وهنا تتداخل مكانة الأسرة في المجتمع من حيث رتبتها العلمية أو الطبقة التي تنتمي إليها وما تناله من درجات التشريف والإكبار أو الاحتقار والازدراء في المجتمع، فكل ذلك له تأثيره العاطفي الخاص في الطفل؛ لأنَّه في الوقت نفسه يُحدَّد للطفل نوعية العلاقات التي تربطه بأفراد أسرته وبأقاربها وأصدقائها وتُقدَّم له الرؤية الخاصة للأسرة التي يحكم من خلالها على الأشياء والموضوعات.
3. الوضع الديني للأسرة وأثره الانفعالي:
ينظر الباحث خوالدة إلى هذه العاطفة (أي العاطفة الدينية) على أنَّها حالة نفسية ثابتة “ومن ثم فهي موقف، ووجود العاطفة يدل نفسياً واجتماعياً على ثقة بالكون والذات عن طريق الثقة بالمصير.
الوضع الديني المستقر للأسرة يقدم للطفل هذه الثقة كأساس لتعامله مع ذاته ومع الكون ومع غيره وأنَّ نوعية تقديم الدين هي التي تجعل الفكر يبدو بمظهر البدائية أو الخرافية، وقد يكون الدين في هذه الحالة سبباً في زعزعة ثقة الفرد بنفسه وبالكون، فعندما تخالط مبدأ الدين شوائب الأساطير والخرافات والتفكير البدائي الذي يثقِّف الفرد بما يزرع فيه من بوادر الغربة عن الكون والرهبة منه أو يقتل فيه من روح المبادرة والشعور باستقلال الذات عن طريق القمع المتربص بكل مجهود انتقادي أو اجتهاد، يؤدي هذا إلى مظاهر مرضيَّة لهذه العاطفة.
4. الوضع الثقافي للأسرة وتأثيره الانفعالي:
يُعنى بالوضع الثقافي مستوى الوعي ودرجة الأسرة من التعليم، ويتجلى هذا فيما يحتويه البيت من أشياء جميلة وخزانة كتب ونشاط علمي للأبوين أو أفراد الأسرة ونوعية ما تمضي به أوقات الفراغ وما إلى ذلك.
فهنا مجال لتكوين وتنمية عواطف حب العلم والجمال والتعلق بالمثل العليا الفنية والثقافية، فهذا الوضع عندما يكون ملائماً، بالإضافة إلى ما يؤدي إليه من توسيع مدارك الطفل؛ يفسح له مجال التفاعل العاطفي مع الموضوعات الحية والجامدة، المعنوية والمادية سواء كانت من خلق الطبيعة أم من خلق الطفل وإبداعه.
5. الحالة العاطفية للأسرة وأثرها في تكوين انفعالات الطفل:
بقدر ما تسود علاقات الانسجام أو التنافر بين الأبوين من جهة وبينهم وبين الأبناء من جهة ثانية وبين هؤلاء جميعاً، وبين مَن يتصل بالأسرة من أقرباء وأصدقاء؛ بقدر ما تتوافر إمكانات النمو العاطفي للطفل في اتجاهات الكراهية والغيرة وما إليها من عواطف منافية أو في اتجاهات الحب والتعاطف وما إليها من عواطف ملائمة.
تنمية الذكاء العاطفي عند الأطفال:
تعليم الطفل معرفة أحاسيسه الخاصة وتنمية قدرته اللغوية للتعبير عن هذه العواطف هي الخطوة الأولى في تنمية الصحة العاطفية أو الذكاء العاطفي عنده، وهذا لا يعني مجرد أن يقول الطفل مثلاً إنَّه يشعر بالغضب أو الحزن، وإنَّما أن يكون أكثر تحديداً في وصف مشاعر غضبه أو حزنه وتزداد أهمية هذا عند التعامل مع المشاعر السلبية؛ وذلك لأنَّه يبدو أنَّ المشاعر الإيجابية تحسن التعبير عن نفسه، وأنَّ الصعوبة الكبرى هي في المشاعر السلبية، ويمكن للطفل لكي يتعلَّم، أن يصف مشاعره بقوله إنَّه يشعر بـ: الخوف – يعاقب لأمر متوقع – لا يقدَّر – يُستهزأ به – الملل أو الضجر – لا أحد يستمع إليه – يكثر الناس من انتقاده.
ويمكن أن يكون لمثل هذه المفردات والعبارات قدرة كبيرة عندما تخرج من فم طفل صغير؛ وذلك لأنَّ الطفل لم يتعلم بعد كيف يخفي مشاعره الحقيقة، ولكن بشرط أن تقع على أذن كبير راشد يحسن الاستماع والإصغاء، ومن ثم يحسن الاستجابة لما يقوله الصغير.
وعندما نعلِّم الصغير كيف يعبر عن مشاعره، فنحن في الحقيقة نعلِّمه كيف يتحمل مسؤوليته عن حاجاته العاطفية؛ فعندما يتعلَّم الطفل كيف يتعرف إلى حقيقة عواطفه ومن ثم يعبِّر عنها بكلمات، فإنَّنا بذلك نمكِّنه من امتلاك القدرة الذاتية للتعامل مع نفسه وحياته، وإذا ترافق هذا مع احترامنا لمشاعر الأطفال، وتعليمهم احترام مشاعر الآخرين، فإنَّ هذا يمكن أن يبشر بمستقبل أفضل تُحَل فيه المشكلات والخصومات بأسلوب سلمي بعيد عن العنف واستعمال القوة.
