ابراهيم محمد الهنقاري
غيب الموت يوم امس اخر السياسيين التاريخيين العرب.
رحل عن دنيانا الفانية الرئيس الجزائري السيد عبدالعزيز بوتفليقة تلك الشخصية الغامضة و المرحة والمثيرة للجدل على كل المستويات. الجزائرية والعربية والدولية. فعلى المستوى الجزائري كان من اوائل الذين انضموا الى جيش التحرير الوطني الجزائري الذي التحق به وهو في التاسعة عشرة من عمره ثم صار واحدا من ضباطه.
كانت مشاركته الاولى في الحكومة الجزائرية وهو في الخامسة و العشرين من عمره وزيرا للشباب والرياضة والسياحة ثم تولى وزارة الخارجية عام ١٩٦٣. ثم انضم الى حركة العقيد هواري بومدين في انقلابه على الزعيم التاريخي للثورة الجزائرية السيد احمد بن بلة طيب الله ثرى الجميع عام ١٩٦٥. ثم شغل لسنوات عديدة منصب وزير الخارجية فكان هو المؤسس للدبلوماسية الجزائرية وكان هو راعيها خلال فترة طويلة من عمر الدولة الجزائرية المستقلة حيث كان له دوره الذي يذكره له التاريخ في الدفاع عن المصالح الوطنية الجزائرية وفِي معظم الاحداث الدولية والعربية بما كان فيها من النجاحات و من الاخفاقات. حيث ترأس الجمعية العامة للامم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية وكان له دوره الكبير في دعم اتحاد المغرب العربي و الجامعة العربية ولاسيما في اسوا تلك الفترات وهي الفترة التي اعقبت نكبة الخامس من يونيو (حزيران) عام ١٩٦٧.
وكانت تلك هي الفترة التي تعرفت خلالها على هذه الشخصية الجزائرية التي كانت تجتمع فيها كل الصفات المتناقضة. الجد و الهزل. و الفرح و الحزن. و حب الحياة والخوف من الله. و الصرامة و المرح. كان محبا و راويا للنكتة احيانا و صارما لا يضحك ولا يبتسم احيانا اخرى.!! هل كان هو الجزائري النموذجي. !؟ الله أعلم.!!
قدر لي في تلك الفترة الحرجة من التاريخ العربي الحديث عقب هزيمة الخامس من يونيو ١٩٦٧ و ما قبلها بقليل ان اشارك في معظم اللقاءات العربية الرسمية التي دعت اليها الجامعة العربية او بعض الحكومات العربية من مؤتمر وزراء النفط العرب في بغداد الى مؤتمر القمة العربية الثالثة في الخرطوم وما بينهما من اللقاءات العربية في الكويت و لبنان و القاهرة و اخيرا الخرطوم على مستوى وزراء الخارجية و وزراء المالية و الاقتصاد و محافظي البنوك المركزية العربية في اكثر من عاصمة عربية.
التقيت و تعرفت خلالها على معظم القادة و السياسيين العرب حينها وكان من ابرز من عرفت منهم السيد المرحوم عبدالعزيز بوتفليقة وزير خارجية الجزائر و رئيس وفدها الى معظم تلك اللقاءات او ما تسمى بالمؤتمرات.
وكانت فترة انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب في الخرطوم هي الفترة التي سمحت لي بالتعرف اكثر على هذه الشخصية الجزائرية بالغة التعقيد. سواء خلال الاجتماعات الرسمية او خلال اللقاءات الخاصة مع وزراء الخارجية العرب التي حضرتها مع الصديق العزيز المرحوم الدكتور أحمد البشتي وزير الخارجية الليبي في عهدها الملكي الزاهر. وكان يحرص على حضوري معه حتى في الجلسات المغلقة للوزراء لان الهدف الرئيسي لذلك المؤتمر ليس فقط التمهيد لمؤتمر اللاءات الثلاثة المعروفة لا تفاوض ولا صلح ولا اعتراف بإسرائيل بل كان الهدف الاكبر هو توفير الدعم المالي الكبير للدول العربية الثلاثة المتضررة من العدوان حتى تنهض من جديد و تعمل على “ازالة اثار العدوان” وهو الشعار الذي رفع في تلك الايام الصعبة من ايام العرب. وكانت الدول العربية المطلوب منها توفير هذا الدعم هي الدول العربية الكبرى المنتجة للنفط حينها وهي ليبيا و الكويت و المملكة العربية السعودية. ومن هنا جاءت مشاركتي ضمن الوفد الليبي حيث كنت وكيلا مساعدا للوزارة و احد المسؤولين عن قطاع النفط الليبي في تلك السنوات العجاف. وكان السيد رئيس الوفد الليبي و الوفد الليبي كله حريصا على تنفيذ توجيهات الملك الصالح السيد محمد ادريس المهدي السنوسي و حكومته بضرورة مساهمة ليبيا بما يلزم في ذلك الجهد العربي الكبير كواجب قومي وليس كمنحة او كهبة.
اتيح لي خلال تلك الاجتماعات في العاصمة المثلثة الخرطوم حضور العديد من اللقاءات الخاصة التي جرت على هامش مؤتمر وزراء الخارجية العرب مع السيد محمد احمد محجوب رئيس الحكومة و وزير الخارجية السوداني و رئيس الموتمر و شارك فيها الدكتور احمد البشتي وزير خارجية المملكة الليبية والسيد احمد العراقي وزير خارجية المغرب و الدكتور ابراهيم ماخوس وزير خارجية سوريا وكلهم اطباء والسيد عبدالعزيز بوتفليقة وزير خارجية الجزائر. رحم الله منهم من انتقل الى جوار الله وامد الله في عمر من لايزال منهم بيننا.
امتدت رئاسته للجمهورية الجزائرية عشرين عاما بين عامي ١٩٩٩ و ٢٠١٩ عرفت الجزائر خلالها فترة من الاستقرار و لكنه تعرض لمحاولة اغتيال يوم ٦ سبتمبر ٢٠٠٧ ولكنه نجا منها .
كانت له مواقفه الوطنية و الشجاعة في الدفاع عن القضايا العربية وعن قضية فلسطين. وكان له دوره المشهود في ذلك سواء في قاعات الجامعة العربية او في قاعات الامم المتحدة او في قاعات منظمة الوحدة الافريقية.
رحل السيد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة و بقيت الذكريات و المواقف.
ادعو الله أن يتقبله برحمته الواسعة و ان يدخله فسيح جناته و ان يجازيه خير الجزاء لما قدم لوطنه الجزائر سواء خلال سنوات الجهاد و التحرير او خلال سنوات البناء و التنمية. وما قدمه من الخدمات الجليلة للامة العربية و لافريقيا و للعالم .
” كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الاكرام. “
احر التعازي للشعب الجزائري الشقيق و للامة العربية في وفاة هذا القائد الجزائري والعربي. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا:
إنا لله و إنا إليه راجعون.
كاتب ليبي
Source: Raialyoum.com