الرد المبين على مقال”طبيعة الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين”

نشرت مجلة أزاهر في عددها الخامس والخمسين مقالا للكاتب الشهير فهمي هويدي بعنوان" طبيعة الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين" استنكر فيه الحكم بالكفر على العلمانية، وشنع على من يكفر العلمانيين، ورآى أن الخلاف بين الإسلاميين الذين يعتقدون أن الإسلام دين ودولة، والعلمانيين الذين يرونه دين ولا دخل له با

Share your love

د. عدنان أمامة

        نشرت مجلة أزاهر في عددها الخامس والخمسين مقالا للكاتب الشهير فهمي هويدي بعنوان” طبيعة الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين” استنكر فيه الحكم بالكفر على العلمانية، وشنع على من يكفر العلمانيين، ورآى أن الخلاف بين الإسلاميين الذين يعتقدون أن الإسلام دين ودولة، والعلمانيين الذين يرونه دين ولا دخل له بالدولة، خلاف فقهي فرعي سهل، ولا تعلق له بأصول الدين ولا بعقائده، ولا يلحق به تكفير ولا تفسيق ولا تأثيم، ورآى أن الخلاف بين الفريقين دائر  بين الخطأ والصواب، وليس بين الحق والباطل والكفر والإيمان، ولا يصح أن يكون سبباً لشق صف المسلمين، ولا أن يؤدي بهم إلى التناحر والتهاجر فضلا عن التفسيق والتكفير،  واستند في دعواه تلك إلى نصوص نقلها عن بعض الأئمة السابقين بترها من سياقها وأسقطها في غير موضعها بصورة من أبشع صور تحريف الكلام، وتقويل أصحابه ما لم يقولوه. إذ نقل كلاماً لجملة من العلماء السابقين متعلقاً بإنكارهم  على الشيعة الإمامية غلوهم في مسألة الخلافة والإمامة، واعتقادهم أنها مثل مرتبة النبوة ينص الله فيها على اسم الامام، وأن الايمان بذلك ركنا من أركان الدين، وقرر أولئك العلماء أن الخلافة والسلطة ليس منصبا إلهياً يتم النص فيه على اسم الإمام من الله، بل هو من المسائل المتروكة لاختيار أهل الحل والعقد في الأمة الإسلامية يختارون له من يرونه الأصلح، وشنعوا على الشيعة تكفيرهم للصحابة الذين اختاروا أبا بكر رضي الله عنه للخلافة وعدم تنصيب علي رضي الله عنه.

 

 فاستبط الكاتب من عدم تكفير العلماء لمنكر الإمامة في علي رضي الله عنه وأولاده  أن هؤلاء العلماء لا يكفرون من ينكر حاكمية الشريعة من أصلها، ولا يرون  التشنيع على يقول: “أن الاسلام لا علاقة له بالسلطة والحكم”.

 

   كما استند الكاتب في ادعائه عدم كفر العلمانية والعلمانيين إلى موقف العلماء المعاصرين من الشيخ علي عبد الرازق الدي ادعى في كتابه ” الإسلام وأصول الحكم” أن الاسلام  دين لا علاقة له بالدولة، ولا بالسياسة وتنظيم شؤون الحياة، وأنه مجرد علاقة روحية بين العبد وربه، فزعم الكاتب أن علماء الأزهر لم يكفروه بسبب قوله بعلمانية الإسلام، ولم يتهموه بإيمانه وعقيدته، واكتفوا بإخراجه من زمرة العلماء.

 