ومن الصفات الأساسية للذكاء العاطفي هي القدرة على التعاطف مع الآخر بالشعور بمشاعره وأحاسيسه، والطفل عادة وبشكل طبيعي وفطري يميل إلى التعاطف مع الآخرين، وما علينا سوى البحث عن طرائق للحفاظ على هذا التوجه الفطري وتنميته.
إنَّ الطفل بطبيعته يميل لاكتساب الأصدقاء وليس الأعداء، وكما نعلم أنَّ الأصدقاء يمكن اكتسابهم من خلال اكتشاف العوامل المشتركة معهم، وهذا ما يتم عن طريق تفهُّمهم والتعاطف معهم، ولكي نتفهَّم الآخرين تفهُّماً حقيقياً وسليماً فعلينا ألَّا نكتفي بسؤالهم عما يحدث، وإنَّما نسألهم سؤالاً محدداً عن مشاعرهم وموقفهم من هذه الأحداث.
لا ننس هنا الأثر الإيجابي والكبير لمثل هذه التجارب العاطفية الحسنة على قدرة الطفل على التعلم، فالطفل المطمئن يكون أقدر على اكتساب المعلومة وفهمها من الطفل الخائف أو المضطرب أو القلق.
إرساء الأسس العاطفية:
التعلم العاطفي يبدأ منذ لحظات الحياة الأولى، ويستمر طوال مرحلة الطفولة، فكل الأفعال الصغيرة المتبادلة بين الأبوين والطفل لها محتوى عاطفي ضمني، ومع تكرار هذه الرسائل على مر السنين، يتكون لدى الأطفال أساس رؤيتهم وقدرتهم العاطفية، ومن خلال هذه المواجهات النمطية بين الطفل والوالدين سوف تصوغ التوقعات العاطفية فيما بعد بالنسبة إلى علاقاتها ورُؤاها، التي ستشكل الصفة الغالبة لأدائها في شتى مجالات الحياة، سواء كانت نحو الأفضل أم نحو الأسوأ.
ومن المعروف أنَّ السنوات الثلاث أو الأربع الأولى، هي الفترة التي يتكوَّن فيها حوالي ثلثي حجم مخ الطفل، ويتطور خلالها في عملية تتسم بالتعقيد بمعدلات لا تحدث في السنوات التالية.
وخلال هذه الفترة تُغرس أنواع التعلُّم الأساسي باستعداد يفوق استعداد الفترات التالية في حياة الطفل، ويأتي التعلُّم العاطفي في مقدمة أنواع التعلُّم الأخرى، وخلال هذا الوقت، قد يفسد الضغط الشديد مراكز التعلُّم في المخ، ومن ثم يدمِّر الذهن، ومع ذلك، فمن الممكن أن يعالَج هذا الإفساد فيما بعد إلى حد ما، من خلال التجارب الحياتية، وكما جاء في أحد التقارير، أنَّ نتائج الدروس العاطفية التي يتلقاها طفل في السنوات الأربع الأولى، نتائج هائلة الأثر.
إنَّ الطفل الذي لا يستطيع تركيز انتباهه، ويتسم بالتشكك أكثر مما يتسم بالثقة، وبالحزن أكثر من التفاؤل، والذي يشعر بأنَّه مدمَّر أكثر مما هو محترم؛ الطفل المقهور بالقلق، المشغول بالخيالات المفزعة، الذي يشعر عموماً بالتعاسة؛ إنَّ مثل هذا الطفل ليست لديه فرصة على الإطلاق في أن يكون له نصيب أو يتطلع أن يكون له حظ في فرص الحياة المتعددة.
في الختام:
إنَّ الذكاء العقلي ورغم ما يمكن أن يحققه من سعادة وهناء إلا أنَّه يعدُّ صفة جامدة لا حياة فيها، ولاسيما إذا لم يعالَج بلمسات من الذكاء العاطفي ودفقات من المشاعر والأحاسيس الحية.
الذكاء العاطفي، سفاريني، ص26: “قد يمكِّنك الذكاء العقلي من الحصول على الوظيفة، ولكنَّ الذكاء العاطفي يجعلك ترتقي وتتقدَّم إلى الأمام”. أُجرِيت دراسة في الولايات المتحدة وأوروبا لمعرفة سبب فشل الكثير من الشبان والشابات وذوي المؤهلات العبقرية الواعدة، وكانت النتيجة: تدنِّي معدَّل الذكاء العاطفي، وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين؛ فالفشل غالباً ينشأ عن أسباب عاطفية، مثل: عدم فهْم مشاعر وأحاسيس الآخر، أكثر مما ينشأ عن نقص المؤهلات التقنية.
الذكاء العاطفي، سفاريني، ص 30: أخيراً يقول أزوباردي في الذكاء العاطفي: “تلك هي ثورة الألفية الثانية؛ إنَّها ثأر للمشاعر والانفعالات من الذين لا يحسبون لها حساباً، إنَّها نهاية التفكير البارد كالجليد والإدارة انطلاقاً من الأرقام والإحصائيات واتخاذ القرارات البعيدة عن أرض الواقع”.
فالمستقبل سيشهد نهوض قيم جديدة هي الحدس والرقة والتعاطف والتشاور والمشاركة الواعية، وعلى هذا الأساس ستتم تسوية المشكلات الكبرى والصغرى والمستقبل سيكون لأولئك الذين يملكون معدلات ذكاء عاطفي مرتفعة.