 والحقيقة أن أقل ما يقال بشأن مزاعم الكاتب واستدلالاته: إنه استغفال للقراء، إن لم نقل إنه استهبال لهم، واستخفاف بعقولهم، وافتراء على أئمة الدين وتقويلهم ما لم يقولوه، وتحريف لكلامهم عن موضعه، فالعلماء الذين نقل عنهم قولهم: إن الخلافة ليست من أصول الدين وعقائده لم يقصدوا أبدا أن الدين لا دخل له بالحكم، ولم يدر بخلدهم أن من ينكر تضمن الإسلام لأحكام السياسة والاقتصاد والاجتماع والأسرة وغيرها من شؤون الحياة، هو مسلم كامل الإسلام والإيمان، وأن إنكاره ذلك لا يضر بدينه، ولا ينقص من تدينه، وقربه من الله تعالى،  وأنه لا يجوز تكفيره ولا تفسيقه ولا تبديعه، لكن الدي  قصده العلماء الذين نقل الكاتب كلامهم، أن من يتولى الحكم والسلطة في الإسلام يجري اختياره من قبل أهل الحل والعقد من المسلمين، وليس اصطفاء واجتباء من الله، ووحياً ينزل به جبريل من عند الله كما هو حال الأنبياء، وأن منكر إمامة أحد الأئمة الإثني عشر ليس كمنكر نبوة أحد الأنبياء، كما زعمت الشيعة، ولم يقل أحد منهم إن مسألة شمولية الشريعة لكل شأن من شؤون الحياة من المسائل الفقهية الفرعية، والخلاف بشأنها يبقى في إطار الصواب والخطأ، وليس في إطار الإيمان والكفر، بل هذا من الكذب عليهم، واتهاهم بالباطل، أذ هل يجهل عامي من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم أن من أخص خصائص التوحيد إفراد الله بالحكم، وأنه لا حكم إلا لله، وأن الشريعة الإسلامية أحاطت بجميع أفعال الإنسان إحاطة تامة شاملة ، وأنه لا يقع للإنسان شيء في الماضي ولا يعترض الإنسان شيء في الحاضر ولا يحدث للإنسان شيء في المستقبل إلا  وللشريعة الإسلامية حكم في ذلك، وأن القرآن نص على تفاصيل الأحكام في مجال الحدود والتجارة والسياسة والأسرة والاجتماع وغيرها قال تعالى : “ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء”؟ وأن  منكر ذلك منكر لمعلوم من الدين بالضرورة، وأن الإجماع منعقد عبر عصور الإسلام المتعاقبة على كفر من ينكر أمراً معلوماً من دين الله بالضرورة، وإذا كان العلماء قد نصوا على كفر من ينكر حد الزنى الثابت بالقرآن، أو حد السرقة، فكيف بمن ينكر الحدود كلها، بل ينكر علاقة الإسلام من الأصل بشؤون الحياة ؟. وإذا  كان رفض الأحكام والتشريعات القطعية في الإسلام  ليس كفراً  ولا ردة عن الدين، فهل للكاتب المحترم أن يخبرنا أين هو الكفر في العالم ومن هو الكافر يا ترى؟

 

  أما استدلال الكاتب على عدم كفر العلمانية بموقف علماء الأزهر من علي عبد الرازق القائل بعلمانية الإسلام ففيه مغاطة كبيرة، لأن العلماء لم يكونوا في موقع السلطة القضائية، ولم يكن هدف لقاء العلماء بالشيخ المذكور  أصدار الحكم عليه وتنفيد مقتضى الحكم به، بل كان الهدف كشف شبهاته ورده الى الحق والصواب، وهم يفرقون بين كفر العلمانية المتفق عليه، وكفر القائل بها حتى تقام عليه الحجة وتكشف عنه الشبهة، علما أن بعض كبار العلماء قد أفتى بردته  منهم الشيخ محمد شاكر، والشيخ يوسف الدجوي، والشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية، والشيخ محمد رشيد رضا. وإذا كان الكاتب يقرأ في موقف علماء الأزهر السابق عدم تكفيرهم للعلمانية والعلمانيين فماذا يقول عن اجتماع كلمة علماء المجامع الفقهية في العالم الإسلامي كله على عد العلمانية ردة وأحاداً ومروقاً من الدين.

 

وفي الختام  أربأ بإخوتي المشرفين على إدارة مجلة أزاهر أن ينشروا مثل هذه المقالات التي تعتدي على ثوابت الدين، وتنسف قطعيات الشريعة، والتي قد تتسبب بضلال بعض قراء المجلة من قليلي الثقافة الإسلامية، ويقعوا في الفتنة كون مثل هذه المقالات تنشرها مجلة تمثل مرجعية إسلامية وصرحاً علمياً مرموقاً.

Source: www.almoslim.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!